الأحد 10 كانون الأول (ديسمبر) 2017

علها رب ضارة نافعة!

الأحد 10 كانون الأول (ديسمبر) 2017 par عبداللطيف مهنا

أعلن الرئيس الأميركي ترامب ضم القدس الكبرى، التي تشكّل مساحتها الآن من 12 إلى 15% من مساحة الضفة الغربية إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي، فاتحا الطريق لضم ما تبقى منها، المهوّد وما في سبيله للتهويد. اعترف بها عاصمة للمحتلين، وأمر بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها. استحق هذا منه امتداح رؤبين ريفلين، رئيس هذا الكيان، لـ”أجمل هدية لإسرائيل” في الذكرى السبعين لإقامتها، والخمسين لاحتلال القدس الشرقية. لقد كان استكمالا لمشوار أميركي بدأه ترومان، وإحياءً على طريقته للذكرى المئوية لوعد بلفور بوعد رديف يمكن أن يطلق عليه وعد ترامب.
وإذ لا يمكن تخيّله إلا قرارا إسرائيليا بامتياز، وحتى وصفه بقرار صهره ومستشاره كوشنر، فلا يعني عدم كونه أميركيا وبامتياز أيضا، فالرجل لم يفعل أكثر من تنفيذ قرار للكونجرس كان قد اُتّخذ عام 1995 وبإجماع أغلبية كلا الحزبين فيه الجمهوري والديمقراطي، لكنما الرؤساء الأميركان من يومها وحتى ترامب أجّلوا تنفيذه حرصا منهم على المصالح الأميركية في المنطقة. خالفهم ترامب فقدَّم المصالح الإسرائيلية والانتخابية لينفّذ ما رأى أنه قد “تأخَّر كثيرا”، وهو لم ينفّذه إلا بعد إلقائه نظرةً على الواقعين، العربي البائس، والدولي المناسب، ليخلص بالتالي إلى ما تطابق مع ما قاله الجنرال عاموس يادلين، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إزاء التحذيرات التي سبقت الإعلان، من أن “الفلسطينيين والعرب والأتراك يهددون بمسدس فارغ”.. على حد قوله.
ليس ثمة من شك في أن بؤس الواقع العربي والتهافت الأوسلوي هو من سهَّل على إدارة ترامب ما صعُب على الإدارات الأميركية السابقة، بينما المحتل يرسم العلمين الإسرائيلي والأميركي ضوئيا على أسوار القدس… نقول هذا بمعزل عن ردود الأفعال، هذه التي كمقدمة لآتيها، يسيل الآن الدم في القدس وغزة ورام الله تعبيرا عنها ومجرَّد بدايةً للمتوقَّع منها، والتي إن هي ليست في حسابهم، فلن تكون في مدى غير بعيد بحسبانهم.
جامعة الدول العربية، ناشدت ترامب عشية إعلانه لقراره بـ”لعب دور محايد”! ونحن بانتظار ما ستصدر في بيان اجتماع مجلس وزراء خارجية دولها المزمع من إدانات سمعنا مثلها مرارا في بيانات سابقة، وكذا مؤتمر دول العالم الإسلامي الذي تمت دعوته ولم يعقد بعد. أما العالم، ولنأخذ أوروبا مثالا، حيث لخَّصت السيدة موجريني مواقف اتحادها المتعلقة بـ”خطوة آحادية الجانب”، لها “تأثير سلبي” على عملية السلام، وكان أقصى مداها أن ماكرون “يأسف”، وميركل “لا تدعم”، وتيريزا ماي “لا تتفق” مع ما أقدم عليه ترامب… وهذه مواقف جيدة، لكن الطموح أن تكون أقوى من ذلك بحيث يأبه بها رجل من مثل ترامب!
قبل هدية ترامب لريفيلين، أصدر مجلس النواب الأميركي بالإجماع قانونا بقطع المساعدات الأميركية للسلطة الوطنية الفلسطينية ما لم توقف صرف مخصصات أسر الشهداء والأسرى، التي يصفها القانون بـ”المكافآت على جرائم العنف”! وتم إقفال مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وذلك ضغطا ممهدا لجلب الفلسطينيين للتفاوض انطلاقا من التسليم سلفا بأن القدس، والمستعمرات، وعودة اللاجئين، والسيطرة على الأغوار، أو الحدود مع الأردن، قد باتت وراء ظهر المتفاوضين، وتعالوا لنتفاوض حول كيفية إدارة ما خلاها من نتف سكانية متناثرة ومعزولة وحيث لا مانع من تسميتها دولة أو امبراطورية، وإلا نحمّلكم فشل ما يطرح من حلول!
ليس ما أقدم عليه ترامب، وبالنظر لراهن الحال العربية، هو من غير المتوقَّع، وعلى خطورته، فإن فيه ما يجعلنا نقول رب ضارة نافعة… دفن ترامب بفعلته أحبولة “المسيرة السلمية” الكارثية، وأهال التراب على شرك “حل الدولتين”، وشيَّع ما كان يعرف بـ”النظام العربي” إلى مثواه الأخير، وأجهز بضربة واحدة على أوهام “صفقة القرن”، أو نفَّذها سلفا على طريقته وكفى نفسه عناء عقد بازارها…وأخيرا، أسقط تجاوز “الشرعية الدولية” بمواثيقها وشرائعها وقوانينها، أو الأسس المقام عليها ما يعرف بـ”النظام الدولي”، التي لم يتم تجاوزها كثيرا، بل دائما والتي يلتزم بها ويحترمها الضعفاء المقموعين بهراوات الأقوياء، والذين (أي الضعفاء) لم يشفع لهم تمسُّكهم بها…
…رب ضارة نافعة، لعلها الصدمة التي تحتاجها الأمة العربية، خدمة غير مقصودة، منعطف لخلاصها من قبضة الانهزامية وثقافة الاستسلام، وفرصة أتاحتها الخطوة الأميركية لعودة روح الوحدة والكلمة والموقف والصف.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 48 / 2165500

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165500 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010