السبت 4 أيلول (سبتمبر) 2010

مواصلة الحرب بوسائل أخرى لاستئصال فلسطين

السبت 4 أيلول (سبتمبر) 2010 par نصر شمالي

المفاوضات المزعومة التي جرت وتجري بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، أو بين العرب والأمريكيين وهو الأصح، تستدعي التأمل في الأساسيات العامة التي يقوم عليها مبدأ المفاوضات عموماً، كي نتمكن من استطلاع آفاق هذه الجولة ومستقبلها. فإن فعلنا فسوف نكتشف بسهولة وببساطة أنها مفاوضات محكومة بنتائج محددة ومقررة مسبقاً من قبل أحد الطرفين، من قبل الطرف الأمريكي الصهيوني بالطبع، أي أنها مفاوضات وليست مفاوضات، بل جزء لا يتجزأ من الجهد العسكري الحربي المتواصل منذ عقود على طريق تهويد أو صهينة أو أمركة فلسطين بكاملها.

من حيث المبدأ، وفي جميع الأمكنة والأزمنة، فإن المفاوضات ليست نوعاً واحداً، ولا من طبيعة واحدة، لكن الدخول إليها عموماً، بأنواعها وبتدرجات كل نوع منها، يفترض أن يكون إما طوعياً حراً طليقاً، وإما إكراهياً إلزامياً مقيداً. والدخول الحر الطليق هو للأصدقاء التاريخيين المتحالفين، سواء أكانوا متكافئين من حيث القوة المادية أم لا، وأيضاً للأعداء التاريخيين الذين يمتلكون قوة مادية وسياسية موازية. أما الدخول الإكراهي المقيد فهو يفرض على الأعداء الذين انهارت قوتهم المستقلة فاستسلموا، كما هو حال اليابانيين مثلاً، أو على الضحايا الذين يفتقرون إلى القوة المستقلة أصلاً، كالعرب مثلاً.

غير أن واشنطن، كما هو ثابت، لا تتقيد بمبادئ كهذه على جميع الجبهات. فالمفاوضات بين الأصدقاء المتحالفين (في حلف شمال الأطلسي تحديداً) يفترض أنها تهدف عموماً إلى معالجة ما يطرأ على العلاقات داخل الحلف من خلل في التكافؤ النسبي العادل، وإزالة ما يصيبها من شوائب تعكر صفو التحالف، وأنها تهدف أيضاً إلى تمتين العلاقات، وتطوير الازدهار الداخلي، أو لمواجهة خطر خارجي. غير أن واشنطن الأقوى تفرض إرادتها غالباً على أصدقائها وحلفائها خلافاً لمصالحهم، الأمر الذي يضعضع مبدأ الحرية والتكافؤ السياسي، ويؤسس للبغضاء والاختلاف والتناقض، وربما لما هو أبعد وأخطر، بين الحلفاء الأطلسيين أنفسهم، فإذا كان هذا حالها مع شركائها فكيف يكون مع الذين هم خارج حلفها من ضحاياها؟ مع الذين تصنفهم أعداءها حتى لو كان حكامهم ينشدون مودتها ويعملون في ركابها؟

إن واشنطن تفرض المفاوضات على حكام ضحاياها بالإكراه وبالقيود، وترغمهم على لعب دور الخصم الند الخطر، مع أنهم ليسوا كذلك ولا يريدون أن يكونوا كذلك، إن الأمريكيين المحتلين يفاوضون حكومات هي صناعتهم من ألفها إلى يائها، وهي جاءت إلى مقرات السلطة من الخارج محمولة على آلياتهم الحربية، أما هدف اللعبة فهو فرض قراراتهم على الشعب الرازح تحت الاحتلال كما لو أنها حقاً محصلة مفاوضات حرة طليقة مع حكومته الحرة الطليقة!

وفي الحالة الفلسطينية يذهب الأمريكيون أبعد من ذلك بكثير، فيعطون أنفسهم دور الطرف الثالث المحايد الراعي، ويعطون مرتزقتهم «الإسرائيليين» دور الطرف الثاني المقابل للعرب، مع أنهم لا يكفون طيلة الوقت عن تأكيد التزامهم التام الثابت بضمان استمرار التفوق «الإسرائيلي»، ليس على الفلسطينيين والعرب فقط، بل على دول المنطقة المسماة بـ «الشرق الأوسط» جميعها. وبالطبع فإن التفوق «الإسرائيلي» المزعوم هو تفوقهم هم بالذات، ومعهم حلفهم الأطلسي، وليس هناك في العالم أجمع من لايزال يجهل هذه الحقيقة، أو من لايزال يكابر وينفيها، بعد تلك الحرب العالمية التي شنت تباعاً تقريباً، ضد لبنان ثم ضد قطاع غزة.

لقد كان الأمريكيون يعتقدون أن نتائج الحرب ضد لبنان في العام 2006 سوف تكون لصالحهم بالتأكيد، وأن لبنان المستسلم سوف يتحول إلى جزء من قاعدتهم الصهيونية، ثم يليه قطاع غزة، لتشمل قاعدتهم فلسطين بكاملها مضافاً إليها لبنان. وكانت قراراتهم وترتيباتهم جاهزة للانطلاق بعد ذلك في عملية إقامة مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، الذي سوف يضمن سيادتهم العالمية على مدى القرن الواحد والعشرين. وعندما فوجئوا بفشل العمل العسكري، في لبنان ثم في فلسطين حيث صمدت المقاومة، أصبح هاجسهم تحقيق الحد الأدنى من المكاسب، تماماً كما حدث في العراق، فصار استكمال تهويد وصهينة وأمركة فلسطين بكاملها (كما يحاولون أمركة العراق) هو الهدف الواقعي الذي يبدو كأنما هو متاح. لقد تحولوا إلى العمل «السياسي» أكثر بدلاً من العمل العسكري، وذلك بهدف الالتفاف على المقاومة، فكان إحكام الحصار على قطاع غزة، وكان التحضير لجولة جديدة من المفاوضات (وهي ليست مفاوضات) يتوقعون منها أن تكون منعطفاً يدخل الضفة الغربية والقدس في نطاق هيمنتهم المباشرة الرسمية.

أما عن المرتزقة «الإسرائيليين» فإن وضعهم، منذ سقوط حكومة مناحيم بيغن في أوائل الثمانينيات، أصبح مختلفاً ومقيداً، وخاضعاً مباشرة للأمريكيين الذين تعاظم حضورهم في المنطقة العربية. لقد خسروا الكثير من حرية حركتهم الذاتية بعد أن أجرى الأمريكيون تعديلات قاسية متوالية على ما يسمى بالخارطة السياسية «الإسرائيلية»، بصقورها وحمائمها وثعالبها ودجاجها. وسرعان ما أخذت تلك الخارطة الوضعية المطلوبة أمريكياً، فلا يوجد حزب «إسرائيلي» قوي يستطيع منفرداً اتخاذ أي قرار مستقل له صلة بقضايا المنطقة، ولا يوجد زعماء «إسرائيليون» تاريخيون يحظون بالاحترام والثقة الكافية ويحسب حسابهم، بل مجرد تيارات متهافتة تتسابق لكسب ثقة واشنطن ولنيل المكاسب السلطوية الرخيصة. أما التظاهر بالعكس، من قبل الأمريكيين و«الإسرائيليين»، فهو يأتي في سياق الخداع الذي يمارس على الآخرين. إن «الإسرائيليين» ينفذون التعليمات الأمريكية عندما يتظاهرون بعدم الانصياع لهذه التعليمات.

وهكذا فإن هذه المفاوضات بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، التي ليست بالمفاوضات، والتي يديرها الأمريكي متستراً خلف ضحيته الفلسطيني وخادمه «الإسرائيلي»، هي في حقيقتها فصل من فصول الحرب المفتوحة ضد الفلسطينيين خصوصاً والعرب عموماً، حيث يراد للألاعيب السياسية أن تحقق ما عجزت عن تحقيقه القذائف النارية. أما أغرب ما في المشهد فهو أن يجد الأمريكي من يزعمون أنهم يمثلون الفلسطينيين والعرب في هذه اللعبة، ويشهدون زوراً بأنها مفاوضات حقيقية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2181453

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2181453 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 46


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40