الأربعاء 22 أيلول (سبتمبر) 2010

حصانة أمريكية لـ «إسرائيل» حتى في جرائم البيئة

الأربعاء 22 أيلول (سبتمبر) 2010

«عندما لا يكون ضحايا تسرب نفطي ضخم غالبية من سكان بيض على طول السواحل الشمالية لخليج المكسيك، وإنما عرباً يعيشون في شرق المتوسط، فإن رد فعل الكونغرس وأنصار البيئة يكون مختلفاً جداً».

هذه الفقرة وردت في مقال للباحث الأمريكي ستيفان زونس نشره في موقع «زي نت» (بتاريخ 12 سبتمبر (أيلول) 2010)، وتحدث فيه عن «عنصرية بيئية»، مقارناً بين ردود الفعل في الكونغرس الأمريكي على كل من التسرب النفطي الأخير في خليج المكسيك، والتسرب النفطي الذي تسببت به «إسرائيل» خلال حرب يوليو (تموز) 2006. وزونس هو حالياً بروفيسور العلوم السياسية في جامعة سان فرانسيسكو، وهو باحث في العلاقات الدولية، متخصص في شؤون «الشرق الأوسط»، كما أنه من منتقدي السياسة الأمريكية في المنطقة ويدعو إلى سلام فلسطيني «إسرائيلي» يستند إلى القانون الدولي. وقد كتب في هذا المقال يقول :

القياديون الديمقراطيون في الكونغرس غاضبون على شركة «بريتش بتروليوم» وآخرين مسؤولين عن التسرب النفطي في خليج المسكيك. ولكن هذا الموقف يتناقض بحدة مع دعمهم الصريح لأولئك المسؤولين عن تسرب نفطي كبير في شرق المتوسط عام 2006، وهو الأكبر في تاريخ المنطقة.

في يومي 13 و15 يوليو (تموز) من ذلك العام، كانت الطائرات «الإسرائيلية» تشن حملة قصف كبرى لتدمير البنية التحتية المدنية في لبنان، فقصفت خزانات الوقود في محطة الجية للكهرباء الواقعة على الساحل قرب بيروت، ما أدى إلى تسرب ما بين عشرة آلاف وخمسة عشر ألف طن من النفط إلى البحر. وأخذت بقعة نفطية ضخمة تمتد شمالاً بفعل تيارات البحر المتوسط، مما تسبب بتلوث السواحل اللبنانية والسورية وصولاً حتى قبرص وتركيا. وفي تلك الأثناء، كانت ترسبات كبيرة من المكونات الأكثر كثافة للنفط الثقيل تهبط إلى قاع البحر لتشكل طبقات سمية سوداء وتقتل الحياة البحرية هناك.

وفي الوقت ذاته، كان الحصار البحري الذي ضربته «إسرائيل» على الساحل اللبناني قد جعل من المستحيل القيام بعملية المكافحة العاجلة، اللازمة خلال الساعات والأيام الأولى للكارثة. والغارات الجوية «الإسرائيلية» في المحيط المباشر للتسرب النفطي منع فرق الإطفاء وآخرين من الوصول إلى موقع الكارثة، فيما منعت الأضرار التي لحقت بالطرقات والجسور نتيجة غارات أخرى فرق المكافحة من التعامل مع البقعة النفطية المتعاظمة.

وبدعم من الحزبين في الكونغرس، أعاقت إدارة بوش طوال خمسة أسابيع جهوداً في الأمم المتحدة كانت تسعى لفرض وقف لإطلاق النار. وهكذا فإن العمليات الشاملة لاحتواء وتطهير التسرب لم تبدأ حتى وقت متقدم من شهر أغسطس (آب) أي في وقت كان التسرب قد امتد لمسافة مئات الأميال. ونتيجة لذلك، أمكن بعد شهرين من التسرب إزالة 3% فقط من النفط. وتطلب الأمر ستة أشهر أخرى لمجرد احتواء التسرب، وسنة بأكملها حتى تم تنظيف معظم الشواطئ في عمليات قام بها أساساً متطوعون شبان في المناطق المتضررة.

وقد وصف وزير البيئة اللبناني يعقوب صراف التسرب بأنه «أكبر كارثة بيئية في تاريخ لبنان»، مشيراً إلى أنه تسبب بمقتل أعداد كبيرة من الكائنات البحرية.

وقدرت أتلاف الكارثة، من حيث خسائر قطاعي الصعيد والسياحة وكذلك كلفة التنظيف، بحدود 200 مليون دولار. ومع أن الولايات المتحدة هي التي زودت «إسرائيل» بالطائرات والذخائر التي تسببت بالتسرب النفطي، فإن الحكومة الأمريكية رفضت المساهمة بأكثر من خمسة ملايين دولار في مجهود التنظيف.

والأضرار البيئية لم تقتصر على التسرب النفطي. إذ إن مجمل طاقة استيعاب خزانات الوقود في محطة الجية كان يبلغ نحو 75 ألف متر معكب. ولم يتسن إنقاذ شيء من هذا المخزون، ما يعني أن ما لم يتسرب منه إلى الأرض والبحر قد احترق. وقد استمر الحريق عشرة أيام، وأطلق سحباً من الدخان السمي في أجواء المنطقة المحيطة، بما فيها بيروت الكبرى، حيث يزيد عدد السكان على المليونين. وسحب الدخان الأسود كانت مرئية من مسافة 40 ميلاً. وترسبات الرماد غطت منطقة واسعة، ووصلت سماكلتها في بعض الأماكن إلى أكثر من 30 سنتميتراً.

وفي الكونغرس، أدرك معظم الديمقراطيين حجم كارثة خليج المكسيك، وكانوا صريحين في تنديدهم بشركة «بي بي» وآخرين مسؤولين. وعلى سبيل المثال، صرح النائب عن إيلينوي يان تشاكوفسكي بأن «الكارثة البيئية في منطقة الخليج هي كارثة ذات أبعاد توراتية، وتأثيراتها الاقتصادية والنفسية في الناس كانت أكثر من مدمرة»، وشدد على أن «الأطراف المسؤولة يجب أن تحاسب». وبالمثل، صرحت النائبة عن كولورادو ديانا دوغيت بالقول إن «هذه كارثة بيئية هائلة سيتعين علينا أن نعيش ونتعامل معها لسنوات عديدة قادمة .. ونحن سنمارس بالتأكيد ضغطاً على «بريتش بتروليوم» وسنضمن حصول المتضررين على تعويضات مناسبة». وشدد أعضاء كثيرون آخرون في الكونغرس، مثل زعيم الأغلبية في مجلس النواب جيم كلايبورن، والنائبة عن كونكتكيت روزا ديلارو بأنه لابد من محاسبة الشركات المسؤولة وجعلها تدفع تعويضات.

غير أنه عندما لا يكون ضحايا تسرب نفطي ضخم غالبية من سكان بيض على طول السواحل الشمالية لخليج المسكيك، وإنما عرباً يعيشون في شرق المتوسط، فإن رد فعل الكونغرس وأنصار البيئة يكون مختلفاً جداً. فقد انضم تشاكوفسكي، ودوغيت، وكلايبورن، وديلارو ومعم الأغلبية الساحقة من زملائهم الديمقراطيين في مجلس النواب إلى نظرائهم الجمهوريين ليس في رفضهم للمطالبة بمحاسبة «إسرائيل» فقط، وإنما في الدفاع عن الاعتداء «الإسرائيلي» أيضاً. ومثل معظم أهداف الحرب «الإسرائيلية» على لبنان ذلك الصيف، فإن محطة كهرباء الجية وخزانات وقودها لم يكن لها أي صلة بـ «حزب الله» الهدف المزعوم للغارات «الإسرائيلية». ولكن بعد يومين فقط من قصف المحطة وما نجم عنه من تسرب نفطي، تبنى مجلس النواب بأغلبية 410 أصوات ضد 8 قراراً يصف الهجمات «الإسرائيلية» بأنها «عمل ملائم للدفاع عن النفس». بل إن الكونغرس ذهب بعيداً إلى حد الزعم بأن مثل هذه الهجمات ضد البنية التحتية المدنية للبنان «تنسجم مع القانون الدولي».

غير أن مثل هذا الجزم يتعارض مع إجماع عريض بين المراجع القانونية الدولية. وعلى سبيل المثال، استخلصت منظمة العفو الدولية، بعد أبحاث وتحليلات شملت مراجعة للتفسيرات «الإسرائيلية» لقوانين الحرب، أن «القوات «الإسرائيلية» ارتكبت انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان الدولية وللقانون الإنساني».

وأعلن الصليب الأحمر الدولي، المعترف به منذ أمد بعيد بأنه حارس اتفاقيات جنيف حول إدارة الحرب، إن «إسرائيل» خرقت مبدأ التناسب المنصوص عليه في هذه الاتفاقيات، وانتهكت خطر العقاب الجماعي أيضاً. كما أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان لويز آربور التي تولت منصب المدعي العام في المحكمتين الدوليتين لجرائم الحرب في رواندا ويوغوسلافيا السابقة أعلنت أن الحكومة «الإسرائيلية» ارتكبت جرائم حرب، في حين أن يان ايغلاند، رئيس عمليات الإغاثة في الأمم المتحدة، اعتبر أن «الرد غير المتناسب» من قبل «إسرائيل» على استفزازات «حزب الله» مثل الهجوم على محطة الجية كان «انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي».

وقرار مجلس النواب الأمريكي أصر أيضاً على أن الهجمات «الإسرائيلية» على لبنان كانت منسجمة مع البند 51 من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يقر حق الدفاع عن النفس. ولكن أياً من مكاتب الكونغرس التي اتصلت بها لم يستطع أن يشرح كيف يمكن لهذا النوع من الحرب البيئية أن يشكّل دفاعاً مشروعاً عن النفس.

علاوة على ذلك، توضح قراءة ميثاق الأمم المتحدة أن البند 33 يقضي بأن على الأطراف أن «تسعى أولاً إلى حل عن طريق التفاوض، والتحقق، والوساطة، والمصالحة، والتحكيم، والتسوية القضائية، واللجوء إلى ترتيبات أو إلى وكالات إقليمية، أو وسائل سلمية أخرى تختارها هي». وهذا ما رفضت «إسرائيل» أن تفعله.

لقد صرح النائب الديمقراطي عن كونكتكيت جون لارسون، في معرض حديث عن الجمهوريين المدافعين عن شركات البترول الكبرى، بالقول «لا أفهم كيف يمكن لأي شخص أن يدعم في مثل هذا الوقت رئيس شركة «بريتيش بتروليوم» ضد ضحايا التسرب النفطي في الخليج؟». ولكن النائب لارسون لم يستطع أن يشرح كيف أمكنه هو وزملاؤه الديمقراطيون أن يدعموا الحكومة «الإسرائيلية» في هذا العمل الشائن من الحرب البيئية.

والمفارقة أن استعداد مثل هؤلاء البرلمانيين لقبول مثل هذا التدمير البيئي على نطاق واسع وجرائم حرب أخرى باعتبارها دفاعاً مشروعاً عن النفس، لم يدفع أية منظمات بيئية كبرى أو أنصار ليبراليين آخرين إلى سحب تأييدهم لهؤلاء البرلمانيين. وبدلاً من ذلك، أيدت منظمات بيئية بارزة إعادة انتخاب أعداد كبيرة من الديمقراطيين الذين دعموا هجمات «إسرائيل» على لبنان. وهذا وجه رسالة تفيد بأنه لا داعي لأن يقلق السياسيون الذين يدافعون عن تخريب بيئي خطر بشأن عواقب سياسية لأفعالهم.

إن أحد أهم دروس حماية البيئة هو فهم الترابط بين الأنظمة البيئية في العالم كله : فنحن نعيش على كوكب واحد.

واستعداد هذا العدد الكبير من الديمقراطيين في الكونغرس الذين يبرون في عين أنفسهم، والذين شجبوا شركة «بريتش بتروليوم» لتسببها بتسرب نفطي ضخم على سواحل أمريكا، ثم دافعوا عن تدمير وحشي تم باستخدام أسلحة قدمتها الولايات المتحدة وسبب تسرباً نفطياً ضخماً ألحق ضرراً بأناس غير بيض يعيشون على سواحل أجنبية، يمكن أن يكون مؤشراً على نوع من عنصرية بيئية.

إذا كنا نريد أن يبقى كوكبنا حياً، فلابد أن يدافع كل السياسيين والمنظمات التي تسمي نفسها حامية للبيئة عن البيئة، مهما تكن الأوضاع الجغرافية والسكانية لمنطقة معينة، وكائناً مَن كان الضحايا المباشرين لتدمير البيئة.

- **المصدر : صحيفة «الخليج» الاماراتية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165493

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165493 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010