السبت 4 أيلول (سبتمبر) 2010

دولتا حلم ليلة صيف

السبت 4 أيلول (سبتمبر) 2010 par سعد محيو

ماذا إذاً؟ هل ثمة فرص نجاح لدولتي «حماسِستان» و«فتحِستان» في غزة والضفة؟

الأمر يبدو بالفعل مهمة مستحيلة في كلتا الحالين. فدولة الضفة الغربية، وعلى رغم أنها تعتمد العلم المؤسساتي لبناء أسس الدولة العتيدة، عالقة في فخ لا نجاة منه، قوامه استحالة إقامة الدولة في غياب السيادة الوطنية، فالضفة مُخترقة ليس بحواجز قوات الاحتلال العسكرية فقط التي قسمتها إلى مربعات أمنية منفصلة، بل باحتلالات نصف مليون مستوطن يهودي يسيطرون على أكثر من 40 في المئة من مساحتها أيضاً. وهذا وحده يجعل من فرص إقامة الدولة في ظل الاحتلال أشبه بحلم ليلة صيف حارة وعابرة.

صاحب مشروع بناء المؤسسات سلام فيّاض يعي بالطبع خطورة هذا الفخ. لكنه يرد عليه بأنه في حال أخفقت مفاوضات السلام في غضون عام من الآن، فسيكون في وسع الفلسطينيين إعلان دولتهم المستقلة من جانب واحد، بعد أن يكونوا قد استكملوا إقامة هياكلها القانونية ومداميكها الإدارية.

بيد أن هذا سيكون أيضاً حلم ليلة صيف عابرة أخرى، إذ حتى لو حظي إعلان الدولة من جانب واحد باعتراف أغلبية دول العالم فهذا لن يغيّر شيئاً، لأن من يُمسك بالأرض هو الذي سيتحكّم بما يجري على الأرض وما تحتها وفوقها.

علاوة على ذلك، بناء مؤسسات الدولة يتطلب توافر استقرار أمني وسياسي، يسمح بخروج المولود الجديد إلى الحياة من دون تشوّهات خَلْقية. وهذا أمر مستبعد للغاية، حين نضع في الحسبان انسداد الأفق أمام تحقيق أي تسوية عادلة ومتوازنة، واستمرار انشطار فلسطين 67 إلى فلسطينين متباعدتين باطراد.

ومن الضفة إلى غزة، حيث سنرى أن مشروع «حماس» لإقامة دولة إسلامية، أشبه بإصرار المرء على السباحة في كوب ماء صغير لا ماء فيه.

وهذا، بالمناسبة، ماحدث أيضاً للروس حين حاولوا إقامة نظام اشتراكي في أفقر دولة أوروبية وأقلها تطوراً رأسمالياً. والحصيلة كانت مدوّية : فبدلاً من الاشتراكية التي ستجعل ألف وردة تتفتح وتقيم جنّة كارل ماركس على الأرض، نشأ نظام سلطوي يتربّع على عرشه جهاز استخباراتي كبير بطش بأكثر من عشرة ملايين إنسان.

وبالمثل، محاولة «حماس» إقامة دولة إسلامية في القطاع الأكثر فقراً في العالم، والمُحاصر من كل جانب، والمفتقر إلى أولى أوليات الحياة الحديثة، من كهرباء وماء وبنى تحتية وفرص إنتاج اقتصادي، لن تكون أكثر من محاولة انتحارية، أو هي على الأقل ستقتصر على «الإنجازات» المتعلقة بمنع المحاميات السافرات من المرافعة أمام المحاكم، أو حظر سباحة الرجال عُراة الصدور، أو تقييد الأعمال المسرحية والفنية والسينمائية باسم تفسير خاص ومُخصخص للشريعة السمحة.

الدولة الإسلامية يجب أن تستند قبل أي شيء إلى التقدم الاقتصادي الإنتاجي والتكنولوجي، والرفاه القائم على حد أدنى من المساواة الاجتماعية، والديمقراطية السياسية، كما نتعلّم الآن من التجارب الإسلامية الناجحة في ماليزيا وتركيا، وإلى حد ما إندونيسيا. أما أن تستند هذه الدولة إلى مجرد فرض الشكليات والمظاهر التي تستهدف في الدرجة الأولى المرأة وحريات المواطن، فهذا لن يكون أكثر من تشويه للمدينة الفاضلة المرجوّة.

دولتا حماسِستان وفتحِستان، إذاً، في طريق مسدود، لن تزيده مفاوضات التسوية إلا انسداداً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2178505

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178505 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40