الجمعة 17 آذار (مارس) 2017

لا تفقأوا العين الثانية

الجمعة 17 آذار (مارس) 2017 par علي بدوان

الفصائل الفلسطينية، جميعها، تتحمل مسؤولية ما حَلَّ بمخيم عين الحلوة، حيث دأبت مُعظمها على ترك الأمور داخل المخيم على “الغارب والضارب”، ولم تحرك ساكنًا، حيث تدفقت مجموعات مُسلحة غير فلسطينية، مُعظم أعضائها من اللبنانيين وغير اللبنانيين، وإن كان بعض أعضائها من الفلسطينيين، لتتخذ من المخيم مركزًا وموئلًا لها في مواجهة الشرعية اللبنانية، وحتى في مواجهة منظمة التحرير الفلسطينية وعموم فصائلها.
يعيش مخيم عين الحلوة الفلسطيني، وسكانه من لاجئي فلسطين، والواقع بالقرب من مدينة صيدا جنوب لبنان، حالة من القلق المُتزايد، نتيجة الانفلاتات والتداخلات الأمنية من حينٍ لأخر، وهي انفلاتات وتداخلات، كلّفت وتُكلّف الناس أرواحهم وممتلكاتهم.
مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة صيدا في جنوب لبنان، يَرقُدُ على برميلٍ من البارود منذ فترةٍ طويلة، ويعيش مواطنية وأبنائه حالة من التوتر الدائم. فاشتعاله الأخير لم يَكُن سوى جولة من جولات الاحتراب الداخلي على جسد أبنائه ومواطنيه من النساء والأطفال والعجائز.
فماذا يجري في مخيم عين الحلوة الفلسطيني..؟ ولماذا اشتعل المخيم، وهل تنجح القوة الجديدة التي شكّلتها القوى الفلسطينية في ضبط الأمن؟ وهل لدى الجيش اللبناني نية لدخوله؟ ومن يتحمّل مسؤولية ما يجري: حركة فتح وعموم الفصائل الفلسطينية، أم باقي المجموعات الصغيرة المختفية داخل المخيم..؟ وما هو هدف المعركة فعلًا..؟
لقد اشتعل مخيم عين الحلوة مُجددًا في جولة العنف الأخيرة، حيث التراشق بالنار والقنص والقذائف المتبادلة بين أطرافٍ موتورة لا علاقة لها بقضية فلسطين وشعبها، بل تَحمِلُ معها قناعاتٍ سياسية هي أقرَبُ إلى “الهلوساتِ” منها إلى الرأي والفكر. لتَصُبَ أفعالها في نهاية الأمر في مسار تدمير الوجود الفلسطيني في لبنان، ودفع الناس للخروج من عين الحلوة والبحث عن دروب المنافي البعيدة عن فلسطين.
الفصائل الفلسطينية، جميعها، تتحمل مسؤولية ما حَلَّ بمخيم عين الحلوة، حيث دأبت مُعظمها على ترك الأمور داخل المخيم على “الغارب والضارب”، ولم تحرك ساكنًا، حيث تدفقت مجموعات مُسلحة غير فلسطينية، مُعظم أعضائها من اللبنانيين وغير اللبنانيين، وإن كان بعض أعضائها من الفلسطينيين، لتتخذ من المخيم مركزًا وموئلًا لها في مواجهة الشرعية اللبنانية، وحتى في مواجهة منظمة التحرير الفلسطينية وعموم فصائلها. فبين حواري المخيم وأزقته، تتواجد مجموعة تُسمى نفسها بمجموعة “جند الشام” ويتواجد أعضاؤها بشكلٍ رئيسي في قسم من مخيم عين الحلوة يسمى منطقة الطوارئ وعددهم حوالي (40-50) مسلحًا. وهناك مجموعة “فتح الإسلام”. كذلك مجموعة “أنصار القاعدة”. إضافة لمجموعة صغيرة تتبع تنظيم “داعش”، عدا عن العديد من المسلحين اللبنانيين والسوريين.
إن مَرَدُ تلك الحالة القلقة في مخيم عين الحلوة، والتي تهدد بقاء الناس ووجودهم، يعود لعدة أسباب، يقع على رأسها وجود تلك المجموعات المُسلحة المُتعددة التي أشرنا إليها أعلاه، والتي تحمل عناوين مُختلفة داخل المخيم، ومنذ وقتٍ طويل، وقد حوّلت عين الحلوة ومحيطه إلى بؤرة أمنية من وجهة نظر الجهات الرسمية اللبنانية، وهي مجموعات غير فلسطينية بغالبيتها، وإن كان في عدادها بعض الفلسطينيين من أبناء مخيم عين الحلوة ومن خارج مخيم عين الحلوة، فضلًا عن ارتباطاتها وأجنداتها.
كما تأتي تلك الحالة، وتفاقمها، نتيجة سوء وقصور المُعالجات المطلوبة من قبل مُختلف الأطراف والجهات الفلسطينية المعنية، وعلى رأسها القوى الفلسطينية الأكثر حضورًا وتواجدًا، حيث تتضارب التقديرات في كيفية معالجة الوضع القائم بين تلك القوى، بالرغم من وجود إجماع وطني فلسطيني على ضرورة تفكيك التوترات الأمنية، والتصدي لأي عملٍ يَضُر باستقرار الناس وحياتهم اليومية
لقد تُرِكَ مخيم عين الحلوة في مَهبِ الريح منذ سنواتٍ خلت، أمام تناسل وتدفق تلك المجموعات بأسماءٍ مُختلفة، حتى باتت اليوم تلك المجموعات تتحكم بمصير الناس وأمنهم، على مساحة من الأرض لا تتجاوز كيلومترا مربعا واحدا هي مساحة مخيم عين الحلوة، أكبر مخيمات وتجمعات اللاجئين الفلسطينيين فوق الأرض اللبنانية.
إن تحويل مخيم عين الحلوة إلى جزيرة وبؤرة أمنية، عمل مقصود، ساهمت به وبصناعته، والترويج له، عدة أطراف محلية واقليمية، في سياقات معروفة، طوال السنوات الطويلة الماضية، والهدف الرئيسي من كل ذلك حسابات سياسية وأبعد من سياسية، ليس أقلُها دَفع العدد الأكبر من لاجئي فلسطين في لبنان للهجرة وطرق أبواب المعمورة الأربع، وهو ما تم عمليًّا حين نعلم بأن أكثر من (70%) من لاجئي فلسطين في لبنان قد أصبحوا خارج لبنان في بلادٍ بعيدة، وقد أُسقِطَت كشوفهم من سجلات النفوس العائدة للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
إن الفصائل الفلسطينية، وخاصة منها، حركتي فتح وحماس، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية القيادة العامة، مدعوة لتنسيق مواقفها عمليًّا، والتخلص من عصبياتها، من أجل حماية الناس في مخيم عين الحلوة، وإبعاد كل الذين يُشار إليهم بالبنان على أنهم متورطون في العبث بالأمن داخل وعلى محيط مخيم عين الحلوة، وتسليمهم للشرعية اللبنانية، أو على الأقل إخراجهم من مخيم عين الحلوة.
وإذا كانت الشرعية اللبنانية، والجيش اللبناني حريصًا على منع وجود المجموعات المنفلتة أو المطلوبين، عليه أن يدخل مخيم عين الحلوة، ليفرض القانون على الجميع ما دامت الأرض لبنانية، ولتكن المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض اللبنانية تحت إدارة الشرعية اللبنانية دون جدار، ودون سجون بشرية، ودون بانتوستنات جديدة.
إن القلق المُسيطر على أجواء الناس في مخيم عين الحلوة، وعموم التجمعات الفلسطينية في لبنان، يتأتى من غياب المعالجات الجدية المطلوبة والسريعة للتوترات الأمنية في مخيم عين الحلوة، أكبر التجمعات الفلسطينية في لبنان. كما تأتي الخشية من أن يُصبح مخيم عين الحلوة مخيم يرموك آخر بعد مأساة الأخير، حيث تحوّل من عاصمة للشتات الفلسطيني إلى مخيمٍ منكوب، باتت الغالبية الساحقة من مواطنيه ــــ نحو 300 ألف مواطن ــــ في نكبة ثانية، في ديار اللجوء الجديدة داخل سوريا وخارجها على امتداد أصقاع المعمورة.
إن إنقاذ مخيم عين الحلوة من السقوط، وتوفير الأمن والاستقرار لعموم التجمعات الفلسطينية فوق الأرض اللبنانية، مسألة لا تقبل التأجيل أو التقاعس، وهو ما يفترض بالجهات الرسمية الفلسطينية، والقوى الأساسية المتواجدة في لبنان كحركتي حماس وفتح والجبهة الشعبية والقيادة العامة ضرورة السعي لتفكيك مظاهر الحالة الأمنية السائدة، قبل أن يصبح عين الحلوة مخيم يرموك آخر، وقبل أن يصبح سيف التهجير مُسلطًا على ما تبقى من فلسطينيي لبنان في لبنان.
أخيرًا، نقول للجميع، لا تفقأوا عين الشتات الفلسطيني الثانية، بعد فُقئت العين الأولى له في مأساة مخيم اليرموك.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 44 / 2165580

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

33 من الزوار الآن

2165580 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010