السبت 28 آب (أغسطس) 2010

أين هو الشعب من هذا الذي يجري؟

السبت 28 آب (أغسطس) 2010 par د.امديرس القادري

وأقصد هنا فلسطين وشعبها والذي يجب أن يرتفع صوتنا بالسؤال عنه وعن مواقفه ورأيه من هذه الطبخات والصفقات والمؤتمرات وما يسمى بالمفاوضات، هل إنتهى دور هذا الشعب وما عاد يعنيه أن يقول كلمته؟ هو صاحب الوطن والقضية، هو الذي ضحى وأعطى وقدم العظم واللحم والدم منذ أن اغتصب الصهاينة أرضه وشروده منها بالقوة القسرية، هو الذي هدمت بيوته وجرفت مزروعاته وحرقت وقطعت أشجاره، أبناؤه يملؤون السجون والمعتقلات، ولم تتعب الأمهات من الإنتظار على العتبات، يستقبلن الشمس مع كل صباح ويودعنها عند المغيب، فالمهم أن يبقى الأمل، والأمل هو واحد من مجموعة الأسلحة الخفية المدفونة في أعماق الروح، والتي كان ولا يزال يقاتل بها هذا الشعب كلما ضاقت الدروب واشتدت المحن والأزمات، وكلما زادت الكرب وحلت النوازل.

هذا الشعب، لم يبخل في يوم من الأيام، ولم يتقاعس، ولم يعرف عنه أبداً أنه تأخر في يوم الزحف، هذا الشعب الذي علم الصبر كيف يكون، وعلم الأنين كيف يكون التحمل على الأوجاع والألم، ودائماً كان يحافظ على أن يعض على الشفاة ويلملم الأشلاء التي كانت تخلفها المجازر، يدفنها ويصلي إلى جانبها، ويأتي في صباح اليوم التالي ليجد الدم وقد نبت أزهاراً وزعتراً من جديد، كما يولد الرضع الصغار وهم يرددون بصوت واحد لن نركع.

في قطاع غزة يعيش هذا الشعب تحت الحصار منتصراً على الجرح والسكين وعلى العدوان الذي يقوم به الأعداء الصهاينة وكل المتحالفين معهم، لا ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا هواء ولكن هذا الشعب وقواه الوطنية أدركوا كيف يجعلونها برداً وسلاماً، خطان متوازيان، تصدير الموت إليها وإلى شعبها وبكل السبل والأشكال وهذا ما يراهنون على أنه سيقضي عليها، والتمسك بإرادة الحياة رغماً عن كل الصعاب وهذا ما يريده أهل القطاع وبه سوف ينتصرون، هذه هي المعادلة التي أوجدت لهذا الشعب قيمة وثقلاً وألف حساب، بعد أن أثبت أن كرامة الوطن أغلى بكثير من رغيف الخبز، ولذلك نجح مؤتمر القوى الوطنية المعارضة للمفاوضات وقالت غزة كلمتها بوضوح، وانتصرت الحرية والديمقراطية، ولم لا، وقد أصبح القطاع خالياً ونظيفاً من الزعران والبلطجية!.

على أرض الضفة التي شهدت بالأمس اعتداء صارخاً على المؤتمر الصحفي الذي كانت تنوي عقده القوى الوطنية المنظوية تحت لواء منظمة التحرير وبمشاركة من الشخصيات الوطنية المستقلة للإعلان عن رفض الذهاب إلى المفاوضات، هذا الاعتداء القمعي والفاشي فتح الشهية لطرح نفس السؤال، أين هو الشعب من هذا الذي يجري؟ وأين هم أعضاء وأنصار هذه القوى؟ وهل كانوا في إجازة استجمام في ذلك اليوم؟ وكيف يستطيع من فشل في حماية مؤتمر صحفي من هذه المجموعات الغوغائية والمشاغبة كما طاب لهم تسميتها أن يحمي المشروع الوطني من محاولات البيع والتفريط التي يجري الإعداد لها وتحت مسمى التفاوض العبثي والفارغ.

بالأمس كانت تجربة عملية ناجحة لديمقراطية دايتون، فقد أبدع الصبيان الذين أشرف على إعدادهم وتدريبهم، وأظهروا أمام «معلمهم» جدارة واستعداداً، وإخلاصاً ووفاء تجعله يرحل وهو مطمئن إلى أن بذور القمع والتنكيل والاستبداد والاضطهاد نمت وأينعت وأصلب عودها وبالتالي لا خوف عليها، هجم الزعران على الحريات العامة وفي مقدمتها حرية التعبير، واعتدوا على الصحفيين وحطموا كاميراتهم، وذهبت الرموز الوطنية للقول أن هذا يوم حزين وتعيس وأسود، وأن هذا الذي جرى هو وصمة عار في جبين السلطة التي أثبتت أنها ليست سوى نظام أمني قمعي بوليسي ولن تولد على يديه سوى الأوضاع الفاشية.

من يكونون يا ترى؟ ومن أين أتوا؟ طالما أن اللواء عدنان الضميري الناطق باسم الأجهزة الأمنية ينفي بشدة أن تكون لأجهزته علاقة بما حصل، والمتحدث باسم حركة «فتح» ينفي أيضاً وجود أي صلة بهذه المجموعات المشاغبة، أليس في هذه التصريحات استهتار بعقول الناس ووعيهم؟ أليس في هذا التنصت هروب واضح من تحمل مسؤولية ما جرى؟.

معاذ الله أن أكون من الشامتين بما حصل مع قوى المنظمة التي جاءت لتعبر عن رفضها لنهج التفرد والاستهتار الذي يقوده رئيس انتهت ولايته وفقد جميع صلاحياته، هذا الرئيس الذي لا يقيم وزناً لا لشعب ولا حتى لقواه الوطنية وبالتالي سيواصل على هذا الطريق العبثي الذي لا يخدم سوى الصهاينة، ولكن هذه القوى التي أدمنت ولسنوات على حمل الدفوف والدق عليها مقابل ما كانت تلقيه لهم هذه السلطة من فتات، عليها أن تسارع إلى مراجعة وتقييم مسارها العبثي السابق، وعليها أن تعلن لجماهير هذا الشعب أن مراهناتها على هذه السلطة سقطت وانتهت إلى غير رجعة، إن العودة إلى تحكيم العقل والمنطق، وتحمل المسؤولية الوطنية يتطلب إعادة صياغة لبرنامجها وسياساتها، ومواقفها وبطريقة تظهر معها النوايا والأهداف في غاية الوضوح، هذه القوى التي فقدت شعبيتها وجماهيريتها واختارت أن تلهث وراء مصالح فئوية ضيقة، عليها أن تثبت عودتها الفعلية للصف الوطني، فإن صدقت مع نفسها وقضيتها ومقاومتها وأعلنت وبما لا يقبل الشك عن قرار التصدي لهذه السلطة ومفاوضات التفريط وبيع القضية أنا على يقين أن جماهيرنا ستكون في انتظارها لتحميها وتدافع عنها، وهذا إن حصل فسوف يبشر عن عودة جديدة لهذا الشعب والذي لا أرى لانتفاضته القريبة بديلاً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 46 / 2165976

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165976 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010