الخميس 16 أيلول (سبتمبر) 2010

ماذا نعني بحل الدولة الفلسطينية الواحدة؟

الخميس 16 أيلول (سبتمبر) 2010 par د. يوسف مكي

مقاربات ثلاث جرى الحديث عنها من قبل العرب و«الإسرائيليين»، لحل الصراع العربي الصهيوني، في محوره الفلسطيني. جرت بعض التعديلات عليها بين فينة وأخرى، لكنها في جوهرها بقيت كما كانت.

المقاربة الأولى، وهي عربية، رفضت ابتداء قبول قرار التقسيم، واعتبرت الكيان الغاصب جسماً غريباً على الأمة، لن تستقيم الأمور إلا بإزالته. لكن هذه المقاربة كانت قاصرة في عدد من الأوجه، أهمها أنها لم تقم وزنا للمشروع الصهيوني، يضعه في سياقه التاريخي الصحيح. ولم تضع الاعتبار اللازم لموقع هذا المشروع في الصراع الدولي. ليس ذلك فحسب، بل إنها لم تضع أية استراتيجية عسكرية، بغض النظر عن نتائجها لمواجهة هذا المشروع. جل ما قامت به هذه المقاربة هي تعميم ثقافة الرفض، وهي ثقافة لا نجادل فيها كثيراً. وأعلنت مقاطعة اقتصادية للمنتجات التي تصدرها الدول للكيان الغاصب. وباستثناء حرب النكبة، عام 1948، لم تقدم الأمة العربية على أي حرب مع الكيان الصهيوني، بهدف تحرير فلسطين.

فحرب 1956، كانت عدواناً ثلاثياً غاشماً، على مصر شاركت فيه بريطانيا وفرنسا و«إسرائيل»، كل لأسبابه الخاصة. فبريطانيا استهدفت بالعدوان قرار الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس، وفرنسا استهدفت منه القضاء على النظام المصري، ليسهل عليها احتواء المقاومة الوطنية في الجزائر. أما «الإسرائيليون» فكانت سياستهم إضعاف القوة العسكرية المصرية الناشئة، وبالتالي إضعاف الاستراتيجة العسكرية العربية في مواجهة الصهيونية.

وحرب يونيو 1967، هي عدوان «إسرائيلي» صريح على مصر والأردن وسوريا. والادعاء «الإسرائيلي» أنها حرب استباقية، وشروط استرجاع العرب للأراضي التي احتلها الصهاينة، في سيناء والضفة والقطاع ومرتفعات الجولان، هي الأرض مقابل السلام. وكانت أكذوبة فاضحة عرتها أربعة عقود من المفاوضات العبثية مع الصهاينة.

أما حرب 1973، فقد شنّتها مصر وسوريا بهدف محدود هو إنهاء حالة اللاحرب واللاسلم، وتحريك القضية. وكانت كما تم وصفها بجدارة «حرب تحريك». وقد مثلت انتقالاً رئيساً من قبل أنظمة المواجهة في النظر إلى طبيعة الصراع العربي مع الصهاينة.

المقاربة الأخرى، ارتبطت بما أطلقنا عليه بالانتقال الرئيسي لطبيعة الصراع. وهي وإن كانت مفرداتها الأولى فلسطينية، لكنها نتاج لمناخ عربي ودولي ساد بعد حرب أكتوبر، يسير باتجاه التفاوض والاعتراف بمشروعية اغتصاب الكيان الغاصب لفلسطين. في هذه المقاربة، تم طرح الدولة الديمقراطية الفلسطينية، ثم انتقال إلى مقاربة قيام سلطة وطنية فلسطينية على الأراضي التي تنسحب منها «إسرائيل» في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة. وبنهاية السبعينات، تبلورت هذه المقاربة، بشكل واضح وصريح إلى تبني قيام دولة مستقلة على الأراضي التي احتلها الصهاينة في حرب يونيو. بمعنى أن القيادات الفلسطينية قد تخلت عن حق الفلسطينيين بفلسطين.

خلاصة المقاربة «الإسرائيلية»، هي قيام حكم ذاتي فلسطيني، يرتبط إدارياً، بصيغة كونفدرالية مع الأردن، ويرتبط اقتصادياً وعسكرياً بالكيان الصهيوني. ويكون معبراً «إسرائيلياً» لمختلف الأقطار العربية. وقد أريد لهذه المقاربة أن تبقى غامضة في تفاصيلها، لكن التطورات اللاحقة أفصحت عن الغامض من تفاصيل هذه المقاربة.

كان اليمين «الإسرائيلي»، يضيف باستمرار لهذه المقاربة، بما يأخذ من حصة الفلسطينيين والعرب. فيحيل المملكة الأردنية إلى وطن بديل. أما المؤسسون التاريخيون لـ «إسرائيل»، الذين يقودون حزب العمل، فيدخلون رتوشاً تحسينية على هذه المقاربة، كمشروع «الشرق الأوسط الكبير»، الذي أعاد التنظير له بلغة شاعرية، الرئيس «الإسرائيلي» الحالي، شمعون بيريز، لكنها لا تخرجها أبداً عن سياقها في رفض فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، بحدودها الدنيا.

أثناء العدوان «الإسرائيلي» على قطاع غزة في نهاية عام 2008، تتالت تصريحات الصهاينة، مشيرة إلى مقاربة جديدة للصراع، لم تخرج في تفاصيلها كثيراً عن مقاربة آلون في مطلع السبعينات. وكانت الإشارة الأولى في هذا السياق، قد وردت في مقالة للسفير الأمريكي السابق، بمجلس الأمن الدولي، جون بولتون نشرت في صحيفة «الواشنطن بوست»، قال فيها «إن فكرة قيام دولة فلسطينية، تقودها منظمة التحرير الفلسطينية أخفقت، وأن أي حل قائم على دولتين، على أساس السلطة ولد ميتاً». إن فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، أخفقت من وجهة نظر بولتون لأن «الإرهابيين» نجحوا في السيطرة على غزة. إن الحل كما يراه، يقتضي التفكير في مقاربة جديدة، تقوم على أساس وجود ثلاث دول، توضع بموجبها غزة مجددا تحت سيطرة مصر، (وذلك مطلب «إسرائيلي» مستمر، منذ بدأ مفاوضات مصر مع «إسرائيل»، التي انتهت بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد)، وتكون الضفة الغربية، وفق صيغة معينة تحت السيادة الأردنية. إن ذلك من وجهة النظر الصهيونية، سيكون كفيلاً بتحقيق السلام في «الشرق الأوسط».

تلك هي خلاصة المقاربات الثلاث التي طرحت لحل الصراع مع الصهاينة، في المحور الفلسطيني. ولن نذهب بعيداً حين نقول إنها أخفقت جميعاً في تحقيق حلم الفلسطينيين في الحرية والعودة وحق تقرير المصير.

المقاربة الأولى وحدها هي التي تتحدث عن حقوق كاملة للفلسطينيين، ولكنها لم تصغ أية استراتيجية كفاحية لتحقيق ذلك، والمقاربة الثانية، تحيل الحقوق الفلسطينية، إلى حقوق بالضفة الغربية وقطاع غزة، أما المقاربة الأخيرة، فلا تدع شيئاً للفلسطينيين، بل تعتدي على الأردن، وتأخذ من حصة سيادته ووجوده.

وهنا نأتي إلى فصل المقال: فنؤكد أهمية العودة إلى فكرة الدولة الديمقراطية في فلسطين. بمعنى فكرة الدولة الواحدة، ليست بالصيغة التي وردت في أدبيات الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في السبعينات، ولكن بصيغة تنطلق من التسليم بالفكر القومي العربي.

الفكر القومي، يرى في الأمة العربية وحدة تاريخية وجغرافية. وأن المواطنة تقوم على أساس الانتماء إلى الأرض وليس إلى العرق أو الدين. وفيما يتعلق بالشأن السياسي يجري الفصل بين ما لله وما لقيصر.

وإذا ما انطلقنا من التسليم بحق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وأن هذا الحق لا يسقط بالتقادم، فإن حق اليهود العرب في العودة إلى ديارهم لا يسقط هو الآخر بالتقادم. إن إخفاق المشروع الصهيوني، يتطلب تضافر كل القوى المتضررة منه، في النضال ضد هذا المشروع. فالصهاينة، لم ينتقصوا من إنسانية الفلسطينيين ويحرموهم من أوطانهم فقط، ولكنهم انتقصوا من حق اليهود العرب أيضاً، وأسهموا في تشريدهم من أوطانهم. وبالمثل ساد نمط استعلائي، ضد اليهود الشرقيين والأفارقة. ويجسد الصراع بين اليهود الأشكنازيين والسفارديين، صورة أخرى من عنصرية الصهاينة.

هذه الرؤية للأسف، تم حجبها بقصد أو بغير قصد، بسبب تراكم مواريث، ليست من صلب روح الأديان السماوية التي تدعو إلى المحبة والتسامح. وقد صبت في نهاية المطاف، وبغض النظر عن النيّات في مصلحة المشروع الصهيوني.

المقاربة الجديدة المطلوبة للصراع مع الصهيونية، تضع في الحسبان، صياغة نضالية، طويلة المدى، تعمل على تصحيح الخلل في التوازن الديموغرافي بين العرب والكيان الغاصب، وتجرد الحركة الصهيونية، من رصيدها البشري، كمقدمة لازمة لهزيمة مشروعها التوسعي الاستيطاني، الذي مثل ولا يزال خطرا ماحقا على الأمن والوجود العربي.

إن أهم ملامح هذه المقاربة رفضها لفكرة الدولة اليهودية، التي تعد يهودية الدولة حجرها الأساس. وهي مقاربة نضالية أيضاً، لن تتم بالتوافق أو المفاوضات، ذلك لأن الصهاينة، لن يتخلوا تحت أي ظرف عن رؤيتهم العنصرية. إن السبيل، ربما الوحيد، إلى ذلك هو إحداث خلل في التوازن البشري والحضاري لمصلحة الأمة العربية، يفرض على الصهاينة، القبول بحكم الأكثرية، تماما كما حدث في جنوب إفريقيا.

لا شك أن هذه المقاربة سوف تقابل بالرفض من قبل الكثيرين، في كل الخنادق، على اختلاف مساربها وتوجهاتها، وستطرح نقاطاً واسعة ضدها. وستتهم بالرومانطيقية، لكن مثل ذلك الجدل، سيسهم دون شك في تطويرها وبلورة خطوطها. ولا بد لنا من وقفات أخرى نكثف فيها مناقشة هذه المقاربة، وحسبها أن تسهم في تراكم الحراك في هذه اللحظة حول الوجود والمستقبل والمصير.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 77 / 2165758

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165758 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010