الجمعة 27 أيار (مايو) 2016

ليبرمان يقيد المقيد ويكبل المكبل

ليبرمان خيال مآتة حكومة نتنياهو
الجمعة 27 أيار (مايو) 2016 par د. مصطفى يوسف اللداوي

- ليبرمان يقيد المقيد ويكبل المكبل

نجح أفيغودور ليبرمان وحزبه “إسرائيل بيتنا” في تحقيق الكثير من المطالب التي كان يتطلع إليها، والتي عجز عن تحقيقها في حكومات نتنياهو الثانية والثالثة، والتي بسبب عجزه عن تحقيقها سابقاً، اعتذر عن المشاركة في الحكومة الرابعة الأخيرة التي أعلن بموجب الاتفاق الجديد انضمامه إليها، ولكنه ينضم إليها من موقع القوة والغلبة وزيراً للأمن لا وزيراً للخارجية، بعد تحقيق الكثير مما كان ينادي به ويطالب، الأمر الذي أظهره في المعركة منتصراً، وفي المفاوضات قوياً، وعلى الشعب حريصاً، وعن حقوق المهاجرين الروس تحديداً مدافعاً، وعلى مصالحهم أميناً، وبالرئاسة الأولى في المستقبل جديراً.

بدا أفيغودور ليبرمان وفريقه المعاون وكأنه كان يفاوض خصماً ونداً لتغيير دستورٍ وإعدادِ ميثاقٍ، وصياغةِ عقدٍ جديدٍ للكيان الصهيوني، يختلف عما سبق، ولا يشابه ما مضى، يسور به الدولة ليهودية، ويحفظ به حق شعبها في أرض فلسطين التاريخية، ويحول دون التفريط في أي جزءٍ مما يعتقد أنه حقهم الموروث، وملكهم الموعود، فقد أملى على نتنياهو التمسك بيهودية كيانهم والمباشرة في إعلان الهوية والعمل بموجبها، ممهداً بذلك لطرد الفلسطينيين من مناطقهم، وتطهير كيانهم منهم، وإحلال آخرين مكانهم، خاصةً أن الصفقة التي وقعها نصت على أن يكون وزير الاستيعاب من حزبه، وهي الوزارة التي تعنى بالمستوطنين وتهتم بشؤونهم.

واشترط ليبرمان على حق الإسرائيليين في الشتات في التصويت والانتخاب، وأن يكون لهم دورٌ في اختيار ممثليهم في الكنسيت، وأن تمنح وزارة الاستيعاب التي سيتولاها أحد أعضاء حزب “إسرائيل بيتنا” الحق في العمل في الشتات لتشجيع الهجرة وجمع التبرعات لتعويض المهاجرين اليهود ومساعدتهم، وأن يكون من صلاحياته تشكيل لجانٍ وزارية وأخرى مختصة للعمل في مجال استيعاب المهاجرين وزيادة أعداد الوافدين، وحتى يتحقق هذا الهدف فقد فرض طرح موازنة لسنتين لتغطية برامج الاستيعاب.

ونص الاتفاق بينهما على وحدة أرض إسرائيل الكاملة، وسيادتها على كامل الوطن القومي والتاريخي للشعب اليهودي، وأن هذا الحق مقدس وغير قابل للتقسيم أو التفريط فيه، بعاصمته القدس الموحدة، وفي حال التوصل إلى أي اتفاقٍ مع الفلسطينيين أو العرب، فإنه ينبغي عرض هذا الاتفاق على الكنيست أولاً للتصويت عليه، ثم على الشعب لاستفتائه والأخذ برأيه، شرط ألا يخالف الاتفاق ابتداءً أي بندٍ من بنود التحالف، فبدا ليبرمان بهذا الاتفاق وكأنه الوصي على الحقوق التاريخية للشعب اليهودي والأمين عليها، وأكدت بنود الاتفاق على جواز ضم أي منطقة أو مستوطنة إلى حدود الكيان، إذا تطلب الأمن ذلك، أو فرضها واقع التوسع السكاني والكثافة الاستيطانية .

وبموجب الاتفاق فقد أصبح نائب رئيس الكنسيت الإسرائيلي من حزب “إسرائيل بيتنا”، وسمي آخرون أعضاءً في اللجنة الاقتصادية التابعة للكنسيت، وفي المجلس الوزاري المصغر للشؤون الاجتماعية والاقتصادية، وفي اللجنة الوزارية لشؤون الرموز والمراسم، وفي اللجنة الوزارية للتشريع وغيرها، وبذا يكون أفيغودور ليبرمان الذي يتمثل حزبه في الكنيست بستة أعضاء فقط، قد انتشر وتمدد في أكثر من مكانٍ وموقعٍ في الحكومة والكنيست، وفي غيرهما من مواقع القرار والسلطة الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والتشريعية، ليحصن بذلك وجوده، ويضمن تحقيق شروطه.

كثيرةٌ هي المطالب التي حققها ليبرمان من بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم، الذين خضعوا مثله لابتزازات حزب “إسرائيل بيتنا” ورئيسه، الذي يعلم مدى حاجة نتنياهو له ليوسع قاعدته البرلمانية، ويزيد عدد الأعضاء المؤيدين لحكومته، إذ أن عددهم 61 نائباً فقط، وهو الأمر الذي يجعل حكومته ضعيفة وغير مستقرة، لكن بانضمام ستة نواب جددٍ، فإن تأييد حكومته يرتفع إلى 67 نائباً، الأمر الذي من شأنه أن يمنح الحكومة استقراراً وثباتاً، ولكنه يخضع رئيسها لابتزازات وضغوط وشروط الأحزاب المشكلة لحكومته، والتي كانت أربعة ثم أضحت بالاتفاق الجديد خمسة إلى جانب حزب الليكود الأم.

ها قد نجح ليبرمان في الحصول على ما يريد، وتمكن من تقييد خصمه بقيودٍ وأغلالٍ كثيرة، فهل ينجح في إدارة المستقبل وتحقيق الأهداف التي يتطلع إليها، وهو الذي فشل لمرتين سابقتين في إدارة وزارة الخارجية التي أخضعت له، وسلمت إليه، فتسبب برعونته في التضييق على سفارات كيانه، وأفسد علاقاته الخارجية، وعطل الاجتماعات التضامنية معه، ودفع نظرائه إلى الابتعاد عنه وعدم دعوته، وتعمد عدم لقائه أو الاحتكاك به، ثم غادر الوزارة برصيدٍ كبيرٍ من الفشل والعجز والكره، حتى أن الطواقم الدبلوماسية الإسرائيلية قد اشتكت منه، وأبدت استياءها من أسلوبه ومن طريقة معاملته، وامتنع بعضها عن التعامل معه أو تلقي التعليمات منه، واستعاضت عنه بالاتصال بمكتب رئيس الحكومة.

لعل البعض يقول بأن المسافة بين نتنياهو وليبرمان محدودة، أو أنها معدومة أصلاً، ولهذا فقد قبل بالقيود ورحب بالأغلال، وسعد بالشروط، فهما يتشابهان في الفكر والسياسة، وفي العقيدة والإيمان، ولكن الأول متلونٌ كذابٌ، ومنافقٌ محتال، بينما الثاني واضحٌ وصريحٌ، لا يتردد في الكشف عن مواقفه، أو بيان سياسته، فهو أسودُ الوجه كالحٌ بشعٌ، فظ الخلق خشن اللفظ سليط اللسان، لا يفهم في الدبلوماسية ولا يراعي أصول اللياقة واللباقة وحسن التعامل، لكن حقيقة الرجلين واحدة، وسياسات الحزبين متشابهة، ولا فرق بينهما سوى في التعبير عنها، لكنهما معاً يسعيان لتحقيق ذات الأهداف، وما الاختلافات بينهما إلا شكلية أو وهمية أحياناً، لا تستند إلى واقع، ولا تعتمد على حقيقة.

- ليبرمان خيال مآتة حكومة نتنياهو

يبدو أن بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني يريد أن يخوف الفلسطينيين والعرب بأفيغدور ليبرمان، وأن يجعل منه خيال مآتةٍ في حقل سياسته، وينصبه ليخيف به أكثر من جهة، ويدب عنه أكثر من طرف، إذ ينوي تعيينه وزيراً للحرب خلفاً لموشيه يعالون الذي ترك التحالف مغاضباً، وغادر الحكومة والكنيست مستقيلاً، بعد خلافٍ علنيٍ مع رئيس حكومته على خلفية تأييده لنائب رئيس أركان جيشه الذي عبر عن انزعاجه من النزعة الشعبية الإسرائيلية، التي تجنح بعواطفها وتصرفاتها نحو النازية، فأبدى يعالون تأييده له، واستنكر المعترضين عليه والمخالفين له، ثم كشف عن معارضته لسياسة رئيس حكومته في التعامل مع الملف الفلسطيني من مختلف الجوانب، قبل أن يعلن عدم تأييده المطلق لسياسته التي تضر بالدولة والشعب، وأنه سيتسبب بسياسته في كارثة للشعب اليهودي.

ليبرمان ليس جديداً على الحلبة لسياسية الإسرائيلية، وأفكاره ليست جديدة علينا، فنحن والعرب جميعاً وغيرنا نعرفه جيداً، ونفهم عقليته وندرك عنصريته، وقد جربناه وخبرناه، واختبرناه وامتحناه، كما أن سياسته ومفاهيمه ليست خفية عن نتنياهو، فقد سبق أن كان وزيراً للخارجية في حكومةٍ سابقةٍ قبل أن توجه إلى جملة من الاتهامات أخضعته لتحقيقات الشرطة، وأجبرته على الانسحاب من الحكومة مرغماً، علماً أن حزبه “إسرائيل بيتنا” الذي كان الثالث في بين الأحزاب الإسرائيلية عندما كان ضمن الائتلاف الحاكم، قد تراجعت أسهمه ونقصت مقاعده البرلمانية، وأظهر الإسرائيليون عزوفاً عنه، وآثروا التصويت لأحزابٍ أخرى، ربما لا تقل عن حزب “إسرائيل بيتنا” راديكالية وتطرفاً.

فهو يدعو إلى طرد الفلسطينيين من مدنهم وبلداتهم في عكا ويافا والقدس والنقب وطبريا وشمال فلسطين، وتطبيق الأحكام العسكرية عليهم، والتعامل معهم كإرهابيين محتملين، ومعاقبة ذوي المتورطين منهم بهدم بيوتهم ومصادرة ممتلكاتهم، وتغريمهم غراماتٍ باهظة، ويطالب بنزع الجنسية الإسرائيلية عنهم، وضم مناطقهم إلى الكيان الصهيوني، وهو الذي دعا وسعى لإخراج الحركة الإسلامية عن القانون وحظر العمل باسمها.

كما أنه يرفض الاعتراف برئيس السلطة الفلسطينية شريكاً له في عملية السلام، ويتهمه بالتقصير والإهمال، ويحمله المسؤولية عن الانتفاضة وانتشار أعمال العنف في المناطق، ويرفض مواصلة المفاوضات السلمية معه، ويدعو إلى فرض أمرٍ واقعٍ بالقوة ومن طرف واحدٍ فقط، دون الحاجة إلى التشاور أو التفاوض مع أي طرفٍ فلسطيني أو عربي آخر، كما يرفض الاعتراف أو القبول بمبادرة السلام العربية، ويرى أنها تتماشى مع المصالح العربية والفلسطينية وتضر بالمصالح الإسرائيلية، ذلك أن كيانه لم يعد بحاجةٍ إلى الدول العربية، التي باتت جميعها تخطب ود حكومة كيانه.

وهو الذي دعا إلى قصف السد العالي وتدميره، وإغراق مصر بمياهه، ومن قبل سعى إلى تشكيل تحالفٍ مائي ضد مصر، حيث كثف جهوده الدبلوماسية مع العديد من الدول الأفريقية، خاصةً تلك التي تشترك مع مصر في حوض النيل، وشجع أثيوبيا لإعادة دراسة سد النهضة الذي وضعت مخططاته في ستينيات القرن الماضي، وما زال يفكر في كيفية محاصرة مصر وإن كانت ترتبط مع كيانه باتفاقية سلام، وقد رفضت القاهرة استقباله، وامتنعت عن توجيه الدعوة إليه، استنكاراً لتصريحاته ورفضاً لمواقفه.

كما أنه نفسه الذي أحرج رئيس حكومته مع العديد من الحكومات الأوروبية التي سفهها وأساء إليها، وعرض علاقاتها بكيانه للخطر، واستخف بجهودها في دعم بلاده، واتهمها بدعم الفلسطينيين واعتماد سياسية “عنصرية” تجاه مواطني كيانه، حتى أن بعض وزراء الخارجية الأوروبيين رفضوا استقباله، وتعمدوا عدم مشاركته في أي فعالياتٍ عامة.

رغم هذا فإن نتنياهو الذي قبل استقالة يعالون، أو بتعبيرٍ أدق دفعه إلى تقديم استقالته من وزارة الحرب، إذ عرض عليه وزارة الخارجية التي يديرها بنفسه، إلا أنه رفض عرضه وأصر على تقديم استقالته من الحكومة والكنيست معاً، يبدو ماضياً في محاولته إلحاق ليبرمان بائتلافه الحاكم، وتعيينه وزيراً للحرب، وربما سيوافقه على قانون إعدام المقاومين الفلسطينيين، ليقول لفرنسا أن حكومته ترفض المشاركة في المؤتمر الدولي الذي دعت إليه، ولا ترى أي داعٍ أو مبرراتٍ لانعقاده، كما أنها لا ترحب بالمساعي الفرنسية لرعاية الحوار الإسرائيلي الفلسطيني، ولا تقبل بها بديلاً عن الرعاية الأمريكية.

كما يتطلع نتنياهو من خلال تحالفه مع “إسرائيل بيتنا” ورفض تحالفه مع حزب “المعسكر الصهيوني” إلى رفض استئناف الحوار مع الفلسطينيين، إذ لا يرغب في استكمال مسار المفاوضات، ولا يقبل بالمآلات التي تتطلع إليها السلطة الفلسطينية والتي قد يتوافق عليها نسبياً حزب “المعسكر الصهيوني”، فهو يرفض بتعيينه ليبرمان وزيراً للحرب إقامة دولةٍ أو كيانٍ فلسطيني، ويتطلع نحو إعادة تمزيق الممزق من الأرض الفلسطينية ومضاعفة تفتيتها وتشتيتها ليصعب أو يستحيل طرح حل الدولتين.

كما يريد أن يقول للفلسطينيين عموماً ولجيل الانتفاضة الصاعد، أن ليبرمان قادم، ومعه مشروع إعدام كل “متطرفٍ وإرهابي”، إذ سيوافقه على إعدام كل فلسطيني ثبت عليه تهمة قتل مواطنين إسرائيليين، وكأنه يدعو الفلسطينيين إلى التخلي عن مقاومتهم، والتوقف عن انتفاضتهم، إذ أن رد الفعل الإسرائيلي هذه المرة سيكون مختلفاً جداً في ظل وجود ليبرمان على رأس وزارة الحرب الإسرائيلية.

هل سينجح أفيغودور ليبرمان في أن يكون خيال مآتةِ نتنياهو، وفزاعته التي يخيف بها خصومه، أم سيكون عصاه بجد، يضرب به ويبطش، ويقتل ويغتال ويصفي، ويقتحم ويجتاح ويصنع به الحروب والمعارك، في الوقت الذي سيخضع فيه لشروطه وسياسته، وسيلتزم ببرنامجه وينفذ خطته.

أياً يكن حال حكومة نتنياهو بعد التحاق ليبرمان به، فإن الفلسطينيين وهم أساس المعركة وفيصل خطاب الحرب والسلام، لن يخافوا ولن يرتعدوا، ولن يفت في عضدهم بطشه، كما لن ترهبهم تهديداته، فقد سبقه من قبل من هو أشد بطشاً وأسوأ نفساً، إذ تولى أرئيل شارون وزارة الحرب ثم رئاسة الحكومة، فماذا كان من أمره بعد أن دمر وخرب واجتاح وقتل وأسر واغتال، سوى الانسحاب من قطاع غزة، والنزوع نحو الاعتدال والوسطية، والتخلي عن حزب الليكود المتشدد وتشكيل حزب كاديما الذي وصف حزب الوسط.

لا أظنه إلا ثوراً يطوف حول الحلبة، ويدخلها هائجاً ثائراً، ينطح ويدوس ويرفس، ويضرب ويركل وبقرنه يطعن، ولكن نهايته سهامٌ تنغرس في ظهره، وحرابٌ تخترق جسده، وأدواتٌ حادةٌ تفصل رأسه وتقطع أطرافه، ذاك هو حال ثيران المصارعة التي تشبه كثيراً في هيجانها أفيغودور ليبرمان.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 40 / 2177874

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع د.مصطفى اللداوي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177874 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40