الأحد 7 كانون الثاني (يناير) 2018

“اليسار الصهيوني” بين حل الدولتين وحل الدولة

الأحد 7 كانون الثاني (يناير) 2018 par علي بدوان

”بدأت أدوار تيارات ما يسمى بـ”اليسار الصهيوني” حتى قبل نكبة فلسطين عام 1948، وتحديدا منذ حركة “هشومير هتسعير” أي “الحارس الشاب”، وهي منظمة عالمية للشبيبة الصهيونية، تأسست في جاليتسيا في بولندا بين عام 1913، بهدف تنشئة الشبيبة اليهودية والهجرة إلى فلسطين.”
كما هو ملاحظ بالنسبة لـ”حل الدولتين”، فإن الحل يكاد يبدو الآن مستحيلا بالشروط الأميركية و”الإسرائيلية” الراهنة، خاصة بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن القدس واعترافه بها كعاصمة للدولة الصهيونية ونقل سفارة واشنطن إليها. فــ”إسرائيل” لا تُريد الاعتراف بحق الفلسطينيين في القدس الشرقية، ولا الرجوع لحدود العام 1967 ولا تفكيك المستعمرات، بل تُريد دولة اسمية للشعب العربي الفلسطيني بدل الحقوق الوطنية، دولة (أكثر من حكم ذاتي بقليل وأقل من دولة بكثير) مع شطب حق العودة الذي يُشكّل لباب القضية الفلسطينية وعنوانها الأساس. فـ”حل الدولتين” بات الآن في مهب الريح، بل وفي حالة موت سريري، وهو ما قد يفتح الباب، وعلى المدى الأبعد، أمام حل الدولة الواحدة الذي تخشاه إسرائيل بشكل كبير بل ويثير الهلع عندها.
الهروب العملي “الإسرائيلي” من “حل الدولتين”، قد يدفع نحو “حل الدولة الواحدة” من وجهة نظر بعض سياسيي ومُنظّري ما يسمى بأحزاب وقوى “اليسار الصهيوني”. وقد هاجم أحدهم (الجنرال ايهود باراك) في مقال كتبه في (نيويورك تايمز) قبل فترة قصيرة، أجندة حكومة بنيامين نتنياهو “التي تقود الوضع عمليا باتجاه دولة واحدة” من وجهة نظره، والتي اعتبرها خطرا وجوديا على مجمل المشروع الصهيوني، ومنوها أن دولة “واحدة لشعبين” (أي حل الدولة الواحدة) ستكون بمثابة كارثة على حد تعبيره، داعيا إلى إنقاذ “إسرائيل” من حكومة نتنياهو.
إنَّ مَرَدَّ خشية أحزاب “اليسار الصهيوني” ومنظريها وقادتها من “حل الدولة الواحدة” يعود لما يُشكّله هذا الحل من “خطر على مستقبل وهوية وأمن إسرائيل ويهوديتها”، فالدولة الواحدة تنفي الهوية اليهودية الواحدة للدولة، وتُبطِل مفاعيل الفكرة الصهيونية التي تأسست على رواية ميثولوجية مزجت بين الخرافة والفكرة الكولونيالية الاستيطانية التهويدية الإجلائية على أرض فلسطين التاريخية باعتبارها أرضا موعودة.
إنَّ فلسفة احتلال الأرض، وتهويدها، وتهويد العمل، لم تكن شعارا لـ”صهيونية يمينية” فقط، تتحكم ذريتها بمقاليد الأمور في “إسرائيل” الآن، إنما هي أيضا كان شعارا لـ”صهيونية يسارية تدّعي وتسوق بأنها معتدلة”. ووفقًا لأبحاث كثيرة، كانت أهمية هذه “الصهيونية اليسارية”، كبيرة جدا انطلاقا من دورها في تأسيس الكيان الصهيوني على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني، ومن نواحٍ ومعانٍ مُختلفة، تفوق كثيرا أهمية الصهيونية العمومية واليمينية، كونها وفرت درعا تنظيريا، أيديولوجيا مُخاتلا بطرحها الصهيونية “حركة اشتراكية تتبنّى المساواة، وتتطلع بشدة إلى التعاون والسلام مع المحيط العربي”.
بدأت أدوار تيارات ما يسمى بـ”اليسار الصهيوني” حتى قبل نكبة فلسطين عام 1948، وتحديدا منذ حركة “هشومير هتسعير” أي “الحارس الشاب”، وهي منظمة عالمية للشبيبة الصهيونية، تأسست في جاليتسيا في بولندا بين عام 1913، بهدف تنشئة الشبيبة اليهودية والهجرة إلى فلسطين. وهي ذات الحركة التي اقترحت إقامة دولة ثنائية القومية (دولة واحدة) على أرض فلسطين التاريخية زمن الانتداب البريطاني، وذلك لأسباب كان لها علاقة بالواقع الموضوعي على أرض فلسطين في حينها، حيث كل الشعب الفلسطيني على أرض وطنه التاريخي، بينما كان اليهود يُشكّلون نحو 12% فقط من سكان فلسطين. وقد تساوقت سلطات لفظيا مع الطرح المذكور وذلك بعد إجراء ثلاثة تعديلات: أن لا تقوم الدولة ثنائية القومية سوى بعد أن يتحقق وجود أغلبية يهودية في فلسطين بفعل الهجرة التوسعية اليهودية من دول أوروبا وعموم العالم إلى فلسطين. وأن تستمر سلطات الانتداب البريطانية عشرين سنة إضافية. وفي حال عدم موافقة الفلسطينيين على ذلك أن تكون الدول العظمى مُخوّلة أن تفرض عليهم ذلك بالقوة. وقد تجاوزت بريطانيا الحل إياه عندما باتت الأمور على أرض فلسطين بواقع آخر ومختلف عن السنوات التي سبقته عندما كانت أعداد اليهود على أرض فلسطين لا تتجاوز 12% من السكان. فالهجرات التوسعية التي ساعدت فيها بريطانيا على جلب اليهود من أصقاع المعمورة الأربع أدت لحدوث تحوّل سكاني كبير في فلسطين، عدا عن قيام بريطانيا ببناء جيش يهودي متمرس ومحترف على أرض فلسطين.
على كل حال، إن تشكيلات ما يسمى بـ”اليسار الصهيوني” الصهيوني في الوقت الراهن ليست جميعها في موقف واحد بشأن مستقبل الحل مع الفلسطينيين. فهناك جزء من هذا “اليسار الصهيوني” يتبنى (حل الدولتين) خشية من حل الدولة الواحدة وانتفاء الهوية اليهودية للدولة. وهناك جزء آخر منه يتوافق مع الخطاب الرسمي العام في السائد “إسرائيل” لكنه يريد تخفيف أعباء الاحتلال وتجميله، ومنح الفلسطينيين حقوقا في الحكم الذاتي (أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة مستقلة مع شطب حق العودة).
وفي هذا السياق، تبدو الحالة الداخلية لحزب العمل “الإسرائيلي” القوة الأساسية المعارضة لحكومة نتنياهو، والمحسوب على تيارات “اليسار الصهيوني”، أكثر تعقيدا من حال حزب الليكود وأحزاب اليمين، نتيجة وصوله إلى شفير الهاوية والإفلاس الداخلي في الوسط اليهودي داخل فلسطين المحتلة عام 1948، فضلا عن سقوط مصداقيته عند الجمهور الليبرالي الصهيوني، وحالة التخبط التي يعيشها.
ويُمكن للمراقب تتبع العواصف الداخلية التي ضربت مؤسسات وهيئات حزب العمل “الإسرائيلي”، وقد أدّت لتساوقه مع أطروحات اليمين، وبالتالي في تعطيله حتى لحل الدولتين الذي تتبناه قوى “اليسار الصهيوني”. فالعواصف داخل حزب العمل لم تنقطع طيلة السنوات الماضية، داخل أقدم حزب “إسرائيلي” يُقدم نفسه باعتباره الحزب الأساسي لقوى “اليسار الصهيوني”، ويتوقع لأزماته أن تأخذ مداها إلى حين من الزمن، حيث يتوقع أن تعود التفاعلات لتتصاعد داخل قيادة الحزب وفي ميدان القاعدة المؤلفة لها والتي يربو عديدها إلى نحو (114) ألف عضو، خاصة وأن التناقضات الطبقية أولا، والتناقضات بين مجموعتي الأشكيناز (أمراء الحزب) والسفارديم (دخلاء الحزب) ثانيا بدأت تتشبع داخل الحزب، الذي كان دائما حزبا للأشكيناز (اليهود الغربيين الأوروبيين) وحزبا لإقصاء الشرقيين، فضلا عن فقدان الحزب للبرنامج السياسي، وصعوبة الوصول إلى تحقيق رسالة برنامجية موحدة له تجاه القضايا والعناوين السياسية المطروحة وتعقيدات التسوية المأزومة التي دخلت منذ عدة سنوات في حالة موت سريري.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2180650

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2180650 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40