الجمعة 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017

100 عام على وعد بلفور

الجمعة 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 par د. عبد العزيز المقالح

منذ ذلك الوعد المشؤوم تبددت وعود وتساقطت معاهدات وصعدت شعوب وتحطمت أمم وسالت أنهار من الدماء وجفّت، لكن حبر ذلك الوعد المشؤوم لم يجف وورقته لم تحترق لسبب لم يتوقف عنده أصحاب القضية ولا أنصارها، وذلك السبب يؤكد أنه لم يكن وعداً للصهيونية العالمية بوطن في الأرض العربية، وإنما كان وعداً لكل القوى الاستعمارية التي شاءت أن ترسّخ أقدامها في هذا المكان من خلال إنشاء دولة عنصرية متعصبة وتابعة، ولتكون في الوقت نفسه شوكة في قلب الوطن العربي تقض مضاجع أبنائه وتمنعهم من التفرغ لبناء دولتهم الواحدة أو الاتحادية، وما سيترتب عليها من قيام نظام عربي لا يكون تابعاً مقهوراً مسلوب السيادة والقرار، وهو ما يشير إلى أن تلك القوى كانت تدرك أن مصلحة العرب تكمن في وحدتهم وأنهم مهما اختلفوا أو أدركتهم حالات استثنائية من الضعف سيعودون إلى رشدهم ويستعيدون دورهم.
كما ينبغي أن نتبين أن المصادفة لم تكن وحدها التي جعلت وعد بلفور يتزامن مع مؤامرة «سايكس - بيكو» الهادفة إلى تقسيم الوطن العربي إلى مناطق نفوذ واحتلال باعتباره -أي هذا الوطن- من غنائم الحرب العالمية الأولى، ولم يعد هناك أدنى شك في أن الأمة العربية في ذلك الحين كانت تمر بأسوأ حالاتها سياسياً ووعياً بالمخاطر بالرغم من الانتفاضات القطرية العنيفة والتضحيات الكبرى التي بذلتها المقاومة الوطنية في التصدي لقوات الاحتلال ومواجهة العدوان الأوروبي متعدد الجنسيات.
وإذا كانت الحرب العالمية الأولى قد أنتجت وعد بلفور وأطلقت يد القوى الطامعة في احتلال الأقطار العربية فإن الحرب العالمية الثانية قد وضعت وعد بلفور موضع التنفيذ، ومكّنت القوى الطامعة ذاتها من تحقيق الهدف الرامي إلى حماية مصالحها الدائمة بإنشاء احتلال مسلح ومدعوم مادياً ومعنوياً، وكلما حاول أي قطر عربي النهوض واسترداد حقوقه المشروعة كما حدث في تأميم قناة السويس -على سبيل المثال- تولى هذا الاحتلال المزروع في قلب الوطن العربي مهمة الشروع في الدفاع عن المصالح الاستعمارية.
وقد قيل الكثير في وصف وعد بلفور لكن تظل العبارة الموجزة والشائعة عن لا شرعيته ولا قانونيته ومجافاته لكل القيم والأعراف الدولية هي تلك التي تقول «لقد أعطى من لا يملك لمن لا يستحق».
ومهما تكن التبريرات الاستعمارية وما يرافقها من تجاهل سافر للحقيقة فإن الجريمة قد تمت على مراحل، ابتداء من زمن ذلك الوعد إلى آخر دم طازج يسيل اليوم من أجساد الأشقاء الفلسطينيين في الضفة والقدس، وستظل اللعنة تطارد ذلك الوعد والعاملين بوضوح أو في الخفاء على تحقيقه والتمكين له في البقاء.
وواقع الحياة يقول، إن ما قام على الباطل والاحتيال لا يدوم بالحماية الخارجية مهما بلغت سطوتها وبلغ نفوذها. وإذا كانت ذكرى المئويتين: مئوية وعد بلفور، ومئوية مؤامرة التقسيم تمر والعرب وأشقاؤهم من الأقطار الإسلامية في حالة انشغال بالأحداث الراهنة الفاجعة فإنهم لم يجدوا وقتاً لقراءة الذكرى في ضوء هذه الأحداث لكنهم يدركون جيداً أن ما يحدث الآن يمت بصلة كبيرة إلى تلك المشاريع والمخططات التي وضعت الأسس الأولى للمنازعات والحروب القائمة. وبعد أن نجحت مؤامرة تقسيم الوطن العربي إلى أقطار تابعة، فالجزء المتبقي منها يشير إلى تحويل هذه الأقطار إلى جزر متنافرة ومتناحرة، ويوشك ذلك أن يتحقق وبأيدينا نحن وبدمائنا أيضاً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 70 / 2165476

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165476 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010