الجمعة 29 كانون الأول (ديسمبر) 2017

إعداد جيل النصر أفضل من التهليل بالنصر الوهمي

ابراهيم بدوي
الجمعة 29 كانون الأول (ديسمبر) 2017

تحدثنا في المقال الماضي عن الأسباب الحقيقية التي تجعل الولايات المتحدة قادرة على تهديد العالم أجمع، والقدرات العلمية الكبرى والامكانيات المادية التي تجعلها تمتلك أدوات ضغط حقيقية، لوحت بها بعدة تهديدات فجة للمجتمع الدولي ككل، وبرغم أن هذه التهديدات نظريا لم تؤت أكلها، واستطاع الفلسطينيون انتزاع تصويتا معنويا بأغلبية، إلا أن الحقيقة الكاملة تتماشى مع طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي في المطلق، فما احدثته خطوة ترامب من هزة وتبعات فرح بها بلاطجة كيان الاحتلال، واشادوا بها لا تتعدى كونها خطوة على طريق سعي كيان الاحتلال إلى تغير الواقع والحقائق المستمدة دائما من الحقوق والتاريخ، وتغيرها بمزاعم زائفة، تتناغم القواعد الاستعمارية التي يسعى الكيان الارهابي إلى ترسيخها، متخذا من استراتيجية طويلة الامد منهجا يحرص عليه دوما.
فالصراع الذي انطلق منذ أكثر من قرن له سماته وخصائصه وملامحه، وللأسف منذ اطلاق الوعد المشؤوم (بلفور)، ولدى كيان الارهاب الاسرائيلي استراتيجية واضحة تعتمد على فرض سياسات الأمر الواقع من ناحية، والحرص على التواجد القوي البناء في العواصم ذات التأثير العالمي بظاهرة (اللوبي)، فيما يعتمد العرب على الاستراتيجية، والعمل بشكل واضح مع الدول الكبرى على حفظ مصالح لا تمثل حتى الشعوب والدول، لكنها مصالح تحافظ على الأنظمة والعروش، لذا نجد دوما كيان الاحتلال ينتصر على الارض، ونحن نكتفي بانتصارات معنوية، نستمدها من نظام عالمي يسيطر عليه اصحاب القوى والنفوذ.
فمثلا نلاحظ أن كافة المحللين العرب يتحدثون عن التصويت الأممي وكأنه انتصار كبير عزل واشنطن من مكانتها العالمية، في حين يتعاطى الاعلام الصهيوني بفروعه داخل الكيان وخارجه، عن نجاح في خطوة كبيرة على أرض الواقع، جعلت القدس الغربية عاصمة للكيان باعتراف عالمي، ومكنته من المضي قدما في خطوات لاحقة تضمن يهوديتها، هكذا قالوا بوضوح، ويبقى السعي لالتهام كامل القدس المحتلة عبر خطوات على الارض تتلخص في سحب الهويات المقدسية، وربطها بمستوطنات الضفة، من جهة، والانتظار وفق الاستراتيجية الصهيونية، لخطوة جديدة وظروف ملائمة لابتلاعها كاملة.
ولعل هذا ما ما يعكس ويبلور طبيعة الصراع، فالعرب يتمسكون بقرارات دولية ظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب، والصهاينة يعلمون أن النظام العالمي يعرف منطق القوة فيستمدون تلك القوة من السيطرة على مواقع القرار في العواصم الكبرى تارة، وتارة اخرى بتغير ملامح الأمر الواقع، واخيرا بامتلاك تقنيات تجعلهم اكاديمية علمية كبرى، في حين أصحاب الحق والتاريخ يتصارعون فيما بينهم ويشتتون جهودهم التنموية على خلق اجيال استهلاكية لم يعد لها ثقل، فالعلم والتقدم التقني غائب إلى حد بعيد، ومنظومة التطور جعلتنا شعوبا استهلاكية، يلتهم استهلاكنا جزءا كبيرا من عوائد ثرواتنا الطبيعية، وصرعاتنا الداخلية العربية العربية المسموعة والمكتومة تلتهم النصف الاخر.
والغريب أن هناك من يهرولون نحو التطبيع، يهاجمون من لا يزالون يحتفظون بقدر قليل من الكرامة العربية، حتى وان تم التعبير عنها بصيغة صوتية وحنجورية، ولعل هذه ايضا احدى اهم سمات الصراع، فالتاريخ يؤكد أن الحقوق المسلوبة، لا بد من أن تبقى بذاكرة الأجيال القادمة، وأن فيلق الممانعة العربي مطلوب منه الاستمرار في الإدانة والاستنكار، المتبوعة بتوعية الاجيال القادمة، وبناء الانسان العربي، فطبيعة الصراع تعتمد على النفس الأطول، والاعداد للمعركة والامساك بتلابيب ادواتها، ولعل خلق جيل عربي يعي حقوقه، ويدرك أن التعليم هو أقوى اسلحته فاسترداد حقوقه المسلوبة، يبدأ بمدى اسهامه في التقدم العالمي، وأن الدول العالمية لا تحترم من لا يملك أدوات العصر.
إن جوهر الصراع العربي قد عبر عنه الشاعر المصري الكبير أمل دنقل في قصيدته (لا تصالح)، حين قال: (سيقولون .. ها أنت تطلب ثأرًا يطول : فخذ ـ الآن ـ ما تستطيع.. قليلا من الحق في هذه السنوات القليلة .. إنه ليس ثأرك وحدك.. لكنه ثأر جيلٍ فجيل.. وغدًا.. سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً.. يوقد النار شاملةً، يطلب الثأرَ، يستولد الحقَّ، من أَضْلُع المستحيل)، فلنترك الاستراتيجيات العقيمة، والتهليل بانتصارات وهمية، ونشرع من الان في إعداد هذا الجيل، فهو وحده من سيحقق النصر الكامل، وهو من سيعيد فلسطين التاريخية، وكافة الحقوق العربية، فبدون شعارات، وما نتهم به من ظواهر صوتية لن نستطيع ترسيخ الحقوق في نفوس وعقول الاجيال القادمة، فالفرق بين العاهرة والمغتصبة كلمة واحدة (الرضا) بالفعل الاغتصابي والتعايش معه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2178395

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178395 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40