الأحد 26 حزيران (يونيو) 2016

التفجير الذي وحّد اللبنانيين

الأحد 26 حزيران (يونيو) 2016 par نسيم الخوري

سبع ملاحظات انطلاقاً من تفجير فردان الذي وحّد اللبنانيين:
1- المفارقة الأولى: عندما كانت حكومة لبنان حكومتين(1989): واحدة برئاسة الدكتور سليم الحص وأخرى بتصرف ميشال عون، لم يكن هناك خوفٍ لبناني خطر على المصير المالي مع أن حربين هما حرب التحرير وحرب الإلغاء فصلتا اللبنانيين وقسمتا بيروت إلى شرقية وغربية. ومع ذلك، بقي الموظفون يقبضون رواتبهم وفقاً لمناطقهم، وبقيت المصارف والمدخرات في خانة الاطمئنان العام، واستمرت دورة الحياة الاقتصادية تجعل المواطنين يستغرقون في نيامهم سبع ساعات. طبعاً ما كانوا يعملون بهذا القدر من الوقت.

المفارقة الثانية: كانت التفجيرات التي أدمنها وتألم منها اللبنانيون تنتهي بأن يصطف السياسيون والإعلاميون والطفيليون أمام كاميرات التلفزيونات بالدور وفقاً للأهلية والقيمة، للاستفاضة والاستطراد في خطب الإدانة كافلين مبدأ الظهور وإطلاق الكلام السياسي والاتهامي، بصرف النظر عن عدد الضحايا والجرحى، وكان العديد من الناس، في المقابل، يستمرون في حياتهم وسهرهم ومقاصفهم ونكاتهم وكأن التفجيرات وقعت في بلدٍ آخر أو كأنهم في بلدٍ أوروبي أو أمريكي. كانت التحديات والنكايات تأخذ الجميع إلى مناكفات ومحطات حيث لا وجود لوحدة الوطن، لكن الاطمئنان العام النقدي كان جامعاً.

2- المفارقة الثالثة: اصفرت وجوه اللبنانيين في الداخل والخارج وتوحدوا. لماذا؟ لأن تفجير بنك لبنان والمهجر( أنظر إلى الاسم: لبنان والمهجر) ذي البناء الزجاجي الجميل في الحي الراقي من شارع فردان(اسم لمنطقة في فرنسا ارتبط اسمها بالجنرال فيليب بيتان 1856- 1951 وعرف باسم أسد فردان إذ ربح معركتها في الحرب العالمية الأولى) وعلى خطوتين من وزارة الداخلية ولأن الخطر يقرص بل يهدد اللحم الحي لكل اللبنانيين، ويقض مضاجعهم وكأن التفجير قد دس وتفجر في جيب أو في سرير كل لبناني مقيماً أو مغترباً. هو التفجير الأول الذي وحّد اللبنانيين منذ 1975.

3- أيقظ هذا التفجير أصحاب العروش المشوكة والمصدومة من نتائج الانتخابات البلدية التي صارت وكأنها تشكل مشهداً مقلقاً لأي تفكير في أي انتخابات لبنانية مقبلة برلمانية أو غير برلمانية. باتت ثوابت الكراسي متغيرات ومتحولات وخطوات تحمل الكثير من المغامرات في الإبقاء على المراوحة أو القفز نحو المستجدات التي لا قرار لمعالجتها من داخل بقدر انشداد هذا الداخل إلى كل خارج ومتابعة ألاعيب الأمم بصيغة الجمع لا بصيغة المفرد. مثال حي أخير:
صحيح أن لبنان مشغول وملحاح في موضوع رئاسة الجمهورية منذ أكثر من عامين، لكن الأصح أن هذا الشغل جعل المسألة حبلاً يشتد ويرتخي بين ضفتين ومرشحين أو أكثر.
4- عندما كان يفوز مرشح في الانتخابات البرلمانية أو يعين وزيراً أو سفيراً بالتصويت في مجالس الوزراء كان يقال للفائز في الخفاء: هنيئاً لك، لقد فزت بصوتٍ واحد. المقصود صوت مرجعيته الطائفية الداعمة والفارضة.وكان يقال هذا القول إبان الحضور السوري القوي في لبنان الذي شكل لبنان السياسي على مزاجه، واستمر الأمر كذلك بعد خروجه، إذ تدهورت الأمور نحو المحاصصات الطائفية والمذهبية والحزبية الضيقة في تقاسمٍ واضح ومعلن ومعروف وصريح بين مرجعيات لا يتجاوز عددها أصابع اليدين.
5- هناك نوع من الدلع الأمني والسياسي وارتخاء مفاصل الإمساك الوطني بجسد لبنان وحاضره ومستقبله وملفاته وكاد يهتز مع متفجرة البنك حيث يشكل القطاع المصرفي الوسادة الأخيرة التي ينام عليها اللبنانيون بقلق كبير. هب الجميع مذعورين من عروشهم واعتبروا الأمر قرعةً خطرة أولى على الباب اللبناني المترف الذي يتصور أنه الساحة الوحيدة المحمية من كل الأعاصير والحرائق المحيطة بها من سوريا والعراق نزولاً نحو اليمن وتوجهاً نحو ليبيا. المسألة تتجاوز المصارف ولا تتحمل المزيد من الدلع، لأن الأعين خرجت من الوفرة الأمنية إلى التحديق الجدي في منطقة ملتهبة قد يعاد قصقصتها وفق مصالح المذاهب والإثنيات، لتظهير إعلان «الدولة اليهودية» رسمياً التي نسيناها وهي تفترض النفاذ ربما إلى هزتين كبيرتين: اقتلاع بقايا الفلسطينيين من الأراضي المحتلة وتشريع رسم حدود الدويلات الواعدة بقرونٍ من الدماء والنزاعات والفوضى. ماذا بعد مؤشرات تفريغ سوريا ونبرة الأمم المتحدة في توطين النازحين السوريين الذين بانضمامهم إلى اللاجئين الفلسطينيين يمكنهم أن يتجاوزوا حجم لبنان حتى ولو فتحت عواصم العالم أحضانها لتلقف اللبنانيين المنتظرين على أدراج السفارات أو المطارات بعدما ضربهم اليأس القاتل.
6- تشتد مناخات الغموض والخوف لأن المسائل تترابط بشكلٍ محكم وتصب في لبنان لتشكل دائرة قاسية الحدود كانت واسعة جداً وراحت تضيق حول «حزب الله» منذ ال2005 أي منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وصولاً إلى قانون العقوبات الأمريكي الذي اعتبره منظمة إرهابية، في بلدٍ يلوي عنقه أمام الفراغات العاصفة في كرسي رئاسة الجمهورية في بعبدا إلى فراغ البرلمان إلى الحكومة الواقفة منذ تشكيلها على «صوص ونقطة» كما يقال في المثل الشعبي.
7- يذهب البعض إلى الرعب من أن تكون «محاصيل» المناخات الإقليمية والدولية قد نضجت وسقطت ثمارها وتعفنت، في جو من الضبابية الهائلة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165274

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع نسيم الخوري   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165274 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010