الجمعة 12 كانون الثاني (يناير) 2018

مختلفون على جنس الملائكة!

الجمعة 12 كانون الثاني (يناير) 2018 par عوني صادق

مضى حتى الآن شهر ونيف على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرار إدارته اعتبار «القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل»، وما يعنيه ذلك من إطلاق يد العصابة الحاكمة في «تل أبيب» لاتخاذ ما تراه مناسباً لاستكمال عملية السطو المسلح على الوطن الفلسطيني، دون رد فلسطيني (أو عربي) يصل أو يقترب من مستوى الإعلان الأمريكي وتداعياته. وقد يرى البعض أن المدة المنقضية قصيرة، لكن ما أقدمت عليه الإدارة الأمريكية من إجراءات تمثل «عقوبات» للفلسطينيين، مثل التهديد بقطع المساعدات ومباشرة وقفها بالفعل عن السلطة الفلسطينية، والتهديد بوقف المساهمة الأمريكية التي تُدفع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، كرد على رفض العودة إلى المفاوضات، من جهة، وتسارع العصابة «الإسرائيلية» في قرارات توسيع المستوطنات وشرعنة البؤر الاستيطانية، وسن القوانين المساعدة في تحقيق ما ترمي إليه من أهداف، مثل قانون «القدس الموحدة»، و«قانون إعدام الفلسطيني». من جهة أخرى، تظهر أن الحلف الأمريكي «الإسرائيلي» لا يُضيِّع وقته، بينما مازالت «القيادات» الفلسطينية في السلطة وفي الفصائل مختلفة على جنس الملائكة، تناقش مسائل مثل عقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير ومن يحضر ومن لا يحضر، وكذلك الخيارات العديدة للرد على السياسة الأمريكية، فضلاً عن ضرورة تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام!
في المقابل، لاتزال الهبة الشعبية التي تمثل الرد العملي حتى الآن على القرار الأمريكي والإجراءات «الإسرائيلية»، متواصلة للأسبوع الخامس، حيث وصلت حصيلة المواجهات مع الجيش والشرطة «الإسرائيليين» إلى (20) شهيداً وآلاف الإصابات ومئات المعتقلين، إلا أنه لا يبدو أن تطوراً أصابها، فمازالت بلا قيادة ولا تظهر عليها ملامح برنامج، الأمر الذي يهدد بتوقفها إن بقيت على ما هي عليه. والسبب في ذلك هو أن سياسة السلطة الفلسطينية لم تتغير ولا تترجم كلامها «الكبير» إلى أفعال، حتى أن الجهات الأمنية «الإسرائيلية» أعلنت أن «التنسيق الأمني» معها لم ينقطع ومستمر! أما الفصائل المسلحة فليس في جعبتها إلا «التهديدات» التي لا نجد لها تجسيداً على الأرض! وحتى الحديث المتقطع عن «المصالحة» لم يخرج عن السياق الذي يتكرر منذ سنوات!
ويكمل «المفكرون وأصحاب الرأي» الفلسطينيون الصورة، فيغرقون في توصيف وتحليل المواقف الأمريكية و«الإسرائيلية»، و«الخيارات» المتاحة أمام السلطة الفلسطينية مرة وأمام الفصائل المسلحة مرة، وأمام الجماهير الشعبية مرة ثالثة. وبالرغم من أن هؤلاء هذه وظيفتهم، وهذا الدور الذي يمكن أن يقوموا به والمتوقع منهم، فإن «الاصطفافات» التي تبدو في توصيفاتهم وتحليلاتهم لا تساعد كثيراً في تحسين الصورة العامة أو في تقديم نصيحة مفيدة في معظم الحالات! فهناك من يقترح «التدويل» ومواصلة الركض وراء الأمم المتحدة وتفعيل قراراتها ذات الصلة، أو اللجوء إلى المحافل الدولية وبالذات إلى «الجنائية الدولية». وهناك من يقترح إعلان «دولة تحت الاحتلال»، حتى يصل إلى التسليم ب«الدولة «الإسرائيلية» الواحدة»!! وقلة هي التي ترى أن الخيار الوحيد هو المقاومة بكل أشكالها والعمل على استمرار الهبة الشعبية وتطويرها إلى انتفاضة شاملة مهما كان الثمن.
ولكن إذا كان تطوير الهبة الشعبية إلى انتفاضة شاملة، واللجوء إلى المقاومة بكل أشكالها يمثل الخيار الوحيد للرد على مؤامرة التصفية الجارية، هو القادر على إحداث تغيير في موازين القوى المحلية، وإجبار الرأي العام العالمي على رؤية الوضع على حقيقته، فإن هذا الخيار أيضاً يحمل معه أثماناً قد تكون باهظة بالنسبة للجماهير التي ستتحملها، إلا أن الثقة كبيرة باستعداد هذه الجماهير لتقديم التضحيات المطلوبة شرط أن لا تعمل ضدها القوى الفلسطينية النافذة في السلطة والفصائل. والخيار الفرعي هو إما أن تنضم هذه السلطة والفصائل إلى الجماهير الشعبية في تصديها للمؤامرة، فتقْدم الأولى على إلغاء (اتفاق أوسلو) وكل ما ترتب عليه من اتفاقات وتعهدات، وإما أن تكون هدفاً من أهداف الانتفاضة المنشودة. وكذلك بالنسبة للفصائل المسلحة وغير المسلحة، فإما أن تلتحق بالانتفاضة وإلا فإن المطلوب من الانتفاضة أن تتجاوزها وتفرز من بين صفوفها من يقود أنشطتها المختلفة.
إن التطورات الأخيرة في الساحتين الفلسطينية والعربية، والأوضاع المزرية التي تسودهما بما فيها من تعقيد، وما تكشف عنه السياسات المعلنة فيهما، تجعل الخيار الوحيد الذي أتَيْتُ على ذكره مسألة صعبة ومعقدة بلا شك، لكنه يظل الخيار الوحيد المطلوب القادر على إحداث تغيير إيجابي يقطع مع التوجهات والسياسات الفاشلة السابقة إذا ما أريد لهذه الهجمة التصفوية الأمريكية «الإسرائيلية» أن ترتد إلى أصحابها، وأن تتحقق خطوة إلى الأمام في الموضوع الفلسطيني الذي طال انتظار حله لصالح الشعب صاحب الحق.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 68 / 2165239

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2165239 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010