الجمعة 12 كانون الثاني (يناير) 2018

دعوات لتفتيت دول المشرق العربي

الجمعة 12 كانون الثاني (يناير) 2018 par عوني فرسخ

في العام 1977 أصدر بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس كارتر، كتاب «بين جيلين» داعياً فيه لإقامة ما أسماه «الشرق الأوسط الجديد» المكون من كانتونات عرقية وطائفية. معللاً ذلك بأنه يوفر للكانتون «الإسرائيلي» البقاء والنمو. وفي العام 1980 كتب يوديد ينون في مجلة «اتجاهات» «الإسرائيلية» داعياً لتقسيم دول المشرق العربي. وفي العام 2006، وإبان الغزو «الإسرائيلي» الفاشل للبنان، تحدثت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس عن «الفوضى الخلاقة» وعن مخاض قيام «الشرق الأوسط الجديد العرقي والطائفي. وها قد انقضت أربعة عقود على طرح أولى دعوات التفتيت من قبل من يعدون بين أبرز أساطين الفكر الاستراتيجي الأمريكي و«الإسرائيلي»، وكان واضحاً أنها تحظى بدعم وتأييد صناع القرار الأمريكي، أيام كانت الولايات المتحدة القطب الدولي الأول غير المنازع في قدراته ونفوذه وفعاليته. وهي دعوات تقع في صلب استراتيجية قوى الاستعمار والإمبريالية لإدارة الصراع مع شعوب الأمة العربية. ومع ذلك فشلت جميعا، إذ لم يتم تفتيت أي قطر عربي رغم توالي الحديث عن تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ.
وأول ما نلاحظه أن في مقدمة عوامل فشل هذه الدعوات الأمريكية و«الإسرائيلية» كونها مؤسسة على رؤى غير موضوعية لشعوب الوطن العربي. حيث إنهم يسلطون الأضواء بكثافة على ظواهر التجزئة العرقية والطائفية والجهوية التي لا تنكر في المجتمعات العربية، فيما هم يكثفون الظلال حول مقومات التكامل العربي. وحسبنا في هذا المجال التذكير بما تضمنه تقرير لجنة الاستعمار الأوروبي التي شكلها رئيس وزراء بريطانيا كامبل بنرمان سنة 1907 وهو التقرير الذي تضمن التحذير من مخاطر وحدة الوطن العربي على مصالح الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية، منبهاً إلى أنه في المنطقة العربية «يعيش شعب واحد تتوافر له من وحدة تاريخه ودينه، ووحدة لسانه وآماله، كل مقومات التجمع والترابط والاتحاد».
وثاني ما نلاحظ أن دعوات التفتيت العرقي والطائفي لا تعدو كونها أمنيات رغائبية، مجافية للواقع السياسي - الاجتماعي في الوطن العربي المتميز بكونه في مقدمة أقاليم العالم تجانساً واندماجاً على محاور السلالة التاريخية واللغة والثقافة والقيم وأنماط السلوك، وهذا ما أوضحه مشروع استشراف المستقبل العربي، الذي قام به مئة وخمسون عالماً مختصاً، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، تحت إشراف «مركز دراسات الوحدة العربية» سنة 1980. وبيّن أن العرب لغة وثقافة يشكلون 88 % من المواطنين ما بين المحيط والخليج. فيما المسلمون 91% - 84% سُنة و7% شيعة - ما يعني أن في الوطن العربي أكثريتان: عربية تضم مسلمين ومسيحيين، ومسلمة تضم عرباً وغير عرب.
والثابت تاريخياً أن الأمة العربية تكونت على أساس الانتماء الحضاري وليس الانتساب السلالي، ما جعلها غير منغلقة على الذات، وإنما منفتحة على الآخر غير المعتدي ومتفاعلة معه حضارياً، وذات مرونة عالية في استيعاب الوافدين سلماً على وطنها، واندماجهم ضمن نسيجها الاجتماعي.
وفي حدود هذا المفهوم العلمي للأقلية يمكن القول بثقة تامة أنه ليس بين المواطنين العرب المسلمين من أتباع المذاهب غير الإسلامية مهما تدنت نسبتهم في القطر الذي ينتسبون إليه من يجوز اعتبارهم أقلية، بل هم جزء أصيل من الشعب العربي في القطر الذي ينتسبون إليه دون أدنى تمييز بينهم وبين بقية المواطنين مسلمين ومسيحيين.
وفي تاريخ المشرق العربي الحديث البرهان العملي على استحالة إقامة دويلة عرقية أو طائفية قابلة للنمو والاستقرار. ففي مطلع عشرينات القرن الماضي أقامت سلطة الانتداب الفرنسي في سوريا أربع دويلات على أساس طائفي وعرقي في دمشق، وحلب وجبل الدروز وجبال العلويين. ولقيت كل منها قبولاً وتأييداً غير يسير من كبار رجال الدين وأعيان المدن وشيوخ العشائر. غير أنه في العام 1925 قام سلطان باشا الأطرش بثورة في جبل العرب (الدروز) احتجاجاً على تصرفات الحاكم العسكري الفرنسي، وسرعان ما امتدت الثورة لعموم سوريا، وشارك فيها جمهور من كل ألوان الطيف السياسي والفكري السوري ما عصف بالتجزئة التي فرضها الاستعمار وأعاد للقطر السوري وحدته، وتوالت انتفاضات الشعب العربي في سوريا حتى توجت بالاستقلال سنة 1946.
وفي 25-9-2017 أجرى مسعود البرزاني استفتاء «الاستقلال» في إقليم كردستان العراق، متجاوزاً أحكام الدستور المعمول به في العراق، وفي معارضة كردية إلى جانب معارضة الحكومة المركزية في بغداد. وساندها رفض كل من إيران وتركيا وسوريا، ما عصف بالمغامرة غير المحسوبة لمسعود البرزاني وألحق بالقضية الكردية في العراق أضراراً جسيمة.
وعليه ليس سوى «إسرائيل» المؤسسة على مفاهيم عنصرية عرقية ودينية وحدها المستفيدة من طروحات التقسيم، بل وهي لم تطرح إلا لكونها في صالحها حاضراً ومستقبلاً، المتناقضة تناقضاً عدائياً مع مصالح وطموحات الشعب العربي في فلسطين وشتى أنحاء الوطن العربي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 34 / 2178445

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني فرسخ   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178445 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40