الخميس 26 آب (أغسطس) 2010

الاسترخاء في حضن العدو «الإسرائيلي»

الخميس 26 آب (أغسطس) 2010 par جمال الشواهين

في السياسة لا ينبغي النظر للأمور بعين واحدة، والطامة الكبرى عندما تكون حولاء، والأمر يخص كثيراً من القضايا التي تجري متابعتها، غير أنها غالباً ما تتم معالجتها بقصر نظر شديد جداً أيضاً. الانسياق والتبعية لهما أصولهما في الأداء، ويتمان مقابل ثمن وليس مجاناً أبداً، وفي حالات عديدة كان الثمن المقبوض يعود على الشعوب أكثر ما يكون، كما كان يحصل أيام الحرب الباردة مع الدول التي كانت تدور بالفلك الأمريكي، وتلك التي تسير خلف الاتحاد السوفياتي. وإذا كان مثل هذا الحال مقبولاً سابقاً، فإنه ليس كذلك الآن، بعد أن أصبح ثمن التبعية يخص أفراداً؛ قادة أو مجموعات متحكمة، وفي المجمل فإن التجارب في هذا الشأن تنبئ عن عدم دوام التعاطي مع مثل هؤلاء، وإن التخلي عنهم واستبدالهم أمر أساسي في سياسات المتبوع الذي يتحكم بالمصير النهائي لهم.

الذين يحرصون على مسافة واقية، ومساحة كافية للعب فيها وحدهم تمكنهم من المناورة، وفرض مسائل بعينها، وتحقيق أهداف تخدم سياساتهم وطبيعة مصالحهم ومواقعهم، هؤلاء يصمدون أكثر، ويحققون أغراضاً أكبر، وتتاح لهم على الدوام فرص توسيع مساحات تحركهم، وذلك في كل مرة يكونون فيها في إطار من الحرص على مكانهم ومكانتهم.

لم يعد مجدياً الانحياز الأعمى، ولا الانسياق مجاناً، ولا التبعية التي تصل أحياناً إلى درجة التماهي، فالمقابل لم يعد نفسه، والثمن بات بخساً جداً.

الدول الصغيرة ومتوسطة الحال في معظم القارة الآسيوية، تحولت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي نحو مسارات تخص مرحلة القطب الواحد، وأكثرها استطاع الخروج من دائرة التحالف أو الانحياز سليماً معافى نحو مشاريع وطنية، وأهداف قومية محددة. وقد وصلت إلى درجة عالية من الاستقلالية الحقيقية، عندما استطاعت بناء نماذجها الاقتصادية والسياسية الوطنية، غير أن هناك غيرها ممن لم تتمكن من الإفلات من إرث وأعباء الماضي، واستمرت بالسير واللحاق بركب التبعية، وكأن حالها لا يختلف عن حال العبد الذي حرره سيده، ولم يتمكن من العيش حراً؛ لأنه ما اعتادها ولا سعى من أجلها أساساً، فظل يناشده لإعادته للخدمة، والأمر في هذا الحال مكشوف على نتيجة واحدة، أساسها عبودية لا يكفي مقابلها ما يسد الرمق.

إن السيد الذي يتحكم بالعبيد سياسياً، لا يهمه منهم سوى تنفيذ أوامره، حتى وإن كان ذلك انتحاراً لهم، وخروج هؤلاء اختياراً من حظيرة السادة لبناء ما يخصهم، إنما هو أمر اختياري لهم، إن هم أرادوه، وهو ما حصل في عديد من الدول الإفريقية الصغيرة والفقيرة، ولم يختلف حالها عن تلك الآسيوية أيام الحرب الباردة وما فرضته من تبعية، وما وفرته بعدها من حرية للاختيار لهم، وهذه تشابه الآسيوية الآن في مديات الاستقلالية.

الآن، وبعد كل هذه السنوات، فإن الأكثر ملاحظة لما استقر عليه الحال، يشير إلى أن أغلب دول «الشرق الأوسط» الآسيوية، وتلك الشمال إفريقية وحدها التي استمرت على حالها القديم، وأن الثمن الذي كان يقبض سابقاً ما عاد نفسه، وفي أحيان عديدة بات مطلوباً منهم دفع الثمن، وكأنهم في مرحلة يعيدون فيها كل ما حصلوا عليه، ولن يكون مستبعداً إعادتهم بعد ذلك إلى سيرتهم الأولى.

تمتاز دول أمريكا اللاتينية عن غيرها بما رسمته لنفسها مباشرة بعد الإفلات من مرحلة القطبين، وهي الآن في حال مليء بالشعور بالافتخار والاعتزاز بالهوية الوطنية، وأكثر ما يميزها عن غيرها أنها حددت هوية عدوها تماماً، وتستعد له دون هوادة، ولا تبحث لنفسها عن أعداء بالافتراض والتخيل والتزييف.

في حالتنا العربية الأمر مغاير تماماً عما هو عليه في تلك الآسيوية والإفريقية، والتي في أمريكا اللاتينية، فرغم إدراك الجميع لوجود عدو وحيد يهددها ويعتدي على كل أنواع مقدساتها، تجد البحث مستمراً عن عدو غيره، وكأن الإسرائيلي ذهب ولم يعد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2165964

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165964 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010