السبت 28 آب (أغسطس) 2010

أخطر من مذكرة جلب أميركية

السبت 28 آب (أغسطس) 2010 par نقولا ناصر

لقد كانت المفاوضات «الثنائية المباشرة» قراراً متكرراً في البيانات الثلاث للجنة الرباعية الدولية (أميركا والأمم المتحدة والاتحادين الأوروبي والروسي) التي أشار إليها بيان الرباعية في العشرين من الشهر الجاري باعتبارها «مرجعية» لهذه المفاوضات التي ستفتتح في واشنطن أوائل الشهر المقبل ثم تنتقل إلى شرم الشيخ المصرية، وهو البيان الذي اعتبرته رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية بمثابة دعوة طالبت بها كشرط للذهاب إلى هذه المفاوضات وبمثابة «مرجعية» لها، وكان موعد انطلاق هذه المفاوضات في الثاني من أيلول (سبتمبر) المقبل قد تقرر في آخر تلك البيانات الثلاث وهو بيان موسكو في 19/3/2010، أي قبل أكثر من خمسة أشهر من الإعلان عن هذا الموعد يوم الجمعة قبل الماضي.

وقد كانت «رئاسة» منظمة التحرير تعلم جيداً بأن المفاوضات الثنائية المباشرة في الثاني من الشهر المقبل هي قرار مسبق للرباعية، بدليل مطالبتها المعلنة بأن توجه الرباعية الدعوة إلى هذه المفاوضات متضمنة إشارة إلى «بيان موسكو» كمرجعية، وهو ما حدث فعلاً، وهي مطالبة تؤكد التزام «الرئاسة» بالمفاوضات وبالموعد معاً منذ آذار (مارس) الماضي. لذلك، فإن ذهاب «الرئاسة» إلى واشنطن يتجاوز كثيراً في خطورته ما قال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، خالد مشعل، إنه يحدث بـ «مذكرة جلب أميركية».

فعندما يتذكر المراقب كل الدفق الإعلامي حول «شروط» «رئاسة» المنظمة للذهاب إلى هذه المفاوضات، وحول «الضغوط» التي تتعرض لها من أجل الذهاب، ويتذكر بأن «مباحثات التقريب غير المباشرة» جرت بينما قرار المفاوضات المباشرة صادر سلفاً وموعدها محدد مسبقاً فعلاً، و«رئاسة» المنظمة ليست ملتزمة «جلباً» بالقرار والموعد فحسب بل تطالب بهما، ثم يتذكر كل العاصفة الدخانية التي أثارتها «الرئاسة» و«دائرة مفاوضاتها» لحجب هذه الحقيقة، مرة بالقول إنها لن تذهب إلى «المباشرة» إذا لم تحرز «غير المباشرة» تقدماً، ومرة بالقول إن غير المباشرة لم تحرز تقدما لذلك فإنها ستعود إلى مرجعيتها العربية في اللجنة الوزارية للجنة متابعة مبادرة السلام العربية، إلخ.، ...

عندما يتذكر المراقب كل ذلك وغيره فإنه لا يستطيع إلا أن يتساءل عن الهدف من كل الهدر في الوقت والجهد والمال في عقد اجتماعات لـ «الثوري» و«الوطني» واللجنة التنفيذية للمنظمة، ناهيك عن اجتماع لجنة المتابعة العربية، طالما كان القرار متخذاً والموعد محدداً والتزام «الرئاسة» و«دائرة المفاوضات» بكليهما مسبقاً! ألا يرقى ذلك إلى عملية تضليل لمؤسسات المنظمة وحركة «فتح» المفترض أنها تقودها وللرأي العام العربي وبخاصة الفلسطيني منه؟ ولا يمكن طبعاً لأكثر من سبب واقعي افتراض أن لجنة المتابعة العربية وجامعة الدول العربية التي تنعقد في إطارها لم تكونا على علم بما تعلمه «رئاسة» المنظمة التحرير ومفاوضيها، لذلك لا يمكن اتهام المنظمة بتضليل اللجنة والجامعة، بل يمكن اتهام هذه الأطراف الثلاثة معاً بالمساهمة في عملية التضليل.

إن «رئاسة» منظمة التحرير تبدو تائهة تتخبط في رفضها حتى في مجرد التفكير في البحث عن بدائل لخيارها الوحيد الأوحد الذي وصفه «رئيس مفاوضيها، د. صائب عريقات»، قائلاً إن «المفاوضات حياة»، بحيث لم تعد تجد أي حرج في الذهاب إلى المفاوضات بأي ثمن حتى لو قاد ذلك إلى قطع شعرة معاوية مع الفصائل المؤتلفة معها في إطار منظمة التحرير التي تمنح المنظمة و«رئاستها» غطاء من الشرعية لم يعد يقنع أحداً في الطيف السياسي الفلسطيني، المعارض والموالي على حد سواء.

ففصائل منظمة التحرير هذه لم تعد ترى أي حكمة أو واقعية سياسية في المراهنة على استراتيجية «الرئاسة» المصرة على الاستمرار في المفاوضات حتى لو كانت نسبة النجاح «1% للوصول إلى السلام» كما قال محمود عبّاس الأربعاء الماضي، إذ لا توجد أي قيادة سياسية أو وطنية في العالم تبني قراراتها على أساس كهذا لما هو «ممكن» سياسياً.

وكانت محاولة «رئاسة» عبّاس للاستقواء بـ «الرباعية» على الانحياز الأميركي أحدث مثال على التخبط، فالإدارة الأميركية سرعان ما نسفت كل ما أراده عبّاس من بيان الرباعية الذي وجه الدعوة لاستئناف المفاوضات، فقد أراده «مرجعية» للمفاوضات، لكن «مرجعية المفاوضات ما زالت غير محددة وسيقررها الطرفان «الفلسطيني» و«الإسرائيلي» الأسبوع المقبل» كما نقلت (وفا) الناطقة باسم عبّاس نفسه عن مسؤول أميركي رفيع يوم الثلاثاء الماضي، وهو الموقف الذي أكده الوسيط الرئاسي الأميركي جورج ميتشل وتجاهلت وزير الخارجية هيلاري كلينتون أي إشارة إليه في نص دعوتها لعبّاس.

كما أراد عبّاس الاستقواء بـ «الرباعية»، لكن الرباعية التي وجهت الدعوة للمفاوضات المباشرة لم تتلق دعوة أميركية لحضورها، أما حضور ممثل الرباعية توني بلير فإنه لا يزيد على كونه «احتراماً أميركياً» شكلياً ورمزياً للرباعية، فحضوره بالتأكيد لن يكون بثقل حضور قادة روسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. وبقدر ما في ذلك من مفارقة بقدر ما فيه من استهتار أميركي بالرباعية وإجهاض مسبق لما راهن عبّاس عليه، مما يحول تصريح «مستشاره نمر حماد» بأنه ذاهب إلى المفاوضات «بناء على بيان اللجنة الرباعية الدولية» - الذي رفضته حكومة الاحتلال قبل وبعد صدوره - إلى لغو للاستهلاك المحلي لا يقنع أحداً، حتى فصائل منظمة التحرير «الموالية» نفسها.

فعندما تضطر «شرطة سلطة» الحكم الذاتي - التي تأتمر في النهاية بأمر «رئاسة» المنظمة في إطار التنسيق الأمني مع الاحتلال - إلى أن تفض بالقوة مؤتمراً لهذه الفصائل «مناهضاً» لاستئناف المفاوضات في رام الله الأربعاء الماضي، بحيث تضطر شخصية مثل المفوض العام للهيئة المستقلة لحقوق الانسان، د. ممدوح العكر، إلى التحذير علناً من أن «النظام السياسي» للمنظمة يشهد «بداية انزلاق .. نحو الفاشية»، وهو من الرموز المحترمة التي تحاول جاهدة «تجميل» هذا النظام، ليصف هو وقيادات مخضرمة في هذا النظام مثل عضوا اللجنة التنفيذية للمنظمة قيس عبد الكريم وعبد الرحيم ملوح، وقيادة اقتصادية مثل منيب المصري، قمع المعارضة من داخل المنظمة لاستئناف المفاوضات بأوصاف مثل «الزعرنة» و«البلطجة» و«الغوغائية» و«العدوان الصارخ على حرية الرأي والتعبير وتقاليد الحركة الوطنية الفلسطينية»، وبحيث يضطر المصري إلى التحذير من أن رئاسة المنظمة تخاطر بذهابها إلى المفاوضات بـ «التنازل» أكثر مما تنازلت في أوسلو بقوله «كفى .. تنازلنا بما فيه الكفاية، ولا يمكن بأي حال القبول بأقل مما تم تحديده في اتفاق أوسلو»، فإن هؤلاء لم يتركوا لفصائل المقاومة و«حماس» و«الجهاد» و«فصائل دمشق» ما يضيفونه وهم الذين تعففوا عن استخدام أوصاف مماثلة في معارضتهم، مما يضع علامة سؤال استنكارية كبيرة حول تأكيد عبّاس يوم الأربعاء بأن قراره بقبول الدعوة الأميركية «جاء بإرادة وطنية» وتأكيده على «مشروعية واحترام المعارضة الفلسطينية لإجراء المفاوضات».

أما تصريح عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة تيسير خالد بأن قمع معارضة فصائل منظمة التحرير يعمق «الخلافات .. بين أبناء الخندق السياسي الوطني الواحد» فإنه يثير ملاحظتين أساسيتين، الأولى تذكر بالمثل القائل : «أكلت يوم أكل الثور الأبيض»، إذ طالما حذرت المعارضة «الأخرى» في المقاومة من الأعضاء وغير الأعضاء في منظمة التحرير من خطورة صمت الفصائل «الموالية» على قمع المنظمة وسلطتها لها، لأنه في نهاية المطاف قمع سيطال كل وأي معارضة إن عاجلاً أو آجلاً.

وتذكر الملاحظة الثانية بمقارنة لا يمكن تجنبها بين عبّاس الذي يذهب إلى التفاوض وهو في أضعف حال، وكل المؤسسات الشرعية لديه قد انتهت شرعيتها، بينما الانقسام الوطني مستمر، والانقسام في «خندقه» نفسه يتفاقم، والمعارضة لاستئناف المفاوضات عليها إجماع وطني، وبين رئيس وزراء دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي يذهب إلى واشنطن وهو في أفضل حال، مسلح بشرعية داخلية له ولمؤسساته، وبوحدة على باطله حظيت بدعم «المعارضة» (تسيفي ليفني و«كاديما»).

فهل هذا «الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني» مؤهل حقاً لخوض مفاوضات تعلن «الرباعية» والوسيط الأميركي ودولة الاحتلال و«المجتمع الدولي» الضاغط لاستئنافها أن الهدف منها هو التوقيع على اتفاق على «إنهاء النزاع»، أي تصفية القضية الفلسطينية؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2178603

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178603 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40