الجمعة 12 كانون الثاني (يناير) 2018

أما آن للعالم أن يسمع صرخة القدس؟

الجمعة 12 كانون الثاني (يناير) 2018 par راسم عبيدات

هذا كان عنوان المؤتمر الصحافي الذي دعت له مؤسّستا الدار الثقافية وايلياء للإعلام في فندق الدار في الشيخ جراح، يوم الثلاثاء الفائت، لكن مخابرات الاحتلال وشرطته منعته، واعتقلت عدداً من المشاركين فيه ولتطلق سراحهم لاحقاً، والاحتلال بمنعه هذا المؤتمر، وهو ليس المنع الأول لمؤتمر او نشاط يعقد في القدس، بل الاحتلال يمنع كلّ الأنشطة والفعاليات في المدينة المقدسة، بما ذلك أنشطة لها علاقة بالطفولة، او حتى مخيمات صيفية وأنشطة رياضية، والاحتلال يسوّق حججه وذرائعه الواهية للمنع، العلاقة بفصائل المقاومة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، والاحتلال أصبح يقمع بشدة ويقوم باعتقال من يقوم برفع العلم الفلسطيني في أيّ مناسبة او وقفة احتجاجية او فعالية، بما يؤكد بأنّ قضية الاعتراف المتبادل ما بين منظمة التحرير ودولة الاحتلال، يجب ان تكون حاضرة بقوة في المجلس المركزي الذي سيعقد يوم الأحد المقبل، لإلغاء هذا الاعتراف، الذي لم تلتزم به «إسرائيل» بالمطلق..

نعم القدس منذ خمسين عاماً وهي تصرخ كفى للاحتلال، كفى للقمع والتنكيل، كفى للاستيطان، كفى لتغيير الطابع الجغرافي والديمغرافي للمدينة، كفى لسياسة الطرد والترحيل والتطهير العرقي، كفى للاعتداء على حرية العبادة والمقدسات وفي المقدمة منها المسجد الأقصى، كفى للإستيلاء على الممتلكات والبيوت الفلسطينية، كفى لهدم البيوت المقدسية، والتي زادت عن 4000 منزل منذ بداية الاحتلال، وليتهدّد خطر الهدم عشرين ألف منزل آخر، تحت حجج وذرائع البناء غير المرخص، كفى لاستهداف تاريخ المدينة وتراثها وهويتها، فكل قراراتكم وتشريعاتكم وقوانينكم العنصرية من طراز «القدس الموحدة» و»القدس الكبرى»، لن تنجح في تهويد المدينة ولا جعلها عاصمة أبدية لدولتكم، فهذا عكس حقائق التاريخ والجغرافيا، فكل حفرياتكم أسفل وحول المسجد الأقصى وفي البلدة القديمة وسلوان وغيرها، لم تعثروا على أية أثار، تدلّ على وجود أيّ صلة لكم بهذه المدينة، او أيّ علاقة ما بين اليهودية وما تسمّونه بجبل الهيكل، حتى الرقعة الجلدية التي احضرتموها، وادّعيتم العثور عليها في أحد الكهوف بصحراء النقب، وقلتم بأنّ عليها كلمة «اورشليم» أثبت علماؤكم المختصّون بالآثار أنها مزوّرة.

نحن نعرف جيداً بأنه في هذا العالم الظالم، لا سماع لصرخة المظلوم، ولا دعم للحق الذي لا تقف خلفه قوة، رغم عدالة هذا الحق، فهذا العالم لا تحكم الكثير من دوله قيم الحق والعدالة والحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، واحترام قوانين وقرارات الشرعية الدولية، بل تحكمها مصالحها واهدافها، والانتقائية والازدواجية في تطبيق تلك المعايير والقيم، ولذلك نجد أميركا وقوى الاستعمار الغربي، هي من تقدّم الحماية والرعاية لهذا الكيان الغاصب والمحتلّ، وتشكل له مظلة وسياج في المؤسسات الدولية، ضدّ أية قرارات او عقوبات قد تتخذ او تفرض عليه، لخرقه السافر والوقح لكلّ القوانين والتشريعات الدولية، وعدم التزامه بأيّ من اتفاقياتها.

بعد خمسين عاماً من الاحتلال للقدس، وسبعين عاماً على كامل فلسطين التاريخية، وقتل روح الأمل عند شعبنا الفلسطيني عامة وأهلنا في مدينة القدس خاصة، كنا نتطلع ان تعمل الإدارة الأميركية على إنهاء معاناة شعبنا وأبناء مدينتنا المقدسة، وخاصة بانّ هناك من العرب والفلسطينيين، من نمت لديهم الكثير من الأوهام، بأنّ هذه الإدارة الأميركية تختلف عن الإدارات الأميركية السابقة، وبأنها ستعمل على حلّ للقضية الفلسطينية، حلّ يلبّي الأحد الأدنى من الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني في قيام دولته المستقلة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس، وفي ظلّ ما يسمّى بالمحور العربي السني المتلفع بالعباءة الأميركية والمراهن على مواقفها، يصدّع رؤوسنا بما يسمّى بصفقة القرن، ولكي تأتي النتائج صادمة ومعرية لأميركا بشكل سافر وفاضح، وكاشفة لعورة هذا النظام الرسمي العربي الذي وصل حدّ التعفن، حيث كانت أولى ثمرات هذه الصفقة، الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، وهذا المحور العربي السني الذي يرى بأنّ أميركا هي الجهة الوحيدة القادرة على الحلّ والاعتماد عليها كوسيط «نزيه»، بدلاً من ان يفك تحالفه مع أميركا، لمسِها بمدينة القدس، تلك المدينة التي لها رمزيتها ومكانتها الدينية والتاريخية والسياسية والوطنية والتراثية والأثرية والحضارية والإنسانية، ليس مقدسياً وفلسطينياً فقط، بل عربياً وإسلامياً، وجدنا أنه كان متواطئاً مع أميركا في هذا القرار، وممارساً للضغوط على القيادتين الفلسطينية والأردنية للقبول به.

أميركا معبودة ومعشوقة العرب والمسلمين المراهنين عليها كراعية للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وجدنا انّ إدارتها الحالية، هي الأكثر تطرّفاً والتصاقاً ودفاعاً عن «إسرائيل» وعدواناً على الشعب الفلسطيني، بل لا نجافي الحقيقة اذا ما قلنا، انها تريد ان تثبت أنها الأكثر وفاءً لما يسمّى بالأباء المؤسّسين للحركة الصهيونية، من الحكومة الإسرائيلية نفسها.

الاحتلال يعتقد انه بعد قرار ترامب، أصبح الطريق سالكاً نحو السيطرة النهائية على مدينة القدس وتهويدها بشكل نهائي، ولذلك نجد بأنّ القدس أمام عدوان اسرائيلي شامل، استيطان بعشرات الألآف من الوحدات الإستيطانية، وضمّ وتوسيع مساحة القدس، لكي تصبح 10 من مساحة الضفة الغربية، وبما يضمّ لها الكتل الإستيطانية الكبرى، من جنوب غربها وحتى شرقها، وبما يضخ إليها 150 ألف مستوطن، ويخرج منها اكثر من 100 ألف فلسطيني مقدسي، موجودين خارج جدار الفصل العنصري، وبما يقلب واقعها الديمغرافي كلياً لصالح المستوطنين، وبما يعزل المدينة بشكل نهائي عن محيطها الجغرافي والديمغرافي الفلسطيني.

وحتى يسمع العالم صرخة القدس، في هذه المرحلة الحاسمة، ولما لقرار ترامب من تداعيات خطيرة على قدسنا وقضيتنا الفلسطينية، فإنّ المجلس المركزي في اجتماعه يوم الأحد المقبل، يجب ان يتخذ قرارات ذات بُعد استراتيجي ومصيري يرتقي الى مستوى التحديات المصيرية، وتحظى بالإجماع الوطني، وليس تكراراً للإنشاء واللغو الفارغ، ومغادرة الرهان على ما يسمّى بعملية السلام والمفاوضات، والتي كانت منذ فترة طويلة تعيش في غرف العناية المركزة، وبالقرار الأميركي باعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال أطلقت عليها رصاصة الرحمة، ويجري إخراجها أحياناً من تلك الغرفة، لكي يستمرّ العرب والفلسطينيون متعلقين بها وبأوهامها، ولذلك لا اعتقد بانّ الحلّ سيكمن بالبحث عن راع جديد للعملية التفاوضية، فالرعاية تحتاج إلى موافقة الطرف الآخر، والأطراف الدولية وجزء كبير من الناظم الرسمي العربي، ما زال يعتقد بأنه لا يمكن تحقيق حلّ او التقدّم فيه بعيداً عن المشاركة الأميركية، والمخرج يتطلب في فتح مسار سياسي جديد وعملية سياسية جديدة، من خلال مؤتمر دولي مستمرّ وكامل الصلاحيات مرجعيته القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تضمن الحدّ الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وهذا يتطلب بناء رؤية واستراتيجية فلسطينية موحدتين، ومشاركة حقيقية في القرار الوطني، بعد إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وتوظيف كلّ عوامل القوة الفلسطينية، لخوض نضال متكامل شعبي وجماهيري وسياسي ودبلوماسي وقانوني، يحدث حالة تراكمية في تعديل ميزان القوى المختلّ لصالح الاحتلال، وبما يمكن من تحقيق تسوية تلبّي الحدّ الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينين، وبما يفتح القرار والخيار الفلسطيني على أوسع وأرحب فضاء قومي وعربي وإسلامي، والإستفادة من كلّ التطورات والمتغيّرات العربية والإقليمية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2165587

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع راسم عبيدات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

33 من الزوار الآن

2165587 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010