الجمعة 17 أيلول (سبتمبر) 2010

الزيّ الجديد للإمبراطورية ... (1/2)

باراك أوباما في عالم السلطة الحقيقي
الجمعة 17 أيلول (سبتمبر) 2010

بول ستريت، صحافي وباحث ومؤرخ أمريكي يصنف ضمن الكتّاب اليساريين الراديكاليين، بالرغم من استقلاليته المفرطة، وقد كان من أوائل منتقدي أوباما. وفي كتابه الذي تميز بتوثيق دقيق وشفافية جيدة «باراك أوباما ومستقبل السياسة الأمريكية»، تنبأ ستريت بكل سياسات أوباما المنحازة لعالم الشركات والأعمال، وتبنيه لسياسات المحافظين،واتباعه لسياسات العسكرة والحروب الأمريكية. الآن، عاد ستريت بقوة وشراسة أكثر من ذي قبل بكتابه «الزي الجديد للإمبراطورية : باراك أوباما في عالم السلطة الحقيقي».

هذا الكتاب الجديد، يعتبر بمثابة توثيق وتقييم لسجل وسياسات أوباما المحلية والدولية، والتي يراها ستريت طارئة ودخيلة على أجندة أوباما الأصلية التي كانت تعد بتغيير حقيقي.

[**الشعارات الانتخابية البراقة سقطت في مستنقعات «وول ستريت»*]

في الفصل الأول من الكتاب، والذي جاء بعنوان «البيزنس يسود كالمعتاد». يقول ستريت :

«بعد مضي حوالي 20 يوماً على انتصار أوباما في انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2008، فوجئ الكثير من المتابعين والمحللين، باختيارات أوباما لطاقم معاونيه لأنه ركز على شخصيات تنتمي إما إلى عالم «البيزنس» وإما إلى البنتاغون والجيش، وكانت تلك الخطوة بمثابة دلالة مبكرة على نوعية السياسات التي يرغب أوباما في تبنيها.

وفي الفصل الأول من الكتاب، يستعرض بول ستريت عمليات إنقاذ البنوك، وعمليات إسعاف صناعة السيارات الأمريكية، التي كلفت الخزينة الأمريكية مليارات الدولارات، ويعرض ستريت كذلك، المنهجية التي تتعامل بها إدارة أوباما مع البيئة، والتي تشمل اقتلاع وإزاحة قمم الجبال بحثاً عن الموارد والمعادن، والاعتماد أكثر على الطاقة النووية. والمشاركة السيئة في قمة كوبنهاغن العالمية لحماية البيئة كانت بمثابة إفساد لجهود إنقاذ كوكبنا من المخاطر البيئية المحدقة به. وعلى صعيد الشؤون الاقتصادية المحلية، ينوه ستريت بالانتقادات التي وجهها أوباما إلى مؤسسات «وول ستريت» لأنها منحت مسؤوليها الكبار حوافز وعلاوات ضخمة في عز الأزمة المالية.

أوباما زار أكثر المدن التي تأثرت بالركود الاقتصادي، مثل إلكهارت في إنديانا، وبومونا في كاليفورنيا، لإظهار تضامنه مع الطبقات العاملة المسحوقة. لكنه رضخ بسهولة لضغوط ولوبيات عالم المال والأعمال، وفتح الخزينة العامة على مصراعيها لإنقاذ المصارف والشركات المتعثرة، ومنحها مليارات الدولارات، مبرراً ذلك، بأنه «التزام منطقي وواقعي بتجاوز الانقسامات الأيديولوجية، لمصلحة الشعب الأمريكي». ويقول ستريت، إن تبريرات أوباما مثيرة للسخرية، لأنه يقدم مصالح الأثرياء وذوي النفوذ ويوليها اهتماماً أكبر من اهتمامه «بمصلحة الشعب الأمريكي». ويقول ستريت إن برامج أوباما الانتخابية التي كانت تعد، بالاشتراكية والتقدمية، والسلام، تساقطت الواحدة تلو الأخرى، خلال السنة الأولى من حكمه، وذابت في مستنقعات الإمبريالية و«وول ستريت».

في الفصل الثاني من الكتاب : «الزي الجديد للإمبراطورية، الأفعال والأقوال في سياسة أوباما الخارجية»، يركز ستريت على الحروب الأمريكية، ويذكّر القراء بأن التأييد والدعم الذي لقيه أوباما خلال حملته الانتخابية، كان متأتياً من افتراض معارضته للحروب، خاصة حرب العراق، التي بات أوباما حالياً يرسل لها المزيد والمزيد من المرتزقة.

ويقول ستريت، إن الشعب العراقي كان قد تلقى وعداً بإجراء تصويت على صفقة بوش المالكي التي تجيز بقاء الاحتلال حتى نهاية 2011. بيد أن إدارة أوباما ضغطت بنجاح لحرمان الشعب العراقي من هذا التصويت، لأن أوباما يدرك أن الشعب العراقي كان سيسقط اتفاقية بوش المالكي.

ويقول ستريت إن البنتاغون في عهد إدارة أوباما، لجأ إلى حيلة ماكرة للتعمية على عدم الإيفاء بوعود الانسحاب من العراق وأفغانستان، وامتصاص غضب الأصوات الكثيرة داخل الولايات المتحدة وخارجها التي تطالب بإنهاء الاحتلال، وحيلة البنتاغون هي إحلال قوات خاصة ومرتزقة مكان القوات النظامية الأمريكية. ولذلك ازداد عدد المرتزقة الذين تعاقد معهم البنتاغون للعمل في العراق وأفغانستان بـ 25%.

وفي الربع الثاني من 2009، انخفض عدد القوات النظامية الأمريكية في العراق وأفغانستان بنسبة 15%، ومقابل ذلك، ازداد عدد المرتزقة الذين يعملون مع الحكومة الأمريكية بـ 23%، وبنهاية يونيو (حزيران) 2009، بلغ عدد القوات الخاصة «المؤجرة» والمرتزقة حوالي نصف (47%) عدد القوات الأمريكية الموجودة في العراق، وفي أفغانستان بلغت نسبة القوات الخاصة 57% من العدد الإجمالي للقوات الأمريكية.

وحالياً يعمل في أفغانستان 73.968 متعاقداً مقابل 55.107 جنود نظاميين. وينوه ستريت بأن أوباما ووزير الدفاع روبرت غيتس لم يبديا أي اهتمام بدعم تشريع مقترح يوصي بمنع شركات المرتزقة الخاصة من العمل في ميادين القتال.

[**فيتنام أوباما*]

ويجادل ستريت بأن أفغانستان هي «حرب أوباما»، أو لعلها «فيتنام أوباما». فمنذ بداية رئاسته، صعد أوباما مستوى العنف الإمبريالي في أفغانستان وباكستان. ورفض، ببرود، التماس الرئيس الأفغاني حامد قرضاي الذي طالب بوقف قتل المدنيين الأفغان.

وأدى تصعيد أوباما للهجمات على المقاومة الأفغانية، التي تعمل وتعيش وسط المدنيين الأفغان والباكستانيين، إلى زيادة هائلة في أعداد القتلى المدنيين في مناطق جنوب آسيا (أفغانستان وباكستان). وشهد الأسبوع الأول من مايو (أيار) 2009، الحلقة الأخطر والأشرس من مسلسل العنف الأمريكي على المدنيين الأفغان. ففي تلك الفترة، قتلت الغارات الأمريكية، أكثر من 140 مدنياً في بولا بولاك، وهي قرية تقع في محافظة فرح غرب أفغانستان. وكان أكثر من 90% من القتلى من الأطفال.

وحول هذه المجزرة، ينقل ستريت عن الـ «نيويورك تايمز» ما يأتي :

في الأسبوع الفائت، أنصت أعضاء البرلمان الأفغاني، عبر مكبرات الصوت، لمكالمة هاتفية من حاكم محافظة فرح، روح الأمين، وهو يقول إن أكثر من 130 من المدنيين لقوا مصرعهم، وعلى الفور طالب المشرعون الأفغان الغاضبون باتفاقية تضبط وتنظم عمليات القوات الأجنبية في البلاد.

وقال محمد فرحي، عضو البرلمان الأفغاني، إن حاكم محافظة فرح ذكر في مكالمته، أن القرويين جلبوا إلى مكتبه جرارين ممتلئين بأشلاء بشرية لكي يثبتوا مدى بشاعة الحادثة.

وقال فرحي إنه تحدث مع رجل يعرفه شخصياً، أحصى 113 جثة تم دفنها، وقال الرجل إن أغلبية الجثث كانت لنساء وأطفال. ولاحقاً تم انتشال جثث أخرى من بين الأنقاض، ولقي بعض الضحايا الذين نقلوا إلى المستشفى مصرعهم.

رد الفعل الأولي من طرف أوباما والبنتاغون، على تلك الحادثة المروعة (واحدة من بين كثير من المجازر التي ترتكبها القوات الأمريكية في أفغانستان منذ 2001) كانت توجيه لوم أخرق لـ «قذائف طالبان» وتحميلها مسؤولية مقتل المدنيين. وعبّرت وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون عن «الأسف» لمصرع الأبرياء، وامتنعت إدارة أوباما عن إصدار اعتذار أو حتى الإقرار بمسؤوليتها عن مجزرة المدنيين الأفغان في محافظة فرح. ويعقد ستريت مقارنة بين موقف أوباما من مجزرة فرح، وموقفه من حادثة محلية صغيرة. ويقول ستريت إن أوباما قدم اعتذاراً فورياً وطرد أحد المسؤولين في البيت الأبيض لأنه أمر بتحليق طائرة عسكرية فوق سماء مانهاتن «نيويورك»، لتصوير بعض المواقع، ولأن الطيار حلق على ارتفاع منخفض فوق أبراج مانهاتن، فزع السكان وحدث ارتباك خفيف في نيويورك لأن الطائرة ذكّرت النيويوركيين بحادثة البرجين (11/9).

ويقول ستريت، إن التفاوت في مواقف أوباما من الحادثتين «مجزرة فرح، وطائرة مانهاتن» كان تفاوتاً مذهلاً، فخوف النيويوركيين كانت نتيجته، اعتذاراً رئاسياً وطرد موظف في البيت الأبيض. أما مقتل أكثر من 100 مدني أفغاني فلا يستحق أي اعتذار، ولا يستوجب إعفاء أي مسؤول. والأمر الأكثر إيلاماً، كان السماح للبنتاغون بترديد وتمرير مزاعم عبثية مضحكة لتبرير قتل المدنيين، وتعمل وسائل الإعلام الأمريكية أيضاً على ترديد واجترار مزاعم وتلفيقات البنتاغون. ونتيجة لذلك أجرت الولايات المتحدة «تحقيقاً» مريباً بشأن مجزرة فرح، قلّص عدد الضحايا المدنيين بشدة ووجه اللوم لحركة طالبان لأنها وضعت المدنيين في اتجاه القذائف والقنابل الأمريكية.

[**التمييز*]

الفصل الثالث من الكتاب، يتناول قضية شغلت الرأي العام في الولايات المتحدة كثيراً، ولاتزال ذيولها تتفاعل، وهي قضية إصلاحات نظام الرعاية الصحية والتأمين الصحي.

وفي الفصل الرابع، يناقش ستريت مسألة التمايز العرقي وما يسميه بـ «سياسات الهوية». ويرى ستريت، أن أوباما كان، في حملته الانتخابية حريصاً على طمأنة البيض بتقديم نفسه كمشرح أسود يسمو فوق الاعتبارات العرقية، وينأى بنفسه عن الخوض في جدالات التحيزات العنصرية والعرقية. ولا يحمل أي ضغينة أو مشاعر سلبية تجاه البيض.

وفي انتخابات نيل ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، حقق أوباما نصراً مفصلياً في ولاية أيوا، التي يهيمن عليها البيض، وقد استغل القائمون على حملة أوباما الانتخابية، فوزه في أيوا، لكي يرسلوا إشارات وتلميحات للناخبين البيض، مفادها أن التصويت لأوباما، قد يؤشر لبداية نهاية الأحقاد ومشاعر الغيظ الكامنة لدى السود، ويخمد جدالات التفرقة العنصرية والعرقية. ذلك أن القائمين على حملة أوباما الانتخابية، أدركوا جيداً أن الفوز بأصوات الناخبين البيض، يعتمد على إبعاد أوباما عن معترك جدالات العرق واللون.

ويقول ستريت إن سياسات وحسابات أوباما وطاقمه، المتعلقة بالمسألة العرقية، ظلت كما هي بعد أن أصبح أوباما رئيساً. ومع ذلك ظهر، أوباما في مؤتمر صحافي عقد في منتصف يوليو (تموز) 2009، كمَن يسعى للخروج من هذه القوالب، وبالرغم من أن المؤتمر الصحافي كان مكرساً بالأساس لمناقشة تعديلات برامج الرعاية الصحية، إلا أن أوباما بدا غاضباً، وخصص وقتاً طويلاً، للتعليق على حادثة اعتقال شرطيين بيض، بالخطأ، للبروفيسور هنري لويس غيتس، وهو محاضر أسود معروف ويعمل أستاذاً للآداب في جامعة هارفارد. وكانت تلك الحادثة، التي وقعت قبل المؤتمر الصحافي بأيام قليلة، أثارت ضجة في المجتمع الأمريكي، وحرّكت جدال اللون والعرق، نسبة لشهرة غيتس وأسلوب المعاملة الأخرق الذي تلقاه من الشرطيين البيض اللذين وجه إليهما أوباما تقريعاً قاسياً. بيد أن أوباما سرعان ما تراجع عن موقفه الذي بدا فيه مؤيداً لقضايا السود، عندما تعرض لهجوم كاسح من الإعلام اليميني الذي اتهمه بالتمادي في لوم الشرطيين البيض. وبدلاً من العمل على معالجة اختلالات الأنظمة الشرطية والعدلية في الولايات المتحدة التي تتسم بتحيزاتها العنصرية والعرقية، والتي أفرزت حوادث كثيرة مماثلة لحادثة غيتس، بدأ أوباما يعمل على تذويب القضية، ودعا الشرطي الذي اعتقل غيتس للتصالح معه، ودعا الاثنين «الشرطي وغيتس» لتناول كؤوس الجعة معه في حديقة البيت الأبيض!

وفي مناسبة أخرى، كسر أوباما قبة الصمت والنفاق الزجاجية التي احتمى بها تهرباً من الخوض في قضية العرق، ففي يوليو (تموز) 2009، ألقى أوباما كلمة في حفل للجمعية الوطنية لترقية الملونين، قالها فيها، إن آلام التمييز العنصري والعرقي لاتزال محسوسة في أمريكا، بالرغم من التقدم الكبير الذي حدث في الـ 100 عام الفائتة في مجال مكافحة التمييز، وفي ذلك الاحتفال بدا أوباما صريحاً بشكل غير مألوف عنه، عندما يتحدث في هذه القضايا، وقال إن ثمة عوائق كثيرة لاتزال موجودة وتحول دون تقدم الملونين ونيلهم لكل حقوقهم، وأضاف : «نحن نعلم أن الأزمة الاقتصادية تطحن جميع الأمريكيين بمختلف أعراقهم، إلا أن الأمريكيين الأفارقة يعانون أكثر من غيرهم في فرص التوظيف وسوق العمالة».

- [**المصدر : صحيفة «الخليج» الاماراتية | تأليف : بول ستريت | إعداد وترجمة : محمد إبراهيم فقيري*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2182008

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2182008 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 65


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40