الجمعة 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016

“الاستيطان الآمن” …!

الجمعة 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 par علي بدوان

لم تأتِ مجموعة دول الاتحاد الأوروبي بالجديد، حين عبرت مؤخرًا عن قلقها تجاه موافقة سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” على بناء وحدات استيطانية جديدة في مناطق مُختلفة بالضفة الغربية، بما فيها توسيع مستعمرة (بيت إيل) قرب ريف نابلس.
الاتحاد الأوروبي كرر القول بأن “بناء الوحدات الاستيطانية إجراء غير قانوني، ويتعارض مع التوصيات الواردة في تقرير اللجنة الرباعية لعملية السلام بالشرق الأوسط، ويضعف احتمالات التوصل إلى حل الدولتين في إطار عملية السلام، ويجعل من إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة أكثر بُعدًا”. لكن القول إياه لا رصيد له على أرض الواقع، فمواقف مجموعة الاتحاد الأوروبي ما زالت لفظية، ولم ترتق حتى الآن إلى عداد المواقف الحازمة من السياسات “الإسرائيلية”، حيث ما زالت تراوح مكانها عند حدود المناشدات الأخلاقية التي “لا تُسمن ولا تُغني عن جوع”، فيما تَستَمِر سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” في تحدي المجتمع الدولي بأسره، غير آبهة بالمواقف اللفظية الخجولة، الناعمة، والطرية، التي تُطلقها مجموعة دول الاتحاد من حين لآخر بشأن القضية الفلسطينية، ومسألة مصادرة الأراضي وتهويدها.
لقد شَهِدَ الربع الثاني من العام 2016 أعلى مُعدلات للبناء والتهويد في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، حيث تسعى سلطات الاحتلال حاليًّا، وبالواقع العملي على الأرض، لتحقيق المزيد من الفصل بين مدينة رام الله (وسط الضفة الغربية) عن مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، وتقطيع المساحات بينهما بكتل مُتفرقة من المُستعمَرات، وبالتالي في إحداث المزيد من التمزيق للأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، والتقليل من إمكانية نجاح حل الدولتين على المدى الاستراتيجي، بل ووأد هذا الحل وإهالة التراب عليه.
وفي هذا السياق، عادت للتواتر تلك النغمة “الإسرائيلية”، القديمة، الجديدة، والمُتعلقة بما تُسميه سلطات الاحتلال بــ”حق إسرائيل في الاستيطان الأمن” في المناطق الحيوية لأمن “إسرائيل”، عادت تلك النغمة على لسان العديد من أصحاب القرار في “إسرائيل” ومن بينهم رأس الهرم في القرار الحكومي بنيامين نتنياهو. وذلك بعد أن كانت تلك النغمة والمقولة قد اختفت خلال السنوات الطويلة الماضية، واستعيض عنها بفرض الوقائع التهويدية الديمغرافية على الأرض مُباشرة، ودون الحديث عن “استيطان آمن” أو غير آمن.
لاحظوا فجاجة العبارة إياها: “الاستيطان الآمن”، ولاحظوا مدى التزوير والتلفيق الذي يكتنفها، لتبرير سلب الأرض وتهويدها، وجلب المُستعمِرين إليها من بقاع الأرض، وهي نغمة أو عبارة، كان قد أطلقها أوائل سبعينيات القرن الماضي الجنرال إيجال آلون، الذي يُعتبر من أعمدة وعتاولة رجالات الحرس القديم في الحركة الصهيونية، ومن قادة مجموعات وعصابات (الهاجاناة) إبان نكبة فلسطين. وهي في جوهرها مقولة استيطانية، كولونيالية، إجلائية، إحلالية، تَصُب في مسارت عمليات التطهير العرقي التي جَرَت وما زالت تجري عمليًّا على أرض فلسطين. خصوصًا وأن مُطلقها كان واحدًا من أبرز قادة عمليات التطهير العرقي والاجتثاث السكاني بالقوة والنار للمواطنين الفلسطينيين إبان العام 1948، وتحديدًا في منطقة يافا واللد والرملة وسط فلسطين.
إن مقولة “الاستيطان الآمن” التي نَظَّرَ لها قادة “إسرائيليون” تبنتها الولايات المتحدة والإدارة الأميركية، وروّجت لها، في عهد الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون أوائل سبعينيات القرن الماضي، حين تَحَدَثَت تلك الإدارة عن ما أسمته حق “إسرائيل بحدود آمنة يُمكن الدفاع عنها”، وبالتالي حقها في الاحتفاظ والسيطرة على مناطق ذات أهمية استراتيجية لأمنها ومستقبلها في الأراضي المحتلة عام 1967 في الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان العربي السوري.
وفي سياق تلك النغمة والرؤية، أو المقولة، يقود رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو الآن حملات التحريض ضد الشعب الفلسطيني، فكانت آخر هذه الحملات التصريحات التي أطلقها في ذكرى وفاة الجنرال أرئيل شارون قبل أيامٍ خلت، والتي أكد فيها “رفض نقل أي سيطرة جديدة للسلطة الفلسطينية على الأرض أو صلاحيات للفلسطينيين في المستقبل” باعتبارها “تمس أمن إسرائيل ومناطق ضرورية لأمنها”، وعن قناعته بـ”عدم جدوى التوصل إلى أي اتفاقيات مع الفلسطينيين”، مؤكدًا انحيازه لخيار القوة والحلول العسكرية والأمنية، وبالتالي في إدامة سياسة التهجير والتطهير العرقي الصامت، وخاصة في منطقة القدس الكبرى ومحيطها.
إن كل عملية التسوية، الميتة سريريًّا بالأصل، ومنذ سنواتٍ طويلة، تَلفُظُ أنفاسها الأخيرة، حين تَعُودُ مقولة “الاستيطان الآمن” لتتحول الآن مُجددًا إلى واقع مادي على الأرض، وبالتالي لا سبيل ولا طريق لعودة إحياء عملية التسوية ما دام غول الاستيطان يزحف فوق الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 وفي مناطق القدس على وجه الخصوص، حيث يجري حاليًّا وبشكلٍ مُتسارع تسمين وتوسيع رقعة الواقع الاستيطاني التهويدي، فقد بدأت مؤخرًا عمليًّا مشاريع بناء نحو ألف وحدة استيطانية جديدة في اربع مستعمرات في القدس الشرقية المحتلة عام 1967، وتحديدًا في مستعمرة مستوطنة “حومات شموئيل”، التي أقيمت على أراضي المواطنين الفلسطينيين عام 1977 ويصل عدد سكانها اليوم نحو ثلاثين ألف مستوطن جاء من الولايات المتحدة. وفي مستوطنة “بسجات زئيف” التي يصل عدد سكانها نحو أربعين ألف مستوطن. وفي مستوطنة “معاليه أدوميم”. وفي مستوطنة “موديعين”. عدا عن التوسع الاستيطاني التهويدي في العديد من الأحياء المقدسية العربية الفلسطينية في شعفاط، ورأس العامود، وحي واد ياصول الواقع جنوب المسجد الأقصى، وبلدة حزما إلى الشرق من مدينة القدس المحتلة، وحي عين اللوزة ببلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك، وحي العيساوية شرق القدس المحتلة، وحي وادي حلوة ببلدة سلوان…..
أخيرًا، لقد سقطت مقولة “الاستيطان الآمن” وصاحبها المقبور الجنرال إيجال آلون منذ زمنٍ بعيد، فقد كرر المجتمع الدولي موقفه الرافض لعمليات تهويد الأرض الفلسطينية، وعدم شرعية وقانونية المستوطنات والمستوطنين وتحت أي حجة من الحجج الأمنية أو غير الأمنية. فالجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذت عدة قرارات، كان منها قرارها التاريخي في 28/11/1974، والذي نص على (أن الجمعية العامة تؤكد من جديد حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف, في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها), وطالبت بإعادتهم, وشددت على أن الاحترام الكلي لحقوق الشعب الفلسطيني هذه غير القابلة للتصرف, وإحقاق هذه الحقوق, أمر لا غنى عنهما لحل قضية فلسطين. وأشار التقرير إياه “منذ أن احتلت إسرائيل الأراضي الفلسطينية الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية عام 1967 وهي تمارس سياسة التوسع, والتهويد واغتصاب الأرض بالقوة وعمليات الاستيطان, والهدم, والقصف, والتهويل, والانتهاكات بشتى أنواعها القمعية حتى وصل بها الأمر إلى تغيير الإجراءات الإدارية والتشريعية وخاصة على مدينة القدس”. ولفت المذكور، القرار إلى التالي “اتخذ مجلس الأمن الدولي قرار رقم (252) الخاص بتطبيق القانون والتشريعات والاجراءات الإدارية الإسرائيلية على القدس الشرقية الصادر بتاريخ 21/ ايار/ 1968, والذي ينص على (أن جميع الإجراءات الإدارية والتشريعية, وجميع الأعمال التي قامت بها إسرائيل بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك من شأنها أن تؤدي إلى تغيير في وضع القدس)”. وتدعيما للقرار ذاته “استند مجلس الأمن إلى نظام رقم 43 من أنظمة لاهاي الصادرة عام 1907م, حيث ينص على أنه (يجب على القوة المحتلة أن تستمر في تطبيق المبادى القانونية التي كانت مرعية الإجراء قبل بداية الاحتلال)”.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2166058

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166058 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 28


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010