الجمعة 17 أيلول (سبتمبر) 2010

من السهل ارسال المنتقدين الى الجحيم

الجمعة 17 أيلول (سبتمبر) 2010

آلاف المنشورات عنيت في السنوات الاخيرة بمحاولة التشكيك بمفهوم «دولة يهودية وديمقراطية». عدد لا يحصى من الاكاديميين واجزاء واسعة من احتكار حقوق الانسان، من العالم ومن «اسرائيل»، جعلوا هذا الصراع مشروعا شخصيا وعالميا. وهؤلاء لم يعودوا فقط هوامش نوعام تشومسكي ونورمن فينكلشتاين. هؤلاء هم ايضا اناس كانوا في الوسط. مثلما كانوا دوما فان اليهود هم الذين يقودون الهجوم. أحد البارزين بينهم هو توني جادت، الذي توفي، وفي سنواته الاخيرة كان الناطق المركزي بلسان رفض حق الوجود لدولة قومية يهودية، أو النجم الجديد لليسار «الاسرائيلي»، بيتر باينرت، الذي لا يرفض، حتى الان، حق دولة يهودية في الوجود، ولكنه يتبنى اجزاء هامة من الخطاب الذي تتميز به صناعة الاكاذيب. في مقاله الشهير عن يهود الولايات المتحدة وعن «اسرائيل»، يقتبس فاينرت نتنياهو الذي في كتابه «مكان تحت الشمس» رفض وجود الشعب الفلسطيني أو حق الفلسطينيين في دولة، بل انه لم يكلف نفسه عناء الاشارة الى خطاب بار ايلان، الذي قبل فيه نتنياهو مبدأ الدولتين.

فكرة الدولة اليهودية الديمقراطية، إذن، تقف أمام تحالف واسع من المعارضين من الداخل ومن الخارج. يوجد فيها لاساميون، يوجد فيها مناهضون للصهيونية واحيانا يدور الحديث عمن يتظاهرون كصهاينة مع أن تطلعهم هو لدولة كل مواطنيها، في ظل دفع ضريبة لفظية في صالح حق اليهود في وطن قومي.

يمكن الرد على الكسالى بسخافتهم. يمكن دحض الادعاءات المركزية لرافضي حق الوجود لدولة يهودية. غير أننا بهذا نكون قد جعلنا لانفسنا حياة اسهل مما ينبغي. وذلك لانه في كل المنشورات المعادية والمغرضة هذه توجد ايضا نوايا من الانتقاد الصحيح. لا يوجد هناك فقط رفض للفكرة الصهيونية أو لفكرة الدولة اليهودية الديمقراطية. يوجد هناك ايضا وضع مرآة امام الواقع الآخذ بالتجسد لنا امام أعيننا. وأكثر من ذلك، فمن السهل جدا ارسال المنتقدين الى الجحيم، عندما يرفضون مجرد حقنا في الوجود. غير أن الانتقاد يأتي ايضا من الساعين لصالح «اسرائيل». فهو يأتي من اصدقاء، وذلك لاننا لا نبني هنا بلاد «اسرائيل» الكاملة، بل فلسطين الكبرى. «اسرائيل»، بأفعالها هي، وفرت لرافضي حق وجودها المادة الخام للدعاية ضدها. وذلك لانه اذا كانت «اسرائيل» تضم عمليا مناطق يهودا والسامرة وتقيم هنا واقعا ثنائي القومية، فما بالها تنزل باللائمة على من يتبنى هذا الاتجاه.

هكذا بحيث ينبغي لنا أن نعترف. كل خطايا اليسار الراديكالي ستكون ناصعة البياض كالثلج امام المشروع الاسمنتي لفلسطين الكبرى. بعد عدة ايام ستنطلق الاشارة. الجرافات ستصعد مرة اخرى الى مواقع البناء، برغبة ابداع متعاظمة، بعد توقف قصير لعشرة اشهر. ومرة اخرى سينبعث مشروع فلسطين الكبرى الى الحياة. دولة واحدة كبرى، مع جوقات مرافقة من مجلس «يشع» واحزاب اليمين الاصولية، وبادارة رئيس حزب العمل. غير أن هذه المرة ستحصل الامور مع اضافة ذات مغزى. في السنوات الاخيرة حذر رجال اليسار من رجال اليمين الايديولوجي: كيف بالضبط ستضمون المناطق، أي يهودا والسامرة، دون أن تمنحوا الحقوق للفلسطينيين، فأنتم تخلقون هنا دولة أبرتهايد؟ سؤال صحيح وعادل. لسنوات عديدة حاول اليمين سوي العقل الامساك بالحبل من طرفيه. دولة يهودية وفي نفس الوقت حرمان الفلسطينيين من الحقوق. ليس بعد اليوم. مؤشرات على الاتجاه الجديد ظهرت منذ عدة سنوات. غير أنه في السنة الاخيرة باتت هذه انشودة الجوقة. امام ناظرينا آخذ في النشوء يمين مناهض للصهيونية. يمين الدولة الواحدة الكبرى. يمين هو يسار. ليس فقط اوري اليتسور، رئيس مكتب نتنياهو سابقا ومن رؤساء «يشع»، بل وايضا رؤساء «الليكود» الذين يسحبون وراءهم اصواتاً اخرى. آرنس، ريفلين، حوتبيلي والمزيد فالمزيد. هم يريدون دولة واحدة كبيرة مع حقوق للفلسطينيين.

البداية متلعثمة قليلا. ليست بالضبط حقوقاً كاملة. ليس بالضبط صوت ٌ لكل فلسطيني. ليس لكل الفلسطينيين. ليس سكان غزة. غير أن الاتجاه بات يلوح في الافق. جدار الفصل بين آرنس وريفلين وبين جادت، ايلان بابه، ميرون بنبنستي ويهودا شنهاف - آخذ في التشوش. التحالف الذي يدعي هذا المقال وجوده منذ سنوات عديدة آخذ في التجسد. ليس خطأ ان شنهاف، في كتابه الاخير، يبث عطفا على المستوطنين. شنهاف يريد حل مشكلة الـ 1948. اساس انتقاده موجه «لليسار الصهيوني». المستوطنون الذي يعيدوننا الى وضع ما قبل الصهيونية، هم حلفاؤه. معا سيقيمون هنا فلسطين الكبرى.

[**♦♦♦♦*]

بسخافتنا، كثيرون بيننا لا يزالون ينشغلون بالتقسيم القطبي لـ «يمين» مقابل «يسار». تقسيم مر زمنه. تقسيم ليس له أي معنى. كان هذا حزب العمل هو الذي بدأ مشروع البناء الكبير. كان هذا ايهود باراك كرئيس للوزراء، بالنسبة للفترة القصيرة التي تولى فيها المنصب، أقام 4.742 وحدة سكن في المناطق في سنة واحدة، اكثر من أي رئيس وزراء آخر، قبله وبعده. وقد حصل هذا في سنوات اوسلو البهيجة.

وبشكل عام، البؤر الاستيطانية ليست المشكلة. الـ 4 الاف الذين يسكنون فيها، هم أقل من 1.5 في المئة من عموم المستوطنين نحو 300 الف شرقي القدس (قرابة 200 الف آخرين). واضافة الى ذلك فان المستوطنات الاكبر هي بالذات للاصوليين موديعين عيليت وبيتار عيليت وليست للصهيونية الدينية. الاحتمال في اخلاء هؤلاء المستوطنين يقترب من الصفر. نحن في الدقيقة التسعين. يمكن أن نضم معظم الكتل الاستيطانية ومعظم المستوطنين لدولة «اسرائيل». غير أن الواقع يتغير. رؤيا الرعب لبنبنستي تتحقق. الوضع آخذ بالغدو كأمر لا مردّ له. كلما اتسع البناء، فاننا نحكم على أنفسنا بدولة واحدة كبيرة. اليسار المناهض للصهيونية يتطلع لها. اليمين المناهض للصهيونية يقيمها.

توقعات جديدة من مدرسة رجال اليمين، بالتعاون مع مهنيين مختلفين، تحاول دحض التوقعات عن الاغلبية العربية. مثلما كان لنا مؤرخون جدد وعلماء اجتماع جدد، ينتمون في معظمهم للمعسكر ما بعد والمناهض للصهيونية، يوجد لنا الآن ديمغرافيون جدد. وهم في ذات الاتجاه. لنفترض بانهم محقون. ولكن توجد مشكلة. أولا، حسب المعطيات موضع الخلاف التي يقدمونها، توجد اغلبية يهودية من 67 في المئة غربي النهر، واغلبية 60 في المئة اذا ادرجنا قطاع غزة. لنفترض أن هذا صحيح، فماذا يعني بالضبط؟ هل الاستنتاج هو أن نقيم هنا دولة واحدة كبرى؟ هل الحل المرغوب فيه هو بلاد «اسرائيل» الكاملة؟ فهل هذا يعني أنه لا توجد مشكلة في منح حقوق التصويت للفلسطينيين في يهودا والسامرة وغزة؟ إذ أن اقلية من 40 في المئة ايضا ستغير وجه «اسرائيل».

هل الدولة الجديدة ـ دولة واحدة كبرى، ستجعل «اسرائيل» بلاد ملجأ، والهجرة اليهودية ستتعاظم، أم اننا بانتظار مسيرة معاكسة؟ فـ «دولة كل مواطنيها» الجديدة، هذه المرة من انتاج اليمين، ستكون دولة تكون فيها منذ البداية اغلبية تعارض، بمستوى ما، الفكرة الصهيونية الرسمية لدولة «اسرائيل» (معظم الاصوليين وكل العرب مضاف اليهم جزء من اليسار). منذ الان توجد مصالح مشتركة للقطاعين الاصولي والعربي، مثلا، في قانوني نهاري اللذين عززا التعليم الانعزالي. وهل هذه هي الدولة التي تمنيناها؟ مهما يكن من أمر، لا ريب في أن الديمغرافيين الجدد هم بمثابة روح اسناد لليمين المناهض للصهيونية.

[**♦♦♦♦*]

وماذا عن عرب «اسرائيل»؟ إذ انهم هم ايضا من شأنهم أن يصبحوا اغلبية. يوجد فارق هائل. اولا، 99 في المئة من عرب «اسرائيل» هم محافظون على القانون يريدون ان يكونوا جزءا من دولة «اسرائيل»، واغلبية الشباب، خلافا للزعماء يريدون ان ينفذوا خدمة مجتمعية، وطنية او اجتماعية. منذ قيام الدولة كمية المنضمين الى النشاط المعادي تقترب من الصفر. نسبيا، يوجد مشاركون في الارهاب في اوساط المسلمين في بريطانيا اكثر مما في «اسرائيل». صحيح، يوجد تطرف من رواده الشيخ رائد صلاح، عزمي بشارة وخلفاؤه الايديولوجيون. يجب معالجة ذلك ويمكن معالجة ذلك. المزيد من المساواة والمشاركة، من جهة، ومن الجهة الاخرى يد حديدية ضد التآمر الذي يستغل خطاب الحقوق لغرض رفض حق دولة «اسرائيل» في الوجود.

اضافة الى ذلك، حتى لو كنا نفترض بأن عرب «اسرائيل» يشبهون تماما عرب المناطق، الامر الذي هو ليس صحيحا، فان هذا لا يزال لا يبرر قيام دولة واحدة كبرى. وذلك لان ضم المناطق يشبه الغرق المؤكد في المكان من النهر حيث مستوى المياه متران. فهل مجدٍ أم غير مجدٍ الانتقال الى المكان الذي مستوى المياه فيه هو نصف متر؟ بالتأكيد نعم. وفي منظور تاريخي، هذه نجاة فورية، حتى وان كان هناك تخوف في أنه بعد مئة سنة في المكان الجديد ايضا سيصبح المستوى مترين. اليمين المناهض للصهيونية مثل اليسار المناهض للصهيونية يقترحون علينا خيارا ثالثا: الانتقال الى مكان في النهر مستوى المياه فيه هو ثلاثة امتار.

ثمة مجال للتفكير الابداعي: بالضبط مثلما لا حاجة لضم 200 الف مواطن عربي من شرقي القدس، هكذا ايضا يجب النظر في السبل التي تتيح لعرب «اسرائيل» المجاورين للحدود بأن يكونوا جزءا من الكيان السياسي الذي يتماثلون معه. ليس بالقوة. ليس بالاكراه. فقط طواعية، بحيث يتاح لهم تحقيق تقرير المصير لانفسهم. غني عن الاشارة ان مجرد اصرار اغلبية العرب على أن يكونوا جزءا من دولة «اسرائيل» وليس جزءا من الكيان العربي الذي قد يقوم الى جانب «اسرائيل» هو دحض مؤكد لادعاءات صناعة الاكاذيب عن «دولة الابرتهايد». فاذا كانت الحال سيئة بهذا القدر في «اسرائيل»، فلماذا لا يكونون جزءا من الكيان الوطني المجاور؟

[**♦♦♦♦*]

المستوطنات، يقال لنا، هي روح الصهيونية. اليهود انقذوا الارض، اقاموا بلدات في اماكن نائية، بما في ذلك في قلب السكان العرب، وهكذا خلقوا حقائق، في السياق ادت الى اقامة دولة «اسرائيل». الادعاء المقارنة هذه هي قاسم مشترك آخر بين اليمين المناهض للصهيونية واليسار المناهض لها. هؤلاء واولئك يعتقدون ان الصهيونية في حينه والصهيونية اليوم واحدة هي. وليست هي. لأنه يوجد فارق بين الاستيطان في الايام ما قبل الدولة والاستيطان اليوم، حين تكون دولة «اسرائيل» حقيقة ناجزة. المناهضون للصهيونية يدعون بان الصهيونية هي حركة استعمارية. لا توجد كذبة أكبر من هذه. لم يكن هذا استيطانا بإسناد من قوة عظمى ما. لم تكن هناك مصادرات للاراضي. لم يكن ثمة استغلال لقوة العمل المحلية وزهيدة الثمن. انقاذ الارض كان شراء الارض، والعمل كان عبريا. هذا ليس استعمارا. ليس هكذا في مستوطنات اليوم التي توجد فيها مؤشرات واضحة للاستعمال. ومن يقارن بين الفترتين، يخدم الفكرة المناهضة للصهيونية.

جربنا خيار الفصل، وسبق لنا أن كنا في هذه القصة، كما سيدعي مؤيدو الضم، إذ في غزة انسحبنا الى خطوط 1967، ومنذئذ الوضع تدهور فقط. فهجر يهودا والسامرة سيجلب الكاتيوشا على المطار. هذا ادعاء صحيح. ولهذا السبب، فان همّ هذا المقال لا يتمثل في رفض الاحتلال. الاحتلال مبرر، طالما لا توجد ترتيبات امنية تمنع تهديد الكاتيوشا او جعل يهودا والسامرة موقعا متقدما آخر لايران. المشكلة هي اقامة دولة واحدة كبرى. وبتعبير آخر: نعم للاحتلال. لا لدولة ثنائية القومية، من خلال توسيع المشروع الاستيطاني.

[**♦♦♦♦*]

كل ما قيل حتى الان لا يؤدي الى الاستنتاج بان «دولة فلسطينية» هي الحل المرغوب فيه. مشكوك فيه أن يكون هناك حق وجود لمثل هذه الدولة، اضافة الى الاردن، الذي هو دولة ذات اغلبية فلسطينية. ومشكوك فيه أن يكون هناك أي فارق بين سكان القطاع وسكان مصر في شمالي سيناء. ضمهم الى مصر، سياسيا وجيوسياسيا، هو تسوية افضل بكثير. غير أن همنا هنا هو الاختيار بين خيارين على الطاولة: دولة يهودية ام دولة ثنائية القومية. رئيس الوزراء يطلب من الفلسطينيين اعترافا بدولة «اسرائيل» كـ «دولة يهودية». غير أن هذا المطلب يجب أن يوجهه نتنياهو لنفسه. فأي دولة يقيمها هنا؟ يهودية أم ثنائية القومية؟ التعريف الذاتي لنا ليس منوطا بالفلسطينيين. يوجد قرار تأسيسي من الامم المتحدة لاقامة دولة يهودية. المشكلة هي مشكلتنا. لا يحتمل أن نكون نحن نطالب بدولة يهودية، ولكن نصر على مشروع ديمغرافي وجغرافي، حسب نظرية المراحل، لاقامة دولة ثنائية القومية. لا تناقض بين يهودية وديمقراطية. يوجد تناقض بين يهودية وثنائية القومية. الاغلبية تريد دولة يهودية. حان الوقت لوقف بناء الدولة ثنائية القومية.

- **«معاريف»



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2176809

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2176809 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40