الاثنين 20 أيلول (سبتمبر) 2010

شروط تصويب المفاوضات

الاثنين 20 أيلول (سبتمبر) 2010 par د. كلوفيس مقصود

... وسوف تستأنف المحادثات في الأمم المتحدة لدى انعقاد الجمعية العامة.. لقد أشرنا في عجالات سابقة إلى أن المحادثات المتواصلة منذ اتفاقيات أوسلو لن تثمر عن أية نتيجة تلبي الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والإنسانية ما دامت «إسرائيل» لا تعترف أنها في الأراضي الفلسطينية المحتلة هي سلطة محتلة. وبالرغم من أننا نشكك بنجاعة هذه المحادثات ومن التطمينات التي يدلي بها المبعوث الأمريكي جورج ميتشل، والتوضيحات التي تقوم بها وزيرة الخارجة هيلاري كلينتون التي بدورها تنطوي على مزيج من التمنيات والتهديدات المبطنة خاصة للطرف الفلسطيني، رغم كل ذلك، فلا مفر من توضيح بعض الأمور المستجدة في المرحلة الراهنة التي تميزت بمبادرة الرئيس أوباما التي تبتعد بشكل متواصل عن كونها تمثل اختراقاً يؤدي إلى ما تعلنه كل الأطراف أنه بعد عام من «المحادثات» سوف يتحقق المبتغى. وبالرغم من أننا نريد ملامح من الإيجابية، حتى نردع التشكيك الملازم لجدوى هذه المحادثات، وحتى لا نكون في حالة مجابهة فكرية أو سياسية لمقولة «الرئيس» محمود عبّاس بأنه لا مفر من «المفاوضات» فنعيد التكرار بأن استعمال مصطلح مفاوضات يبقى عاجزاً عن تلبية أي هدفٍ لقيام دولة فلسطين ضمن الحدود المرسومة بموجب القرارات الدولية ذات الصلة، كون «السلطة» أسقطت بشكل حاسم خيار المقاومة، وبالرغم من قناعتنا بأن المفاوضات إذا استقامت فهي أحد أوجه المقاومة، ولكن جعلها البديل الأوحد عن المقاومة هو مصيدة يوظفها «الإسرائيلي» بغية الحيلولة من دون أن يكون هناك اتفاق مسبق على نتيجة التفاوض بما يلبي بلورة شعار الدولتين إلى حقيقة قانونية على الأرض الفلسطينية.

أعتذر للقارئ باجترار ما أعتقده شروطاً أساسية لاستقامة المحادثات وبالتالي انتقالها إلى مفاوضات، إلا أن استمرار «السلطة الفلسطينية» بالتركيز على جزئيات يفرزها الموقف العدواني «الإسرائيلي» عندئذ يستمر اجترار ما افرزته اتفاقيات أوسلو بشكل متواصل هادر للحقوق المفروض أن يكون قد تم توصيفها بقرارات الأمم المتحدة بأنها غير قابلة للتصرف.

في الأسبوع الماضي حصر التمثيل العربي الداعم «للسلطة الفلسطينية» في الدولتين المطبعتين وبالتالي كانت مطالب مصر والأردن محصورة في الطلب من الإدارة الأمريكية بالمزيد من «الضغط أو الإقناع» ألا يكون هناك أية ذريعة «للسلطة الوطنية» أن تنفذ ما هدد به تكراراً «الرئيس» عبّاس بالانسحاب من «المفاوضات»، بمعنى آخر التهديد بالانسحاب من المفاوضات إذا لم يمدد نتنياهو الاستمرار بتجميد المستوطنات. إذا أصبح مجرد تمديد التجميد هو المعضلة وليس عملية الاستيطان وتكثيف المستوطنات القائمة وبالتالي عند حصر الموضوع في التجميد بدلاً من التفكيك، عندئذ صار هناك رضوخ لمنطق الاستيطان مع رضوخ وحصر المطالبة بتمديد التجميد لمدة ثلاثة أشهر قادمة، هذا ليس تفاوضاً كما أنه ليس حتى محادثة. ونقطة أخرى في هذا الشأن الذي أثير بشكل حاسم يجعل الاعتراف بـ «إسرائيل» دولة قومية للشعب اليهودي كشرط مسبق لأي توجه «إسرائيلي» للقيام «بتنازلات» إنما ينطوي على مخاطر كثيرة، ومنها أنه يسقط حق العودة للاجئين الفلسطينيين بشكل نهائي، ويفعّل قانون عودة اليهود بشكل مكثف ومتواصل، وبمعنى آخر يجعل من الحضور العربي في فلسطين 48 عرضة للمزيد من التمييز العنصري من جهة ولاحتمالات متزايدة للترحيل من جهة أخرى.

ثم كما جعل نتنياهو واضحاً أن مقتضيات الأمن «الإسرائيلي» تأخذ أولوية على ترسيم الحدود، بحيث أن تعريف الأمن لدى «إسرائيل» يتطلب حضوراً عسكرياً داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1967 خاصة في غور الأردن، وبالتالي يجعل من الصواريخ ذريعة لجعل موضوع الأمن طاغياً بشكل يجهض أية سيادة للدولة الفلسطينية على أرضها. ومن الجدير بالذكر هنا أن الدور الأمريكي في رعاية هذه المحادثات كأنه سلّم بالانقسام في الواقع الفلسطيني وأن غزة تبدو كأنها ليست جزءاً ومكوناً أساسياً لفلسطين، وأن اكتفاء «السلطة الوطنية» بالمطالبة برفع الحصار عن غزة بالرغم من صحة الطلب، إلا أنه يبدو أنه لا يطالب بالوقت نفسه بأن «إسرائيل» تعتبر قطاع غزة «كيانا عدائياً». وجعل بند الأمن «الإسرائيلي» شرطاً مسبقاً على بند الحدود للدولة الفلسطينية ينطوي بالضرورة على إبقاء موضوع الحدود مغيباً إلى أن يتم الاتفاق على مستلزمات ما تعرف عنه «إسرائيل» بكلمة «أمنها» وما ينطوي عليه من تآكل في مفهوم السيادة الفلسطينية، معنى ذلك أنه في أحسن الاحتمالات فإن تعريف «إسرائيل» لدولة فلسطينية لا يشير مطلقاً إلى وحدة الأرض، بل على سيادة منقوصة لأن حدودها ترسمها «إسرائيل» نفسها كون الأولوية لأمنها وليس لحدود دولة فلسطينية كما يقرها القانون الدولي والقرارات ذات الصلة.

يضاف إلى ذلك الغموض التام الذي يكتنف مصير القدس الشرقية على الأقل، والتي يبدو أنها لم تندرج في المحادثات التي حصلت في واشنطن وشرم الشيخ وفي القدس، بل إن نتنياهو أراد أن يضع على الطاولة علم فلسطين عندما زاره «الرئيس» عبّاس وكأن هذه جائزة تعويض، لأن العلم على الطاولة رافقه مزيد من عمليات التهويد وهدم البيوت في القدس الشرقية. الأهم من كل هذه العراقيل والشروط وحتى ما يقوله «الرئيس» عبّاس من «تهديدات» إذا لم يجمد الاستيطان، والقبول بثلاثة أشهر نتيجة اقتراحات قام بها الرئيس مبارك، ألا يجوز لنا جميعاً كما يجوز «للرئيس» عبّاس أن نسأل ماذا سوف يحصل بعد الثلاثة أشهر في ما يتعلق بمصير الاستيطان، ولماذا نبقى مترددين، في جعل التجميد هدفاً بدلاً من أن يكون التفكيك هو المطلوب، أنا أشير إلى هذه المفارقات التي جعلت من مسيرة السلام مسيرةً للتسويف والتأجيل وبالتالي لمزيد من التآكل لما أشرنا إليه من حقوق فلسطينية، وأشد إيلاماً من ذلك أن هذه المحادثات صارت المسماة خطأً مفاوضات «الحائط العنصري» الحائل دون أية إمكانية أو فرصة إلى لجوء عربي باتجاه مجلس الأمن، لأن سيف حق «النقض» الأمريكي بات مصلتاً لحماية الاستمرار في ما يسمى مسيرة السلام وأن لا حقوق للشعب الفلسطيني بموجب القانون الدولي والقرارات الأممية، وكذلك قرارات القمة العربية من جراء الإصرار الأمريكي على أن تبقى واشنطن وحدها ممسكة بمسيرة «عملية السلام». أمام هذا الواقع يجب ألا تستأنف أية محادثات من هذا النوع إلا عندما تتم وحدة المرجعية الفلسطينية، وأن يكون في التمثيل الفلسطيني حضور من كل قطاعات فلسطين، من القدس والضفة وغزة وممثلين للاجئي الشتات، بما يعني هذا ترسيخ المرجعية الفلسطينية وتأكيدها وتشريعها وهي المؤهلة شرعياً لأن تفاوض وتوضح مطالبها بشكل حاسم، وأن يسترجع العرب أنظمةً وحكوماتٍ وشعوباً الدعم الكامل دبلوماسيا وسياسياً واقتصادياً وأخلاقياً لتحقيق النقلة من محادثات السلطة إلى مفاوضات المرجعية الفلسطينية الموحدة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 49 / 2165399

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165399 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010