الأحد 26 حزيران (يونيو) 2016

موسكو و«إسرائيل» والرهان الصعب

الأحد 26 حزيران (يونيو) 2016 par د. محمد السعيد ادريس

تزامن الخطاب الذي ألقاه الرئيس السوري بشار الأسد أمام مجلس الشعب (البرلمان) مع لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني في موسكو (7/6/2016) قد لا يكون محض صدفة، فخطاب الأسد اعتبره البعض سجالاً مكشوفاً وغير مباشر مع الرئيس الروسي في محاولة من الأسد لضبط الأداء الروسي فيما يتعلق بمصير ومستقبل سوريا حيث تعمد الأسد توجيه رسائل جوهرها أن «سوريا لا تزال تمسك بقرارها، ولن تقبل بالوصاية»، وفي ذات الوقت جعل من قضية الدستور السوري ومضمونه جبهة صراع أساسية حول مستقبل سوريا. كان واضحاً أيضاً أن الرئيس السوري يشعر بالضيق من مواقف وتحركات أخيرة لروسيا، أبرزها مشروع الدستور الذي عرضه الروس بخصوص بلاده،وكذلك التفاهمات الروسية- الأمريكية حول مناطق النفوذ، والصمت الروسي على دعم واشنطن لقوات ما يُعرف ب «سوريا الديمقراطية» التي هي تحالف كردي بالأساس مع معارضين من العرب السوريين، في وقت تطمح فيه واشنطن لكسب نفوذ على الأرض لهذه القوات في المناطق التي تسيطر عليها قوات تنظيم «داعش» والتي لا تقل عن 60% من مساحة سوريا، فضلاً عن الضيق الواسع لدى العسكريين السوريين من موضوع الهدنة التي فرضتها روسيا على معارك حلب التي جاءت لصالح المعارضة وقوات «سوريا الديمقراطية».
رغم هذا كله فالأمر الأوضح في خطاب الأسد كما عبر في تعليقاته هو التحسب السوري من لقاء الرئيس بوتين مع نتنياهو الذي كان قد صرح قبيل سفره إلى موسكو، في زيارة هي الثالثة خلال هذا العام، بأن «إسرائيل» حريصة على أن «تعمل على التأكد من ألا تتحول سوريا إلى قاعدة انطلاق اعتداءات ضد إسرائيل»، كما نقلت عنه الإذاعة «الإسرائيلية» قوله في روسيا إن «سياسته تركز على اتخاذ جميع الإجراءات المطلوبة لمنع وقوع هجمات على إسرائيل».

تصريحات نتنياهو تلك وصلت كاملة إلى الرئيس السوري بكل ما تعنيه من حرص «إسرائيلي» على الدخول كطرف شريك في تقرير مستقبل سوريا. فتصريحات نتنياهو وتبريراته لإعلانه ضم هضبة الجولان «لتصبح إلى الأبد جزءاً من إسرائيل» كشفت هذه النوايا، وإعلانه الصريح عن القيام بعمليات داخل سوريا بين الحين والآخر هو تأكيد لذلك، ثم حديثه عن إقامة مستشفى على الحدود مع سوريا لمعالجة الجرحى هي مؤشرات تدعم ما سبق نقله من توجه «إسرائيلي» لإقامة منطقة نفوذ حدودية مع سوريا شبيهة بما حدث مع لبنان في تجربة «انطوان لحد» التي عُرفت ب «الشريط الحدودي» والنية هنا تتجاوز ضم الجولان المحتل إلى التمدد وراء الحدود مع سوريا لفرض جماعات مصالح سورية موالية أو تابعة «لإسرائيل».

وما دار في لقاء نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جاء ليؤكد مخاوف الرئيس السوري. فعلى الرغم من أن الزيارة التي قام بها نتنياهو لموسكو جاءت في إطار احتفال الدولتين بالذكرى الخامسة والعشرين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما إلا أنها تحولت، بحرص متبادل روسي و«إسرائيلي» إلى زيارة عمل مهمة حسب توضيحات ديوان رئاسة الحكومة «الإسرائيلية». فقد شملت الزيارة بحث تنفيذ التفاهمات التي سبق التوصل إليها في الزيارة السابقة والمتصلة بتعزيز التنسيق بين الجيش «الإسرائيلي» والقوات الروسية في سوريا بغرض منع وقوع صدامات غير مرغوبة بينهما، إضافة إلى بحث محاولات استئناف وقف إطلاق النار في سوريا وإنهاء الحرب هناك إضافة إلى العملية السياسية مع الفلسطينيين، والتعاون بين روسيا و«إسرائيل» في المجالين الاقتصادي والتجاري وتعزيز العلاقات الثقافية.

لكن ما هو أهم هو أن هذه الزيارة قد شهدت حدوث تحول نوعي في العلاقات الروسية - «الإسرائيلية» تحدث عنه الرئيس بوتين بوصفه لمحادثاته مع نتنياهو ب «المفتوحة والبناءة» وإعلانه عزم موسكو على تعزيز تعاونها مع «إسرائيل» في مكافحة الإرهاب، والقول إن «إسرائيل» تعرف هذه الظاهرة، ليس بالسمع، وإنها تحارب الإرهاب، وإن «روسيا وإسرائيل حليفتان من هذا المنظور».
مثل هذا التوصيف أسعد نتنياهو كثيراً الذي يتطابق مع التوصيف «الإسرائيلي» للمقاومة الفلسطينية المشروعة بأنها «إرهاب» وعندما يتورط الرئيس الروسي في دعم هذا التوصيف فإن نتنياهو يعتبره تحولاً نوعياً في العلاقة بين «تل أبيب» وروسيا، في وقت يجد نتنياهو دوافع مهمة لتعميق العلاقة مع روسيا إلى مستوى التحالف، أولها النفوذ الروسي القوي في سوريا، وإدراكه أن روسيا دخلت سوريا ولن تخرج منها بسهولة، ومن ثم فإنه يطمح لأن ينسق مع روسيا في علاقة استراتيجية مستقبلية تخص سوريا وطموحات «إسرائيل» في سوريا، سواء بالتمدد الجغرافي وضم الجولان، والتغلغل إلى العمق السوري، أو بتقليص إن لم يكن إنهاء أي نفوذ لإيران أو لحزب الله في سوريا، ثم توظيف هذه العلاقة التحالفية مع روسيا في اتجاهين الأول يتعلق بعلاقة روسيا مع إيران، أملاً في تحجيم هذه العلاقة، والثاني الملف الفلسطيني، بتوظيف علاقة التحالف هذه لدعم السياسة «الإسرائيلية» التوسعية واحتواء المبادرة الفرنسية، استناداً إلى مزاعم «إسرائيلية» تروج لوجود تحولات نوعية في خرائط التحالفات الإقليمية من خلال تقارب عربي مع «إسرائيل»، إضافة إلى تقارب تركي مع «إسرائيل»، ومن ثم فإن على روسيا، إن كانت تأمل في أن تكون الطرف الدولي المرجح لملء فراغ غياب القوة الأمريكية فإن عليها أن تنسق مع «إسرائيل» التي أضحت القوة الأهم في الشرق الأوسط في مواجهة العدو المشترك: إيران والإرهاب.

إلى أي مدى سوف تنساق روسيا وراء هذا الترويج «الإسرائيلي»؟ هذا هو الرهان الصعب أمام «الإسرائيليين».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165752

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع محمد السعيد ادريس   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165752 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010