الاثنين 13 أيلول (سبتمبر) 2010

حسابات الإنفراد بمفاوضة عبّاس

الاثنين 13 أيلول (سبتمبر) 2010 par شاكر الجوهري

المفاوضات «الفلسطينية» ـ «الإسرائيلية» المباشرة يصعب الجزم في أنها لن تصل إلى أية نتيجة.

النتيجة المتوقعة ستكون أكثر سلبية من وجهة نظر المصالح الفلسطينية والعربية، من أية مفاوضات سابقة بين الجانبين.

اسباب توقع خلوص هذه المفاوضات إلى نتائج تتمثل في :

أولاً : الإصرار «الإسرائيلي» والأميركي على عقد المفاوضات المباشرة.

وجهة نظر أطراف فلسطينية رفضت الإنتقال من المفاوضات غير المباشرة إلى المفاوضات المباشرة، تستند إلى عدم توقع نتائج ايجابية بالنسبة للشعب والقضية الفلسطينية، دون تقليب امكانية تحقيق نتائج ايجابية لصالح «إسرائيل»، على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته.

المسألة هنا تتجاوز رغبة نتنياهو في كسب الوقت لقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتفعيل الرأي العام الدولي عبر وجود مفاوضات لا تفضي إلى نتيجة.

ثانياً : يروى أن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء «إسرائيل» يطمح في أن يتحقق الحل النهائي للقضية الفلسطينية على يديه.

مثل هذا الطموح في عزل مصر عن محيطها العربي، وتبديد امكانية نشوب حرب «إسرائيلية» عربية جديدة، تشارك فيها كل دول الجوار العربي، هو الطموح الأساس الذي جعل مناحيم بيغن، الزعيم الأسبق لتكتل «الليكود» في حينه، يقبل توقيع «معاهدة كامب ديفيد» مع أنور السادات.

كان هدف بيغن من عزل مصر هو توفير فرصة تاريخية لحل نهائي، يؤمن حلاً نهائياً للقضية الفلسطينية يحقق كامل المصالح «الإسرائيلية».

نتنياهو يطمح لأن تتم الخطوة التالية ـ التي عمل لأجلها بيغن ـ على يديه، كي يسجل التاريخ «الإسرائيلي» اسمه إلى جانب عظام «إسرائيل» امثال ثيودور هرتزل، ديفيد بن غوريون، فلاديمير جابوتنسكي، ومناحيم بيغن، بعد أن أخفق اسحاق شامير في تحقيق هذه المكانة.

ثالثاً : ضرورة انتهاز الفرصة التاريخية السانحة من وجهة نظر المصالح «الإسرائيلية»، ممثلة في وجود رئيس فلسطيني ضعيف ومعزول، تم اغتيال سلفه ياسر عرفات من أجل توفير ظروف مواتية لتوقيع اتفاق الحل النهائي معه.

«إسرائيل» وأميركا تدركان أن تأجيل المصالحة الفلسطينية لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، كما أن سيطرة حركة «حماس» على الضفة الغربية، إلى جانب قطاع غزة، أمر متوقع، ويجري التصريح بتوقعه عبر وسائل الإعلام من قبل قادة «إسرائيليين» واميركيين.

رابعاً : استحالة تواصل اعتراف المجتمع الدولي بالصفة التمثيلية لمحمود عبّاس إلى ما لا نهاية، باعتباره الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، في ضوء جملة حقائق دامغة :

أولاً : انتهاء ولايته كـ «رئيس للسلطة الفلسطينية» بتاريخ 9/1/2009، وتمديد ولاية المجلس التشريعي وحده بحكم مواد القانون الأساسي الفلسطيني.

ثانياً : انتهاء ولاية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والمجلسين الوطني والمركزي الفلسطينيين اعتباراً من شباط/ فبراير 1990.

ثالثاً : عدم حصول حكومة سلام فيّاض على ثقة المجلس التشريعي الفلسطيني حتى الآن، واستحالة حصول حكومة كتلة الرجل الواحد في هذا المجلس (فيّاض) على ثقة كتلة الأغلبية الساحقة (حماس).

رابعاً : انتهاء محكوميات الغالبية الساحقة من نواب «حماس» في السجون «الإسرائيلية». حالياً يوجد فقط اربعة من نواب «حماس» في السجون «الإسرائيلية»، اضافة إلى نائبين لحركة «فتح»، ونائب للجبهة الشعبية (أحمد سعدات).

بإطلاق سراح نواب «حماس»، عاد توازن تشكيلة المجلس التشريعي للإختلال لصالح حركة «حماس».

خامساً : انقلاب حلفاء محمود عبّاس في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عليه، كما تبين في الإجتماع قبل الأخير للجنة التنفيذية، حيث عقد الإجتماع بمشاركة فقط تسعة اعضاء، وتغيب تسعة من بينهم اربعة من أصل ستة ممثلين لحركة «فتح»، ورفض ثلاثة من أصل التسعة الذين شاركوا في الإجتماع الموافقة على الذهاب للمفاوضات المباشرة.

لقد فقد عبّاس غطاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.

هنا يجب التوقف ملياً أمام الإنقلاب الذي حدث في الموقف الأميركي.

فإدارة باراك اوباما، ممثلة في شخص الرئيس، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، تحولت إلى مطالبة نتنياهو بوقف الإستيطان، بعد أن تراجعت عن ذلك، وأصبحت تجاهر بضرورة أن تكون المفاوضات المباشرة غير مشروطة..!

عبّاس نفسه بات يدرك، كما كان يقال عن لبنان سابقاً، من أن قوته تكمن في ضعفه. لذا، فهو هدد في تصريحات علنية، بوقف المفاوضات، إن جرت محاولات لفرض شروط عليه.

هذا التهديد ينطلق من ادراك عبّاس مدى حاجة «إسرائيل» للتوصل إلى اتفاق مع شخصه وحده..!

بنيامين نتنياهو يعبر هو الآخر عن حاجته للإستفراد بعبّاس من خلال اقتراحه أن تنحصر العملية التفاوضية في شخصيهما.

عضو هام في اللجنة المركزية لحركة «فتح» يرى في مقترح نتنياهو محاولة لعزل افيغدور ليبرمان (زعيم «اسرائيل بيتنا») عن المفاوضات، غير أننا نرى عدة أهداف لهذا الإقتراح :

أولاً : انفراد نتنياهو بالتفاوض مع عبّاس الضعيف، كي يسجل اسمه بأحرف من نور في سجل عظماء «إسرائيل»، دون شريك.. ليبرمان، أو غير ليبرمان..

مجد التنازلات الفلسطينية يجب أن يسجل كله في صفحة نتنياهو.

ثانياً : قلق نتنياهو، وكذلك الإدارة الأميركية من أن يعمل تطرف ليبرمان، المجرد من اطماع وطموحات، وبراغماتية نتنياهو، على تخريب المفاوضات، وتعطيل وصولها إلى النتيجة المرجوة من قبل نتنياهو وإدارة اوباما.

براغماتية نتنياهو تدرك أن التجميد المؤقت للإستيطان يمكن توظيفه من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات يقدمها محمود عبّاس، في حين يمكن استئناف الإستيطان ثانية بمجرد احراز جملة الأهداف المطموح فيها.

ثالثاً : عزل عبّاس عن مساعديه، يسهل اقناعه من قبل نتنياهو بتقديم كم كبير من التنازلات الأساسية، مقابل التمديد المؤقت لتجميد الإستيطان.

هذا التكتيك «الإسرائيلي» يمنح عبّاس فرصة مخاطبة الرأي العام الفلسطيني قائلاً إنه تمكن من فرض شروطه على نتنياهو، في حين أن نتنياهو يكون هو من يفرض شروطه..!

عبّاس سيجد نفسه مرغماً على تقديم كل التنازلات المطلوبة منه ما دام قد افقد نفسه والقضية الفلسطينية فرصة تعدد الخيارات، حين حصر كل خياراته في محاورة «الإسرائيليين» ومفاوضتهم، متبنياً بذلك شعار صائب عريقات، الذي اطلقه إسماً لكتابه «الحياة مفاوضات».

حين يمل عبّاس من تواصل المفاوضات دون جدوى، سيخرج ليعلن على الرأي العام أنه لم يكن بالإمكان أبدع مما كان..!

نتنياهو يدرك ذلك، ويتوقعه.

أما عبّاس الذي يعرف كيف تلاك سياساته ومواقفه في أفواه الفلسطينيين، وأبدى علناً انزعاجه مما يقوله حتى تلاميذ المدارس لأحفاده بحق جدهم، فقد رفض مبدأ ثنائية التفاوض مع نتنياهو، ليتوصلا في نهاية المطاف إلى أن يرافقهما وفدان من المستشارين، لا يضير «الإسرائيليين» أن يكون كبير الجانب الفلسطيني صائب عريقات..!

وربما هذا ما جعل الدكتور نبيل شعث يقبل أن يكون عضواً في وفد يرئسه عريقات..! فالمصلحة الوطنية تتطلب وجوده ليقول لا إن تطلب الموقف لجم تنازلات عريقات..!

ولكن، ماذا لو جاء التنازل من عبّاس..؟!

نتنياهو يدرك هنا قدرة عبّاس على لجم شعث.

ضعف عبّاس أمام نتنياهو، وقوته في مواجهة مساعديه، وجرأته على فصائل المقاومة، وسلاحها، وبنيتها التحتية، تنفيذاً لاستحقاقات المرحلة الأولى من خارطة الطريق، هو ما يدعو معارضي عبّاس إلى رفض المفاوضات المباشرة، حتى حين يكون تحديد حدود «الدولة» الفلسطينية أول بند على جدول اعمالها.. خاصة وأن هذه المفاوضات تتأسس على الخدعة الأكبر التي وقع فيها ياسر عرفات ومحمود عبّاس معاً بمواجهة اسحاق رابين، حين وقعا اتفاق اعتراف متبادل بين دولة «إسرائيل» ومنظمة التحرير..

[**دولة ومنظمة..!*]

ذلك أن المفاوضات تجري الآن بين دولة «إسرائيل» ومنظمة التحرير، وهو ما حوّل الأراضي الفلسطينية من أراض محتلة يتوجب الإنسحاب «الإسرائيلي» منها، إلى أراض متنازع عليها يتوجب على الجانب الفلسطيني التنازل عن المزيد منها..!!

في هذا السياق، تفيد التسريبات أن عبّاس جدد موافقته على إجراء تبادل في الأراضي، وتأجيل بحث قضية القدس مرة أخرى، إلى ما بعد تنفيذ اتفاق الإطار، المفترض التوصل إليه خلال عام، على أن ينفذ خلال عشر سنوات.. أي ربما ليس في عهد الرئيس الذي سيخلف اوباما، بل الذي يليه أيضاً.

قضية القدس تؤجل لأحد عشر عاماً أخرى، إن تم التوصل لاتفاق اطار خلال عام من الآن..!!

عبّاس يشتري بذلك سمكاً ليس في الماء، بل في قعر محيط مجهول الإسم والموقع والعمق..!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2181019

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2181019 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40