السبت 26 آب (أغسطس) 2017

في «المخاض الفلسطيني»

السبت 26 آب (أغسطس) 2017 par عوني صادق

الوضع الفلسطيني للناظر إليه عن بعد، يبدو حيناً جامداً وحيناً مرتبكاً، وفجأة وبعد هدوء يقصر أو يطول يبدو متحركاً ومشتعلاً، إلا أن ما يبدو من حراكات على السطح قد لا يعبر في كثير من الحالات عما يعتمل في العمق، لذلك فإن معظم الذين يتوقفون عنده يتحدثون عن «مأزق»، وتتكاثر «الطروحات» بحثاً عن «مخرج» ليخرج المتابع بنتيجة واحدة هي أن معظم «المخارج المعتمدة» قد سدت، وهو ما يبرر القول إن الفلسطينيين في «حالة مخاض» وعلى «مفرق طرق»!
والحقيقة الأولى اللافتة هي أنها ليست المرة الأولى التي يواجه الفلسطينيون فيها هذه «الحالة»، والمراجعة الدقيقة تفيد بأن «المخاضات» السابقة لم تأتِ بالثمار المطلوبة، بل العكس تماماً إذ رسمت خطاً نازلاً في مسيرة حركة التحرر الوطني الفلسطينية بعد كل مرة، وصولاً إلى اليوم! وقد كانت هذه «المخاضات» في أعوام 1970، 1974، 1978، 1993 و2000، والمتتبع يرى بسهولة الرسم البياني النازل علماً بأن الانتفاضتين، الأولى والثانية، كانتا ذروتين من ذرى الحراك الشعبي المعبر حقاً عن التطلعات الشعبية. وبالرغم من سنوات ما بعد (أوسلو) العجاف، إلا أن الانتفاضة الثانية (2000) والهبة الشعبية (2015) و(معركة الأقصى 2017)، دلت على أن ما يعتمل في العمق هو مختلف تماماً عما تتركز عليه الأضواء فوق السطح، بصرف النظر عن النتائج المتحققة.
والحقيقة الثانية هي أنه منذ مطلع السبعينات، وبعد خروج المقاومة الفلسطينية من الأردن، وبالرغم من أن جميع المنظمات ومعظم الأحزاب العاملة في الفضاء الوطني كانت ترفع شعار «الكفاح المسلح»، إلا أنه كان واضحاً أن في الساحة الفلسطينية خطان: «خط المقاومة والنضال»، و«خط المساومة والمفاوضات»، وكان العام 1974 عاماً مفصلياً. فمع الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية «ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني»، ودخولها منظمة الأمم المتحدة، واعتماد «برنامج النقاط العشر- البرنامج المرحلي» ( وكلها وقعت في العام 1974) اتضح لمن ينظر أبعد من أنفه أن «خط المساومة والمفاوضات» قد انتصر! وعبر انعطافات وتعرجات كثيرة وقعت بعد ذلك، يبدو الآن أن الوصول إلى (اتفاق أوسلو- 1993) كان أمراً حتمياً!
اليوم، نلاحظ مسارات ثلاثة: المسار الرسمي الذي تمثله السلطة الفلسطينية وحركة (فتح)، الذي يتبنى المفاوضات. وآخر تصريح يمثل هذا الخط، جاء على لسان الرئيس محمود عباس الذي أعلن فيه «إننا ما زلنا ننتظر رؤية الإدارة الأمريكية». أما المسار الثاني، فتمثله (منظمات المقاومة) من داخل منظمة التحرير وخارجها، والذي تحول مع الزمن إلى «رديف» للمسار الأول مع بقائه متمسكاً بشعار (المقاومة). وهؤلاء ما زالوا يطالبون بحلول يعرفون أن طرقها مسدودة مثل: تحقيق المصالحة بين حركتي (فتح وحماس)، وإحياء مؤسسات منظمة التحرير وخصوصاً (المجلس الوطني)، والاحتكام إلى (صندوق الاقتراع) في إطار ما يسمى (إعادة بناء منظمة التحرير) بمشاركة المنظمات التي ما زالت خارج المنظمة، لتكون فعلاً بعد عملية (إعادة البناء) أعلى سلطة بوصفها موضع (الإجماع الفلسطيني)! وأما المسار الثالث، فهو ما يمكن أن نطلق عليه (المسار الشعبي)، والذي يعبر عن نفسه بالهبات الشعبية عند كل صدام مع قوات الاحتلال وحكومة الاحتلال، بدءاً مما يسمى (العمليات الفردية) من طعن ودهس، إلى الإضرابات والاعتصامات، وصولاً إلى نموذج الشهيد المقاوم باسل الأعرج، وانتهاء ب (معركة الأقصى). بطبيعة الحال، لا يمكن الرهان على المسار الأول في استرداد أي حق من الحقوق. أما المسار الثاني، فقد بنى علاقاته مع المسار الأول على قاعدة «الصراع مع الوحدة»، والمقاومة التي يتلفظون بها لفظت أنفاسها على أعتاب مناورات النضال من أجل البقاء ووراثة المسار الأول إن أمكن! ولا يبقى مسار يمكن التعويل عليه إلا الاعتماد على الجماهير الشعبية التي تختزن إرادة الصمود والمقاومة. لكن هذه الجماهير تحتاج من يقودها ويوفر لها البرنامج النضالي المقنع.
ومما لا شك فيه، أن الفلسطينيين عموماً يؤمنون، خصوصاً بعد سبعين سنة من النضال والتجارب والتضحيات، بأن أنصار «خط المفاوضات» لم يحققوا شيئاً مما سعوا إليه، وأن «خط النضال والمقاومة» هو القادر على تحقيق الأهداف الوطنية. واليوم هناك من يدعو إلى «تجديد المقاومة الفلسطينية»، وعيب هذه الدعوة أنها تنطلق من الإبقاء على «الهياكل» القديمة من (منظمات المقاومة) مع أنه ينطلق من قناعته بأن «أسماء وعناوين مثل منظمة التحرير الفلسطينية» أو «القوى الوطنية والإسلامية» أو «تحالف قوى المقاومة الفلسطينية» أصبحت هيئات تعني الشيء ذاته تنقصها المصداقية والشرعية ويعوزها الوضوح والقيادة الثورية والخطط والكفاءة وتعاني فقراً مدقعاً في الثقة! وكل ذلك يظهر أن الحاجة ماسة إلى الجديد وليس إلى التجديد.
الطروحات كثيرة لكنها كلها لا تزيد على (توصيف الحالة)، وتنتهي عند الأسئلة والتساؤلات بلا أجوبة، ولا تقترح طريقاً يؤدي للخروج من المأزق.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2165752

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165752 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010