الأربعاء 8 أيلول (سبتمبر) 2010
«التقدير الإستراتيجي لإسرائيل 2010»

«إسرائيل» حائرة استراتيجياً : حلٌّ وسط أم دفع الأثمان؟

الأربعاء 8 أيلول (سبتمبر) 2010

أصدر «معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب»، تقديره الاستراتيجي السنوي تحت عنوان «تقدير استراتيجي لإسرائيل 2010»، تطرق فيه كبار الباحثين في المعهد إلى البيئة الاستراتيجية المحيطة بـ «إسرائيل»، وإلى التحديات الأمنية والسياسية والاستراتيجية، فخلص إلى أن العملية السياسية مع الفلسطينيين تقف في طريق مسدود بسبب الفجوات في مواقف الطرفين الفلسطيني و«الإسرائيلي»، وإيران في ذروة عملية استكمال برنامجها النووي العسكري، فيما سجل انضمام تركيا بقدر معين إلى المعسكر المناهض لـ «إسرائيل» وتحولها من حليف وشريك استراتيجي إلى قوة رائدة في الجبهة المناهضة لـ «إسرائيل» ومصدر إلهام للقوة الإسلامية المتشددة. وفيما ربط التقدير بين الهدوء على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية بقدرة الردع «الإسرائيلية»، أشار إلى مواصلة «حزب الله» و«حماس» تعزيز قدراتهما العسكرية.

[**

«التقدير الإستراتيجي لإسرائيل 2010» | النسخة الانجليزية

*] ويشير «التقدير الاستراتيجي لإسرائيل 2010»، إلى أنه في السنة الماضية لم يطرأ انفراج يتيح لـ «إسرائيل» التصدي بصورة أفضل للتحديات في محيطها الاستراتيجي. وعلى الرغم من أن «إسرائيل» أثبتت في السنوات الماضية قدرتها المثيرة للانفعال على إمرار رسائل عسكرية رادعة، لكن هذا الإنجاز كان مصحوباً بثمن سياسي باهظ. فالانتقاد الدولي على شدة الرد الذي قامت به «إسرائيل» رداً على الاستفزازات العسكرية، وعلى نطاقه، من شأنه أن يردع «إسرائيل» عن القيام بخطوات ضرورية لتجديد الردع عندما تنتهي صلاحيته.

إضافة إلى تحدي صدّ الاحتجاج الدولي عموماً، و«الشرق الأوسطي» والأوروبي خصوصاً، الموجه إلى التصدي العسكري للتحديات السياسية - المناطقية، يتعين على «إسرائيل» أن تتصدى أيضاً للتآكل في أساس قوة ردعها.

مغزى الأمور هو أن «إسرائيل» تقف أمام فترة سيتعين عليها فيها الحسم في مواضيع سياسية وأمنية جوهرية. وسيكون لهذه القرارات الحاسمة تأثير حتمي على الحلبة السياسية الداخلية. فـ «إسرائيل» موجودة في وضع يمكن أن تهز، محاولة جعل محيطها الإقليمي والدولي مستقراً، الحلبة الداخلية فيها، وكل جهد لمنع هذه الهزات سيكون منوطاً بثمن دبلوماسي وبصعوبة في استيعاب التحديات الأمنية.

«إسرائيل» موجودة في فترة تتميز بتفاقم سريع للتهديدات الأمنية والسياسية المحدقة بها. تدهور الوضع الاستراتيجي لـ «إسرائيل» في الفترة الأخيرة حصل في جزء منه في أعقاب تطورات في «الشرق الأوسط» والساحة العالمية، لـ «إسرائيل» سيطرة محدودة فقط على حجمها وآثارها، وفي جزء آخر نتيجة غياب رد ملائم من المؤسسة السياسية في «إسرائيل» على هذه التطورات. الحكومة «الإسرائيلية»، المؤلفة من عناصر سياسية ذات تصورات قطبية في ما يتعلق بجزء من المشاكل المفتاحية المطروحة على جدول أعمالها، امتنعت عن بلورة سياسة متوالية ذات أهداف واضحة تتصل بهذه المشاكل. وبدلاً من ذلك، اختارت تأجيل القرارات أو امتصاص الضغط الدولي الفوري عبر خطوات جزئية.

لذلك، بعد أكثر من سنة على بداية ولاية الحكومة «الإسرائيلية» برئاسة بنيامين نتنياهو، «إسرائيل» موجودة في وضع لا تملك فيه ردوداً على أكثر التحديات التي تؤثر على مكانتها السياسية ووضعها الأمني في السنوات المقبلة.

[**انقسام في الموقف من التسوية*]

تباين الآراء داخل الحكومة «الإسرائيلية» يتركز على مسألة الاستعداد للمفاوضات تمهيداً لحل وسط سياسي وإقليمي في الساحتين اللتين تمثلان المفتاح لتحسين المكانة الإقليمية لـ «إسرائيل»، وتبعاً لذلك على مكانتها الدولية أيضاً : النزاع «الإسرائيلي» الفلسطيني والنزاع «الإسرائيلي» السوري.

المعارضون للسعي العملي لحل وسط غير مستعدين لدفع الأثمان التي تكمن في دفع الاتفاقات وبلورتها، وخاصة في ما يتعلق بالبعد الإقليمي (الجغرافي). وينطلق هؤلاء المعارضون في موقفهم من أسباب متنوّعة، جزء منها إيديولوجي في أساسه. وتعود الأسباب الأخرى إلى فقدان الثقة بنيات الطرف الآخر وقدراته على تأدية دوره في الاتفاقات، إذا ما تحققت، ومن هنا الخشية من إمكان أن تنتج التنازلات الإقليمية خطراً أمنياً لا يحتمل. وتكمن أسباب أخرى في السياق السياسي الداخلي، من ضمنها ما هو مرتبط بالخشية من المواجهة مع المعارضين للحل الوسط في الجمهور «الإسرائيلي».

في مقابل ذلك، يرى آخرون من أعضاء الحكومة أن السعي إلى الاتفاقات هو مصلحة «إسرائيلية» من الدرجة الأولى. ويرتكز هذا الموقف على تقدير مفاده أنه إذا لم تسعَ «إسرائيل» إلى دفع الاتفاقات في ساحتي النزاع (الفلسطيني والسوري)، فستدفع ثمناً كبيراً. على المدى القصير سيكون ثمناً سياسياً، سواء على صعيد تدهور العلاقات مع لاعبين دوليين أساسيين، أو في ما يتعلق بالمسار المتسارع لنزع الشرعية عن «إسرائيل»، إضافة إلى أخطار أمنية جسيمة. وعلى المدى الطويل ستقف «إسرائيل» أمام تهديدات متعاظمة، وأيضاً أمام تهديد ملموس لطابعها كدولة يهودية ديموقراطية للشعب اليهودي.

[**خلفيات تفضيل المسار الفلسطيني*]

في أعقاب الضغط الدولي، وعلى نحو أساسي الضغط الكبير من جانب إدارة الرئيس أوباما في استئناف المسار السياسي، قررت الحكومة «الإسرائيلية» تفضيل المسار «الإسرائيلي» الفلسطيني واستئناف المفاوضات مع «السلطة الفلسطينية»، وعلى ما يبدو انطلاقاً من تقدير بأن الأثمان السياسية للجمود على هذا المسار، سواء من الناحية الداخلية أو الدولية، ستكون أعلى بكثير من الأثمان التي ستترافق مع الجمود في الساحة «الإسرائيلية» السورية. ويبدو أن هذا التفضيل يستند أيضاً إلى تقدير بأن «إسرائيل» ستنجح في مواجهة التهديدات الأمنية النابعة من الجمود على المسار السوري، وعلى نحو أساسي من خلال الردع الذي تحقق منذ حرب عام 2006 في لبنان...

انسداد المسار السياسي دفع الفلسطينيين إلى دراسة حل أُحادي عبر إقامة دولة فلسطينية بدون تعاون مع «إسرائيل» ويستند إلى ضغط المجتمع الدولي على «إسرائيل»... لكنّ تحدياً آخر يفرض على «إسرائيل» مواجهته، هو أن يهدد إمكان انسداد المسار السياسي مكانة «السلطة الفلسطينية» وبقاءها بصيغتها الحالية، ما سيؤدي إلى وضع تذهب فيه إنجازات بناء القوى الأمنية الجديدة «للسلطة الفلسطينية» بمساعدة الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي والأردن، أدراج الرياح. هذا إلى جانب الآثار الأمنية على «إسرائيل» نتيجة تقوض الوضع الأمني في الضفة الغربية، الذي يمكن أن يترافق أيضاً مع تصعيد في غزة.

وتكمن في الوضع العقيم للمسار السياسي آثار خطيرة على المكانة الدولية والإقليمية لـ «إسرائيل». ففي السنة الأخيرة توترت، على خلفية الجمود السياسي، العلاقات بين «إسرائيل» والولايات المتحدة التي تمثّل سنداً استراتيجياً لـ «إسرائيل»...

من جهة أخرى، منحت إدارة أوباما أولوية مرتفعة للسعي إلى الاتفاقات بين «إسرائيل» والفلسطينيين انطلاقاً من فرضية أن تسوية «النزاع»، وعلى الأقل رسم مسار واضح له وملزم لتنفيذ فكرة الدولتين، سيُسهِّل دفع جدول الأعمال الأميركي في «الشرق الأوسط»، المتعدد : تجنيد دول عربية براغماتية للجبهة ضد إيران، تثبيت الوضع الأمني والمؤسسة السياسية في العراق وكبح نفوذ الحركات الإسلامية الراديكالية في أفغانستان والعراق. ووفقاً لذلك، بلورت الإدارة الأميركية سياسة متداخلة من الضغط على «إسرائيل» لدفع المفاوضات مع الفلسطينيين، إلى جانب خطوات ملموسة تمثل بالتزام عالٍ بأمن «إسرائيل» والاستعداد لمنحها ضمانات أمنية تسمح لـ «إسرائيل» بالتقدم نحو اتفاق.

[**أثر الجمود السياسي على مسار نزع الشرعية*]

الجمود على المسار السياسي، وخصوصاً الانتقاد لدور «إسرائيل» في هذا الجمود من جانب شركاء لـ «إسرائيل» وبينهم أصدقاء بارزون لها، سرَّع مسار نزع الشرعية لـ «إسرائيل» في الساحة الدولية. حتى إن الحكومات الصديقة لـ «إسرائيل» تجد صعوبة في مواجهة كراهية «إسرائيل» في الرأي العام لدولها. المسارات العسكرية لـ «إسرائيل» في السنوات الأخيرة، وعلى نحو أساسي الحربان على لبنان وغزة، أدت إلى تفاقم الانتقادات لما اعتُبر خرقاً للقانون الدولي. تقرير غولدستون والتعامل الدولي معه عبّر جيداً عن هذا الجو. وأسهم الاحتكاك بين «إسرائيل» والولايات المتحدة، على خلفية السياسة «الإسرائيلية» في الساحة الفلسطينية، إسهاماً كبيراً في مسار نزع الشرعية. هذا إلى جانب أن الانتقاد الشديد لـ «إسرائيل» من الولايات المتحدة، حليفتها المقربة وراعيتها، أزال القيود وأعطى الضوء لمهاجمة «إسرائيل» بدون كوابح.

على هذه الخلفية، إن نقطة الضوء الوحيدة في هذا الواقع التي سُجلت في الفترة الأخيرة، المتعلقة بمكانة «إسرائيل» في الساحة الدولية، تكمن في إجراءاتها الاقتصادية. فقد نجحت «إسرائيل» في مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية، أفضل من كثير من الدول الغربية. ودفعت إنجازاتها على هذا الصعيد، منظمة التعاون الاقتصادية والتنمية، OECD، التي تضم الدول المتطورة في العالم، إلى قبول «إسرائيل» في صفوفها.

[**تدهور العلاقات مع تركيا*]

تدهور سُجل في علاقات «إسرائيل» مع دول في «الشرق الأوسط». في هذا السياق يبرز تقوض العلاقات مع تركيا، التي للتغيير في طابع السلطة في تركيا، بما فيها ضعف نفوذ الجيش على المؤسسة السياسية، دور أساسي في التغيير الذي حصل لطابع العلاقة مع «إسرائيل». مع ذلك، فإن الجمود على المسار السياسي والصورة التمردية للحكومة «الإسرائيلية» وضع صعوبات أمام «إسرائيل» في مواجهة تعزز القوى الإسلامية في تركيا بأدوات جيدة، تخفف من بؤر التوتر. أيضاً العلاقات مع الدول العربية، التي بدت أنها تتحسن في نهاية ولاية الحكومة السابقة في حالة تراجع، وفي هذا الوضع تجد الدول العربية التي لها مصالح مشتركة مع «إسرائيل» تجد صعوبة في التعبير عنها، والنموذجان البارزان اللذان يميزان هذا الوضع هما العلاقات بين «إسرائيل» والأردن وبينها وبين مصر...

ثمة دلالات شديدة للعزلة المتزايدة لـ «إسرائيل» في الحلبة الإقليمية والحلبة الدولية، ولا سيما أن هذه العزلة ستجعل من الصعب على «إسرائيل» أن تتصدى وحدها، من دون تعاون وتنسيق دولي، للتحديات التي تواجهها. هذا الموضوع ذو صلة بصورة خاصة بالنسبة إلى تحديين أمنيين مركزيين تتصدى لهما «إسرائيل» : تحول إيران إلى قوة نووية، والصراع غير المتماثل مع لاعبين ليسوا دولاً.

[**التحدي الإيراني*]

إيران تتقدم في مشروعها النووي من دون عراقيل فعلية، وتواصل مراكمة المادة الانشطارية بمستوى تخصيب منخفض وتنتقل إلى المرحلة التالية من التخصيب، مستوى عشرين في المئة.

كل طريقة عمل لوقف المشروع النووي الإيراني يدرسها صناع القرار في «إسرائيل»، ستتطلب تعاوناً مع المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة. الحاجة إلى تعاون دولي واضحة بخصوص طريقة العمل الدبلوماسية وتطبيق العقوبات الناجعة، وهي كذلك، وبصورة أكبر، بخصوص الخيارات العسكرية. فالولايات المتحدة، مع مواردها الوافرة، التي تنتشر قواتها في الدول المحيطة بإيران، هي صاحبة القدرات الأكثر ضمانة لمعالجة المشروع النووي الإيراني بالوسائل العسكرية. وعلى الرغم من أن «إسرائيل» قادرة على تنفيذ هجوم جوي على إيران حتى من دون تعاون الولايات المتحدة، كما فعلت في العراق في عام 1981، لكن إنجازات مثل هذا الهجوم ستكون أقل بسبب الأمداء الأبعد، الصعوبات في تنفيذ أكثر من موجة هجومية واحدة وتوزيع المشروع النووي الإيراني. كذلك إن أثمان الهجوم، ولا سيما بالمفاهيم السياسية، ستكون أكبر. لهذا السبب ستجد «إسرائيل» صعوبة في مهاجمة إيران من دون ضوء أخضر، أو الأقل ضوء أصفر، من جانب الولايات المتحدة، ومن دون التقدير بأن الأثمان السياسية للعملية يمكن تحملها.

إذا فشلت المساعي لوقف المشروع النووي الإيراني، ستتزايد الحاجة إلى التعاون الدولي لاستيعاب التهديد الإيراني. ومن شأن «إسرائيل» أن تحتاج إلى ضمانات نووية من الولايات المتحدة لتعزيز ردعها ضد إيران. وستكون ثمة حاجة، لا تقل شدة، إلى ضمانات للحصول على مساعدة من جانب الولايات المتحدة تُقدم إلى دول الخليج العربية، كي لا ينتقل عدد منها إلى المعسكر الإيراني انطلاقاً من التفكير بأنها إذا لم تكن قادرة على إلحاق الهزيمة بإيران، فمن الأفضل الانضمام إليها والتلطي بظلها.

فضلاً عن ذلك، من شأن مساعي وقف انتشار السلاح النووي في «الشرق الأوسط»، أن تزيد أيضاً الضغوط على «إسرائيل» لاتباع خطوات لتحقيق التصور الداعي إلى «شرق أوسط» خال من السلاح النووي. والإشارات الأولية إلى ذلك برزت في المؤتمر الذي عُقد في نيويورك في أيار 2010، حول معاهدة منع انتشار السلاح النووي، حيث كرر ناطقون باسم الإدارة الأميركية، من بينهم وزيرة الخارجية ومستشار الأمن القومي، التشديد على السياسة التقليدية، التي بموجبها تتبنى الولايات المتحدة تصور «الشرق الأوسط» الخالي من السلاح النووي. لكن في الوضع السياسي الحالي في «الشرق الأوسط»، لا يمكن اللجوء إلى خطوات ملموسة لتحقيقه. في المقابل، ضعُفت قدرة الولايات المتحدة على الوقوف في وجه الضغوط في هذا المجال، وهذا ما تجلى في قرار المؤتمر الختامي، الذي دعا إلى بدء مباحثات في موضوع «الشرق الأوسط» الخالي من السلاح النووي.

في الوقت نفسه، ستكون هناك حاجة إلى بناء منظومة تكبح ميول إيران وحلفائها لاستغلال المكانة الاستراتيجية المتحسنة لإيران، لخلق ضغط متزايد على «إسرائيل» والدول العربية البراغماتية، مع استغلال الجهات التابعة لإيران، وعلى رأسها «حزب الله» اللبناني و«حماس».

[**التحديان اللبناني والفلسطيني*]

«حزب الله» و«حماس» يُعدّان أداة رئيسية في يد إيران في صراعها مع «إسرائيل»، والدول العربية المعتدلة والغرب. لكن كونهما منظمتين سياسيتين تتوجهان إلى الجماهير المحلية التي تريدان تمثيلها، ثمة جدول أعمال مستقل لهما. لهذا السبب لم يجد التوتر المتزايد بين المعسكر الذي ترأسه إيران و«إسرائيل»، تعبيراً له في السنة الماضية على حدود «إسرائيل» مع لبنان ومع قطاع غزة. فالسنة الماضية كانت من الفترات الأكثر هدوءاً لـ «إسرائيل» من الناحية الأمنية من ستينيات القرن الماضي. هذا الهدوء أتى نتيجة تعزز الردع «الإسرائيلي» ونتيجة اعتبارات داخلية لـ «حزب الله» و«حماس» على حد سواء، التي تبلورت في أعقاب المعارك العسكرية في لبنان ( 2006) وقطاع غزة ( 2009). فقيادة «حزب الله» تتصدى للضرر السياسي الذي لحق بها جراء صورتها كمن جرّت لبنان إلى حرب جلبت عليها الكارثة بسبب مصالح أجنبية، لذلك لا تتحمس هذه القيادة لمواجهة جديدة مع «إسرائيل». «حماس» من جهتها تلقت ضربة شديدة خلال حملة «الرصاص المسكوب» من دون أن تنجح في جبي أثمان جوهرية من «إسرائيل»، ما عدا الثمن السياسي الذي دفعته بسبب شدة القتال في غزة. قيادة «حماس» تعي التراجع الحاد في معدلات التأييد لها في قطاع غزة، وتخشى من أن جولة جديدة مع «إسرائيل» ستجعل وضعها يزداد سوءاً.

مع ذلك، استغل «حزب الله» و«حماس» العام الماضي لتعزيز قدراتهما العسكرية وزيادة مخزونهما من السلاح، فيما هما يتقدمان في امتلاك قدرات على إطلاق مقذوفات صاروخية، وربما صواريخ أيضاً إلى عمق «إسرائيل». في هذه المرحلة الردع «الإسرائيلي» مستقر على الجبهتين، لذلك فإن الكلام الذي يصدر من لبنان بصورة أساسية عن حصول حرب في المستقبل القريب، يبدو من دون أساس، لكن يصعب على الردع وحده ضمان الهدوء لفترة زمنية طويلة؛ كذلك فإن على الجبهتين أيضاً بعض العناصر التي تهدد الاستقرار.

هكذا، على سبيل المثال، فإن أي هجوم من جانب «إسرائيل» أو الولايات المتحدة على المنظومة النووية الإيرانية، يمكنه أن يفضي إلى حصول ضغط من جانب إيران على «حزب الله» للمشاركة في المعركة وإشعال الحدود الشمالية لـ «إسرائيل». صحيح أنّ من الممكن أن تختار إيران الامتناع عن تعريض موقعها في لبنان للخطر أيضاً، في الوقت الذي تكون فيه عرضة للهجوم العسكري. كذلك، لا ضمانة في أن ممارستها الضغط ستُفضي فعلاً إلى قيام «حزب الله» بعملية ضد «إسرائيل» : من شأن قيادة «حزب الله» أن ترتدع عن المواجهة التي تعزز صورتها باعتبارها مستعدة للتضحية بلبنان لخدمة مصلحة أجنبية. في المقابل، لم ينجح «حزب الله» حتى الآن في الانتقام من «إسرائيل» رداً على تصفية أحد كبار قادته، عماد مغنية، ومن شأن الحزب أن يخطئ في تقدير رد «إسرائيل» وينفّذ عملية ثأر تشعل الجبهة اللبنانية.

على الجبهة الجنوبية، عنصر عدم الاستقرار الرئيسي هو الضغط الداخلي والخارجي المتزايد على «حماس». فالتغيير في سياسة مصر في أعقاب فشل مساعي المصالحة بين «حماس» و«فتح»، وكذا كشف شبكة «حزب الله» في مصر، وجد تعبيراً له في النشاط المتزايد والفعال جداً لوقف تهريب الوسائل القتالية والأموال إلى قطاع غزة. وقد واجهت «حماس» ضائقة مالية، نتيجة تقليص عمليات تحويل المال من إيران. هذه الحقيقة تسهم أيضاً في تراجع شعبية الحركة. وإذا استمر هذا التراجع في وضع «حماس»، فمن شأن قياداتها التوصل إلى خلاصة مفادها أن جولة إضافية من العنف ستنقذها من الضائقة. وثمة سيناريو آخر، هو أن تؤجج «حماس» تصعيد المواجهة مع «إسرائيل» لإحباط التقدم الفعلي في المفاوضات بين «إسرائيل» و«السلطة». لكن معقولية هذا السيناريو متدنّية، نتيجة تدني معقولية حصول انفراج في هذه المفاوضات.

من المحتمل جداً ألاّ تصل الميول السلبية التي تجعل الوضع الاستراتيجي لـ «إسرائيل» أكثر سوءاً إلى مرحلة النضج، وألاّ تجد تعبيراً دراماتيكياً لها في السنة المقبلة. على هذه الخلفية، قد ينشأ في «إسرائيل» وهم التهدئة، لكن هذا الوهم يعزز التقدير بأن الوضع الراهن هو الخيار الأفضل بالنسبة إلى «إسرائيل»، ويمنع تركيز الجهود لتحسين وضع «إسرائيل» ومكانتها الإقليمية والدولية، ويمنع حصول تدهور إضافي.

[**سوق السلاح : تقليص نفقات وغير الحكوميّين «يتقدّمون»*]

يواصل «الشرق الأوسط» كونه أحد الأسواق المهمة في العالم لبيع السلاح. شراء الأسلحة هو عملية بطيئة لا تؤدي إلى تغييرات في القدرات العسكرية لدى الدول بين ليلة وضحاها. لذلك، لا تزال الاتجاهات التي تبلورت في الأعوام السابقة والتي تتّسم بها عمليات شراء الأسلحة من قبل الدول «الشرق الأوسطية» سارية المفاعيل. تتضمن هذه الاتجاهات :

- شراء أسلحة أكثر حداثة وتطوراً، وخصوصاً من جانب الدول النفطية.

- هذه الدول تستثمر أيضاً في تطوير صناعاتها العسكرية المحلية.

- يلاحظ وجود تقليص في النفقات في معظم الدول لحساب تطوير الأسلحة القديمة الموجودة في حوزتها عوضاً عن شراء أسلحة جديدة.

- يواصل لاعبون غير حكوميين، مثل «حزب الله» و«حماس»، تطوير قواهم العسكرية شبه النظامية، مع احتياط كبير من الصواريخ وكذلك قدرات مضادة للدروع وللطائرات.

الدول ذات القدرات المالية المحدودة لا تستطيع أن تنافس في سوق الأسلحة المتطورة. ولذلك هي تتبنّى نظريات قتالية بديلة تقوم على مبدأ اللاتناظر وتعتمد أكثر فأكثر طرق حرب العصابات و«الإرهاب» من جهة، وتسعى من جهة أخرى نحو الحصول على قدرات استراتيجية لاستهداف عمق أراضي العدو من خلال منظومات صاروخية وأسلحة دمار شامل.

تبقى الولايات المتحدة المزوّدة الرئيسية للسلاح في «الشرق الأوسط». وتبذل روسيا جهوداً لتوسيع حصتها في السوق الإقليمية، إلا أن نجاحها محدود على هذا الصعيد. اللاعبون المهمون الآخرون هم دول الاتحاد الأوروبي، ويبرز من بينها فرنسا وبريطانيا. وتجدر الإشارة إلى أن الصناعات العسكرية المهمة تؤدي دوراً تتزايد أهميته في عدد من دول المنطقة. في هذا الإطار، «إسرائيل» وتركيا دولتان تمتلكان الصناعات الأكثر تقدماً، فيما تستثمر الإمارات العربية المتحدة جهوداً كثيرة في هذا الاتجاه. أما إيران، فهي تحاول أن تكون مستقلة قدر المستطاع في الحصول على الأسلحة، رغم أن قدرة صناعاتها، من الناحية العملية، أقل بكثير مما تعلنه رسمياً.

في ما يأتي خلاصة التطورات الأكثر أهمية في مجال التعاظم العسكري التي رُصدت أخيراً في دول المنطقة :

[**إيران :*]

رغم أن إيران موجودة في ذروة مسار طويل من إعادة تسليح جيشها، ورغم الأنباء التي تُنشر عن الصفقات التي تبرمها مع روسيا بين الفينة والأخرى، فإن معظم هذه الصفقات لم تخرج إلى حيّز الفعل. الأهم بين هذه الصفقات هو التزوّد بمنظومة دفاع جوي بعيدة المدى من طراز S-300PMU. هذه الصفقة لم تنفذ بعد، ورغم أن جهات داخل روسيا تكرر أنها ملتزمة بتنفيذها، إلا أنه يبدو أن الضغوط الدولية ضد تسلّح إيران تعمل عملها على هذا الصعيد وتدفع روسيا إلى تأجيل تنفيذ الصفقة دون إلغائها كلياً.

في الوقت نفسه، تعزز إيران جهود التطوير والإنتاج المحلية لديها. في مجال الصواريخ البعيدة المدى، سجلت إيران تقدماً على مستويين : فقد تمكنت من تطوير صاروخ لإطلاق الأقمار الصناعية، «سفير أوميد»، وهو صاروخ ثنائي المراحل يعمل بالوقود السائل حمل إلى الفضاء كبسولة الأبحاث «كبوشقر» والقمر «أوميد» في شهر شباط 2009. التطور الإضافي هو صاروخ «سيموراغ» الثقيل لإطلاق الأقمار الصناعية الذي عُرض على الملأ قبل فترة قصيرة ويعمل بالوقود الصلب ويبلغ مداه ألفي كلم. هذا الصاروخ، الذي تطلق عليه أسماء مختلفة مثل «قادر»، «سجيل»، «عاشوراء»، جُرّب للمرة الأولى في تشرين الثاني عام 2007، وبعد ذلك خلال شهري أيار وكانون الأول 2009، ومن المفترض أن يصبح عملانياً في غضون سنوات.

إن تقدير القدرات الحقيقية لإيران في المجالات الأخرى يعدّ مهمة أكثر تعقيداً. فمن جهة، الإعلام الإيراني يعلن دون توقف عن وسائل قتالية متطورة مثل الدبابات والمؤللات والمقاتلات الحربية والمروحيات والصواريخ المختلفة الأنواع (بحر - بحر، جو - جو، ضد الدروع) وغير ذلك. ومن جهة أخرى، يبدو أن إيران غير قادرة على إنتاج كل أنواع وطرز الأسلحة التي تتباهى بأنها تنتجها بنوعية ممتازة وبكميات كبيرة. من الواضح أن إيران تنتج عدداً من القذائف المدفعية، وكذلك الصواريخ المضادة للدروع وصواريخ بحر - بحر التي تستند إلى تكنولوجيا صينية وروسية. مع ذلك، لا دليل على أن إيران تنتج مقاتلات حربية ذات قدرات فعلية على مواجهة ساحة القتال العصرية.

[**«إسرائيل» :*]

تحصل «إسرائيل» على مساعدات أميركية بقيمة تصل عام 2010 إلى 2.77 مليار دولار. هذا المبلغ مخصص بأكمله تقريباً للتعاظم العسكري. ووفقاً للاتفاق الذي أُبرم مع الولايات المتحدة في آب 2007، من المقرر أن تزداد قيمة هذه المساعدة بالتدريج، وستصل قيمتها الإجمالية في نهاية العقد عام 2018 إلى 30 مليار دولار. لذلك، «إسرائيل» أقل تأثراً من دول أخرى بالتغيّرات المحتملة في الوضع الاقتصادي العالمي والمحلي.

في أعقاب حرب لبنان الثانية، استثمر الجيش «الإسرائيلي» موارد مالية كبيرة في إعادة ملء مخازن الذخيرة الاحتياطية، وخصوصاً لدى سلاح الجو. وفي هذا السياق، اشترى أنواعاً أكثر حداثة من الذخيرة، مثل صواريخ GBU-39، وعدداً كبيراً جداً من الصواريخ الموجهة بأنظمة التوجيه من طراز JDAM. أما في ما يتعلق بصفقات الأسلحة الكبرى، فقد أنهت «إسرائيل» مسار استيعاب مئة طائرة قتالية من طراز «سوفا» (F-16I)، كذلك استوعبت خمس طائرات من طراز «نحشون» (Gulfstream G550)، بعضها مخصص للمهمات الاستخبارية وتعرف في سلاح الجو باسم «إيتام»، فيما البعض الآخر يستخدم لمهمات القيادة الجوية ومهمات الرقابة، وتسمّى في «إسرائيل» باسم «شبيط». هذه الطائرات من صنع أميركي، وقد بدأت بالوصول إلى «إسرائيل» عام 2005 حيث زُوّدت هنا بمنظومات «إسرائيلية» مختلفة. وأعلنت إسرائيل نيّتها التزوّد بمقاتلات من طراز 35-F خلال العقد المقبل، إلا أن الصفقة لا تزال قيد التفاوض، ولا تزال تعترضها عقبات كثيرة. كذلك طلب سلاح الجو الحصول على تسع طائرات نقل متطورة من طراز C-130J، تقدر كلفتها بنحو 1.9 مليار دولار. ويتوجه سلاح الجو إلى استبدال طائرات التدريب من طراز «تسوكيت» التي يستخدمها منذ أكثر من 40 عاماً بطائرة Beechcraft T-6 Texan II الأميركية (المسمّاة في سلاح الجو «عفروني»). من جهته، طلب سلاح البحرية غواصتين من طراز «دولفين»، من إنتاج ألماني.

وفي مجالات كثيرة، تستند «إسرائيل» في تسلّحها على جهود التطوير والإنتاج المحلية.

أولاً : هي تبذل جهوداً كبيرة في تطوير منظومات مضادة للصواريخ البالستية والقصيرة المدى. وقد قررت «إسرائيل» شراء بطاريات «حيتس» إضافية زيادة على البطاريتين الموجودتين في حوزتها. ومنظومة «حيتس» تخضع في غضون ذلك لتطوير يتيح لها تسجيل نجاح أكبر في مواجهة تهديد الصواريخ البعيدة المدى. وتستثمر «إسرائيل» جهوداً في منظومتين دفاعيتين إضافيتين من إنتاج محلي : منظومة «مقلاع داوود» لاعتراض الصواريخ البالستية والصواريخ المتوسطة المدى بين 40 و200 كلم، ومنظومة «القبة الحديدية»، المخصصة لاعتراض الصواريخ القصيرة المدى مثل «القسام» و«غراد». ومن المتوقع أن تنتهي مرحلة التطوير في «مقلاع داوود» عام 2012، فيما يتوقع أن تدخل «القبة الحديدية» حيّز الخدمة العملانية عام 2010.

ثانياً : تواصل «إسرائيل» تطوير قدراتها الفضائية : ففي عام 2007 أطلقت قمر «أفق 7» الذي يفترض أن يستبدل «أفق 5». وفي مطلع عام 2008، وبمساعدة منصة إطلاق هندية، أطلقت «إسرائيل» قمر الاستخبارات TecSAR الذي يتيح جمع معلومات استخبارية ليلاً ونهاراً في كل الأحوال الجوية. كذلك أُطلق قمر «أفق 9» في حزيران 2010.

ثالثاً : تقريباً لا منافس لـ «إسرائيل» في مجال الطائرات غير المأهولة. وقد أدخل سلاح الجو «الإسرائيلي» إلى الخدمة أخيراً طائرات من طراز «شوفال» و«إيتان» القادرة على البقاء طويلاً في الجو وعلى ارتفاعات عالية. وكلتاهما مؤهلة لتنفيذ عمليات بعيدة المدى (أربعين ساعة أو أكثر) إضافة إلى مهمات جمع المعلومات والمسح. وإلى جانب الطائرات المسيرة الكبيرة، تزودت وحدات الجيش بطائرات مسيرة صغيرة تُستخدم في وحدات قتالية لمهمات جمع المعلومات «وراء التلة» وعلى مسافات قصيرة (10 كلم). وقد اختير أخيراً طراز Skylark I LE التي تتمع بقدرة على التحليق على ارتفاع أعلى لتزويد وحدات إضافية به.

رابعاً : وسّعت «إسرائيل» عمليات التزود بأسلحة من إنتاج محلي للقوات البرية. إحدى العبر من حرب لبنان الثانية دفعت إلى أن يتزوّد الجيش بناقلة جند مصفحة من طراز «نمر» الذي يستند إلى جسم الميركافا. إضافة إلى ذلك، ستُزوّد دبابات ميركافا 4 ومؤللات «نمر» بمنظومات مضادة للصواريخ من طراز «معطف الريح» و«القبضة الحديدية».

[**سوريا :*]

التغيّرات الرئيسية التي خضعت لها القوات المسلحة السورية تتمثل باحتمال حصولها على صواريخ «فاتح 110» الإيرانية، إضافة إلى صواريخ أخرى بعيدة المدى بقطر 220 و302 ملم. ويبدو أن سوريا حصلت على قدرة إنتاج هذه الصواريخ بنفسها. وتشغّل قوات الدفاع الجوي السورية الآن على الأقل بعض منظومات «سام» الجديدة التي حصلت عليها من طراز «ستيرلتس» و«بانتسير أس 1».

[**لبنان :*]

في أعقاب حرب صيف 2006 تخضع القوات المسلحة اللبنانية لتغييرات جوهرية. فقد حصلت على مساعدات أجنبية مهمة، وجُدّدت المعدات القديمة، كما حصلت على معدات جديدة معظمها عبر الهبات. ويشمل ذلك تسع مروحيات من طراز غازيل، 300 آلية من طراز هامفي (وينتظر أن تُسلّم 300 إضافية) من الولايات المتحدة، وقوارب دورية من ألمانيا والإمارات العربية المتحدة. وقد تضاعف عدد قوات الأمن الداخلي إلى نحو خمسين ألفاً. أما «حزب الله»، فقد جدد مخازنه الصاروخية القصيرة والمتوسطة المدى وصواريخ متطورة مضادة للدروع من النوع الذي استخدم بكثافة خلال حرب 2006. كذلك قد تشمل ترسانة «حزب الله» بعض صواريخ من طراز «فاتح 110» الموجهة وأسلحة دفاع جوي.


titre documents joints

Strategic Survey for Israel 2010

7 أيلول (سبتمبر) 2010
info document : PDF
1.9 ميغابايت


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165485

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165485 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010