يعالج كتاب كاي بيرد، “الجاسوس الجيد: حياة وموت روبرت آميز”، سيرة آميز؛ المسؤول في المخابرات الأميركية (سي. آي. إيه) في السبعينيات، والذي كان يعمل في العالم العربي. ويتعلق جزء كبير من الكتاب باتصالات المخابرات الأميركية مع منظمة التحرير الفلسطينية، ومحاولة التوصل لاتفاق معها لوقف الكفاح المسلح.
سأعود للكتاب ومضامينه السياسية لاحقا. لكن ربما يجدر حتى ذلك الوقت الإشارة لمعلومة في الكتاب، هي عجز المخابرات الأميركية عن تجنيد أي عنصر قيادي في الفصائل الفلسطينية. بل يورد معلومات عن عناصر عاديين قليلين جدا، أقل من عدد أصابع اليد الواحدة، عملوا مع المخابرات الأميركية وكانوا ضمن الفصائل الفلسطينية. ويوضح الكتاب أنّه عندما ظن ضباط مخابرات أميركيون أنّ علي سلامة (أبوحسن)، الذي كان قائد ما يعرف بـ“القوة 17”، مسؤول حرس الرئاسة، وأحد أهم القيادات الأمنية الفلسطينية، قد يقبل التجنيد، لأنه وافق على الحوار معهم، بموافقة ياسر عرفات، غضب أبو حسن وأوقف الحوار، وكانت ثورته عارمة وهو يرفض “شيكا” موقعا من دون رصيد، ليحدد هو المبلغ الذي يريد. وقال لزوجته: “لا يوجد شيء أريده لا تعطيني إياه الثورة”، ولم يقصد البعد المالي (رغم أنّه كان معروفاً بحبه للحياة المرفهة)، بل البعدين الوطني والمعنوي.
لكن سلسلة اغتيالات ارتكبها الإسرائيليون ووثقها الكتاب، مقدماً أيضاً بعض معالم الحياة الشخصية لهؤلاء.
أحد الشخصيات هو باسل الكبيسي، الشاب العراقي العضو في قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وللكبيسي كتاب شهير، هو أطروحته للدكتوراه عن “حركة القوميين العرب”، التي قدمها في جامعة واشنطن العام 1971. درّس الكبيسي في الجامعة الأميركية ببيروت، وكان يتقن العربية والإنجليزية والفرنسية. ويخبرنا الكتاب أنّ أمين عام الجبهة الشعبية، جورج حبش، يعتبره من أهم المفكرين الشبان الواعدين، وقد أرسلته الجبهة في ربيع العام 1973 إلى باريس، ضمن مساعٍ لتقديم فكرها لليسار الأوروبي، وكانت ميزانيته هناك محدودة. ولذلك، بحسب أحد الشهود، كان يفضل التنقل على قدميه في باريس توفيراً لنفقات المواصلات. وفي مساء 6 نيسان (أبريل) 1973، واجهه عميلان للموساد الإسرائيلي، مزودان ببنادق “برتا” مع كواتم صوت قرب الفندق الذي ينزل فيه، فصرخ عندما رآهما “لا، لا، لا”، ولكنهما عاجلاه بتسع رصاصات قتلته، قبل أن يتم الأربعين من عمره.
كما قتل الموساد وائل زعيتر، الذي يشيع القول إنّه كان ممثل منظمة التحرير في روما، وكان في السادسة والثلاثين من عمره، في تشرين الأول (أكتوبر) 1972. ولكن بحسب الكتاب، كان زعيتر في الحقيقة، مترجما غير متفرغ في السفارة الليبية، وأجره منخفض لدرجة أنّ هاتفه قطع قبل اغتياله. وكان عاكفاً وقتها على إعداد ترجمة باللغة الإيطالية لكتاب “ألف ليلة وليلة”. وبعد ذلك بشهر، اغتيل محمود الهمشري، ممثل المنظمة في باريس. وبينما يذكر الكتاب أنّه اغتيل بوضع عبوة متفجرات في هاتف بيته، تذكر مصادر أخرى أنّ العبوة زرعت قرب الهاتف.
بعيداً عن الكتاب، نتذكر أنّه في العام 1972، كان اغتيال الروائي والقاص غسان كنفاني. وفي العام 1981، اغتيل الأديب ومسؤول الإعلام الموحد، ماجد أبو شرار. وباعتقادي أنّ الموساد يقف خلف اغتيال رسام الكاريكاتور ناجي العلي، العام 1987. كما حاولوا اغتيال الصحفي والكاتب شفيق الحوت عدة مرات. وفقد بسام أبو شريف، الذي خلف كنفاني في تحرير مجلة “الهدف” التابعة للجبهة الشعبية، جزءاً من أصابعه ومن بصره، وتشوه وجهه، بطرد إسرائيلي مفخخ. وهو ما حدث مع أنيس صايغ، الذي جاء من جامعة كيمبردج، ليرأس مركز الأبحاث الفلسطيني، الذي جرت عدة محاولات لتفجيره، وأطلقت صواريخ ضده العام 1971، قبل أن تُنهب موجوداته بالفعل بعد احتلال بيروت العام 1983. كما حاول الموساد أيضا اغتيال الباحث هاني الهندي في قبرص، العام 1979.
ليس هؤلاء هم جميع من اغتيل في السبعينيات. ولكن غالبية من تم اغتيالهم حينها كانوا من العقول والأصوات، أكثر منهم من العسكريين. وربما كان هذا لأنهم أهداف سهلة ظاهرة، لكن بالتأكيد لأنّ الرواية الفلسطينية للقصة كانت موجعة، ولأن صورة الثائر الإنسان المثقف مزعجة جدا.
كم سيسعدني لو كتب أصدقاء وذوو الشهداء لنا أكثر، عن حياتهم الشخصية وكيف كانوا يعيشون، لنكتشف الإنسان الذي قتلوه.
الجمعة 3 حزيران (يونيو) 2016
اكتشاف الإنسان الذي قتلوه
الجمعة 3 حزيران (يونيو) 2016
par
د.احمد جميل عزم
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
58 /
2181292
ar أقسام منوعات الكلمة الحرة كتّاب إلى الموقف احمد جميل عزم ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
78 من الزوار الآن
2181292 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 7