السبت 12 أيار (مايو) 2018

النفاق الدولي واعتذار عباس!

السبت 12 أيار (مايو) 2018 par عوني صادق

الذين استمعوا إلى خطاب الرئيس محمود عباس في «المجلس الوطني الفلسطيني» في انعقاده الأخير، احتاروا في فهم وتحديد الدافع الذي دفعه ليلبس ثياب المؤرخ، وليستحضر ما يعرفه الفلسطينيون جيداً من تاريخ الصهيونية وأساطيرها، بدءاً من «دولة الخزر» وانتهاء ب«المحرقة»، وهو يعرف ما سيلقاه من ردود فعل غاضبة على نبش ما نبش!
فالرئيس محمود عباس لم يُعرف عنه يوماً تعصبه القومي، ولا عرف عنه معاداته لليهود، بل هو يتفاخر بأنه أول فلسطيني فكر في اللقاء مع القادة «الإسرائيليين» ومحاورتهم، ويعتبر نفسه، ويعتبره الكثيرون، أنه «مهندس اتفاق أوسلو» الذي جر القضية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى المستنقع الذي تقبعان فيه اليوم، والذي أدى إلى الاعتراف بدويلة الاحتلال والتنازل عن 78% من أرض فلسطين دفعة واحدة وعلى الحساب! فكيف يختار الحديث في «موضوع» يعرف أنه سيشكك في «إنجازاته» وينقله من مقعد «الصديق رجل السلام مع إسرائيل» إلى مقاعد «المعادين لليهود والسامية»؟!
مع ذلك، فإن الرئيس محمود عباس لم يخترع مما قال شيئاً، بل أعاد إلى الأسماع بعض ما قاله مؤرخون ووزراء ودبلوماسيون وكُتّاب غربيون معروفون ومعظمهم يهود، وهو بالتأكيد لم يكن يقصد إهانة أحد أو إنكار ما جعلته الدول الاستعمارية الراعية صاحبة المشروع الاستعماري في المنطقة، والذي كان «الوطن اليهودي» جزءاً منه، «حقائق» ممنوع التشكيك فيها. فحتى بلفور صاحب «الوعد» المشؤوم، اعترف بكرهه لليهود، والأوروبيون عموماً كرهوهم بسبب «البنوك والربا ووظيفتهم الاجتماعية»! لم يكن ذلك من «استنتاجات» عباس أو «أطروحاته»، لكنه أخطأ التقدير عندما تصور، كما يبدو، أنه سيفلت من الحساب والعقاب استناداً إلى «سجله» الذي يعرفه الجميع، وفي المقدمة أصدقاؤه «الإسرائيليون»!
لكننا بنظرة ثانية للمسألة، نستبعد أن يكون الرئيس عباس قد أخطأ التقدير، فهل أراد بذلك تذكير القيادة «الإسرائيلية» أن لديه من الأوراق ما يواجهها به؟ أم أنه، كما رأى الصحفي «الإسرائيلي» جاكي خوجي، أراد أن «يخاطب قاعدته ويكسب بعض النقاط في أوساطها»؟! وحتى لو أنه أراد خطابا ل«الاستهلاك المحلي»، فإنه يكون أخطأ الاختيار، لأن النتيجة جاءت عكس ما أراد، ليس فقط لجهة ما أدى إليه اختياره من موقف «إسرائيلي» ودولي، بل لجهة مردوده المحلي، إذ ما قيمة هذا «الصوت العالي والكلام الكبير» عندما ينتهي إلى الاعتذار المذل، وهو يقول: «إذا شعر الناس بالإهانة من خطابي أمام المجلس الوطني الفلسطيني، وخاصة من أتباع الديانة اليهودية، فأنا أعتذر لهم»!
مضيفاً: «أود أيضاً أن أكرر إدانتنا للمحرقة النازية، كونها أبشع جريمة في التاريخ، وأن أعرب عن تعاطفنا مع ضحاياها»، معلناً كذلك إدانته ل«معاداة السامية بجميع أشكالها»!
غير أن الأمر اللافت أكثر من الموقف «الإسرائيلي» حجم النفاق الدولي الذي عكسته ردود الفعل الدولية على خطاب عباس، وهو أيضاً كان متوقعاً. فالغرب الاستعماري، وصولاً إلى منظمة الأمم المتحدة «راعية الأمن والسلام» والعدالة الدولية، لم يتأخر ولم تتأخر عن إدانة «التصريحات غير المقبولة عن سبب الهولوكوست وشرعية إسرائيل» التي تضمنها الخطاب، كما جاء في بيان «خدمة العمل الأوروبي الخارجي»، و«المقلقة وغير المقبولة والإهانات المعادية للسامية الأكثر ازدراء»، كما جاء في بيان «منسق الأمم المتحدة لعملية السلام» نيكولاي ملادينوف! والحقيقة أن تلك العصبية التي شابتها لم تكن إلا محاولة مفضوحة للتغطية كل على مساهمته في «جريمة العصر» التي أدت إلى إقامة هذه الدويلة العدوانية، وعلى الانحياز التام لها ضد الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه الوطنية على مدى سبعين عاماً، تزامناً مع «العيد السبعين» لإنشاء هذه الدويلة!
لقد منحت تصريحات المسؤولين في الدول الغربية الاستعمارية، وكذلك تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، الفرصة لرئيس الوزراء المتطرف نتنياهو، ووزير حربه البلطجي ليبرمان، ولفيف آخر من الأبواق «الإسرائيلية» أن توغل أكثر في تهديداتها للفلسطينيين الذين يستعدون لإحياء ذكرى النكبة الفلسطينية التي تتحمل دولهم المسؤولية عنها!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 122 / 2165450

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165450 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010