السبت 4 شباط (فبراير) 2017

القمقم وترامب وعفاريت الكراهية

السبت 4 شباط (فبراير) 2017 par عبداللطيف مهنا

حين أخرجت الانتخابات الرئاسية الأميركية ترامب من قمقمها، لم يأتِ هذا ومعه عفاريت العنصرية وشياطين الكراهية، ليطلقها دفعة واحدة في مطاردة العرب والمسلمين في سائر دنيا الغرب الأوروبي قبل الأميركي. هاتان قيمتان أصيلتان فيه وتستوطناه تاريخيًّا. هما جزء تليد من نتاج تربته الفلسفية وتأبيان أن تفارقاه، حتى وإن هو من اكتوى بهما ودفع ثمنهما باهظًا وحاول جاهدًا مفارقتهما وظن أنه كاد… النازية، الفاشية… يضاف إليهما مدللته الصهيونية، التي هو منتجها ومصدِّرها إلينا وراعيها باعتبارها امتدادًا له وجزءًا عضويًّا منه ووظيفيًّا له… كل ما فعله ترامب، وهو يخرج من قمقم “الواسب”، هو أنه نبش رمضاءهما فأطلق شرارتهما وكان أصدق معبِّر عما أطلقه والأكفأ في استثماره.
العفاريت الغافية بدأت في الاستيقاظ من قيلولتها قبل مجيء ترامب، إثر تدفق اللاجئين والمهاجرين على أوروبا، وكذا التحولات الكونية التي دفعت بأوروبا إلى الخلف اقتصاديا إثر صعود التنين الصيني المتسارع اقتصاديًّا، يزيده وصول الإمبراطورية الأميركية الإمبريالية قمة فجور هيمنتها وارتطامها بحدود أوج قوتها، فولوجها بالتالي قدر الصيرورة التاريخية للإمبراطوريات عبر التاريخ، بدء العد العكسي بالاتجاه نحو الانحدار. منذ هزيمتها في فيتنام لم تكسب حربًا واحدة… أفغانستان، العراق… وإذ تراجعت السطوة، نجح باراك حسين أوباما إلى حد ما في تبطئة العد التنازلي، حال دون الانهيار الاقتصادي، واستبدل القوة الخشنة ذات المردود المر بالناعمة الأشد فتكًا والأقل كلفة وتوظيف البدائل المحلية. ترامب، أخرجه سن يأس الإمبراطورية من قمقمها ليعيد لها خصوبتها المستحيلة، لذا لخص مهمته على طريقته الشعبوية “الدفاع عن حدود بلاده، وليس عن حدود الآخرين”، وعندما يقول حدودها فهو يعني العالم، وليس مجرَّد بناء سور عازل بينها وبين المكسيك، أو فقط منع المسلمين من التسلل إليها عبر مطاراتها، ذلك لأنه وعد “الواسب” البيض الذين انتخبوه بأن الإمبراطورية “ستستعيد قوتها وهيبتها”، كقائدة للعالم، وهذا يعني ليس على الطريقة الأوبامية التي لم يؤتَ بصاحبها إلا لإخراجها من هاوية ألحقتها بها حماقات سلفه بوش الابن. لذا، أول ما فعله هو مسح كل أثر أوبامي سبقه. بدأ بـ”أوباما كير”، وثنَّى بشراكة الهادي، وسيتبعهما باتفاقية “النافتا”، ومعها “المناخ”… أسبوعان في السلطة وعشرة قرارات تنفيذية أجفلت الأميركان وأرجفت العالم والآتي أعظم… ولم يكتفِ بإقالة النائب العام، لأنها لم تنفِّذ قراراته بمنع من حظرت دخولهم للولايات المتحدة من الرعايا المسلمين، بل ألحق بها المسؤول بالوكالة عن إدارة الهجرة، وزاد فتحدى تقاليد وقوانين المؤسسة فجرَّد رئيس الأركان ومدير “سي آي إيه” من عضوية مجلس الأمن القومي ليقتصر حضورهما على حالة استدعائهما، وخصص فيه مقعدًا دائمًا لمستشاره المفضَّل ستيف بانون.
لخروج ترامب من قمقم سن اليأس الأميركي خطورته الكامنة في أنه لو عطست بقرة في الغرب الأميركي لوجدت عطستها صداها في أربع جهات العالم، لذا فالعالم منشغل بانتظار جديد ترامب، قراراته التنفيذية الشاملة لرعايا الدول الإسلامية السبع، أو الست دول عربية زائدًا إيران، لقت صداها العاجل في مذبحة مسجد “كيبيك” الكندية، وإذ ارتعدت كندا وشاركها العالم فزعها، حذرت فرنسا، واستهجنت ألمانيا، ووصف رئيس الاتحاد الأوروبي ترامب بأنه “يشكل خطرًا إرهابيًّا على أوروبا”، بينما صمت ذوو الرعايا المحتجزين في المطارات باستثناء إيران. يقال إن جامعة الدول العربية قد سمعت بالأمر، ولا ندري إذا كان هذا هو حال منظمة “التعاون الإسلامي”!
جل الكوارث والرزايا والفتن وراهن الفوضى المدمرة التي لحقت بأمتنا، يضاف لها الجريمة المتواصلة منذ ثلاثة أرباع القرن والمسماة “إسرائيل”، هي في جزء رئيس منها بضاعة غربية جلها أميركية الصنع، وما تبقى ردود فعل استدرجها وغذَّاها فجور التغوُّل الاستعماري وامتداده الصهيوني، والإرهاب الذي يزعمون محاربته في بلادنا ها هم يمارسونه ضد ضحاياه، أو ضحاياهم، التي لجأت إلى بلادهم أو سبق وأن هاجرت إليها. لكنما الأخطر هو ما ينتظر القضية الفلسطينية من قرارات ترامبية، هذا الذي عدته “الواشنطن بوست” الأميركية واحدًا من “ممولي الاستيطان البارزين”، هو ومن هم الآن حوله من صهاينة ومتصهينين. ذكرت أنه تبرع عام 2003 لمستعمرة “بيت إيل” وحدها بعشرة آلاف دولار. هنا يكمن سر الفرحة الزائدة لدى غلاة الصهاينة بما أخرجه قمقم الانتخابات الأميركية. إنهم الآن بانتظار نقل السفارة الأميركية للقدس يواصلون اتخاذ قرارات بناء آلاف الوحدات التهويدية، ويصادقون على قانون يبيح رسميًّا سرقة ما تبقى من الأرض التي لم تهوَّد في الضفة. أضافوا لمتعدد أساليب السرقة جديدًا هو جواز الاستيلاء على الأملاك الخاصة، وهذا يعني قوننة 16 مستعمرة كانت تدعى بالعشوائية.
بنقل السفارة يجهز ترامب على وهم “حل الدولتين” المعشش في رؤوس الأوسلويين والتصفويين العرب، وفيه تمهيد لضم ما يدعى “غلاف القدس”، أي فصل شمال الضفة عن جنوبها، واعتبار التهويد مسألة ممارسة سيادية صهيونية وليس سلبًا لأرض محتلة، ومن بعده ستكون عودة الأوسلويين للمفاوضات مشروطة باعترافهم بـ”يهودية الدولة”.
…العالم منشغل بقرارات ترامب التنفيذية وانتظار مستجدها، وبعض العرب بما إذا كان سينصرهم على عدوهم البديل لعدوهم الصهيوني الذي هو الآن إيران، أما الأوسلويون فكيفية الهرب من مستحقات مراجعة النهج الانهزامي باتجاه البديل الدولي لـ”حل الدولتين”، والذي سقفه، إن كان، لن يعدو “الدولة الناقصة”، أو المفهوم النتنياهوي للسلام!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2165626

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

33 من الزوار الآن

2165626 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010