الخميس 2 أيلول (سبتمبر) 2010

زيارة معدومة النتائج

الخميس 2 أيلول (سبتمبر) 2010 par د. محمد السعيد ادريس

على الرغم من الأهمية القصوى للزيارة التي قام بها يوكيا أمانو المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى الكيان الصهيوني في الأسبوع الماضي، واستمرت أياماً ثلاثة، فإن هذه الزيارة جرى التعتيم إعلامياً عليها عمداً، ليس فقط من الإعلام «الإسرائيلي» ولكن أيضاً في الإعلام الدولي وبالتبعية أيضاً في الإعلام العربي، والسبب يرجع إلى حرص «إسرائيل» على التغطية على الهدف الذي من أجله قرر أمانو أن يزور الكيان، والحرص من خلال التعتيم عليه إعلامياً على تحويل الزيارة إلى حدث هامشي لا يستحق الذكر هروباً من استحقاق آن أوانه هذا الشهر وتقرر موعده منذ انعقاد المؤتمر العام للوكالة في شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي. ففي هذا المؤتمر تقرر تكليف المدير العام التقصي عن القدرات النووية «الإسرائيلية»، وبعد صدور الوثيقة الختامية لمؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الذي عقد هذا العام في مقر الأمانة العامة للأمم المتحدة (نيويورك 3 28 مايو/ أيار 2010) التي دعت «إسرائيل» للتوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وكلفت الأمانة العامة للأمم المتحدة والدول النووية الخمس (أعضاء النادي النووي) الإعداد لمؤتمر دولي عام 2012 لتنفيذ القرار الصادر عن مؤتمر المراجعة عام 1995 بجعل «الشرق الأوسط» إقليماً خالياً من أسلحة الدمار الشامل، عاد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مقر الوكالة في فيينا، وهناك في يوم 6 يونيو (حزيران) 2010 أي بعد حوالي أسبوع واحد من انتهاء مؤتمر المراجعة في نيويورك عقد مؤتمراً صحافياً قال فيه إنه وجه خطاباً إلى جميع الدول الأعضاء في مجلس محافظي (حكام) الوكالة بشأن القدرات النووية «الإسرائيلية»، كما أعلن أنه تلقى 17 خطاباً فقط من الدول الأعضاء، وأنه ينتظر أن تصله بقية الردود حتى تستكمل عملية جمع المعلومات عن القدرات النووية «الإسرائيلية». وأشار إلى أن الوسائل التي سوف تتبعها الوكالة لجمع المعلومات عن القدرات النووية «الإسرائيلية» هي الاتصال بالعديد من الدول، والاستعانة بخبراء الوكالة، فضلاً عن بعض الخبراء الدوليين، وكذلك المصادر المتعددة التي يمكن أن تلجأ إليها الوكالة في مثل هذه الظروف.

وأرجع أمانو قصور أدواته ومنهجه في البحث والتقصي عن حقيقة القدرات النووية «الإسرائيلية»، إلى وجود فارق في التعامل مع «إسرائيل» بالنسبة لقدراتها النووية حيث إنها غير موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، وبالتالي هي غير ملزمة بضمانات الوكالة الشاملة لمنع الانتشار النووي، وهو وضع يختلف بالتالي عن وضع إيران، أي أن توقيع إيران على معاهدة حظر الانتشار النووي هو الذي أوقعها تحت طائلة الإجراءات الصارمة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حين أن «إسرائيل» غير الموفقة والرافضة للتوقيع على هذه المعاهدة معفاة من أية إجراءات صارمة، وبالتحديد من التفتيش وضمانات الوكالة ومطالب الشفافية وغيرها تشاء.

أمانو عندما قال ذلك في يونيو الماضي كان يتحدث وهو يأخذ في اعتباره الهجوم «الإسرائيلي» الضاري على توصية مؤتمر المراجعة بشقيها : عقد مؤتمر حظر الانتشار النووي في «الشرق الأوسط» عام 2012 ومطالبتها بالتوقيع على معاهدة حظر الانتشار، وكان يأخذ في اعتباره أيضاً الجهود الأمريكية والضغوط التي مارسها الأمريكيون على الدول الأعضاء في مؤتمر المراجعة لمنع صدور هذه التوصية وعدم النص على «إسرائيل» بالاسم ومطالبتها مباشرة بالتوقيع على المعاهدة.

فقد رفضت «إسرائيل» البيان الصادر عن مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الذي حضرته 189 دولة بما فيها الولايات المتحدة، ووصفته بأنه «بيان زائف ومعيب» وأنه «يتجاهل الحقائق في الشرق الأوسط، والتهديدات التي تواجه المنطقة والعالم بأسره (الإشارة هنا للخطر النووي الإيراني) وأنه لم يرد ذكر اسم إيران في البيان». كما قلل مسؤولون أمريكيون من أهمية البيان وقالوا إنه «لن يحقق شيئاً»، وأرجعوا ذلك إلى أن «الشرق الأوسط لا يمكن أن يعلن خالياً من أسلحة الدمار الشامل حين يسود السلام بين العرب و«إسرائيل»، وتحد إيران من برنامجها لتخصيب اليورانيوم».

أما الرئيس الأمريكي باراك أوباما، فعلى الرغم من أنه رحب بالبيان، الذي نجحت إدارته في أن تنزع منه صفة «الإلزام» وجعلته اختيارياً بالنسبة لحضور مؤتمر عام 2012 فقد أكد أنه «سيعارض جهود عزل «إسرائيل» وأي خطوة تعرض أمنها للخطر».

أمانو أخذ هذا كله في اعتباره وهو يتحدث عن سبل تقصي حقائق القدرات النووية «الإسرائيلية» في مؤتمره الصحافي المشار إليه (6 يونيو/ حزيران 2010)، لكن عندما ذهب إلى «إسرائيل» للمهمة ذاتها في الأسبوع الماضي كان يأخذ في اعتباره ما هو أهم، ونقصد الوعود التي قدمها الرئيس الأمريكي باراك أوباما لرئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو في لقائهما بواشنطن (يوليو/ تموز الماضي)، فإلى جانب تعهد أوباما بدعم مطالب «إسرائيل» الخاصة بالتحول من المفاوضات غير المباشرة مع الفلسطينيين إلى المفاوضات المباشرة من دون انتظار اكتمال المفاوضات غير المباشرة، فإنه تعهد بما هو أهم وهو حماية القدرات النووية «الإسرائيلية» بل دعمها ومنع فرض حضور «إسرائيل» لمؤتمر عام 2012 النووي الخاص بـ «الشرق الأوسط». من هنا جاء وصف صحيفة «هآرتس» الصهيونية لزيارة نتنياهو لواشنطن تلك بأنها «كشفت سلسلة تفاهمات أمريكية «إسرائيلية» بشأن الغموض النووي كانت تعتبر بالغة السرية في الماضي»، وقالت إن في مركز هذه التفاهمات «التزام أمريكي بإحباط كل قرار يلزم «إسرائيل» في الشأن النووي، واستعداد غير مسبوق للتعاون الأمريكي مع «إسرائيل» في المجال النووي المدني».

أمانو ذهب إلى «إسرائيل» وهو مشبع بهذه المعاني، ولم يستقبله نتنياهو وجرى التعتيم على الزيارة لأن نتائجها تقررت قبل أن يقوم بها، وهي لا ضغوط دولية على «إسرائيل» في برنامجها النووي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2166009

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166009 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010