الخميس 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2017

مشاريع عودة اليهود إلى فلسطين 1-2

الخميس 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2017 par أحمد الدبش

“لو لم يكن هناك يهود لكان على بريطانيا أن تخترعهم”
(نورداو)
منذ القرن السادس عشر، تجاوزت اليهودية حدود العقيدة الدينية، وأصبحت أمة ورمزاً للقومية، حتى الكتاب المقدس ــ العهد القديم ــ تحول منذ ذلك الوقت المبكر من كتاب ديني إلى كتاب سياسي يقوم على قاعدة العهد الإلَهي بالأرض المقدسة للشعب اليهودي المختار.وبذلك بدأ ما يمكن وصفه بـ »الاتحاد الغريب بين سياسة الإمبراطورية الإنجليزية ونوع من الصهيونية المسيحية الأبوية التي اتضحت في السياسة الإنجليزية في الأجيال اللاحقة«.
فإن أول دعوة لانبعاث اليهود إلى فلسطين ارتفعت في إنجلترا على يد عالم اللاهوت البريطاني توماس برايتمان (1562 – 1607)، عالم لاهوت ويعتبر الأب الروحي لعقيدة بعث اليهود التي سادت في إنجلترا. كان له أتباع كثيرون من معاصريه، ومن بينهم أعضاء في البرلمان الإنجليزي. كتب عن الانبعاث اليهودي يقول: »إن اليهود كشعب سيعودون ثانية إلى فلسطين، وطن آبائهم الأولين«.
من بين هذه الكتابات التي كانت نتاجاً طبيعياً للثقافة والمناخ الديني السائدين في ذلك الوقت، البحث الذي وضعه السير هنري فنش (Henry Finch)، المستشار القانوني لملك إنجلترا ونشره عام 1621؛ بعنوان »الاستعادة العظمى العالمية ــThe Worlds Great Restoration «، واعتبر أول المشروعات الانجليزية لاستعادة فلسطين لليهود، »حيث طالب الأمراء المسيحيون بجمع قواهم لاستعادة إمبراطورية الأمة اليهودية«. وفي منتصف القرن السابع عشر، قُدم العديد من الالتماسات والعرائض، ومن بينها عريضة قُدّمت إلى الحكومة الانجليزية في عام 1649، تحث إنجلترا وهولندا لتكونا الأسرع في نقل أبناء (إسرائيل) وبناتها على مراكبهم إلى الأرض التي وُعد بها آباؤهم الأولون.
»إن ما كان يميز نبوءة فنش هو مزجه بين الدين والسياسة كما عبر عنه في رؤية الكومنولث اليهودي المستعاد. وهنا نرى تصوراً للحكومة الدينية التي تعتبر حقيقة واقعة في أرض إسرائيل المحررة«.
كان من نتائج انتشار البروتستانتية في إنجلترا، ظهور حركة منظمة تنادى بإعادة اليهود إلى فلسطين. ففي عام1649؛ قام اثنان من الإنجليز المقيمين في أمستردام برفع عريضة إلى حكومتهم يطلبون فيها بذل جهد مشترك مع هولندا لتوطين اليهود في فلسطين، حيث جاء في العريضة: »ستكون هذه الأمة الإنجليزية مع سكان الأراضي المنخفضة (هولندا) أول الناس وأكثرهم استعدادا لنقل أبناء (إسرائيل) وبناتها إلى الأرض التي وعد بها أجدادهم إبراهيم وإسحق ويعقوب كإرث باق أبداً«.
أرسل جماعة من البيوريتانيين الإنجليز، عام 1649؛ الاسترحام التالي للحكومة الإنجليزية:
»ليكن شعب إنجلترا وسكان الأراضي المنخفضة أول من يحمل أبناء وبنات (إسرائيل) على سفنهم إلى الأرض التي وعد بها أجدادهم إبراهيم وإسحق ويعقوب لتكون إرثهم الأبدي«. وكان اللذان بعثا الاسترحام هما جوانا وأيبنزر وكارترايت (Joanna And Ebenezer Cartwright) الإنجليزيين البيوريتانيين المقيمين في أمستردام. وكانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ فكرة البعث اليهودي التي يقدم فيها عمل من صنع البشر على أنه الطريق الوحيد لتحقيق الهدف الذي كان يعتبره اليهود وغيرهم أمراً روحياً لا يتحقق إلا بتدخل العناية الإلهية.
وفي وقت قريب من تاريخ هذا الاسترحام أرسل الإنجليزي ادوارد نيكولوس استرحاماً مشابهاً إلى الحكومة الإنجليزية تحت عنوان »الدفاع عن أمة اليهود المحترمة وجميع أبناء (إسرائيل) «. ربط فيه بين النكسة التي حاقت بإنجلترا وبين المعاملة السيئة التي سامت بها »أنبل شعوب العالم، الشعب الذي اختاره الله«.
وباقتناع تام منه بأنه مكلف مهمة التعجيل بقدوم المسيح، نشر اليهودي منسى بن إسرائيل (Menasseh Ben Israel)، (1604- 1657)؛ كبير حاخامات أمستردام، كتابه »أمل إسرائيل ــ Hope of Israel « وقد ربط بذكاء بين المسيحية البيوريتانية الإنجليزية والمسيحية اليهودية، كما ربط بين التفكير اللاهوتى والسياسة العلمية، وألف منسى بين التصورات البيوريتانية عن نهاية العالم ومجيء المسيح وتصوراته اليهودية. وروج لإعادة السماح لليهود بدخول إنجلترا كخطوة في اتجاه أن تقوم إنجلترا بإعادة توطينهم النهائي في فلسطين. وكان لكتابه »أمل إسرائيل« رده فعل متحمسة لإعادة اليهود إلى إنجلترا ثم فلسطين، إذ راجت الترجمة الإنجليزية للكتاب، ونفذت ثلاث طبعات منه قبل أن تطأ قدم منسى أرض إنجلترا عام 1655. وكان لمنسى تأثير كبير على أوليفر كرومويل رئيس الكومنولث البيوريتانى (1649- 1658)، عندما وافق على دخول اليهود إنجلترا كمقدمة لإعادتهم إلى فلسطين. لقد أدى انتشار الاعتقاد بـ »الميللية« و»عودة المسيح« في خضم أحداث القرن السابع عشر، إلى صعود تيار المسيحية اليهودية، وبالتالي، إعلاء فكرة بعث إسرائيل في الوسط الفلسفي والأدبي في أوروبا خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر. فقال جون لوك، واضع النظرية الليبرالية، في كتابه »تعليقات على رسائل القديس بولس« : »إن الله قادر على جمع اليهود في كيان واحد... وجعلهم في وضع مزدهر في وطنهم«.
وفي فرنسا، عمل أصحاب عقيدة الألفية باتجاه إعادة اليهود إلى فرنسا، وتحويلهم إلى المسيحية، حتىيقودهم ملك فرنسا إلى أورشليم، ثم يجيء المسيح، ليحكم العالم من أورشليم، ومعه ملك فرنسا، كوصي على العرش!
كان ممثلهم البارز هو إسحق دي لا بيرير(1594- 1676)، الذي كتب »دعوة اليهود ــ Rappel Des Juifis «، ودعا إلى إحياء إسرائيل، بتوطين الشعب اليهودي في الأرض المقدسة رغم اعتناقه النصرانية. وقد بعث استرحامه إلى الملوك الفرنسيين، ولكن رسالته لم تنشر مطبوعة، إلا بعد ما يقارب القرنين من الزمان، حين دعا نابليون إلى اجتماع السنهدرين اليهودي، في مايو/ أيار 1806. ومع ذلك، بقي ذلك الكاتب عالمًا ذا نفوذ، بل إنه عين سفيرًا لفرنسا في الدانمارك 1644.
ثمة عالم آخر، هو فيليب جنتل دي لانجالير (1656- 1717)، الذي لم يصب نجاحًا، كسلفه، فعندما تقدم بخطته، من أجل توطين اليهود في فلسطين، على أن يُعطى الخليفة العثماني روما، بدلاً منها ألقي القبض عليه، وقُدِّم للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى.
وفي الدانمارك قام هولغير باولي (1644 ــ 1714) بنشاط متواصل، ابرزه إرسال المذكرات إلى ملوك أوروبا بشأن تأسيس مملكة يهودية في فلسطين.
لن ينتهي القرن الثامن عشر قبل صدور وعد نابليوني بإنشاء دولة يهودية في فلسطين. وقد اصدر نابليون بونابرت، نداءه الشهير، الذي يدعو فيه اليهود إلى الانضواء تحت أعلامه من أجل استعادة القدس، سنة 1799. (سنفرد مقالاً بالتفصيل حول مدى صحة الوعد النابليوني).
في عام 1800؛ نشر جيمس بتشنُو كتابه »إرجاع اليهود أزمة جميع الأمم«، مقدما تصوراً سياسياً عاماً، عن مدى أهمية البعث اليهودي في الشؤون العالمية، وأن يقترح خطاً سياسياً. فقد كتب يقول: »إن شعباً قوياً قد يبادر، وخصوصاً إذا كان في حالة حرب مع الأتراك، إلى... تبني قضيتهم [قضية اليهود] فيغدو وصياً ومساعداً وولي النعمة لهم في عملية العودة إلى بلدهم؛ لا من منظور تمكين النبوءات من التحقق أو القيام بعمل يبعث السرور في قلب الرب، بل في سبيل تدعيم وتعزيز مخططاته هو [الشعب]. وإذا كانت فكرة كهذه ستخطر في بال حكام هذا الشعب المفترض، فإنهم قد يقولون: ثمة ملايين من اليهود منتشرون في أرجاء أوروبا كما في المناطق الآسيوية والإفريقية الملاصقة لسورية. ومن شأن إلهاب ذلك الحماس الذي أثارهم في الماضي ودفعهم إلى السعي لاستعادة أرضهم ولإعادة إقامة اتحادهم مع استعادة دينهم، مرة أخرى وتسخيره لخدمة قضيتنا، أن يشكل سلاحاً جباراً بأيدينا، أن يمكننا من امتلاك موارد هائلة نوظفها في سبيل تحقيق أغراضنا«. ويتابع بتشنُو كلامه قائلاً: »إن وطنيين إنجليز صادقين، طيبين وجيدَينَ اعتقدوا أن الرب قد أوكل إليهم مهمة مساعدة اليهود على العودة«. يضيف بتشنُو قائلاً: »فالتحالف مع تركيا بالتحديد هو الذي كانت الحكومة تستطيع أن تستفيد منه. إن الحكومة كانت تستطيع أن توظف النفوذ الذي كانت إنجلترا تمارسه الآن على السلطان عبر قناصلها من أجل إغرائه بـ(التخلي عن) فلسطين، وهو »إقليم لا ينتج إلا القليل جداً من الفوائد«، لليهود »أصحابها الشرعيين«. بل من الجدير أيضاً أن تبادر الحكومة في الوقت نفسه إلى تقديم »بضعة ملايين« للسلطان »مقابل تنفيذ هذا التدبير«. وبالتالي فإن على الحكومة البريطانية أن تبادر إلى الاضطلاع بالمهمة التي اقترحها قبل فوات الأوان.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 69 / 2178945

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع نوافذ  متابعة نشاط الموقع أحمد الدبش   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2178945 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40