السبت 8 أيار (مايو) 2010
خيارات مستقبلية صعبة في صراع الشرق الأوسط وخارجه

دراسة سلسلة تنبؤات استخبارية الميول الاستراتيجية في قضايا الأمن الدولي* لعام 2010

السبت 8 أيار (مايو) 2010

تقديم عن الدراسة:

هذا الإصدار عن مركز الدراسات الأمنية في زيوريخ سنوي، ويقرأ بصورة كليّة إتجاهات السياسات الدولية في شؤون مرتبطة بأمن واستقرار مصالح القوى الكبرى في النظام العالمي القائم حالياً. تنبع أهمية هذه الترجمة في أمرين، الأول أنها صادرة عن مركز يخدم صناعة القرار السياسي والأمني في الاتحاد الأوروبي والناتو. والثاني أنها تستقرأ توجهات هذه القوى في العام المقبل بشكل شامل لا يخرج عن مسارات الأحداث في الصراعات القائمة سواء في القضية الفلسطينية أو حربي العراق وأفغانستان. ويمكن للقارئ أن يتبيّن ذلك من خلال الفصل الأول الذي يستقرئ أحداث العام 2009 وينطلق منها لاستقراء ميول السياسية الدولية استراتيجياً في العام 2010. وانطلاقاً من حرص المركز على تقديم الفائدة المباشرة للقراء الكرام، آخذين بعين الاعتبار اهتماماتهم، تم انتقاء ثلاثة فصول من أصل ستة لترجمتها من هذه الدراسة، وهي الفصل الأول (الملخص التنفيذي)، والفصل الثالث (تحوّل السياسة الخارجية الأمريكية)، والفصل السادس والأخير (أزمة إدارة الأزمات لدى القوى الدولية). في حين تم استثناء كل من الفصل الثاني (تداعيات الأزمة الاقتصادية)، والفصل الرابع (نزع التسلّح دولياً) والفصل الخامس (أمن الطاقة في العالم).

بطـاقـة التـعـريـف بالـتـرجـمـة

- العنوان الأصلي: الميول الاستراتيجية لعام 2010: التطورات الرئيسية في القضايا العالمية

- المؤلفين: دانيال مُوْكلي، ماثيو هلبيرت، بريم ماهاديفان، ألكساندرا داير

- جهة الإصدار: مركز الدراسات الأمنية في زيوريخ، سويسرا

- تاريخ الإصدار: شباط/ فبراير 2010

- جهة إصدار الترجمة: مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية

- تاريخ إصدار الترجمة: 22 آذار/ مارس 2010

الفصل الأول: الملخّص التنفيذي: نظرة شاملة على العالم في عام 2010

كان عام 2009 عامَ أزمة. وهذا ينطبق على التحديات المالية بقدر ما ينطبق على التحديات في مجالات الطاقة وانتشار الأسلحة وغيرها من القضايا الأمنية الملحّة. وبالانتقال إلى عام 2010، نلاحظ أن هناك تبايناً متزايداً بين حجم الأزمات العالمية والردّود السياسية التي أفرزتها هذه الأزمات. فالأفكار المبتكرة إما أنها غابت كما في حالة السياسة الخارجية الأمريكية، أو أنه تبين أن تنفيذها عملية صعبة. ومع انتقال القوة من الغرب إلى الشرق بالتدريج، بات التوصل إلى حلول ناجعة للمسائل التي تتعلق بالحكم على الصعيد العالمي معقداً أكثر من أي وقت مضى.

برز ميلان أساسيان في صياغة الشؤون العالمية مؤخراً (عام 2009). الميل الأول هو الأزمة المالية والتراجع الاقتصادي الدولي الذي طال دولاً وتوازنات القوى الإقليمية في مختلف أنحاء المعمورة. وفي حين تباينت هذه التأثيرات بدرجة كبيرة، بيد أن أخطر عواقب الأزمة المالية من وجهة نظر استراتيجية هو تأثيرها المتسارع في انتقال القوة على المدى البعيد من الغرب إلى الشرق، وإلى الصين على الخصوص. صحيح أن قضية الإرهاب الإسلامي والردّ الأمريكي عليه استحوذ على أغلب الانتباه في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنّ الأزمة المالية كشفت وجود تشتت جاري ومتنامٍ للقوة نتيجة للعولمة. ولا بدّ وأنه سيكون لهذه العملية وقع عميق على العالم. وستصبح الحاجة إلى تكيّف النظام الدولي بحيث يستوعب الصين والاقتصادات الناشئة الأخرى ملحّة على نحو متزايد مع تحوّل المكاسب الجيوسياسية إلى رأس مال جيوسياسي على المدى البعيد.

والميل الثاني هو أن السياسة الخارجية الأمريكية شهدت عملية إعادة صياغة هامة في ظل باراك أوباما الذي تولّى الرئاسة في كانون الثاني 2009.

صحيح أنه لا يزال للإرهاب الإسلامي والحربين اللتين خلّفهما الرئيس السابق جورج بوش أولوية قصوى في الأجندة الأمنية لأوباما، لكنّه تخلى عن مفهوم “الحرب على الإرهاب”، وبذل جهوداً للتواصل مع العالم الإسلامي، وحوّل الانتباه من “الحرب بالاختيار” في العراق، إلى “الحرب العادلة” في أفغانستان. وفيما يتعلق بانتشار الأسلحة النووية، اقترح أوباما مقاربات جديد أيضاً، مركّزاً على سياسة قائمة على الحوار مع إيران، والسعي لتعزيز ضوابط منع الانتشار من خلال التزام أمريكي قوي بنزع الأسلحة النووية. كما أنه بنعته نفسه بأنه “أول رئيس لأمريكا من الباسيفيك”، يكون قد شرع في إكمال شبكة حلفاء الولايات المتحدة التقليدية التي يهيمن عليها الغربيون بعلاقات أقوى مع الصين ومع القوى الناشئة الأخرى في الشرق، مع تجسير العلاقة مع روسيا في الوقت نفسه. وبدرايته الجيدة بمحدودية قوة الولايات المتحدة في العالم الناشئ المتعدد الأقطاب، جعل من حل المشكلات بطريقة تعاونية ركيزة سياسته الخارجية. على أنه برغم أن أوباما أطلق العديد من العمليات والتطورات الجديدة خلال سنته الأولى في الحكم، لم تحقق استراتيجياته نتائج جوهرية تتناسب مع المصالح الأمريكية.

ينبغي أن نشير إلى تطورات رئيسية أخرى تجاوزت هذين الميلين الرئيسيَّين وتأثرت بهما جزئياً، ثلاثة منها تتعلق بالتحديات التي تواجه ممارسة الحكم على الصعيد العالمي:

1. فلا يزال أمن الطاقة يكتسب أهمية في الأجندة السياسية، مع اتساع الهوة بين المنتجين والمستهلكين، وكذلك داخل كل من هذه المعسكرين.

2. وبات هناك اعتراف متنامٍ بالتغير المناخي باعتباره قضية عالمية خطيرة، لكن مع غياب أي نظام دولي فاعل للتعامل معه على المدى المنظور بسبب اختلاف القوى الرئيسية على الأولويات والمسؤوليات والتدابير الملموسة.

3. ثالث هذه التحديات هو “أزمة إدارة الأزمات” المتفاقمة في سياق التعامل مع الصراعات العنيفة. فضعف الإرادة السياسية، والعجز المؤسساتي، ونقص الإمكانات العملانية هي المشكلات الرئيسية. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن تلمّس تطورات إقليمية معيّنة ستبقى على الأرجح في صدارة الأجندة السياسية في سنة 2010 في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وآسيا.

سنستعرض في هذا الفصل مراجعة موجزة لكافة هذه التطورات. ثم نعاين في الفصول التالية بمزيد من التفصيل الميول الاستراتيجية الرئيسية الخمسة في سنة 2010 كما حددها مركز الدراسات الاستراتيجية. يحلل الفصل الثاني التأثيرات الجيوسياسية للأزمة العالمية، ويستعرض الفصل الثالث سياسة أوباما الخارجية في أفغانستان وفي الشرق الأوسط، ويقيّم الفصلُ الرابع الصلة بين منع انتشار الأسلحة ونزع الأسلحة، ويعاين الفصل الخامس الشعور القومي المتفشي الذي يجتاح أجزاء واسعة من العالم، ويتحدث الفصل السادس أخيراً عن أزمة إدارة الأزمات. [المترجم: الترجمة كانت انتقائية من هذا الكتاب فتم ترجمة كل من الفصل الأول والثالث والسادس فقط .]

يُظهر هذا الاستعراض الشامل والفصول التالية أن الصورة الاستراتيجية الحالية متلازمة في الأغلب مع حسّ عميق بوجود أزمة. لكن في حين يوجد الكثير من الكلام عن الحاجة إلى التغيير، من النتائج التي توصل إليها هذا الكتاب أن الحكومات تتبنّى ردوداً سياسية تقليدية في الأغلب. فالأفكار المبتكرة إما أنها غائبة كما في حالة السياسة الخارجية الأمريكية، أو تبين أن تنفيذها عملية صعبة بطرق تغيّر الوضع الراهن فعلاً. ومع تزايد تعقيد السياسات العالمية، ازدادت القوة تشتتاً، وهو ما يجعل التوصل إلى استراتيجيات مقنعة للتعامل مع أزمات سنة 2010 أكثر تطلباً.

الميلان الرئيسيان في عام 2009

يمكن القول بأن الأزمة المالية وإعادة صياغة السياسة الخارجية الأمريكية شكّلا المَيلين الاستراتيجيَّين الحديثَين الأكثر بروزاً. ذلك أنه منذ أن أطلقت وال ستريت شرارة الأزمة المالية، يمكن المجادلة بأن الولايات المتحدة تقف في صلب كِلا المَيلين. وهذا يفسر جزئياً سبب وجود مستوى عالٍ من التفاعل بينهما. لكن قبل أن نعاين الأزمة المالية والتغيرات في السياسة الخارجية الأمريكية بمزيد من التفصيل، يجدر بنا إلقاء نظرة خاطفة على هذا التفاعل أولاً.

كان للأزمة المالية من ناحية تأثير كابح للسياسة الخارجية لأوباما. صحيح أن الرئيس الأمريكي الجديد وضع أجندة طموحة للسياسة الخارجية، بيد أن معالجة الأزمة المالية والشروع في إصلاحات داخلية استحوذت على جزء كبير من اهتمامه خلال سنته الأولى في الحكم. وبالإضافة إلى ذلك، تعمل نتائج الأزمة المالية، مثل العجز المالي المتفاقم، وانشغال الناخبين بالقضايا المحلية، والتحولات المتسارعة للقوة نحو الشرق، على إضعاف قدرة الولايات المتحدة على مواصلة العمل كضامن للأمن العالمي. وقد نتج عن كل من التوجه نحو مزيد من التعاون وتبنّي سياسة خارجية أمريكية جامعة قرار استراتيجي بزيادة سريعة في عدد الجنود في أفغانستان، لكنّ البدء بسحبهم في وقت مبكر في منتصف سنة 2011 يعكس جزئياً على الأقل إدراك أوباما للمحدودية المتأصلة في قوة الولايات المتحدة اليوم.

ومن ناحية أخرى، كان للطريقة التي عالجت بها الولاياتُ المتحدة الأزمةَ المالية دور كبير في عدم تحوّل التباطؤ الاقتصادي إلى ركود عالمي شديد، حيث أدت إجراءات تثبيت الاستقرار عملها بشكل جيد. ولو أن وال ستريت استعدت من بداية الأزمة المالية، للعبت واشنطن دوراً كبيراً في تخفيف حدتها. لكنّ حزم الإنقاذ المالية التي خُصصت للمصارف والرزم التحفيزية الضخمة التي بلغت 787 مليار دولار، إلى جانب الرزم التحفيزية الضخمة التي أُنفقت في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والاقتصادات الناشئة، حققت عائدات على صعيد النمو في العديد من الاقتصادات مع نهاية سنة 2009. ولا يزال السؤال مطروحاً عن مدى مساهمة هذا التطور الإيجابي في حمل الولايات المتحدة والحكومات الأخرى على اختيار تجاهل تطميناتها السابقة بإعادة كتابة القواعد التي تفصل بين السياسة والسوق وإعادة هيكلة النظام المالي العالمي.

الأزمة المالية

شهد العالم في السنتين المنصرمتين أعنف أزمة مالية منذ الكساد الكبير. فبعد أن انطلقت شرارة الأزمة بفعل فورة سوق الإسكان بالولايات المتحدة، وقعت أزمة خانقة طالت سوق الائتمان، والرساميل، والثقة في القطاع المصرفي، وهو ما زاد من حدّة التراجع الاقتصادي الذي كان قد بدأ أصلاً. وكانت النتيجة ركوداً عالمياً تميّز بتراجع ملحوظ في النشاط الاقتصادي، وارتفاع نسبة البطالة، وتراجع حادّ في التجارة العالمية، وانخفاض شديد في ثروات المستهلكين وطلبهم. وبحسب تقديرات حديثة، انكمش الاقتصاد العالمي بنسبة 8 في المئة بسبب الأزمة، وهو التراجع الأشد منذ الحرب العالمية الثانية.

عكست الأزمة المالية والتراجع الاقتصادي مدى ترابط الاقتصاد العالمي في مستهل القرن الحادي والعشرين والمخاطر ونقاط الضعف التي تصاحب النظام الاقتصادي العالمي المتحرر من القيود. تجدر الإشارة إلى أن العديد من الدول الفقيرة التي لم تملك القدرة على التخفيف من تأثيرات الأزمة كانت الأشدّ تضرراً. وعلى الرغم من أن أغلب الاقتصادات الناشئة عانى من بعض الرضوض، فقد أثبتت أنها كانت أكثر مرونة منها في أزمات الركود السابقة. وهنا، يبرز الاقتصاد الصيني بتعافيه السريع على الخصوص من الأزمة، بحيث يُتوقَّع أن يقفز معدل نموه فوق عتبة التسعة في المئة وأن يشكل أكثر من 25 في المئة من النمو الاقتصادي العالمي في سنة 2010.

تميّزت الدول الغربية على الخصوص بنشاطها في إدارة الأزمة وفي توظيف المال العام لكبح التراجع الاقتصادي. على أن العديد من هذه الدول يواجه مستقبلاً مروّعاً بما أنها تواجه الآن عجزاً كبيراً في الميزانية وارتفاعاً شديداً في مستويات الاستدانة في حين يبقى الطلب الاقتصادي هشاً ومعتمداً على التدخل الحكومي. لذلك، تعزز الأزمةُ المالية الميل البعيد المدى لتحول القوة الجيوسياسية من الغرب إلى الشرق. وباتت الصين مهيأة لمواصلة ارتقائها بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً، بشرط أن تتمكن من التعامل مع تحدياتها الاجتماعية الاقتصادية المحلية الهائلة. وبرغم أن الصين لا تزال بعيدة جداً عن تخطي الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، فسوف تتجاوز اليابان لتصبح صاحبة أكبر اقتصاد في العالم في سنة 2010. ويُتوقع أن تحقق اقتصادات آسيوية ناشئة أخرى، مثل الهند وإندونيسيا، المزيد من المكاسب على حساب الغرب أيضاً. كما ستواصل قوى مثل البرازيل زيادة حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مما يدفع العالم أكثر نحو اقتصاد متعدد الأقطاب في المستقبل.

يوجد حاجة إلى تكييف المخططات التوجيهية العالمية العائدة إلى القرن العشرين مع الحقائق الجيواقتصادية والجيوسياسية المتغيرة. وما من شك في أن البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي ومجلس الأمن الدولي سيرزحوا تحت مزيد من الضغوط للتغيير، لكنّ التحول الحقيقي الذي نشهده إلى الآن هو من مجموعة الدول الثماني إلى مجموعة الدول العشرين بوصفها المنتدى الاقتصادي العالمي المهيمن. وبرغم أن مجموعة الدول العشرين لا تزال حيوية في تنسيق الردّ قصير المدى على الأزمة، فقد فشلت في التوصل إلى إجماع على إصلاح النظام المالي الدولي. وبما أنه يُستبعد أن تُترجَم الشرعية الكبيرة إلى فاعلية كبيرة، من المحتم أن تلعب مخططات توجيهية أخرى، ذات عضويات متباينة تميل إلى التركيز على قضايا معيّنة، دوراً هاماً. وتقدم لنا المشاورات التي جرت بين الدول الخمس وهي الولايات المتحدة والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا حول السياسة المناخية مثالاً جيداً على ذلك. وبالمقابل، تبدو المحادثات الثنائية غير الرسمية بين واشنطن وبيجين، التي احتلت الصدارة في التوجيه العالمي، سابقة لأوانها.

إعادة صياغة السياسة الخارجية الأمريكية

كان الميل الرئيسي الثاني لتحول السياسة الخارجية الأمريكية أكثر تأثراً بالدول منه بالأزمة المالية. لقد فاز باراك أوباما بالرئاسة بناء على برنامج سياسي يعِد بالتغيير. وعندما تولّى الحكم، بادر إلى إعادة توجيه السياسة الخارجية الأمريكية، مكيّفاً إياها مع بيئة متغيرة، ومعلناً القطيعة لإرث سيء السمعة تركه سلفه جورج دبليو بوش.

يواجه أوباما تحديات عويصة في السياسة الخارجية. فعلى صعيد الحربين اللتين ورثهما من بوش، يتميز العراق بتحسن وضعه الأمني، لكن بمستقبل سياسي محفوف بالكثير من الشكوك، في حين أن الوضع في أفغانستان تدهور بشكل خطير في السنين الأخيرة.

ولا يزال الإرهابيون الإسلاميون يشكلون تهديداً خطيراً لأمن الولايات المتحدة بعد أن أثبت تنظيم القاعدة مرونة في العثور على ملاذات آمنة جديدة وبعد أن نجح في تحويل نفسه من تنظيم إلى حركة إيديولوجية قوية تُلهم الشبكات الجهادية الأخرى بالإضافة إلى الإرهاب المحلي.

والمحاولة التي قام بها “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب”، وهي جماعة تتخذ من اليمن والسعودية قاعدة لها، لتفجير طائرة ركاب أمريكية في المجال الجوي الأمريكي في كانون الأول 2009 مؤشر على الخطورة الباقية للتحدي الإرهابي وعلى الصعوبات المستمرة التي تواجهها الولايات المتحدة في محاولة إقرار سياسات فاعلة لمكافحة الإرهاب.

وفيما يتعلق بانتشار الأسلحة النووية، حافظت إيران وكوريا الشمالية على موقفهما المتحدي للدعوات التي أطلقها مجلس الأمن الدولي لوقف كافة النشاطات النووية، ولنزع الأسلحة النووية في حالة بيونغ يانغ. وفي هذا الصدد، واصلت طهران تخصيب اليورانيوم، وشيّدت سراً منشأة معالجة أخرى تصدّرت عناوين الأخبار الدولية في أيلول 2009.

كما أجرت مزيداً من التجارب الصاروخية. وجددت كوريا الشمالية التأكيد على مكانتها كدولة تملك أسلحة نووية في كانون الثاني 2009 ورفضت بعد ذلك أي ربط بين مسألة تطبيع العلاقات الدبلوماسية الأمريكية- الكورية الشمالية ونزع الأسلحة النووية، لكنها عادت وتراجعت عن هذه السياسة ودعت إلى إجراء مفاوضات جديدة في مستهل سنة 2010.

وفي هذه الأثناء، أطلقت صاروخاً بالستياً متعدد المراحل في نيسان 2009، وأجرت تجربة نووية ثانية في أيار، وأطلقت صواريخ قصيرة المدى في تشرين الأول. القاسم المشترك بين إيران وكوريا الشمالية هو أن كلتا الدولتين تقدّم تنازلات بين الحين والآخر لكسب مزيد من الوقت، لكنها تعمد إلى التخلي السياسي عن هذه الاتفاقات لكسب موقع أفضل.

جدول رقم 1: تأثير أوباما: تصنيف تقدير الولايات المتحدة بالنسب المئوية
2002 2005 2007 2009
بريطانيا 75 55 51 69

فرنسا 62 43 39 75

ألمانيا 60 42 30 64

إسبانيا - 41 34 58

روسيا 61 52 41 44

تركيا 30 23 9 14

الأردن 25 21 20 25

فلسطين - - 13 15

إسرائيل - - 78 71

الصين - 42 34 47

باكستان 10 23 15 16

نيجيريا 79 - 70 79

- المصدر: بركز بيو للبحوث

ورث أوباما أيضاً توترات شديدة في العلاقات مع روسيا، فالعلاقات مع الصين لم تكن خالية من التوتر هي الأخرى باعتبار أن بوش رأى في بيجين منافساً استراتيجياً وأزعج القيادة الصينية على نحو متكرر بتعليقاته الخاصة بتايوان والديمقراطية وحقوق الإنسان. وعلى رأس كافة هذه التحديات، وصلت سمعة الولايات المتحدة إلى الحضيض عندما تولى أوباما الرئاسة.

سعى أوباما لمواجهة كافة هذه التحديات باعتماد أسلوب جديد في السياسة الخارجية وتبنّي العديد من الاستراتيجيات الجديدة. على صعيد الأسلوب، يتبنّى في السياسة الخارجية مقاربة تعاونية جامعة تشدد على قيم الدبلوماسية والمسؤولية المشتركة. فبدلاً من فرض الحلول على الآخرين، كرر الدعوة إلى “مرحلة جديدة من المشاركة مع العالم بناء على المصالح المتبادلة وعلى الاحترام المتبادل”، مصوّراً الولايات المتحدة كشريك بدلاً من قائد متسلّط. وبتبنّيه موقفاً واقعياً براغماتياً، دعا إلى محاورة الأنظمة العدائية عازماً على منحهم بديلاً عن العزلة.

كما زاد في التشديد على المؤسسات متعددة الأطراف، باعتباره أول رئيس أمريكي يترأس اجتماعاً لمجلس الأمن الدولي في 24 أيلول 2009، وإعلانه انضمام الولايات المتحدة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ودعوته إلى استئناف مشاركة الولايات المتحدة في التعددية الإقليمية في شرق آسيا. كما أنه طرأ تغيير على النبرة وعلى الرمزية. فقد استبدل الرئيسُ الأمريكي عبارة “الحرب على الإرهاب” الباعثة على الاستقطاب بخط يميل إلى مزيد من التصالح، وتطلّع إلى تقويم انتهاكات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة فيما يتعلق بطرق الاستجواب. وتقرر إغلاق معتقل غوانتنامو في غضون عام، برغم أن عقبات قانونية وأخرى سياسية أخرت إغلاقه إلى سنة 2011 على أقل تقدير.

وفيما يتعلق باستراتيجيات السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة التي أوضحها أوباما في سلسلة من الخطابات الممنهجة في براغ والقاهرة وطوكيو وكلّية وست بوينت، كان سريعاً في الوفاء بوعدين انتخابيَّين هامّين هما إعادة تركيز الجهود الأمريكية في مكافحة الإرهاب على قتال القاعدة، وإعطاء الأولوية لأفغانستان وباكستان بدلاً من العراق.

وكانت الزيادة في أعداد الجنود في أفغانستان أهم قرار يتخذه حتى هذه الساعة، لأنه وضع قتال طالبان والقاعدة في هندوكوش في قلب السياسة الخارجية الأمريكية وجعل منه أكبر خطر يعترض سياسته الخارجية. وفي حين تميّزت سياسة أوباما في العراق بالاستمرارية بدلاً من التغيير مقارنة بفترة بوش السابقة، تبنّى دوراً أكثر حيادية وحزماً كوسيط في الصراع العربي الإسرائيلي، على الرغم من القدرة المحلية المحدودة على صنع السلام في كل من إسرائيل وفلسطين.

وفيما يتعلق بتحدي الانتشار النووي، عوّل أوباما كثيراً على طرح سياسة جديدة قائمة على محاورة إيران. لكنّ أفق التقدم في المسألة النووية ضاق مجدداً في الشهور الأخيرة في أعقاب أعمال الشغب التي اندلعت في إيران بعد إجراء الانتخابات هناك، وإصرار قيادتها على التشدد في مسألة برنامج تخصيب اليورانيوم. وفي حين أولت الإدارة الأمريكية قدراً ضئيلاً من الاهتمام لكوريا الشمالية إلى الآن وأنها بدت في حالة عدم اليقين حيال الطريق الذي ينبغي سلوكه بعد أن انسحبت بيونغ يانغ من محادثات الأطراف الستة، تمكنت الإدارة بصعوبة من فرض عقوبات أممية أشد في حزيران 2009.

وفي نفس الوقت، تركت الباب مفتوحاً أمام المفاتحة مع الشروع في محادثات ثنائية أولية رفيعة المستوى في عهد أوباما بتاريخ كانون الأول 2009.

تلقت الجهود الرامية إلى تقوية نظام منع انتشار الأسلحة النووية دفعاً قوياً بإعادة أوباما مسألة نزع الأسلحة النووية إلى الأجندة الدولية وجعلها حجر الزاوية في سياسة منع الانتشار الأمريكية. ربما كانت تدابير مثل المعاهدة الجديدة المقترحة مع روسيا لإجراء مزيد من التخفيضات للترسانات النووية الاستراتيجية، وإعلان أوباما عن الرغبة في مصادقة الولايات المتحدة على معاهد الحظر الشامل للتجارب النووية، ومساندته لحظر كافة الأسلحة النووية التي قد لا تشجع على تغيير في سياسات إيران أو كوريا الشمالية وربما لا يكون لها تأثير فوري في الأمن النووي. لكنها ستوفر مزيداً من المصداقية للجهود الأمريكية الرامية إلى تعزيز معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في مؤتمر الاستعراض الذي سينعقد بنيويورك في أيار 2010، وربما تساعد واشنطن على حشد دعم دولي واسع النطاق لاتخاذ إجراءات أشدّ في حقّ طهران وبيونغ يانغ.

تجدر الإشارة أيضاً إلى تغييرين في السياسة يتعلقان بالصين وروسيا. تسعى السياسة الجديدة التي تتبعها إدارة أوباما مع الصين، والتي أُطلق عليها “الطمأنة الاستراتيجية”، للتعامل مع بيجين كشريك عالمي وتشدد على مزايا بروز الصين وعلى الأفق الاقتصادي للتعاون الصيني الأمريكي. ربما لا زلنا بحاجة إلى الانتظار ريثما تظهر حسنات “الحوار الاستراتيجي والاقتصادي” الثنائي، وما من شك في أن اللغة التصالحية التي اعتمدها أوباما أثناء زيارته للصين في تشرين الثاني 2009 قوبلت بالترحيب في بيجين.

كما أنه يتم “إعادة ضبط” العلاقات مع روسيا بناء على عدة لقاءات ثنائية عقدها الرئيسان أوباما ودميتري مدفيديف، وعلى المفاوضات المتجددة على ضبط التسلّح، وعلى قرار الولايات المتحدة بإلغاء المكونات الأوروبية الشرقية في خططها الخاصة بالدرع الصاروخي. لكن وكما العلاقات الصينية الأمريكية، لا زلنا في حاجة إلى معرفة مدى تحوّل الأجواء المتحسنة مع موسكو إلى تعاون سياسي ملموس في القضايا الدولية الرئيسية مثل الانتشار النووي ووقف الصراعات الإقليمية، حيث تبرز إيران وأفغانستان كاختبارين رئيسيَّين في سنة 2010.

إن تقييماً عاماً لسياسة أوباما الخارجية بعد مرور سنة على تولّيه منصبه يشير إلى تحقيق نتائج مختلطة. فما من شك في أنه نجح في تحسين صورة الولايات المتحدة إلى حدّ بعيد وفي تعزيز مقدّرات “القوة اللينة” لضمان قدرة واشنطن على ممارسة قيادة فاعلة في معالجة المشكلات العالمية. لكن على الرغم من الاستراتيجيات الواعدة الرامية إلى المواءمة بين مصالح الولايات المتحدة وقدراتها الفعلية، فشل في تحقيق نتائج ملموسة. وما من مثال يمكن أن يتجلّى فيه ذلك مثل الشرق الأوسط وأفغانستان وباكستان، وهي المناطق التي تظلّ مقاييس حاسمة في قياس نجاح سياسة أوباما الخارجية قبل استطلاعات الرأي التي ستُجرى في منتصف ولايته، وفي الانتخابات الرئاسية القادمة بالطبع (راجع الفصل الثالث). وستُظهر الشهور القادمة إن كان في استطاعة أوباما تطبيق بعض من مفاهيمه التي فاز بجائزة نوبل للسلام بناء عليها. لكنّ العقبات التي تعترض التقدم تبقى منيعة.

الميول الاستراتيجية في قضايا عالمية

إلى جانب الأزمة المالية والتحولات الاقتصادية الهيكلية التي تلتها والتغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية الأمريكية، أمكن تمييز ميول أخرى هامة في السنة المنصرمة فيما يتعلق بكل من القضايا العالمية والتطورات الإقليمية. وسنبدأ بالقضايا العالمية حيث برزت ميول ثلاثة تجدر الإشارة إليها وتتعلق بالعجز المتنامي في التوجيه العالمي في ميادين أمن الطاقة، والتغيّر المناخي، وإدارة الأزمات في الصراعات العنيفة. فيما يتعلق بسياسة الطاقة، أصبحت أسواق النفط شديدة التقلب إلى حدّ بعيد مؤخراً، ملحقة أضراراً جسيمة بالمصدّرين والمستهلكين على حدّ سواء. فالانقسامات حول “قواعد” الوصول إلى مصادر الطاقة وحول توجّه الأسواق في الشرق وفي الغرب تزداد حدّة في معسكر المستهلكين.

والمنتجون منقسمون فيما بينهم أيضاً حيث يشكل السعر العنصر الأساسي في النزاع. وربما الأهم من ذلك أن تأميم الموارد عاد إلى البروز من جديد بعد تمكّن المنتجين من الإمساك بالسلطة عندما هوت أسعار النفط. وسيرغبون الآن في التأكد من أن الكلفة الجيواستراتيجية لاستخراج النفط متوافقة مع الحقائق المصاحبة للكلفة السياسية للبقاء. ربما سيتطلب وصول الأسعار إلى مستويات مرتفعة بعض الوقت، لكن “الأسس” السياسية لا تبشرّ المستهلكين بالخير.

يبقى العنصر الأساسي في سياسة الطاقة وهو توفير الاستقرار اللازم لكي يوظّف القطاعُ الخاص استثمارات كبيرة. وهذا ينطبق على أسواق الطاقة الأوروبية التي يُفترض أنها متحررة، لا على أسواق النفط الآسيوية الرئيسية فقط. وما من مرّة سعى فيها الاتحاد الأوروبي لتنويع مصادر الطاقة بهدف التقليل من الاعتماد على روسيا، كما في حالة خط الأنابيب نابوكو “الذي لا يزال في طور الإنشاء”، إلاّ وتمكنت موسكو من التدخّل بين الدول الأعضاء وبروكسل عبر استمالتهم إلى التوقيع على عقود إمداد طويلة الأجل. وخط الأنابيب نورد ستريم، الذي صُمم ليلتفّ حول بولندا عن قصد من أجل إمداد الأسواق الألمانية، آخر الأمثلة على هذه المقاربة وأشدّها حساسية.

وبعد أن يكتمل بناؤه، سيسهّل على روسيا أيضاً قطع إمداداتها انتقائياً عن أوكرانيا بدون أن يؤثر ذلك في الإمدادات المتجه إلى الدول الأوروبية الأخرى. فلا عجب إذن من أن شركات الطاقة والدول الرئيسية المنتجة لا تزال تتطلّع إلى أكبر العطاءات السياسية لكي تضع رهاناتها بدلاً من مجرّد التركيز على بيانات ميزانياتها.

جدول رقم 2: التغيّر المناخي: الالتزامات بخفض الانبعاثات

الدولة- الالتزام المعلَن عنه بحلول سنة 2020 - النسبة المئوية للانبعاثات الكربونية في العالم عام 2007

الصين تخفيض مستويات شدّة * الكربون لسنة 2005 بنسبة 40-45 في المئة 20.97%

الولايات المتحدة تخفيض مستويات الانبعاثات الكربونية لسنة 2005 بنسبة 17 في المئة 19.92%

الاتحاد الأوروبي تخفيض مستويات الانبعاثات الكربونية لسنة 1990 بنسبة 20 (أو حتى 30) في المئة 13.56%

روسيا تخفيض مستويات الانبعاثات الكربونية لسنة 2005 بنسبة 25 في المئة 5.48%

الهند تخفيض مستويات الانبعاثات الكربونية لسنة 2005 بنسبة 20-25 في المئة 4.57%

اليابان تخفيض مستويات الانبعاثات الكربونية لسنة 1990 بنسبة 25 في المئة 4.27%

كندا تخفيض مستويات الانبعاثات الكربونية لسنة 1990 بنسبة 3 في المئة 1.98%

كوريا الجنوبية تخفيض مستويات الانبعاثات الكربونية لسنة 2005 بنسبة 4 في المئة 1.69%

جنوب أفريقيا تخفيض مستويات الانبعاثات الكربونية بنسبة 34 في المئة 1.2%

البرازيل تخفيض مستويات الانبعاثات الكربونية (بدون تحديد سنة مرجعية) بنسبة 36.1-38.9 في المئة 1.2%
سويسرا تخفيض مستويات الانبعاثات الكربونية لسنة 1990 بنسبة 17 (أو حتى 30) في المئة 0.15%

- المصدر: وكالة الطاقة الدولية ومصادر إخبارية متنوعة.

ملاحظة: هذه التزامات معلًنة وليست تعهدات رسمية يراد تسجيلها في الملحق 1 من اتفاقية كوبنهاغن. وهذه اللائحة ليست مسهبة وقد أُعدت في 5 كانون الثاني 2010.

شدة الكربون تعني مقدار الكربون المنبعث بالنسبة إلى الإنتاج.

تقدم محدود في التعامل مع التغيّر المناخي

ربما كانت الناحية الوحيدة الأكثر إلحاحاً في سياسة الطاقة التي يقترحها القطاع العام، ولكنها غائبة بشكل مطلق ولها علاقة بالتغيّر المناخي، هي توجيه الاستثمارات نحو تكنولوجيات ذات انبعاثات كربونية أقل. شارك أكثر من 100 قائد وطني في مؤتمر كوبنهاغن في كانون الأول 2009، حيث كافحوا للتوصل إلى اتفاقية متابعة لبروتوكول كيوتو الذي سبق أن وضع أهدافاً لخفض الانبعاثات الغازية من البيوت الدفيئة بمشاركة 37 دولة صناعية بين عامي 2008 و2012. وجاءت ثمرة هذه الجهود مختلطة في أحسن الأحوال.

بدلاً من التوصل إلى اتفاقية شاملة وملزمة قانوناً، انتهى مؤتمر كوبنهاغن بإعلان نوايا سياسي اكتفت 193 دولة مشاركة “بالاستماع إليه”. وبدلاً من تحديد أهداف محددة لتخفيضات الانبعاثات وإعداد جدول زمني لذلك، لم يوفر اتفاق كوبنهاغن سوى ملحق يمكن للدول أن تسجّل تعهداتها وأعمالها الأحادية الخاصة بخفض الانبعاثات فيه، في انتظار استعراضه وفقاً لطرق لم تُحدَّد بعد. صحيح أنه تضمن إشارات بالفعل إلى تمويل قصير ومتوسط الأجل للتخفيف والتكيّف في الدول النامية، لكنّ هذه الالتزامات ضعيفة ودون مستوى التوقعات.

بالنظر إلى التباين في المصالح بين الدول المتقدمة والدول النامية، وإلى تعددية القضايا التي على المحك، ربما يتبين أن مقاربة كيوتو القائمة على إجراء مفاوضات عالمية على مستوى الأمم المتحدة وإعداد تشريعات انطلاقاً من الأعلى إلى الأسفل لم تعد تشير إلى المستقبل. صحيح أن نموذج تعهدات كوبنهاغن ضعيف، لكنه ضمِن مشاركة الدول النامية على الأقل في محاولة السيطرة على التغيّر المناخي، والتي يُرجّح أن تتطور أكثر من حيث الجوهر في السنين القادمة. ومن المهم أن نشير أيضاً إلى أن الولايات المتحدة ملتزمة الآن بفكرة خفض الانبعاثات الكربونية والترويج للطاقة النظيفة، برغم أن أوباما ربما يواجه صعوبة في إقناع مجلس الشيوخ بالموافقة على قانون لبناء نظام برامج تحفيزية لخفض الانبعاثات الملوِّثة. وكما أدرك الاتحاد الأوروبي، فإن وضع أهداف جذابة من الناحية السياسية في خطة “20/20/20” لخفض الانبعاثات وزيادة مصادر الطاقة المتجددة ورفع الكفاءة شيء، وتحقيق هذه الأهداف شيء آخر.

أزمة إدارة الأزمات

يمكن كذلك أن نلاحظ التعقيدات التي تصاحب إيجاد نظام لحكم دولي قابل للنجاح في ميدان معالجة الأزمات. فبفعل المشكلات المستمرّة في أفغانستان والأزمة المالية التي قلّصت القاعدة التمويلية للعمليات الجارية، بات استجماع الإرادة السياسية للتوصل إلى الردود المناسبة على أزمة إدارة الأزمات المزمنة أصعب من أي وقت مضى. لكنّ الحاجة إلى معالجة هذه الأزمة باتت ملحّة على ضوء الزيادة المستمرّة في طلب إدارة الأزمات في العقد الماضي. وتوظف الأمم المتحدة حالياً نحو من 83000 شخص (عسكري ومدني) في 16 عملية حفظ سلام، في حين يعتبر نشر الناتو لأكثر من 70000 جندي في أفغانستان أكبر عملية وحيدة في العالم. وفي أفريقيا، التي أصبحت محطّ التركيز الجغرافي لإدارة الأزمات، تنشر منظمات إقليمية ودولية حالياً أكثر من 80000 جندي.

وكما سنناقش في الفصل السادس، يمكن التعرّف على ثلاثة تحديات أساسية تواجه إدارة الأزمات بطريقة فاعلة اليوم:

1. التحدي الأول هو أن التحول العالمي للقوة نحو الشرق يُطلق ديناميات جديدة في الجدال حول مستقبل إدارة الأزمات، مما يجعل التوصل إلى رؤية استراتيجية واضحة تجاه كيفية التصدي للأخطار التي تهدد السلم والاستقرار حاجة ملحّة.

2. التحدي الثاني هو أنه يلتزم توافر تنسيق أكثر فاعلية بين المشرفين المؤسساتيين على إدارة الأزمات من أجل التغلب على مشكلات التداخل، وفقدان الانسجام الاستراتيجي، وهدر الموارد.
3. وأخيراً، أضحى بناء قدرات عسكرية ومدنية مناسبة أمراً لا غنى عنه لأن التجهيزات المتوافرة للعديد من العمليات أسوأ من أن تُنفذ في البيئات المعقدة.

الميول الإقليمية في 2010

شهدنا تطورات هامة متعلقة بمناطق معيّنة في العالم. من ذلك أن أهم حدث جرى في أوروبا كان إقرار معاهدة ليزبون في 1 كانون الأول 2009. كانت ذروة عملية مطولة تميّزت بالتوقيع على دستور الاتحاد الأوروبي في سنة 2004، والتصويت ضدّه في كل من فرنسا وهولندا في سنة 2005، والتوقيع على معاهدة معدّلة في ليزبون في سنة 2007، والتصويت ضدّها في أيرلندا في سنة 2008، والتصويت من جديد لصالحها في دبلن. وكانت مصادقة بولندا وجمهورية التشيك في خريف العام 2009 العقبة الأخيرة التي توجب التغلب عليها.

توفر معاهدة ليزبون إصلاحات مؤسساتية تهدف إلى جعل عملية صنع القرار أكثر فاعلية وإلى تقوية دور أوروبا في العالم. لكن يُرجَّح أن ينشأ عن ذلك تشابه دستوري في أدوار كل من الرئيس الدائم الجديد للاتحاد الأوروبي ووزير الخارجية الجديد للاتحاد، والرئاسة التناوبية للاتحاد بين الدول الأعضاء. وباختيار هيرمان فان رومباي وكاثرين أشتون لشغل المنصبين الرفيعَين الجديدن في الاتحاد، بالكاد أشارت أوروبا إلى نيتها في أن تكون على قدم المساواة مع القوى الدولية الدبلوماسية الرئيسية بالنظر إلى افتقارها إلى الحنكة في السياسة الخارجية.

برغم التوقيع على معاهدة ليزبون، يرجَّح أن يتطلع الاتحاد الأوروبي إلى الداخل ويركز على انتعاشه الاقتصادي في السنين القادمة. وبعد انقسام الدول الأعضاء بشأن كيفية علاج الأزمة المالية، برزت مشكلات جديدة تتعلق بتطابق إجراءات إعادة الاستقرار على المستوى الوطني مع قانون الاتحاد الأوروبي، وبكيفية التعامل بمرونة مع السقف المحدد للعجز في الميزانية البالغ 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ولمّا كان بعض الدول أصيب بأضرار جسيمة على الخصوص بسبب الأزمة، مثل بريطانيا وأيرلندا واليونان ولاتفيا، ظهرت تحولات داخلية في القوى ضمن الاتحاد الأوروبي ربما تضعف الوحدة الأوروبية. وبما أن تبلور حس بالغاية الاستراتيجية المشتركة يظل تحدياً رئيسياً يواجه الاتحاد، على الأرجح أن يواصل التركيز في سياسته الخارجية على مناطق مجاورة له تعاني من أزمات، مع بروز حاجة ملحّة إلى إعطاء زخم جديد لمشاريع هامة مثل الاتحاد المتوسطي والشراكة الشرقية (الذي انطلق في أيار 2009).

الاتحاد الأوروبي بعد معاهدة ليشبونة: بعض التغيرات الهامة

- انتخاب رئيس جديد للمجلس الأوروبي لمدة ولاية مقدارها سنتان ونصف السنة (يمكن إعادة انتخابه مرّة واحدة).

- ينبغي لتشكيل مفوضية عليا جديدة للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية وانتخاب نائب رئيس المفوضية الأوروبية تقوية تماسك العلاقات الأوروبية الخارجية وبروزها.

- تشكيل خدمة العمل الخارجي الأوروبية الجديدة لتوفير الدعم والمساندة للمفوضية العليا.

- تمديد تصويت غالبية مؤهلة ليشمل نواحي سياسية جديدة وتحديد غالبية مضاعفة مقدارها 55 في المئة للدول التي تمثل 65 في المئة على الأقل من السكان (بدءاً بسنة 2004). وتبقى ترتيبات صناعة القرار الخاصة بسياسة الأمن والدفاع الأوروبية.

- تمديد العمل بطريقة اتخاذ القرار المشترك بوساطة البرلمان الأوروبي ومجلس الوزراء.

- إلغاء هيكلية الركائز.

أطلق الناتو عملية إعادة صياغة مفهومه الاستراتيجي في قمته التي انعقدت في ستراسبورغ/كيهل في نيسان 2009 في الذكرى الستين لتأسيسه. وهو سيخوض نقاشات عسيرة في سنة 2010 مع بقاء الانقسامات على حدتها بشأن أولوياته (إدارة الأزمة العالمية في مقابل الدفاع الجماعي)، والعلاقات مع روسيا، وتقاسم الأعباء، وغيرها من القضايا.

وربما تتزايد حدة التوترات بشأن المهمة الصعبة في أفغانستان أيضاً، بما أن بعض الدول الأعضاء شرع في صياغة استراتيجيات خروج في حين تطالب الولاياتُ المتحدة بإرسال مزيد من جنود الناتو. وعلى الرغم من أن عودة فرنسا إلى هيكلية القيادة العسكرية المتكاملة للحلف وانضمام ألبانيا وكرواتيا إليه مؤشرات على بقاء أهمية تمسك الدول الأوروبية بالناتو، ستكون الصدوع في أساس الناتو أعمق من أن تلتئم في المستقبل القريب.

برز تطور وطني هام له ارتدادات على أوروبا ويتعلق بالتغيير الحكومي في ألمانيا في نهاية أيلول 2009. وبرغم أنه كان يُتوقع على نطاق واسع أن تؤدي هذه التغييرات إلى زيادة قدرة ألمانيا على التحرك بعد سنين من تسويات “الائتلافات الموسعة”، بدأت الحكومة الجديدة المؤلفة من “الديمقراطيين” و“الديمقراطيين الأحرار” متعثرة. ومع انضمام بعض “الديمقراطيين الأحرار” إلى الدعوات التي أطلقها “الديمقراطيون الاجتماعيون” للانسحاب من أفغانستان، أو الحدّ من المشاركة الألمانية هناك على الأقل، ربما تهيمن هذه القضية على السياسة الخارجية الألمانية في سنة 2010.

يشكل التطور الديناميكي للسياسة الخارجية التركية ميلاً وطنياً آخر في أوروبا تجدر الإشارة إليه. فبعد أن خفت هواجس أنقرة حيال عضويتها في الاتحاد الأوروبي، بدأت بتنويع سياستها الخارجية بالسعي للعب دور أكبر بكثير في الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى، معلنة عن افتتاح 26 بعثة دبلوماسية جديدة في سنة 2010. ومع تزايد أهميتها بوصفها أحد شرايين الطاقة، تميّزت مكانة تركيا الجديدة بازدياد الثقة بالنفس وبالطموح. وهذا يتجاوز المحاولات التي بُذلت مؤخراً لحلّ صراعاتها الإقليمية مع أرمينيا والأكراد، برغم أن انفتاح رئيس الوزراء أردوغان على الأكراد واجهه معارضة محلية شديدة.

إذا كانت تركيا تنظر نحو الشرق على نحو متزايد، فهذا لا يرجع إلى توافر فرص الطاقة هناك وحسب، بل وبسبب التحديات الأمنية التي تنبعث من المنطقة. فهناك صراعات سياسية عديدة في شمال القوقاز طغى عليها النشاط الإرهابي الإسلامي، فيما تبدو روسيا في حيرة من أمرها بشأن كيفية التعامل مع انعدام الاستقرار المتزايد على حدودها الجنوبية. كما يبقى الوضع في جنوب القوقاز متوتراً أيضاً، وبخاصة فيما يختصّ بالصراع الجورجي الروسي المستمر. وفيما يتعلق بآسيا الوسطى، ازدادت المنافسة الجيوسياسية في هذا المنطقة الغنية بالطاقة حدة مع الأضرار الشديدة التي لحقت ببعض الدول مثل طاجيكستان وقرغيزستان من جرّاء الأزمة المالية واعتمادها المتزايد على المساعدات الخارجية. ويبقى الإرهاب الإسلامي مشكلة أيضاً برغم أن الحكومات الاستبدادية تضع الجهات المعارضة لها والحركات الانفصالية في سياق الإرهاب لتبرير القمع المتزايد الذي تلجأ إليه الدول باسم الوحدة السياسية.

أفريقيا

هزّت الأزمةُ الاقتصادية افريقيا بعنف، حيث تجاوزت في حدّتها أزمة الوقود والغذاء في سنة 2007/2008 والتأثيرات السلبية المتنامية للاحتباس الحراري، كما برز في الإجمال انعدام استقرار محدود نسبياً على صعيد الاقتصاد الكلّي مقارنة بالأزمات المالية السابقة، مما يشير إلى تزايد المرونة الهيكلية في العديد من الدول الأفريقية.

وفي حين لا زلنا نجهل إن كانت الاقتصادات الغنية بالموارد في المنطقة ستستأنف معدلات نموها الكبيرة التي حققتها قبل الأزمة ومتى سيكون ذلك، يوجد أسس تدعو إلى التفاؤل. ولهذا الأمر علاقة أيضاً بحقيقة أن الصين توظف استثمارات في أفريقيا أكثر من أي وقت مضى، وأن روسيا والاقتصادات الناشئة مثل الهند تعمل على إيجاد موطئ قدم لها بسرعة في القارّة أيضاً.

وبرغم أن هذا التطور جعل المساعدات المشروطة التي عرضها الغرب أقل جاذبية، تظل كافة مصادر الدخل مهمة لدول تتخبط في أزمات ميزانيات مدفوعاتها.

إن تعاظم الأهمية الاستراتيجية لأفريقيا لا يأتي من ثروة مواردها الطبيعية فقط، بل أنه مدفوع باعتبارات أمنية أيضاً بما أن الإرهاب الإسلامي وعمليات القرصنة آخذة في الازدياد في القارّة. وقد انعكس ذلك في تشكيل الولايات المتحدة قيادة جديدة لها في أفريقيا وفي الزيادة المتسمرة في برامج المساعدة الأمنية الأمريكية للدول الأفريقية. وأصبح للصين تواجد بحري الآن في خليج عدن لحماية الخطوط الملاحية من عمليات القرصنة فيما يشكل عمليتها البحرية الأولى خارج المحيط الهادئ. حتى إن بيجين أشارت إلى أنها ربما تبني قاعدة دائمة لها في المنطقة لتعزيز مشاركتها فيها على المدى الطويل.

وعلى صعيد آخر، اِنخفض عدد الصراعات الدائرة في أفريقيا في السنين الأخيرة. لكنّ اثنين من أسوأ الصراعات في العالم لا يزالان دائرَين في دارفور وفي الصومال. وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، لا تزال رحى الحرب الأهلية دائرة وهي التي راح ضحيتها نحو من أربعة ملايين شخص بين عامي 1998 و2004.

وقد استطاعت الحكومة تحقيق بعض المكاسب عقب عملية غير مسبوقة ضدّ الثوار شاركت فيها رواندا في المنطقة الشرقية في مستهل سنة 2009، وإن يكن على حساب كلفة إنسانية باهظة جداً. وبالمثل، أصبحت زيمبابوي أكثر استقراراً بعض الشيء بعدما وافق الرئيس روبرت موغابي على تعيين منافسه مورغان تزفانغراي في منصب رئيس الوزراء في اتفاقية تقاسم السلطة التي أُبرمت في شباط 2009.

لكن يلوح المزيد من عدم الاستقرار في غينيا في أعقاب الانقلاب العسكري الذي نُظّم هناك في أواخر سنة 2008. كما يرجّح أن تتفاقم حدة التوتر في السودان فيما تستعد البلاد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في سنة 2010 بينما لا يزال الرئيس عمر البشير مطلوباً للمثول أمام محكمة الجنايات الدولية بسبب اتهامات بارتكاب “فظاعات” في إقليم دارفور.

الشرق الأوسط

لم تكن الأزمة المالية في الشرق الأوسط قضية رئيسية مقارنة بالعديد من المناطق الأخرى. لكن يتعين القول بأن الشرق الأوسط عانى من تراجع الأداء الاقتصادي العالمي ومن تراجع تدفق الرساميل الذي أعقبه، كما عانى من خسائر في صناديق الثروة السيادية ومن تقلبات أسعار النفط. ومن بين البلدان التي تأثرت بشدة نذكر الكويت والبحرين وإيران، وعلى رأس القائمة دبي. ومع ذلك، كان تأثير الأزمة محدوداً على العموم، ومن جملة أسباب ذلك أن السعودية ودولة الإمارات طرحتا رزماً تحفيزية تجاوز قيمتها 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

بقيت السياسات التقليدية تتصدر العناوين الرئيسية في الشرق الأوسط. وهذا ينطبق على الصراع العربي الإسرائيلي والأزمة الإيرانية (النووية والمحلية)، فضلاً عن الوضع في العراق (راجع الفصل الثالث). كما أن اليمن بقعة ساخنة لأزمة كبيرة أيضاً حيث تدور رحى حرب أهلية في الشمال، وتنشط حركة انفصالية في الجنوب، ويعمل تنظيم القاعدة على توسيع رقعة تواجده فيما تظل الحكومة ضعيفة وفاسدة. ويمكن لمزيد من تدهور الوضع في اليمن أن يكون له تداعيات استراتيجية من منظور الوضع في خليج عدن لا من منظور مكافحة الإرهاب فقط.

أمريكا اللاتينية

كانت الأزمة المالية قضية أعظم شأناً بكثير في أمريكا اللاتينية. لكن وكما في أفريقيا، أثبتت مرونة الاقتصاد الكلي أنها أقوى منها في الأزمات السابقة. ذلك أنه لم ينتج عن الأزمة تداعيات سياسية خطيرة سواء في دول معسكر الاشتراكيين الشعبوي مثل فنزويلا وبوليفيا وإكوادور، أم في المعسكر المعتدل، مثل البرازيل والتشيلي والمكسيك. ولا يزال كافة قادة تلك الدول في مناصبهم، غير أنه حدث انقلاب عسكري ضدّ رئيس هندوراس مانويل زيلايا، بسبب أشد أزمة سياسية عصفت بأمريكيا اللاتينية منذ سنوات بعد محاولة الرئيس إعادة صياغة القواعد الدستورية بموازاة الخطوط “البوليفارية”.

وفيما يتعلق بالتوتر المتصاعد بين كولومبيا وبعض جيرانها، يوجد صلة كبيرة لهذا التوتر بالانقسام الذي تعاني منه حكومة ألفارو أوريبي بشأن السماح بزيادة حجم التواجد العسكري الأمريكي على أراضيها دعماً للعمليات التي تخوضها في الحرب على المخدرات. وأعربت فنزويلا عن احتجاجها بصوت عالٍ حيث أمر شافيز جيشه بالاستعداد لحرب محتملة في تشرين الثاني 2009. حتى إن البرازيل والتشيلي أعربتا عن مخاوفهما، طالبتين ضمانات بألاّ تعمل الولايات المتحدة خارج الأراضي الكولومبية.

شرق آسيا وجنوب شرق آسيا

لا يزال تصاعد الصين التطور الجيوسياسي الأبرز في شرق آسيا. وهناك قضية أخرى تؤثر في الواقع الاستراتيجي الإقليمي وهي البرنامج النووي لكوريا الشمالية. وهناك تطور مثير للاهتمام يعكس جزئياً هاتين القضيتين تمثل في التحولات الأخيرة في المواقف السياسية الخارجية لكل من اليابان وتايوان، اللتين تعتبران أن موقعهما الاستراتيجي في شرق آسيا آخذ في التدهور.

ففي اليابان، أهدى الناخبون في آب 2009 انتصاراً كاسحاً إلى الحزب الديمقراطي الليبرالي الذي شكك في تحالف البلاد مع الولايات المتحدة داعياً بالمقابل إلى استقلال وطني أكبر وإلى إعادة التوجه نحو آسيا. وفيما يتعلق بتايوان، حدث تقارب مع الصين في ظل الرئيس الجديد ما ينغ جيو، تميّز باستئناف الحوار عبر المضيق.

وبعد أن رأت تايوان أن الولايات المتحدة تعيد ترتيب أولويات تعاونها مع الصين، باتت ترغب بشكل واضح في ضمان رهاناتها بسياساتها القائمة على الانفتاح، وإن يكن التعامل مع مسألة “إعادة توحيد الأراضي الصينية” السياسية الأساسية في مقابل الاستقلال أمراً مستبعداً في المستقبل القريب.

وفي جنوب آسيا، تتملك الهند هواجس مماثلة باعتبار أن اشتداد أواصر العلاقات بين واشنطن وبيجين يمكن أن يكون مؤشراً على إضعاف علاقتها بالولايات المتحدة. كما لاحظت نيودلهي أن باكستان أضحت محور اهتمام السياسة الأمريكية في جنوب آسيا باعتبار أن إسلام آباد تواجه المزيد من عدم الاستقرار على المستوى المحلي فيما تضطلع بدور رئيسي في الاستراتيجية الأمريكية بأفغانستان. وسيبقى الإرهاب بشقيه الإسلامي والعلماني قضية رئيسية في جنوب آسيا عام 2010، كما هي الحال مع فقدان حماية الأسلحة النووية في باكستان. وفي هذه الأثناء، انتهت الحربُ الأهلية التي أنهكت سريلانكا طوال 26 سنة بإلحاق الهزيمة العسكرية بنمور التاميل عام 2009 وإن لم تكن الحكومة قد أطلقت بعدُ عملية مصالحة وطنية.

التغيّر والاستمرارية

كانت سنة 2009 سنة أزمة. وهذا ينطبق على القطاع المالي بقدر ما ينطبق على قطاع الطاقة، مما زاد من حدة الصراعات السياسية، ومن القلق من انتشار الأسلحة النووية، وما إلى ذلك من التحديات الأمنية الملحّة التي في حاجة إلى معالجة.

وهذه القضايا تقتضي ردوداً سياسية هامة، لكن مع إطلالة سنة 2010، بات الانفصام كبيراً بين حجم الأزمة العالمية والردود السياسية التي أثارها. فعلى النقيض من الحديث في كل مكان عن التغيير، جاءت الردود السياسية مألوفة جداً لغاية الآن.

برغم توفير مقادير هائلة من الأموال لمعالجة الأزمة المالية وتراجع الأداء الاقتصادي، عانى العالم أجمع مع تزايد حجم الديون، سواء في قطاع المال أم الغذاء أم الطاقة، من الأسواق المفلسة. ولا زالت الأجوبة المقنعة غائبة حول كيفية امتصاص الميزانيات العمومية السيادية للدَّين الخاص بدون توافر فترة مستمرّة من النمو الاقتصادي. وهذه المشكلة مؤرقة للولايات المتحدة على الخصوص في ضوء الصعوبات التي تعاني منها ميزانيتها.

وعلى المستوى الخارجي، لم تتجسّد إلى الآن سياسات أوباما المتعلقة بالتغيير على الأرض في الشرق الأوسط أو في جنوب آسيا أو في العلاقات مع الصين وروسيا. وبالمثل، ربما يؤدي تحويل الدعوة إلى نزع الأسلحة النووية إلى حجر زاوية في السياسة الأمريكية الخاصة بمنع الانتشار إلى تعزيز نفوذ واشنطن في هذا المجال، لكنّ تحقيق نجاح سياسي حاسم أمر مستبعد.

شهدنا أيضاً استمرارية في الافتقار إلى سياسات توجيهية عالمية في مجال الطاقة، والتغير المناخي وإدارة الأزمات. وقد عادت سياسة تأميم الموارد بقوة على ضوء ارتفاع الأسعار، فيما لا تزال المفاوضات الدائرة حول المناخ تراوح مكانها. وإذا كانت هاتان الأزمتان البعيدتا الأجل تقتضيان حلولاً بعيدة الأجل، إذاً هناك حاجة ملحّة إلى تعزيز كفاءة إدارة الأزمات في التصدي للعنف السياسي.

إن الوصول إلى سياسة حكم أفضل في سائر هذه القضايا يقتضي قيادة قوية من جانب الولايات المتحدة لضمان لحاق الآخرين بها. صحيح أننا شهدنا بعض الابتكار في السياسة بوجه عام في سنة 2009، بيد أن التحولات الهيكلية في الاقتصاد العالمي ستكون الحافز الرئيسي للتغيير، بصرف النظر عن القرارات التي ستتخذها الحكومات في المستقبل.

الفصل الثالث: السياسة الخارجية الأمريكية: مقاربات جديدة ومشكلات قديمة في أفغانستان والشرق الأوسط

تهيمن التحديات الجيوسياسية في جنوب آسيا وفي الشرق الأوسط على السياسة الخارجية الأمريكية. على أن مقاربات أوباما الجديدة في أفغانستان، وفي أزمة البرنامج النووي الإيراني، وفي الصراع العربي الإسرائيلي لم تُترجَم إلى نجاح سياسي إلى الآن. وهناك خيارات صعبة في انتظاره بما أنه في حاجة إلى انتهاج سياسات توفيقية في أفغانستان وباكستان، وإلى إعادة تقييم انفتاحه على إيران، واتخاذ قرار بشأن القيام بوساطة أكثر فاعلية في صراع الشرق الأوسط. كما أن الاستعداد للانسحاب من العراق تحدّ إضافي أيضاً. لكنّ الأمل بإحراز تقدم يبقى ضعيفاً مع توقع ازدياد هيمنة القضايا المحلية على أجندة أوباما في سنة 2010.

هيمنت الأزمات الدائرة في جنوب آسيا وفي الشرق الأوسط على السياسة الخارجية الأمريكية خلال السنة الأولى من رئاسة باراك أوباما. كما أنه من الواضح أنه يوجد قضايا سياسية خارجية أخرى ذات أهمية استراتيجية بعيدة المدى تحتل مكانة عالية في الأجندة أيضاً، مثل إعادة صياغة العلاقات مع كل من روسيا والصين. على أن أكثر التحديات إلحاحاً على المدى القصير تتعلق بالحربين الدائرتين في أفغانستان والعراق، وأزمة البرنامج النووي الإيراني، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومن المحتم أن يكون لكيفية تعامل أوباما مع هذه الأزمات تأثير شديد في تقييم سياساته الخارجية، وفي تقييم رئاسته بالطبع.

طرح أوباما مقاربات جديدة في التعاطي مع أغلب هذه القضايا، وهذا يعكس تشديده على “التغيير” على صعيد أسلوب السياسة الخارجية الأمريكية ومضمونها (راجع الفصل الأول). ونقل التركيزَ الاستراتيجي للولايات المتحدة ومواردها من العراق إلى أفغانستان، وصاغ استراتيجية جديدة لأفغانستان وباكستان، وشرع في سياسة انفتاح على إيران، وتعامل مع القضية الإسرائيلية الفلسطينية بشكل مباشر وإنصاف أكثر مما فعل جورج دبليو بوش أو بيل كلينتون.

والأهم من ذلك أنه واجه كافة هذه التحديات دفعة واحدة، مجادلاً بأنها متشابكة مع أمن الولايات المتحدة وتكتسي أهمية متزايدة بالنسبة إليه. كما شدد على عزمه على صياغة السياسات الأمريكية الخاصة بهذه القضايا وعلى إدارتها عبر تعيين ثلاثة مسؤولين رفيعي المستوى إما كمبعوثين خاصّين (ريتشارد هولْبروك في أفغانستان وباكستان، وجورج ميتشل في عملية السلام بالشرق الأوسط) أو كمستشارين خاصين (دنيس روس في قضية إيران).

برغم الديناميكية التي تحلّت بها بداية حكمه، تظل النتائج النهائية لسياسات أوباما في أفغانستان وباكستان والشرق الأوسط مختلطة. ومع تدهور الوضع بأفغانستان في سنة 2009، أجرت الإدارة الأمريكية مراجعتين لاستراتيجيتها هناك وآثرت في النهاية زيادة الجنود بأعداد كبيرة، مع التحذير من أن ذلك سيمهد الطريق أمام انسحاب أمريكي يبدأ في تموز 2011.

وهذا حل توفيقي يجعل أفغانستان قضية استراتيجية هامة في السياسية الخارجية لأوباما مع إتاحة إطار زمني ضيّق جداً لتحقيق الأهداف الأمريكية. كما أنه برغم أن السياسة الجديدة تشدد على الحاجة إلى مقاربة شاملة في أفغانستان وباكستان، لا تملك الولايات المتحدة أية استراتيجية واضحة إلى الآن حيال كيفية التعامل مع إسلام أباد.

تراجعت المشكلات التي يمثلها العراق في سنة 2009 بتنفيذ أوباما خطة الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الحكومة العراقية في الأيام الأخيرة لإدارة بوش. على أن الأحداث التي وقعت في سنة 2009 أظهرت أن الوضع الأمني يظلّ هشاً للغاية. وربما يتدهور الوضع مجدداً مع الاقتراب من المهلة المحددة لمغادرة القوات الأمريكية في سنة 2011، وبخاصة أنه لم يتم التوصل إلى حلّ سياسي دائم في بغداد.

وفيما يتعلق بإيران، فشلت سياسة الانفتاح الأمريكية في تحقيق نتائج مهمة إلى الآن. ومع تصاعد حدة الأزمة النووية مجدداً في نهاية سنة 2009، سيتعيّن على أوباما اتخاذ بعض الخيارات الصعبة عاجلاً وليس آجلاً. وأخيراً، بالنسبة إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أفضت المفاوضات الأمريكية مع إسرائيل بشأن تفاصيل تجميد الاستيطان إلى صيغة توفيقية غير مُرضية بدّدت أوهام العرب حيال قدرة واشنطن وعزمها على إحلال السلام.

الإنجاز الرئيسي الذي حققه أوباما في الشرق الأوسط إلى الآن هو التواصل الرمزي مع العالم الإسلامي. فقد ساهمت قراراته بإغلاق معتقل غونتنامو وحظر استخدام التعذيب في عمليات الاستجواب، والنأي بنفسه عن مفهوم “الحرب على الإرهاب”، ودعوته إلى فتح صفحة جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي في القاهرة، بالكثير في تحسين الموقف الدولي للولايات الأمريكية.

لكننا لا زلنا حتى في هذه الناحية بحاجة إلى معرفة مدى استمرار هذا التحسن. وبالإجمال، كان تلميع صورة الولايات المتحدة أضعف بكثير في العالم الإسلامي منه في المناطق الأخرى، حيث امتدح أقل من 30 في المئة من الناس الولايات المتحدة في دول مثل مصر والأردن وباكستان وتركيا.

على أن المجادلة بأن نجاح مقاربات أوباما الجديدة في أفغانستان وفي الشرق الأوسط لا يزال محدوداً إلى الآن، لا يعني القول بأنها معيبة في حدّ ذاتها، لكنها تشير عوضاً عن ذلك إلى التعقيد الهائل الذي تواجهه الولايات المتحدة في هاتين المنطقتين، وإلى المصاعب التي ورثها أوباما من رئاسة بوش. لكن يتعين القول أنه يوجد أسباب أخرى أغرقت أوباما في حقائق السياسة الخارجية في سنته الأولى في الحكم. فالأزمة المالية والقضايا الداخلية الملحّة عنت أنه لا يتوافر سوى وقت محدود للإشراف على تنفيذ استراتيجيات سياسته الخارجية.

ومع انقسام الأعضاء الرئيسيين في فريقه المختص بالسياسة الخارجية حول بعض من أولوياته، تطورت السياسات الأمريكية بطرق لم تكن تنسجم مع توجهاته الاستراتيجية دائماً، وبخاصة فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. على أنه ما من شك في أن أوباما بات متورّطاً في الحقائق المحلّية القاسية في جبال الهندوكوش وفي الشرق الأوسط، مع وجود أمل ضعيف في إمكانية إحراز تقدم ملموس في سنة 2010.
من العراق إلى أفغانستان

كان أوباما صريحاً في التعبير عن وجهات نظره حيال الحربين اللتين ورثهما عن الإدارة السابقة وأنهما قد كلّفتا دافعي الضرائب الأمريكيين نحواً من ترليون دولار بحلول الوقت الذي تسلّم فيه منصبه. ففي حين كانت الحرب التي فرضتها الضرورة بأفغانستان مبرَّرة بسبب الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 أيلول 2001، كانت الحرب بالعراق حرب من اختيار بوش.

كانت الحرب الخطأ في نظر أوباما لأنها صرفت اهتمام الولايات المتحدة بعيداً عن الأخطار الحقيقية التي لها صلة بتهديد أمن الولايات المتحدة، أي تنظيم القاعدة وحركة طالبان، وقيّدت قوات الولايات المتحدة مواردها التي كانت في أمس الحاجة إليها في أفغانستان، وأحدثت شقوقاً عميقة بين الولايات المتحدة وأغلب الدول في العالم.

وانسجاماً مع وعده الانتخابي، سارع أوباما إلى البدء بصرف التركيز من العراق إلى أفغانستان. وفي أعقاب القرارات التي اتخذها في سياق المراجعتين الاستراتيجيتين في سنة 2009، سيتم نشر أكثر من مئة ألف جندي في أفغانستان بحلول نهاية العام 2010، أي أكثر من ضعف عدد الجنود الذين كانوا يتواجدون هناك لدى تسلّمه السلطة. ونتيجة لهذا التحوّل، جعل أوباما بكل وضوح العملية الجارية في أفغانستان حربه الخاصة.

أفغانستان: حرب أوباما

ما من شك في أن ذلك يزيد المخاطر التي يواجهها أوباما. فبعد مرور ثماني سنين على إسقاط الولايات المتحدة لنظام طالبان في كابل كجزء من عملية “الحرّية الدائمة” بعد 11 أيلول، أضحت البلاد عديمة الاستقرار أكثر من أي وقت مضى. وقد استعاد متمردو حركة طالبان السيطرة على أجزاءً واسعة من جنوب وشرق أفغانستان.

وفي حين تبيّن أن بناء قوات أمن محلّية عملية بطيئة على نحو مؤلم، طرأت زيادة حادّة في الإصابات التي يتكبدها التحالف منذ سنة 2007 حيث بلغت مستوى جديداً في سنة 2009 بسقوط 519 قتيلاً من قوات التحالف (منهم 316 أمريكياً). وهذا يشكل ثلث مجموع الإصابات التي تكبّدها التحالف تقريباً منذ سنة 2001. كما تدهور الوضع الأمني أيضاً بعد أن تبيّن فساد حكومة الرئيس حامد كرزاي وعجزها عن تقديم الخدمات الحكومية الأساسية، واستمرار أوضاع أمراء الحرب في الازدهار وإنتاج الأفيون.

غالباً ما يقارن الوضع الأليم في أفغانستان بالوضع الذي كان سائداً في العراق بين عامي 2006 و2007. على أنه يوجد اختلافات كبيرة بين الأزمتين. ذلك أن المحور الرئيسي للصراع في أفغانستان ليس طائفياً ولا عِرقياً. وبالمقابل، هناك تمرّد يجمع بين القومية الباشتونية والنزعة الإسلامية العسكرية بقيادة طالبان على حكومة يهيمن عليها الباشتون، والهدف الرئيسي للتمرّد هو إعادة الاستيلاء على كابل.

كما أن أفغانستان لم تعرف على مرّ تاريخها مؤسسات حكومية قوية، وهي غارقة في حرب أهلية منذ ثلاثة عقود تقريباً. من وجهة نظر إدارة الأزمة العسكرية، تُشكّل أفغانستان تحدّيات أكبر من تلك التي يشكلها العراق، وهي تتراوح بين التضاريس الوعرة وصعوبة تأمين خطوط الإمداد، فضلاً عن افتقار الولايات المتحدة إلى مركز لوجستي كبير في الدول المجاورة مقارنة بالكويت. كما يمكن ملاحظة وجود اختلاف كبير عن الحالة في العراق على صعيد الأسس الاجتماعية الاقتصادية حيث المراكز الحضرية بأفغانستان أقل حجماً وتعليماً فضلاً عن افتقار البلاد إلى ثروة نفطية يمكن أن تلجأ إليها بعكس العراق.

على الرغم من هذه الاختلافات، يوجد روابط مفاهيمية تجمع بوضوح بين استراتيجية أوباما المنقحة في أفغانستان واستراتيجية “الاندفاع” بالعراق. ففي سياق المراجعة الاستراتيجية الأولى في آذار 2009، أمر بنشر 17000 جندي إضافي و4000 مدرّب عسكري.

كان الهدف من ذلك توسيع عمليات مكافحة التمرّد الذي تقوده طالبان، وتوفير حماية أفضل للشعب الأفغاني، وتطوير قوات أمن أفغانية تعتمد على نفسها بشكل متزايد. كان هدف استراتيجية آذار توظيف بيئة أمنية متحسّنة في صياغة حلّ سياسي تعمل على تطبيقه حكومة أفغانية مركزية أكثر قدرة وفاعلية وخضوعاً للمساءلة، تعززها قدرة حكم محلّية قوية، وجهود رامية إلى دمج المتمرّدين الذين يمكن التصالح معهم، وتعميم الجهود الدبلوماسية على المنطقة.

على خطّ موازٍ لتوسيع مدى الالتزام العسكري والمدني الأمريكي، قلّصت استراتيجيةُ آذار الأساس المنطقي لهذا الالتزام من مشروع بوش مفرط الطموح والذي يفتقر إلى التمويل اللازم لبناء دولة إلى عملية مكافحة تمرّد تركز على عرقلة تنظيم القاعدة وتفكيكه وهزيمته وحرمانه من ملاذاته الآمنة ومن العودة إلى أفغانستان وباكستان.

وفي نفس الوقت، وسّعت التركيزَ الجيوسياسي لهذا الالتزام باعتبار أن التمرّد المتنامي والنشاطات الإرهابية في باكستان يمثلان عائقاً كبيراً يحول دون إحراز تقدم في أفغانستان ودعت إلى تبنّي استراتيجية شاملة في كلتا الدولتين.

عزّزت الولاياتُ المتحدة مفهوم البداية الجديدة عندما قام وزير الدفاع الأمريكي روبرت غايتس بتعيين الجنرال ستانلي ماكريستال قائداً جديداً في أفغانستان في أيار 2009.

على أنه هيمن على أغلب الفترة التي تبقت من ذلك العام للمراجعة الجديدة للاستراتيجية، مما أثار شكوكاً لدى الحلفاء حيال عزم أوباما وقدرته على تنفيذ السياسة الجديدة في أفغانستان. لكنّ التفكير الاستراتيجي الجديد كان لازماً بعد أن أشار ماكريستال إلى أن الوضع على الأرض أسوأ مما كان متوقعاً وأنه يلزم إتاحة مزيد من الموارد لمنع طالبان من تحقيق النصر. كما أن كارثة الانتخابات الرئاسية في أفغانستان تسببت بأوجاع رأس إضافية لواشنطن. وبعد أن شاب الانتصارَ الذي حققه كرزاي في الجولة الأولى التي جرت في أغسطس 2009، عمليات تزوير واسعة النطاق.

وبسبب عدم تنفيذ طلب الولايات المتحدة إجراء جولة ثانية بسبب انسحاب مرشّح المعارضة عبد الله عبد الله، باتت الحكومة الأفغانية تفتقر اليوم إلى الشرعية الشعبية وإلى المصداقية وهو ما خيّب آمال الولايات المتحدة.

في أعقاب الخلافات المثيرة للجدل داخل الإدارة الأمريكية بين أولئك الذين يساندون استراتيجية مكافحة التمرد القائمة على تكثيف القوات العسكرية وأولئك الذين يؤيدون تخفيض حجم المشاركة الأمريكية العسكرية وإعادة التركيز على عمليات مكافحة التمرد الأساسية التي تستهدف القاعدة، أعلن أوباما عن قراره الذي طال انتظاره في خطاب ألقاه في الأكاديمية العسكرية الأمريكية في ويست بوينت في 2 كانون الأول 2009.

آثر أوباما من حيث الجوهر زيادة حجم المشاركة الأمريكية انسجاماً مع استراتيجية آذار، وأرسل 30000 جندي إضافي وعدة مئات من الخبراء إلى أفغانستان. غير أنه تم إدخال تعديلات هامة مقارنة بالمراجعة الأولى للاستراتيجية. ففي حين لا يزال الهدف من زيادة القوات مواجهة زخم طالبان، لكنّ مقاربة مكافحة التمرّد باتت أكثر تركيزاً على حماية المراكز السكانية وعلى تسريع تعزيز الأمن والحكم بأفغانستان.

وتراجع الآن الحديث عن مصالحة سياسية مع انتقال المسؤولية الأساسية، عن ترجمة البيئة الأمنية المتحسنة إلى استقرار سياسي، إلى المؤسسات الأفغانية. كما أنه بالإعلان عن أن الولايات المتحدة ستبدأ بسحب قواتها من أفغانستان في تموز 2011، يكون أوباما قد وضع جدولاً زمنياً صارماً لكي تؤتي الزيادةُ في حجم قواته ثمارها ولكي تحقق الولاياتُ المتحدة أهدافها.

وعلى العموم، تميّزت استراتيجية أوباما الخاصة بِأفغانستان كما برزت بعد إجراء المراجعتين في سنة 2009 بخاصّيتين:

• الأولى هي ما يمكن وصفه بالأمركة المتزايدة لمجهود إدارة أزمة دولية. صحيح أن العديد من الحلفاء يرسلون مزيداً من الجنود إلى أفغانستان أيضاً، لكن الحصة النسبية للمساهمة الأمريكية تزداد بشكل ملحوظ.

• والثانية هي أن الاستراتيجية تهدف إلى تحويل الأزمة إلى حرب أفغانية في مرحلة مبكرة وتعترف ضمناً بأن هناك حدوداً لقدرة الولايات المتحدة وعزمها على البقاء متمسكة بالتزامها في أفغانستان والاضطلاع على العموم بدور الضامن الرئيسي للأمن في العالم.

على أنه يتعين القول بأن جزءاً من الغاية التي تقف خلف تحديد موعد للانسحاب يعود إلى الضغط المتزايد على الأفغان لزيادة فاعلية مؤسساتهم. كما أنه بعدم تحديد وتيرة هذا الانسحاب وحجمه، أظهر أوباما حرصه في المحافظة على المرونة بما يخُص تطوّر الاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان بعد سنة 2011. لكن يبقى هناك بُعد محلّي قوي إلى ذلك التاريخ. فقد شكلت الاعتبارات الانتخابية المحور الأساسي في خطاب ويست بوينت: “لا يمكن أن يكون التزام قواتنا في أفغانستان إلى أجل غير محدود، لأن الأمّة التي أنا أكثر اهتماماً ببنائها هي أمّتنا”.

في مواجهة ديون وطنية وتحديات محلّية هائلة نجمت عن الأزمة المالية، لا يستطيع أوباما تحمّل التزامات عسكرية تتوسع باستمرار. وبعد أن وعد بإعادة التوازن للأمن وللاقتصاد الوطني، يحتاج إلى إحراز تقدم سريع في أفغانستان.

لكنّ احتمالات رعاية الأفغان لأمنهم الخاص وإنجاز المصالحة الوطنية أضعف من تلك في العراق. لذلك، لن يتم حسم الخيار المَقيت بين البقاء مدة طويلة وبأعداد ضخمة في جبال هندوكوش ومواجهة خطر عودة طالبان إلى السلطة وزيادة نشاط القاعدة انطلاقاً من أفغانستان في المستقبل المنظور.

باكستان: بعض التقدم والكثير من الشكوك

الناحية الوحيدة التي تم إحراز تقدم فيها في استراتيجية أوباما الجديدة هي في دعوة باكستان إلى زيادة جهودها في مكافحة الإرهاب في المناطق الحدودية المجاورة لأفغانستان.

وهذا نجاح ليس سهلاً. فبعد أن أصبحت ملاذاً آمناً للقاعدة وللجماعات الإسلامية المسلّحة الأخرى، وصف أسامة بن لادن هذه المناطق الوعرة و“الخارجة عن الحكم” بالمكان الأشد خطورة في العالم على الشعب الأمريكي. لكن يرجّح أن تبقى باكستان نقطة الضعف في الاستراتيجية الأمريكية. وربما يكون التقاء المصالح الأمريكية مع المصالح الباكستانية أقل شمولاً واستمراراً مما يقتضيه تحقيق نتائج دائمة.

تساهل الجيش الباكستاني ومديرية الاستخبارات الباكستانية طوال أكثر من عقدين، وتعاونا بشكل غير رسمي غالباً، مع الإسلاميين المسلّحين في باكستان، ودعما صعود طالبان في أفغانستان. وقد جاء ذلك بدرجة كبيرة رداً على الفراغ في السلطة في كابل بعد انسحاب السوفيات وتدهور علاقات باكستان بالولايات المتحدة بعد العام 1989.

فبعد أن كانت باكستان حليفاً مهماً للولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة، شعرت باكستان أنه تم التخلّي عنها من الناحية الاستراتيجية في عقد التسعينيات من القرن الماضي، وبعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليها بسبب برنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم. وأصبح بناء علاقات مع طالبان في أفغانستان ومع المسلحين الإسلاميين الذين ينشطون انطلاقاً من الأراضي الباكستانية بديلاً لإسلام أباد من أجل ضمان مصالحها الإقليمية إزاء الهند، ذلك المنافس الذي صاغت معه الثقافة الاستراتيجية لباكستان إلى يومنا هذا .

عقب وقوع هجمات 11 أيلول 2001، بدت الولايات المتحدة توّاقة إلى إعادة مدّ الجسور مع باكستان، فأسقطت العقوبات عنها وقدمت لها المساعدات العسكرية لحشد الدعم “للحرب على الإرهاب”.

ووقف الجنرال برويز مشرّف، الذي كان الحاكم العسكري لباكستان بين عامي 1999 و2008، بجانب الرئيس بوش واتخذ إجراءات بين الحين والآخر ضدّ مجموعات متمردة مختارة بناء على توصيات واشنطن. لكن كلاً من الجيش الباكستاني والاستخبارات الباكستانية تردد في قطع العلاقات مع طالبان والتجمعات الإسلامية الأخرى التي اعتبرها نافعة في صدّ التأثير الهندي في أفغانستان وفي كشمير.

يواصل أوباما تقدير المساعدات المالية والعسكرية لباكستان، لكنها متوقفة على تقديم إسلام أباد دليلاً واضحاً على التزامها بملاحقة الإسلاميين الذين يتخذون من العنف سلاحاً على أراضيها.

وصرّح بتوسيع برامج الطائرات التي تحلّق بدون طيار لقتل الناشطين في تنظيم القاعدة وطالبان في المناطق الحدودية. وبالإضافة إلى ذلك، أيّد زيادة المساعدات غير العسكرية بدرجة كبيرة، سعياً لعقد شراكة واسعة مع باكستان توازن التعاونَ العسكري بالدعم الأمريكي للتنمية الاقتصادية والحكومة المدنية الباكستانية بقيادة الرئيس آصف علي زرداري. من المنظور الإقليمي، أُطلق حواراً ثلاثياً جمع الولايات المتحدة وباكستان وأفغانستان بنيّة تعزيز التعاون السياسي والعسكري بينهم.

يصعب تقييم التأثير النهائي لهذه التدابير في هذه المرحلة. فالطائرات التي تعمل بدون طيار حققت نجاحاً إلى حدّ ما بمقتل العديد من المسلحين المهمين مثل بيت الله محسود. لكنّ الجانب السلبي هو أن هذه الهجمات غذّت مشاعر العداء للأمريكيين المتأججة أصلاً في أوساط الشعب الباكستاني.

كما أن زيادة المساعدات المدنية أثارت امتعاضاً شديداً في أوساط الدوائر العسكرية في باكستان لأنها مقيَّدة بشروط متنوعة تُفسَّر على نطاق واسع بأنها محاولة لتغيير توازن القوى المحلّي داخل باكستان.

لا يزال قرار الجيش الباكستاني بالقيام أخيراً بعمل حازم ضدّ المسلّحين في المناطق الحدودية التطور الأهم منذ المراجعة الاستراتيجية التي أقرّها أوباما. فالجيش الباكستاني يشنّ هجمات واسعة في منطقتي سوات وجنوب وزيرستان.

وعلى الأرجح أن تُستتبَع بمزيد من الجهود لاستعادة الأراضي في سنة 2010. لكنّ تغيّر سلوك باكستان لم يأتِ نتيجة للضغوط الأمريكية المتزايدة بقدر ما كان نتيجة الزيادة الحادّة في أعداد المسلحين الإسلاميين الذين انقلبوا على الدولة وعلى المجتمع الباكستاني. ففي سنة 2009، وقع 87 هجوماً انتحارياً أدّى إلى مقتل أكثر من 1300 شخص، في حين حصدت أعمال العنف الإرهابية مقتل أكثر من 12600 ضحية. حتى إن مقرّ القيادة العسكرية في روالْبيندي حوصر لمدّة 24 ساعة تقريباً.

ولئن رحّبت الولايات المتحدة بالجهود المكثفة التي تبذلها باكستان في محاربة الإرهاب، فهي لم تقدر على عدم الإشارة إلى أن جهود مكافحة الإرهاب الباكستانية لا تزال انتقائية، باستهدافها أساساً ذلك الفصيل الذي يتزعّمه محسود في حركة طالبان الباكستانية والذي يملك روابط قوية مع القاعدة والذي يُعتبر مسؤولاً عن عامّة الهجمات الإرهابية في باكستان.

كما أن التردد المستمرّ من جانب الجيش والاستخبارات الباكستانية في ملاحقة طالبان الأفغانية والفصائل التي لا يتزعمها محسود في طالبان الباكستانية يُنذر بالشرّ لمهمة الولايات المتحدة في أفغانستان. وهذا أمر مقلق على الخصوص بما أنه من المحتم أن يلجأ مزيد من المتمرّدين إلى المناطق النائية بباكستان مع ازدياد وتيرة تقدم الجنود الأمريكيين في أفغانستان.

لم يسهم قرار أوباما البدء بخفض التواجد الأمريكي في أفغانستان في سنة 2011 بالكثير في إقناع باكستان بأنه يجدر بها إعادة التفكير في تصوّرها أن طالبان الأفغانية رصيد استراتيجي لضمان المصالح الباكستانية فيما يتعلق بالهند بدلاً من اعتبارها عبئاً استراتيجياً.

ولمّا كان من المحتم أن يتزايد التنافس الباكستاني الهندي على النفوذ في أفغانستان حدّة مع خفض التواجد الأمريكي هناك، لا يوجد فرصة كبيرة بأن تتمكن واشنطن من إقناع إسلام أباد بتقديم دعم كامل لجهودها في إدارة الأزمة في جبال هندوكوش. وربما تؤدي ممارسة مزيد من الضغوط الأمريكية إلى نتائج عكسية لأنها تهدد بخسارة الدعم الباكستاني المحدود وزيادة عدم الاستقرار السياسي المتنامي أصلاً في البلاد.

وإذا ما طرأ مزيد من التدهور على الوضع المحلّي في باكستان، ستتحول البلاد إلى مصدر صداع أمني كبير في حدّ ذاته للولايات المتحدة، لا سيما بسبب المخاوف المتعلقة بأمن الترسانة النووية.

يشير ما تقدم إلى حاجة الولايات المتحدة إلى صياغة استراتيجية باكستانية شاملة تشمل ما هو أكثر من حربها في أفغانستان. وسيكون إيجاد التوازن الصحيح بين الدفع بالمصالح الأمريكية في أفغانستان بدون زعزعة استقرار باكستان تحدياً رئيسياً ستواجهه واشنطن.

العراق: الخروج مباشرة؟

نال العراق إلى الآن من إدارة أوباما انتباهاً أقل مما نالته الأزمات الأخرى التي ناقشناها هنا. وهناك سببان لهذا الأمر.

السبب الأول هل أن الحسّ بالإلحاح أقل هناك بما أن الوضع الأمني في العراق قد تحسن بدرجة كبيرة أصلاً في المراحل الأخيرة لإدارة بوش.

ونتيجة لتوليفة من العوامل التي تتراوح بين الاندفاع العسكري في سنة 2007/2008 وعقيدة مكافحة تمرّد معدَّلة تركز على أمن السكان وبين انقسام بغداد بحكم الأمر الواقع على امتداد خطوط طائفية وكذلك حركة “الصحوة السنّية” التي ترعاها الولايات المتحدة، تراجع العنف في العراق بشكل حادّ عندما تولّى أوباما السلطة عن ذروته في سنة 2007.

السبب الثاني، والفضل فيه يعود إلى التغيرات السياسية التي حدثت قبيل انتهاء رئاسة بوش الثانية، لا يزال في استطاعة أوباما التركيز على تنفيذ سياسات بدلاً من صياغة استراتيجيات جديدة. ففي مواجهة ضغوط نجمت عن مطالبة حكومة نوري المالكي بعدم تمديد تفويض الأمم المتحدة للقوة الدولية بحيث يتجاوز سنة 2008، قدّم بوش تنازلات عميقة الأثر في اتفاقية وضعية القوات (صوفا) مع العراق خلال الأسابيع الأخيرة له في الحكم.

والأهم من ذلك كله أنه تخلّى عن مطالبته بإقامة قواعد أمريكية دائمة في العراق، ووافق على برنامج زمني لانسحاب كامل “ستنسحب القوات المقاتلة الأمريكية بموجبه من كافة المدن والقرى والمراكز العراقية” بحلول وقت لا يتجاوز 30 حزيران 2009 “على أن تسحب كافة القوات الأمريكية من الأراضي العراقية” بحلول نهاية سنة 2011.

في حين رفض أوباما استراتيجية الاندفاع وضغط بشدّة لتعجيل الانسحاب أثناء حملة الانتخابات الرئاسية، منحه التوقيع على اتفاقية (صوفا) وتحسّن الوضع الأمني الفرصة لتقليل حجم الالتزام الأمريكي بالعراق بطريقة أقل إرباكاً. وبحسب خطة العراق التي أُعلن عنها في 27 شباط 2009، من المقرر أن تغادر القوات العسكرية الأمريكية بحلول آب 2010 مع بقاء قوة تقدّر بنحو 50000 جندي هناك إلى نهاية سنة 2011 بهدف تدريب قوات الأمن العراقية بشكل أساسي. وهذا مخطط واقعي بشرط أن يستمرّ تحسّن الوضع الأمني.

لكن تحقق ذلك أمر لا يمكن التسليم به. فلا يزال أمام العراق شوط طويل قبل الوصول إلى استقرار دائم. وتحسّن الوضع الأمني لم يُترجَم إلى تسوية سياسية شاملة ولا إلى أي مفهوم للهوية الوطنية العراقية. فالتوترات تبقى شديدة بين الأكراد والعرب بسبب أراضٍ متنازَع عليها، وبسبب النفط والموارد الحكومية. وفيما يتعلق بالتوترات الشيعية السنّية، كانت انتخابات المحافظات التي جرت في كانون الأول 2008 خطوة هامة في الابتعاد عن السياسات الطائفية، لكن المفاوضات المطوَّلة على قانون جديد للانتخابات والتي أدّت إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية إلى آذار 2010 أظهرت أن الانقسام الشيعي السنّي يبقى مصدر توتر. ولم يكن هناك غنى عن وساطة خارجية قوية من جانب الولايات المتحدة والأمم المتحدة للتوقيع على قانون انتخابات جديد. وسيلزم بذل جهود مشابهة لصياغة تسوية سياسية بعد إجراء الانتخابات.

تلازمت هذه النزاعات السياسية الداخلية مع سلسلة من العمليات الطنّانة بواسطة السيارات المفخخة والمهاجمين الانتحاريين في العراق منذ صيف العام 2009. وقد وقعت ثلاث هجمات إرهابية خطيرة استهدفت مؤسسات حكومية أساساً في بغداد في 19 آب وفي 15 تشرين الأول وفي 8 كانون الأول مما أدى إلى مقتل أكثر من 350 شخصاً بالإجمال وتزامنت جزئياً مع التوقيع على تنازلات نفطية.

وعلى الرغم من عدم توافر دلائل إلى الآن تشير إلى أنه يمكن لحملات التفجير الجديدة هذه، التي تُعزى إلى القاعدة وإلى متطرّفين إسلاميين سنّة آخرين وجماعات البعثيين الجدد، أن تشعل نزاعاً أهلياً واسع النطاق في العراق، لكنّها أضعفت ثقة الناس بقدرة الحكومة على بسط الأمن في بغداد. وإذا واصلت الحكومة الشيعية فشلها في ضمّ المتمرّدين السنّة السابقين إلى جهاز الدولة كما وعدت، ربما تتسع قاعدة تجنيد الإرهابيين مجدداً.

كما أن السياق الإقليمي المعقّد يسهم في تعميق الشكوك التي تكتنف مستقبل العراق. فالعلاقات بين بغداد وطهران بعد حقبة صدام لم تتحسن بعد، لكن ما من شك في أن قدرة إيران على التأثير في التطورات الجارية في العراق الذي يهيمن عليه الشيعة قد تعاظمت. والدول العربية السنّية المجاورة لم تنسجم مع “العراق الجديد” بعد، في حين أنه من المحتم أن تظلّ علاقات العراق بسوريا متوترة طالما أن بغداد تتهم دمشق بدعم الإرهاب في العراق.

يرجّح أن تتعاظم هذه التحديات كافّة، أعني التسوية السياسية البطيئة والعنف وتوازن القوى الإقليمي المعقّد، مع استعداد الولايات المتحدة للرحيل. ومن الصعب التنبؤ بكيفية تعامل أوباما مع تدهور خطير للوضع في العراق على ضوء تركيزه على جنوب آسيا. ولئن كان المالكي قد ألمح على الأقل إلى إمكانية طلب العراق إبقاء القوات للأمريكية بعد سنة 2011، سيكون قرار أوباما بتجديد التزام القوات الأمريكية بالعراق غير شعبي بالمرّة إذا ما كان يريد الحصول على فترة رئاسة ثانية في البيت الأبيض.

وبصرف النظر عن مسألة الانسحاب، سيتعين على أوباما إيلاء مزيد من العناية لمضمون العلاقات الأمريكية العراقية المستقبلية وللاستراتيجية الأمريكية في الخليج العربي في سنة 2010. ذلك أن الفشل في تحويل العراق إلى مركز أمريكي للدفاع عن المصالح الإقليمية، يرغم واشنطن على إعادة النظر في دورها وفي وضعها في الخليج.
إيران: الانفتاح وحدوده

كما في أفغانستان، طرأ تغيّر جوهري على السياسة الأمريكية على صعيد أزمة البرنامج النووي الإيراني في عهد أوباما. ففي سياق طرح سياسة افتتاح جديدة، أكّد أوباما على استعداده للدخول في مباحثات غير مشروطة مع طهران.

وهو بقيامه بذلك نآى بنفسه عن مطلب الدول الأطراف الخمسة زائد واحد (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا) والذي رعاه بوش بوجوب توقف إيران عن تخصيب اليورانيوم كشرط لاستئناف الاتصالات الدبلوماسية. وأوضح أيضاً أنه سيكون للولايات المتحدة مشاركة كاملة في أية مفاوضات تجريها الأطراف “خمسة زائد واحد” مع إيران، في حين صرّح بوش من قبل أن حضور دبلوماسي أمريكي في محادثات “جنيف 1” في خريف العام 2008 كان لمرّة واحدة. على أن مقاربة أوباما الجديدة أفضت إلى القليل من النتائج إلى اليوم. وبرغم ذلك، تصاعدت حدّة أزمة البرنامج النووي مجدداً في سنة 2010.

تجلّت جهود الانفتاح التي بذلها أوباما على المستويين الخطابي والعملي للسياسة الأمريكية تجاه إيران في سنة 2009. ففي رسائل ثلاث على الأقل بُعث بها إلى القادة الإيرانيين، وفي العديد من الخطابات العامة، دعا أوباما إلى فتح صفحة جديدة مع طهران.

فقد أقرّ بحقّ إيران في إنتاج الطاقة النووية لأغراض سلمية لكنه أشار إلى الالتزامات التي ينبغي أن تمتثل لها لكي تستعيد مكانتها الصحيحة في المجتمع الدولي. وفي إشارة صريحة إلى “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، أكّد على عدم نيته العمل على تغيير النظام في طهران. والأمر الملفت هو أنه أصبح أول رئيس أمريكي يعترف بضلوع الولايات المتحدة في الإطاحة بحكومة منتخَبة ديمقراطياً في إيران عام 1953.

وعلى المستوى العملي، علّقت الولاياتُ المتحدة جهودها الرامية إلى التوصل إلى اتفاق دولي جديد لفرض عقوبات جديدة على إيران في ربيع العام 2009
والتدابير الأخرى تضمنت دعوة إيران إلى حضور مؤتمر أفغانستان في آذار 2009 والسماح لوزير الخارجية الإيرانية منوشهر متكي بزيارة قسم المصالح الإيرانية في السفارة الباكستانية في واشنطن في تشرين الأول 2009. على أن الولايات المتحدة امتنعت من فتح قسم لرعاية مصالحها في طهران وهي المسألة التي نوقشت من قبل في الشهور الأخيرة لإدارة بوش.

جاء الردّ الإيراني على هذا الانفتاح ملتبساً. ففي حين امتنعت إيران من مصافحة اليد التي مدّها أوباما وطالبت بالمزيد من الإيماءات ذات الصلة مثل رفع العقوبات الأمريكية، لكنها قبلت بالشروع في مباحثات حول برنامجها النووي، وإن تكن أصرّت على حقوقها النووية. ويبدو أن العناصر المنتمية إلى النخبة السياسية الإيرانية تشكك في هذا الانفتاح لأنها تعتبر أن التقارب مع واشنطن يُنذر بخطر محتمل على استقرار النظام في إيران. كما أنه هناك مخاوف عميقة من أن الولايات المتحدة عازمة على حرمان إيران من حقها المشروع في استخدام الطاقة النووية ومن طموحاتها السياسية.

زادت الانتخابات الرئاسية التي جرت في حزيران 2009 الوضع تعقيداً، ذلك أن النظام الإيراني فقد الكثير من شرعيته في الداخل وفي الخارج في أعقاب تلاعبه بالأصوات وإجراءاته القمعية التي اتخذها في حقّ المتظاهرين في الشوارع. وبعد أن أضحى النظام في طهران أكثر انقساماً وبعد أن برزت الخلافات حتى داخل معسكر المحافظين، باتت قدرة إيران على التفاوض محدودة الآن. كما أن إدارة أوباما فقدت بعضاً من حماستها للانفتاح بعد الانتخابات ومالت إلى مزيد من السلبية في هذا الخصوص وإن تكن استمرّت في التأكيد على أن الباب لا يزال مفتوحاً أمام الإيرانيين.

جاءت محادثات “جنيف 2” التي استمرّت يوماً واحداً بين الأطراف “خمسة زائد واحد” وإيران في 1 تشرين الأول 2009 في سياق صعب. فالكشف المسبق عن أن إيران بنت من قبل منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم بالقرب من مدينة قم عمّق انعدام الثقة بالغاية السلمية لبرنامجها النووي. وفي مقابل هذه الخلفية، بدت حصيلة المباحثات جوهرية في البداية.

فبعد أن طلبت إيران مساعدة من الوكالة الدولية للطاقة الذرّية للحصول على الوقود النووي لمفاعل طهران البحثي، وافقت “بشكل عام” على صفقة رعتها الولايات المتحدة يتم بموجبها إرسال نحو من 70 في المئة من اليورانيوم الإيراني متدنّي التخصيب إلى روسيا وفرنسا لتحويله هناك. ولئن كان هذا الإجراء لن يحلّ الأزمة، فسوف يخفف من الضغط الزمني. يرجع ذلك إلى أن اليورانيوم المحوَّل لا يمكن تخصيبه أكثر من ذلك وتحويله إلى مادّة تصلح لإنتاج أسلحة، ولأن مخزون إيران المعلَن عنه من اليورانيوم المتدنّي التخصيب سوف يُستنفد إلى حدّ أنه يمكن استبعاد إنتاج سلاح نووي لمدة سنة أخرى وفقاً لبعض التقديرات.

على أنه في انعكاس لنمط مألوف للغاية في الأزمة النووية، حدثت انتكاسة دبلوماسية في أعقاب محادثات جنيف أدت إلى عدم تنفيذ الاتفاق وإلى تصعيد للنزاع. فقد تخطت إيران المهلة المحددة لتقديم ردّ رسمي على الاقتراح وجددت الدعوة إلى “تغييرات أساسية” تضمنت في أوقات مختلفة إجراءات مثل استبعاد فرنسا، أو توفير ضمانات للإمدادات، أو إجراء مبادلة محدودة للوقود على الأراضي الإيرانية.

ودفع القرارُ القاسي الذي أصدره مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرّية في 27 تشرين الثاني 2009 أحمدي نجاد إلى الإعلان عن أن إيران ستبني عشر منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم. واقترحت أصوات مهمة أخرى داخل النظام الإيراني مزيداً من تقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرّية أو حتى الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار.

على ضوء هذه الأحداث، لا عجب أن إدارة أوباما أعادت تقييم سياستها تجاه إيران في أواخر سنة 2009. وهي ركّزت منذ ذلك الحين على حشد الدعم لفرض مزيد من العقوبات الأممية من جديد، وترافق ذلك مع ضغط من جانب الكونغرس لإقرار تشريع ينصّ على فرض عقوبات من جانب واحد على شركات الطاقة التي تمدّ إيران بمادّة البنزين في إجراء موازٍ.

وأُرغمت إدارة أوباما على الاعتراف بمحدودية أفق الانفتاح بما أن إيران فشلت في التوصل إلى تسوية وواصلت تخصيب اليورانيوم إلى حدّ أن يوفّر لها هذا الإجراء امتلاك قدرة معينة تخوّلها إجراء تجربة نووية إذا ما قررت الذهاب إلى حدّ إنتاج قنبلة نووية. لكنّ أوباما لم يصل إلى حدّ التخلي عن الانفتاح بالكلّية بما أنه على دراية بمحدودية مقاربة العقوبات أيضاً.

بالرغم من أن إظهار إدارة أوباما لحسن نواياها تجاه إيران يمكن أن يؤدي إلى دعم دولي أوسع لمطالبة الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة في سنة 2010، إلا أننا لا نزال بحاجة لمعرفة إن كان ذلك ينطبق على روسيا والصين.

يوجد لدى كل من موسكو وبيجين مصالح قوية في قطاعي الاقتصاد والطاقة مع إيران، وهما أقل قلقاً من البرنامج النووي الإيراني من الولايات المتحدة. وبرغم الجهود التي يبذلها أوباما لتحسين العلاقات مع روسيا والصين، يُستبعد أن يشارك أي من البلدين في اتخاذ تدابير قاسية ضدّ إيران. وحتى إذا فعلا ذلك، لا يُعرف على وجه التأكيد إن كانت العقوبات الجديدة ستُحدث التأثير المنشود في طهران. ذلك أن فرض عقوبات واسعة تؤذي الشعب الإيراني ربما تُضعف حركة المعارضة وتشجّع على مصالحة وطنية عن غير قصد. وبالعكس، يُستبعد أن تؤدي عقوبات هادفة تُفرَض على قادة النظام إلى إحراز تقدم ذي شأن في الملف النووي.

لذلك، لا يتوافر لدى أوباما الكثير من الخيارات السياسية التي يمكن التعويل عليها. وهناك من يدعو إلى تبنّي مقاربة “الانتظار والترقّب”، على أمل أن يؤدي التغييرُ الداخلي في إيران إلى تحسين فرص حل المسألة النووية. لكن مع استمرار نشاطات التخصيب الإيرانية، يتزايد خطر الانتشار النووي الإقليمي. وبما أن إسرائيل تُلحّ في اتخاذ إجراءات قاسية ضدّ إيران، فإن تصعيداً في الأزمة النووية محتمل إلى حدّ بعيد في سنة 2010. ومثل هذا التطور سيؤدي كذلك إلى زيادة التوتر في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

السلام في الشرق الأوسط: وساطة أكثر حيادية لكن أكثر نشاطاً؟

ما من شك في أن إسرائيل إحدى الدول القليلة التي تراجعت فيها شعبية الولايات المتحدة منذ وصول أوباما إلى السلطة. ولهذا علاقة بإحساس أوباما بالحاجة الملحّة إلى دفع حل الدولتين. لم يسبق لرئيس أمريكي قبل جيمي كارتر أن استثمر الكثير في حل الصراع العربي الإسرائيلي في وقت مبكر جداً من مدة ولايته.

ولم يسبق للولايات المتحدة أن أعلنت عن مطالب بالغة الأثر من إسرائيل منذ أيام وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر مثلما فعل أوباما بمطالبته بتجميد بناء المستوطنات، معترفاً بالحاجة إلى دور أمريكي أكثر حيادية إذا ما كان المراد أن تُترجَم الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين إلى سلام.

العقبة التي تعترض أوباما هي أن السياقات في جانب كل من الفلسطينيين والإسرائيليين يعيبها فقدان القدرة على صنع السلام والقيادة السياسية.

فالفلسطينيون يعانون من الضعف على المستوى السياسي بسبب الانقسام الحاصل بين حركة فتح الوطنية العلمانية وحركة حماس الوطنية الإسلامية.

تفتقر حركة فتح إلى الغاية الاستراتيجية في حين أن موقف حماس الراديكالي يجعل التوصل إلى تسويات معها أمراً صعباً. والرئيس محمود عبّاس يفقد مصداقيته بسرعة لأن سياسة التقارب التي ينتهجها مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة فشلت في توليد نتائج سياسية ذات قيمة.

وفيما يتعلق بإسرائيل، كانت حرب غزّة غير الحاسمة في أواخر عام 2008 ومستهل عام 2009 مؤشراً على مأزقها الاستراتيجي حيال كيفية التعامل مع حماس التي تتواجد عند حدودها وكيفية الانتقال من إدارة الصراع إلى حل الصراع مع الفلسطينيين. تساند الحكومة الائتلافية اليمينية الجديدة، برئاسة زعيم الليكود والمشكِّك في اتفاقات أوسلو “بنيامين نتنياهو”، مقاربة إسرائيل التي تقول بالأمن أولاً، فيما تُدافع شرائح واسعة في النخبة السياسية عن مبدأ التعامل مع إيران قبل التفرّغ للقضية الفلسطينية.

يُبرِز قرارُ أوباما بمواصلة الضغط من أجل التوصل إلى سلام عربي إسرائيلي حقيقة أنه لا يرى في القضية الفلسطينية وقضية إيران النووية خيار إما-أو، ولكنه يرى فيهما أزمتين يتعيّن التعامل معهما في آن واحد.

وابتعاده الجزئي عن عادة الولايات المتحدة في التدقيق وتنسيق سياسة تقف بجانب إسرائيل يؤكد على أنه جادّ في التوصل إلى سلام في الشرق الأوسط. على أن أوباما لم ينجح إلى الآن في تحقيق التوقعات النبيلة التي أعرب عنها في الخطاب الذي ألقاه في القاهرة. وسيلزم إدخال مزيد من التغييرات في السياسة الأمريكية إذا كان يُراد إحراز تقدّم كبير تجاه السلام.

انتهجت إدارة أوباما إلى الآن مقاربة تدريجية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فبدأت بمطالبة إسرائيل تجميد الاستيطان ومطالبة العرب اتخاذ خطوات نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل كإجراءين لبناء الثقة وتوفير أساس لإعادة إطلاق محادثات السلام.

لكن سرعان ما واجهت هذه السياسة صعوبات. فبعد أن رفضت إسرائيل تجميد كاملاً، أمضى ميتشل معظم وقته في المماحكة مع نتنياهو بشأن تفاصيل وقف الاستيطان. وبرغم أن التجميد الجزئي لبناء المستوطنات (باستثناء القدس الشرقية والمباني العامة والمنازل التي مُنحت تراخيص أصلاً) لعشرة شهور جاء أدنى بكثير من توقعات أوباما المبدئية، فقد أعرب الأخير عن موافقته عليه. لكنّ التبعات السياسية بالنسبة إلى عبّاس - والحكومات العربية بالطبع - كانت جسيمة، ذلك أنها جعلت استئناف المحادثات وإيماءات التقارب الرمزية متوقفة على تجميد كامل للاستيطان وفقاً لما نصّت عليه خريطة الطريق.

تراجعت آفاق العملية السلمية أكثر مع نهاية العام عندما قرّر عبّاس عدم الترشح للرئاسة بدون تجميد شامل للاستيطان، في حين أصرّ نتنياهو، الذي ألحت عليه الولايات المتحدة بالمشاركة في مفهوم الدولتين في حزيران 2009، على البدء بالمفاوضات من جديد بدلاً من البناء على الاتفاقات السابقة.

كما حصل بعض الاحتكاكات بين الولايات المتحدة وشركائها في اللجنة الرباعية الشرق أوسطية. فقد لقيت مساندة أوباما مطالبة نتنياهو الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية انتقاداً من روسيا وأثار انتقادات في بعض العواصم الأوروبية. وكان الاتحاد الأوروبي قد وصف منذ وقت طويل المستوطنات الإسرائيلية بأنه غير قانونية (بدلاً من وصفها بغير المشروعة كما فعل أوباما) وحثّ الاتحاد على تجميد شامل وفوري للاستيطان في بيانه الصادر في 8 كانون الأول 2009، حيث وصفت كاثرين آشتون، المندوبة السامية الجديدة للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، القدس الشرقية بأنها “أرض محتلّة”.

جدول رقم 3: سكان المستوطنات الإسرائيلية

السنة - الضفة الغربية - قطاع غزّة- القدس الشرقية- مرتفعات الجولان- العدد الإجمالي

1972 / 1182 / 700 / 8649/ 77/ 10608

1983/ 22800 / 900 / 76095/ 6800/ 106595

1991 / 90300 / 3800/ 137300 / 11600 / 243000

1995 / 133200/ 5300 / 157300 / 13400/ 309200

2000 / 192976/ 6678 / 172250/ 15955/ 387859

2005 / 258988 / 0/ 184057/ 17793/ 460838

2007 / 276462/ 0 / 189708 / 18692 / 484862

- المصدر: مؤسسة السلام في الشرق الأوسط

خيارات مستقبلية صعبة في صراع الشرق الأوسط وخارجه

بالنظر إلى هذا العجز عن إحراز تقدم، تواجه الولايات المتحدة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي خياراً سياسياً صعباً. فإذا كان التراجع الرسمي ليس خياراً صالحاً بعد التزام أوباما السابق، يمكن أن تواصل واشنطن جهودها الحالية باستئناف محادثات السلام عبر خطوات تدريجية ووساطة “ليّنة”. ربما تؤدي هذه المقاربة إلى إعادة إطلاق العملية السلمية وربما لا، لكن يُستبعد أن تؤدي إلى حل الصراع بالنظر إلى الوضع الماثل على الأرض. ومع تراجع احتمالات حل الدولتين بالتدريج، يوجد إمكانية حقيقية بأن تزداد الأوضاع في الأراضي المحتلة تدهوراً. وسيكون تجدد العنف نتيجة مرجَّحة.

وكحل بديل، سيكون أوباما في حاجة إلى استثمار المزيد من رأس المال السياسي، للخروج من الطريق المسدود في صراع الشرق الأوسط، وإلى القيام بوساطة أكثر “نشاطاً”.

وهذا سيعني على الأرجح التوصل إلى خطة سلام أمريكية تُرسي المبادئ الأساسية للمفاوضات، وتحدد النتائج المنشودة، وتضع جدولاً زمنياً. وبالإضافة إلى ذلك، سيتعين على الولايات المتحدة الإصرار على أن تراقب الوضع عن كثب والاستعداد لاتخاذ تدابير ضدّ أي طرف لا ينفّذ التزاماته. وانسجاماً مع المبدأ التوجيهي لخطاب قبول جائزة نوبل “بمواجهة العالم كما هو”، سيكون أوباما في حاجة أيضاً إلى التفكير في مراجعة السياسة الأمريكية مع حماس.

لقد فشلت سياسة عزل حماس في أن تنبذ الحركة العنف وتلتزم باتفاقات السلام السابقة وتعترف بحقّ إسرائيل في الوجود، إلى جانب الفشل في إضعاف سلطة الإسلاميين في غزّة بشكل حاسم. وفي الوقت نفسه، حددت هذه السياسة عتبة غير عملية ولو لاستهلال المفاوضات وتحوّلت إلى عائق كبير أمام المصالحة بين فتح وحماس.

سيكون القيام بخطوات جريئة مسعى خطر بالنسبة إلى أوباما لأنه من المحتم أن تثير انتقادات محلّية وتضرّ بالعلاقات مع إسرائيل فيما يُعتبر آفاقاً محدودة للغاية للسلام على أية حال.

لكنّ ذلك ليس سوى واحد من عدة قرارات صعبة سيتعين على الرئيس اتخاذها حيال الشرق الأوسط وجنوب آسيا قبل سنة 2012. ومن المحتم أن تبرز من جديد مسألة موازنة الموارد بين المنطقتين في حال تدهور الوضع في العراق أو اتجهت الأزمة النووية الإيرانية إلى مزيد من التصعيد.

وربما يؤدي فرض عقوبات أممية جديدة على طهران إلى زيادة الجهود الإيرانية في زرع الفساد في العراق وأفغانستان، في حين أنه يُرجَّح أن يؤدي فرض عقوبات أمريكية إضافية إلى جرّ واشنطن إلى صراع متنامٍ مع الصين وروسيا. وبالمثل، يمكن أن تزداد حدة الجدال حول ترتيب أولويات أفغانستان أو باكستان بناء على البلد الذي ستتدهور فيه الأوضاع بوتيرة أسرع.

يبدو أفق إحراز تقدم دائم في سائر هذه الأزمات ضيّقاً في سنة 2010. ويُستبعد أن تتحسن الفرص في وقت قريب بما أن أوباما يواجه تحديات محلّية هائلة وأن السباق للوصول إلى البيت الأبيض يبدأ من اليوم الذي تنتهي فيه الانتخابات النصفية.

الفصل السادس: أزمة إدارة الأزمات لدى القوى الدولية

يبقى الطلب على إدارة الأزمات مرتفعاً في سنة 2009/2010. على أن إدارة الأزمات نفسها تعاني من أزمات ثلاث:

- الأزمة الأولى هي عدم توافر إرادة سياسية كافية لتكوين رؤية استراتيجية تجاه كيفية التعامل مع الصراعات العنيفة في عالم تزداد فيه الأقطاب عدداً.
- الأزمة الثانية هي غياب التنسيق المؤسساتي بين القيّمين الرئيسيين على إدارة الأزمات.
- الأزمة الثالثة هي أن العديد من العمليات يكافح، بسبب النقص في القدرات، من أجل النجاح في بيئات الصراع المعقدة التي نشهدها اليوم.

يتعيّن إصلاح هذه العيوب على اعتبار أن إدارة الأزمات تبقى أداة لا غنى عنها للمحافظة على السلام والاستقرار.

إن أزمة إدارة الأزمات ليست شيئاً جديداً، ولكنها تطور مستمرّ واجه تحديات ضاغطة جديدة في سنة 2009. ولهذه الأزمة أبعاد سياسية ومؤسساتية وعملانية. وهي تعكس المصاعب والإخفاقات في التكيّف مع التحوّلات الجيوسياسية ومع الطبيعة المتغيرة للصراع منذ انتهاء الحرب الباردة.

كانت عمليات السلام التي أشرفت عليها الأمم المتحدة، في ظل النظام الدولي ثنائي الأقطاب الذي كان سائداً قبل سنة 1989، تهدف إلى مراقبة الحدود وتسيير دوريات في المناطق العازلة بعد التوصل إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار في الصراعات الدائرة بين الدول.

اشتملت هذه البعثات في العادة على جنود حفظ سلام مزودين بأسلحة خفيفة، واستندت إلى مبادئ توجيهية ثلاثة: موافقة الأطراف المشاركة في الصراع، وحياد جنود حفظ السلام، وعدم استعمال القوة إلاّ في حالة الدفاع عن النفس. ولئن كان هذا النوع التقليدي من عمليات حفظ السلام غير مثير للجدل نسبياً، لكنّه جمّد الصراعات بدلاً من أن يحلّها.

تغيّر سياق حفظ السلام بعد انتهاء الحرب الباردة. فقد زادت الفرص والحاجة إلى بعثات حفظ سلام دولية، مما أدى إلى زيادة حادّة في عمليات حفظ السلام. وبات من المستبعد الآن أن تنظر القوى الكبرى إلى الصراعات الدائرة في مناطق نائية على أنها جزء من المنافسة الجيوستراتيجية فيما بينها. ولذلك أصبحت على استعداد أكثر من أي وقت مضى لرؤية الردّ على الأزمة صادراً من داخل أروقة الأمم المتحدة.

وبات التوصل إلى سلسلة من اتفاقات السلام الإقليمية في أفغانستان وأنغولا وناميبيا وكمبوديا وأمريكا الوسطى متيسراً، مما يستوجب توافر مساعدة دولية. وفي نفس الوقت، اندلعت أزمات جديدة مع انهيار اتحادين شيوعيَّين هما الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا.

ومع انتقال الصراعات بين الدول إلى الواجهة بعد سنة 1989، تطوّر مفهوم حفظ السلام، وتشكلت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في كل من يوغسلافيا سابقاً (يو أن بروفور) والصومال (يونوسوم 2) بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وبدون الاعتماد على موافقة الأطراف المشاركة في الصراع بالقدر نفسه الذي كان في الأزمات السابقة. كان ذلك بمثابة نقطة تحوّل في مفهوم حفظ السلام، حيث ألغى بالتدريج مبدأ الموافقة وطرح عمليات تفويض أشدّ قوة لفرض السلام.

على أن إخفاقات الأمم المتحدة في البوسنة والصومال ورواندا أظهرت أن الأدوات المتاحة وآليات الردّ كانت قاصرة. واستجابةً لتغيّر سيناريوهات الصراع، يتكيف الناتو بشكل متزايد مع عمليات الانتشار خارج أراضيه، وتشكلت في سنة 1999 السياسة الأمنية والدفاعية الأوروبية (باتت تسمى السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة في معاهدة ليزبون). وعلى الرغم من أنه بدا أن هناك إجماعاً أساسياً على وجوب زيادة القدرة على التدخل، سرعان ما بدا واضحاً أنه لا يوجد اتفاق على تحديد متى ينبغي استخدام القوة وتحديد المنظمة التي ستستخدمها.

في مقابل خلفية “الحرب الأمريكية على الإرهاب” التي أضحت سمة محورية في الأجندة الأمنية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أضيفت “مكافحة الإرهاب” و“مكافحة التمرّد” إلى مجموعة مهمات إدارة الأزمات. وكما تُظهر حالتا العراق وأفغانستان، أدى ذلك إلى زيادة طمس الحدود الفاصلة بين عمليات السلام وخوض الحروب وإلى زيادة التوتر بين الجهات الغربية، وكذلك بين هذه الجهات والأطراف المحلية. كما أضحت عمليات السلام أكثر اندفاعاً في العقد الماضي من حيث تحولها من “حفظ السلام” إلى “بناء السلام”، وهذا يشتمل على إصلاح الهياكل والمؤسسات السياسية والاجتماعية-الاقتصادية في الدول الضعيفة لتأمين سلام أكثر بقاءً. على أن الترويج للديمقراطية وللإصلاحات الليبرالية للسوق، مواضيع مثيرة للجدل ولا تتمتع بدعم محلي دائماً. فقد يتبين أن جهود إحلال الديمقراطية غير ناضجة وتؤدي إلى زعزعة الاستقرار من جديد كما حصل في ليبيريا وأنغولا. كما يوجد خلاف بين الجهات الغربية حول مدى اعتقادهم بإمكانية فرض هذه المفاهيم من الخارج.

تميزت مهمات إدارة الأزمات أيضاً بتحوّل جغرافي في العقد الماضي أيضاً. اشتملت عامّة هذه المهمات على نشر قوات في بعثة أسفور (التي ضمّت نحواً من 25000 جندي في سنة 1999) وكايفور (التي ضمّت نحواً من 42500 جندي في سنة 1999) التابعتين للناتو في جمهورية يوغسلافيا سابقاً. ومع إنهاء بعثة أسفور في سنة 2005 واختزال كايفور بنسبة 70 في المئة تقريباً في نهاية العام 2008، بات أغلب العمليات في أوروبا اليوم أصغر من حيث الحجم، ومدنية من حيث الطابع، وتشرف عليها منظمات إقليمية بدلاً من الأمم المتحدة. وعلى النقيض من ذلك، ازدادت البعثات في أفريقيا بنسبة 400 في المئة خلال العقد الماضي. فبعثات الأمم المتحدة لوحدها زادت بمقدار عشرة أضعاف.

وبوجود خمس بعثات كبيرة تضم أكثر من 9000 مستخدم، تستحوذ أفريقيا على أكبر عدد من البعثات إلى الآن. وفي آسيا، ينتشر أكثر من 90 في المئة من العاملين في البعثات في أفغانستان ضمن بعثة إيساف التي تُعتبر أكبر عملية إدارة أزمات في العالم. وإذا كان التحول عن أوروبا يعكس الاستقرار المتنامي في البلقان، فهو يبرز مشكلات جديدة للحكومات الغربية التي تصارع لإقناع شعوبها بأن التهديدات الصادرة عن الصراعات الدائرة في الأماكن البعيدة يمكن أن تقوّض الأمن في الداخل.

زاد تعقيد إدارة الأزمات بشكل مذهل على ضوء كافة هذه التطورات. من الناحية المفاهيمية، باتت إدارة الأزمات تتضمن مرحلة إعادة إعمار بعد انتهاء الصراع، وليس مرحلة منع الصراع الابتدائية ومرحلة إدارة الأزمة الفعلية فقط. ولذلك فهي تشتمل على مجموعة أوسع من الإجراءات والأدوات المدنية والعسكرية. كما أن نطاق الجهات الفاعلة المعنية آخذ في الاتساع أيضاً.

وبعيداً عن المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، حلف الناتو، الاتحاد الأوروبي، منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، الاتحاد الأفريقي والائتلافات متعددة الجنسيات التي تعترف بها الأمم المتحدة، توجد مشاركة هامة من قبل السلطات والحكومات المحلية، الشركات الأمنية الخاصة، الميليشيات، وسائل الإعلام، المنظمات غير الحكومية والجهات الفاعلة الأخرى في المجتمع المدني. ومن شأن مشاركة هذا العدد الكبير من الجهات زيادة شرعية عملية حفظ السلام، لكنها تزيد تحديات التنسيق.

الحصيلة هي أنه برغم استمرار زيادة الطلب على عمليات السلام، تواجه إدارة الأزمات نفسها أزمة متنامية. فالإرادة السياسية تضعف، والتعاون الدولي الفاعل يزداد صعوبة، والموارد والقدرات مستغَلَّة إلى الحدّ الأقصى. وتأثيرات الأزمة المالية والوضع الصعب في أفغانستان يزيد هذه المشكلات حدّة. وهناك حاجة ملحّة إلى التصدي للتحديات السياسية والمؤسساتية والعملانية التي تواجه إدارة الأزمات.
الأزمة السياسية في إدارة الأزمات

يقع البُعد السياسي في قلب أزمة إدارة الأزمات. ولهذا البُعد نواحٍ عديدة. في البداية، هناك حاجة متنامية إلى إشراك القوى الصاعدة في إدارة الأزمات. فصعود القوى الإقليمية منذ انتهاء الحرب الباردة والتحولات في القوة الاقتصادية نحو الشرق تعني أنه يتعين على جهات مثل الصين والبرازيل وإندونيسيا وجنوب أفريقيا أن تعرّف دورها السياسي والعملاني في إدارة الأزمات الدولية. لكنّ تحويل السلم والاستقرار إلى مسؤولية عالمية مشتركة مسعىً صعب.

النفقات الدفاعية بملايين الدولارات (2007)- النفقات الدفاعية كنسبة مئوية من الناتج المحلّي الإجمالي (2007)- العدد الإجمالي للقوات المسلحة (بدون احتساب قوات الاحتياط) (2009)*- الانتشار الفاعل للجنود (2009)- الجنود المنتشرين في بعثات الأمم المتحدة (2009)

الولايات المتحدة 552568/ 3.99/ 1540000/ 176267 / 22

الاتحاد الأوروبي 288625/ لا يوجد/ 2014000/ 63252/ 9189

فرنسا 60662/ 2.37 / 35300 / 15281 / 2393

ألمانيا 42108 / 1.27 / 244000 / 6484 / 285

المملكة المتحدة 63258 /2.28 / 160000 12983 281

البرازيل 20559 / 1.56/ 326000 1269 1269

الصين 46174 / 1.42 / 2185000/ 1953/ 1953

الهند 26513 / 2.32 / 1281000/ 8564 / 8164

إندونيسيا 4329 / 1 / 302000 / 1088/ 1088

جنوب أفريقيا 3753 / 1.42 / 62000 / 2885 / 1774

- المصدر: المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، الميزان العسكري 2009

زادت الصين مشاركاتها في عمليات حفظ السلام الأممية مؤخراً بوصفها قوة عالمية صاعدة. وهي أكبر مساهم في الجنود من بين الدول دائمة العضوية الخمس في مجلس الأمن الدولي حالياً. تشارك بيجين حالياً بعناصر من الشرطة المدنية، ومراقبين عسكريين، وضباط أركان، ووحدات غير مقاتلة في عمليات الأمم المتحدة.
وأكبر عدد من الأفراد الصينيين منتشر في السودان كجزء من بعثة الأمم المتحدة في السودان وبعثة الاتحاد الأفريقي-الأمم المتحدة الهجينة في دارفور.

كما تنتشر أعداد كبيرة من الجنود الصينيين في مونوك في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي يونميل في ليبيريا، وفي اليونيفيل في لبنان.

وينتشر أغلب عناصر الشرطة المدنية الصينية في بعثة مينوستاه في هاييتي. توفر المساهمة الصينية دعماً هاماً لعمليات الأمم المتحدة في وقت شاع فيه النقص في الأفراد والمعدات. بالنسبة إلى الصين، يمكن أن تساعد المشاركة المتزايدة في الإدارة متعددة الأطراف للأزمات على تلميع صورتها الدولية وعلى زيادة نفوذها في مجلس الأمن. لكنّ مبدأي عدم التدخل والمساعدة غير المشروطة الصينيَّتين يبقيان مثاراً للإشكاليات لأنهما يتعارضان مع ممارسات بناء السلام الغربية. فمن الواضح أن إحلال الديمقراطية والإصلاح الليبرالي للسوق ليسا على أجندة الصين.

أصبحت المقايضة السياسية أكثر تعقيداً أيضاً مع صعود قوى إقليمية. وإشراكها في القرارات السياسية لا بدّ وأن يجعل العملية أشدّ صعوبة. ولئن كانت مطالب هذه القوى بتمثيل سياسي أكبر مشروعة، فإن التحدي سيكون في إشراكها من أجل كسب قيمة مضافة حقيقية على صعيد الفاعلية والقدرات المطلوبة بشدّة، لا من أجل جعل العملية أكثر شمولاً.

الشرعية

غالباً ما يُشار إلى أن ضمّ مزيد من القوى، لا سيما القوى الصاعدة، سيساعد على تعزيز شرعية عمليات إدارة الأزمات. وهذا يرجع إلى تآكل شرعية القوى الغربية في أجزاء معيّنة من العالم. على أن الأمر ليس بمثل هذه البساطة. ذلك أن أية كوكبة من الجهات الخارجية ذات المصالح المتنافسة تهدد بإمكانية تبديد الدعم المحلي.

ومثال القرن الأفريقي الأوسع يوضح ذلك. تعتبر المنطقة التي تمتدّ من جمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد، مروراً بالسودان وانتهاءً بإريتريا وإثيوبيا والصومال، إحدى أكثر المناطق تفجراً ونزاعات في العالم. وهي تستقطب بالتالي أعظم عدد لقوات حفظ السلام في العالم. وأدّى هذا العدد الكبير من القوى الخارجية ذات الأجندات السياسية والتجارية المتنافسة إلى تعقيد مهمة البحث عن سلام إقليمي العسيرة أصلاً بشكل دائم.

فرهانات الصين على الموارد الطبيعية، ونفوذ فرنسا في مستعمراتها السابقة، وسياسات مكافحة الإرهاب الأمريكية تداخلت جميعها مع السياسات في المنطقة. كما أن العلاقات الصعبة بين الأطراف الخمسة وجهات قوية في الاتحاد الأفريقي زادت تنفيذ عمليات السلام في المنطقة إرباكاً.

تعتمد الشرعية في بيئات الصراع المعقدة على تأمين موافقة محلّية قبل كل شيء. لكنّ تأمين هذه الموافقة بات أصعب بما أن سيناريوهات الصراع ودور القوات الدولية بات متعدد الوجوه أكثر منه في العقدين الماضيين. وباتت عملية الإعمار بعد الصراع تعتبر الآن جزءاً مكمّلاً لإدارة الأزمات، وترى بعض الدول أن التطبيق العاجل والمُنصف لعملية إعادة الإعمار بعد الصراع يمكن أن يولّد رضىً محلياً وبالتالي يخدم كمصدر بديل بعد الصراع للشرعية العملانية في حال تعذّر تأمين موافقة مسبقة على التدخل.

وهذا هو النهج الذي تبنّته على الخصوص قوات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في تدخلها في العراق وأفغانستان على سبيل المثال. لكنّ هذه المقاربة يمكن أن تواجه صعوبات بسهولة. ذلك أنه يبرز سؤال عما سيحصل إذا تبيّن أن مرحلة إعادة الإعمار طويلة وثقيلة أو إذا كانت الجهود غير مثمرة. إن تعاون الأطراف المحلية شرطٌ أساسي لعملية إعادة إعمار ناجحة بدلاً من أن يكون ثمرة لها. على أن السؤال يبقى معرفة من يجب الحصول على موافقته في دولة فاشلة.

يمثّل ما تقدم مأزقاً عملانياً: فمن ناحية، يتعيّن تأمين دعم محلّي في أقرب فرصة ممكنة وتمرير “المُلكية” إلى المجتمع المحلي لتفادي نشوء وضع يُنظَر فيه إلى الوجود الدولي على أنه احتلال. ومن ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي نقل سابق لأوانه للسلطة إلى جهات محلية غير ديمقراطية إلى انزلاق سريع نحو عدم الاستقرار، على أن انحسار الموافقة المحلّية ليس سوى أحد وجهي مشكلة الشرعية التي تواجه الدول المتدخلة، والوجه الآخر هو انحسار الدعم الشعبي داخل الدول المتدخلة نفسها.

* انحسار الدعم الشعبي

يشهد الدعم الشعبي للعمليات العسكرية في الأماكن البعيدة انحساراً سريعاً في الدول الأوروبية على الخصوص. والتجربة الأفغانية على وجه الخصوص أخضعت الدعم الشعبي للاختبار.

والسؤال المطروح حول تحديد متى ينبغي استعمال القوة وإلى متى ينبغي للمجتمع الدولي أن يبقى في دولة مزّقتها الحرب لضمان الاستقرار يظلّ محلّ جدال ساخن حالياً في هذا السياق. وبحسب المسح السنوي Transatlantic Trends الذي أجرته مؤسسة مارشال فاند الألمانية في صيف العام 2009، شعر نحو ثلث الأوروبيين فقط بتفاؤل حيال آفاق إحلال الاستقرار في أفغانستان، وتبين أنه يوجد انقسام واضح بين جانبي الأطلسي بهذا الشأن، إذ أن الشعب الأمريكي ينظر إلى أفغانستان بمزيد من التفاؤل، وتشعر أغلبية (56 في المئة) بتفاؤل حيال مستقبل ذلك البلد. وفيما يتعلق بنشر القوات، النظرة السائدة لدى الأوروبيين، وهي مستقلة بدرجة كبيرة عن ميلهم السياسي، هي تفضيل خفض حجم تلك القوات أو سحبها بالكامل.

ويريد أكثر من نصف الأوروبيين الغربيين (55 في المئة) وثلثا الأوروبيين الشرقيين (69 في المئة) خفض أعداد قواتهم أو سحبها من أفغانستان. ولو نظرنا إلى الولايات المتحدة، نجد أن نشر القوات في أفغانستان مسألة ميول حزبية. ذلك أن 46 في المئة من الديمقراطيين و43 من المستقلين، و22 في المئة فقط من الجمهوريين، يريدون خفض القوات الأمريكية أو سحبها من أفغانستان.

تفاقمت مسألة انحسار الدعم الشعبي لإدارة الأزمات الدولية بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية. وكما تُظهر استطلاعات الرأي التي أُجريت مؤخراً، لا يشكّل إرساء الاستقرار في أفغانستان أولوية لدى كل من المستطلعين الأمريكيين والأوروبيين في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية.

وعلى سبيل المثال، يعتقد 7 في المئة فقط من الأمريكيين و4 في المئة من الأوروبيين أنه ينبغي أن تنال أفغانستان الأولوية لدى الرئيس الأمريكي والقادة الأوروبيين. وهذا يثير أيضاً سؤالاً عن حجم الدعم الذي سيتوافر للعمليات المستقبلية في أفغانستان. كما أن الأزمة الاقتصادية العالمية ستشكل عبئاً إضافياً على الميزانيات الدفاعية لدى الدول في السنوات القادمة. فعندما تشحّ الموارد، تميل الأولويات السياسية إلى القضايا السياسية التي تتمتع بقدر أكبر من البروز المحلي.

والسؤال السياسي الكبير المطروح يتعلق بالدور الاستراتيجي الذي يُوجِد لدى الدول الغربية قدرةً واستعداداً للاضطلاع به في المستقبل وبمقدار التزامها المتوقَّع بإدارة الأزمات الدولية.

تدلّ كافة هذه المؤشرات على وجود حاجة ملحّة إلى إشراك الشعوب في نقاش جادّ حول مستقبل السياسة الأمنية وإدارة الأزمات، بحيث يتولّى القادة السياسيون مهمة توضيح المصالح الأمنية القومية والمسؤوليات الماثلة بعبارات يسهل فهمها. على أنه لا يوجد تواصل شعبي كافٍ حول السياسة الأمنية في أغلب الدول الأوروبية. من ذلك أن الحكومة الألمانية رفضت طويلاً التحدث عن “حرب” في أفغانستان.

وفي نهاية العام 2009، كشفت فضيحة سياسية أن وزارة الدفاع حجبت معلومات عن الإصابات التي لحقت بالمدنيين إثر غارة جوّية أمر الألمان بتنفيذها في قندوز في أيلول 2009. وبالمثل، يرجَّح أن يكون للتحقيق العلني الجاري في القرار الذي اتخذته الحكومة البريطانية بالمشاركة في حرب العراق في سنة 2003 تأثير مضرّ بثقة الشعب في حكومته.
الأزمة المؤسساتية في إدارة الأزمات

تنعكس الأزمة السياسية في إدارة الأزمات على المؤسسات الدولية أيضاً بوصفها الجهات الرئيسية القيّمة على إدارة الأزمات. فهي لا تفتقر إلى الموارد وحسب، بل وتعاني من تنافر استراتيجي وسياسي بين الدول الأعضاء.

إنها لمهمة الدول الأعضاء صياغة رؤية استراتيجية مشتركة للمؤسسات المناظرة. وعندما تواجه هذه الدول أزمة مستجدّة، يمكنها التوصل إلى قرار مشترك يحدد الردّ المناسب، ويتعين عليها أن تتيح لهذه المؤسسات الموارد اللازمة لتنفيذ ذلك القرار بفاعلية. لذلك، يكمن تعقيد إدارة الأزمات بدرجة كبيرة في الطبيعة الحاكمة للمؤسسات التي تقدّم مساعدة في الصراع.

إننا نجد في الأمم المتحدة وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي أمثلة توضيحية على ذلك. فلمّا كانت هذه الجهات الثلاث الرئيسية القيّمة على إدارة الأزمات، تعمل إلى جانب مجموعة من المنظمات الإقليمية، فقد شهدت جميعها زيادة هائلة في عمليات الانتشار العملاني في العالم.

وعلى سبيل المثال، شهد العام 2009 ست عشرة عملية حفظ سلام متوازية رعتها الأمم المتحدة؛ والوجود الحالي للناتو الذي يقدّر بنحو 70000 جندي في أفغانستان هو الانتشار العملاني الأكبر في تاريخ المنظمة الذي يمتدّ ستين عاماً؛ ونفّذ الاتحاد الأوروبي أكثر من 20 عملية منذ أن أصبحت السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة عملانية في سنة 2003. وتكافح هذه المؤسسات كافّة من أجل الوفاء بمقتضيات الإدارة الفاعلة للأزمات اليوم.

* الأمم المتحدة

الأمم المتحدة هي القيّم العالمي الأول على عمليات السلام، وهي تتمتع بشرعة دولية لا تضاهى في هذا الدور، وتستحوذ على أكثر من نصف عمليات نشر المستخدمين في عمليات السلام في شتى أنحاء العالم. لكن مع نشر نحو من 83000 مستخدم (عسكري ومدني) حالياً، لا تزال عمليات حفظ السلام التي ترعاها الأمم المتحدة تعاني من الإفراط في التوسع. تبلغ ميزانية الأمم المتحدة المخصصة لعمليات حفظ السلام نحواً من 7 مليارات دولار حالياً.

وهذا يعني أنها لا تشكل سوى 0.5 في المئة من الإنفاق العسكري العالمي، مما يجعل عمليات حفظ السلام التي ترعاها الأمم المتحدة أداة عالية المردودية على نحو فريد في حوزة الإدارة الدولية للأزمات. ومع ذلك، تكافح هذه الهيئة الدولية للحصول على أموال تكفيها من الدول الأعضاء فيها.

أُطلق العديد من المبادرات على مدى العقد الماضي لإصلاح نظام حفظ السلام في الأمم المتحدة. فقد رفع أمين عام الأمم المتحدة (الإبراهيمي) في سنة 2000 التقرير الخاص بعمليات حفظ السلام، الذي يعتبر أهم وثيقة في هذه العملية الإصلاحية، شدد فيه على الحاجة إلى المزيد من الموارد، وإلى قرارات تفويضية واضحة وواقعية، وإلى التخطيط الاستراتيجي العام للعمليات.

كما وفر التقرير الركيزة الأساسية لتشكيل لجنة بناء السلام التابعة للأمم المتحدة في أواخر سنة 2005، وهي هيئة استشارية حكومية تهدف إلى استنباط استراتيجيات لجهود بناء السلام بعد الصراع. كما يشكل هذا التقرير ركيزة تشكيل لجنة بناء السلام التابعة للأمم المتحدة، وهي هيئة استشارية حكومية تهدف إلى استنباط استراتيجيات متكاملة لجهود بناء السلام بعد الصراع. على أنه انقضت عشر سنوات ولا يزال الإصلاح المنسجم مع تقرير الإبراهيمي محدوداً. ولا تزال الأمم المتحدة تكافح من أجل دمج المكونات العسكرية والسياسية والإنسانية لعمليات السلام بطريقة أكثر فاعلية.

كما تنقسم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على نحو مثير للإشكاليات إلى ثلاث فئات مختلفة: تضم الفئة الأولى تلك الدول التي تسهم بغالبية قوات حفظ السلام لكنها تتمتع بنفوذ سياسي محدود (جنوب آسيا وأفريقيا).

وتضم الفئة الثانية تلك الدول التي توفر غالبية التمويل (الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، واليابان). وتضم الفئة الثالثة أخيراً تلك الدول التي يجري تنفيذ عمليات الانتشار واسعة النطاق على أراضيها (في أفريقيا أساساً). وهذا التقسيم يحدث توترات سياسية في مجلس الأمن وتناقضاً بين المساهمات بالجنود والتأثير السياسي.

المشكلة الأخرى التي تعاني منها الأمم المتحدة هي إيجاد جنود أكثر عدداً وأفضل تدريباً. صحيح أن عمليات الأمم المتحدة قد لا تشتمل على خوض معارك عنيفة، لكنها تقتضي امتلاك قوات حفظ السلام طائفة عريضة من المهارات التقنية والسياسية والثقافية. ومع ذلك، شاركت الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية بأقل من 20 في المئة من المستخدمين العسكريين في عمليات الأمم المتحدة.

ولا يوجد واحد من الأطراف الخمسة في عداد المساهمين العشرة الأُول بالجنود في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. ويجادل العديد من الدول الأوروبية الآن بأنها منهمكة في أفغانستان إلى حدّ أنها لا تستطيع التعهد بمساهمات كبيرة في الأمم المتحدة. كما يرى العديد منهم في الأمم المتحدة جهازاً بيروقراطياً هو من الحجم بحيث لا يمكنه توفير إدارة أزمات بطريقة فاعلة.

لذلك هناك قلق جدّي حيال إمكانية الحصول على عدد كافي من الجنود لعمليات الأمم المتحدة المستقبلية وحيال إمكانية مساهمة الدول الغربية بالجنود وليس بالمال فقط. سيبقى هناك طلب على عمليات الأمم المتحدة في مناطق الصراع المتنوعة الجديدة. لكنها لن تستطيع المشاركة بل ولا ينبغي لها ذلك إذا كانت لا تملك القدرات الكافية. ولذلك فالتحدي الرئيسي هو الموازنة بين قرارات التفويض والموارد العسكرية.

* حلف الناتو في ذكراه الستين

الناتو هو الجهة الأقوى عسكرياً، وهو يشارك، بخلاف الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، في صراعات عالية الشدة. وقد كان العام 2009 فترة صعبة على الحلف بسبب المشكلات المستمرّة التي يعاني منها في تثبيت الاستقرار في أفغانستان (راجع الفصل الثالث). وقد ارتفعت حصيلة القتلى في صفوف قوات التحالف إلى أعلى مستوى منذ بداية الحملة العسكرية عام 2001. تدهورَ الوضع السياسي وامتدّ انعدام الاستقرار إلى المنطقة الحدودية الباكستانية. وبالإضافة إلى ذلك، لم تحرز قوات الناتو سوى تقدم ضئيل في المساعدة على بسط سيطرة الحكومة الأفغانية خارج كابول.

إن المشاركة واسعة النطاق في أفغانستان تمنع من قيام الناتو بتدخلات واسعة النطاق في هذه الفترة. على أن السيناريو الأسوأ لفشل يُمنى به الناتو في أفغانستان يمكن أن يثير الشكوك حيال أية عملية لبناء دولة في المستقبل المنظور. وسيؤدي الفشل في أفغانستان بالتأكيد إلى بحث ذاتي معمّق حيال الغاية من الناتو ويؤدي إلى مزيد من التردد من جانب الولايات المتحدة في “تحويل التحالف إلى أزمة”. لذلك، يمكن وصف أفغانستان بأنها “فحص لحقيقة” ما يمكن للناتو تحقيقها وما لا يمكنه تحقيقه خارج المنطقة الأوروبية الأطلسية.

كما أنه غالباً ما يُنظر إلى الناتو على أنه منظمة عسكرية تدافع عن المصالح الغربية. وهناك مناطق في العالم ربما يكافح الحلف فيها من أجل الحصول على دعم الجهات المحلية والإقليمية والعمل كمدير فاعل للصراع. كما أنه بافتقاره إلى الأدوات المدنية، أقرّ بحاجته إلى تطوير علاقات أفضل مع المنظمات والجهات الدولية الأخرى لكي يبقى فاعلاً. وفي هذا المجال، يعتبر الاتحاد الأوروبي شريكاً هاماً، على أن التنسيق بين المؤسستين تكتنفه صعوبات على المستويين المؤسساتي والعملاني كما يوضّح الوضع في أفغانستان.

بالإضافة إلى التحديات العملانية التي يواجهها الناتو، لا يزال يكافح من أجل تحديد غاية استراتيجية جديدة منذ العقد الماضي. وفي القمة التي انعقدت في الذكرى الستين لتأسيس الحلف في ستراسبورغ وكيهل في نيسان 2009، أطلق قادة الناتو عملية مراجعة جديدة للمفهوم الاستراتيجي. فالتغييرات التي طالت البيئة الأمنية بعد هجمات 11 أيلول 2001، وتطور العلاقات عبر الأطلسي، والتحديات العملانية التي يواجهها الناتو في أفغانستان تحتّم على الحلف تعديل نظرته الاستراتيجية.

وطوال العقد الماضي، صرف الحلف الكثير من الوقت والطاقة على التحوّل العسكري، محاولاً تكييف القوات المسلحة لدى الدول الأعضاء مع مهمات إدارة الأزمات الحديثة. وأطلق مبادرة قدرات، طارحاً مفهوم قوة ردّ سريع للناتو، ومعدّلاً هيكليته القيادية. على أن أياً من هذه الجهود لا يمكنه التعويض عن الافتقار إلى عملية سياسية يحدد الحلف من خلالها متى يستخدم قدراته ومكان استخدامها وكيفية استخدامها.

ظهرت انقسامات بين الدول الأعضاء على صعيد قضية تبنّي نظرة استراتيجية شاملة والغاية من الحلف. فلا يزال البعض يُؤثر بقاء الناتو حلفاً دفاعياً جماعياً يُركز على التهديدات في المناطق المجاورة لأوروبا. ويدعم البعض الآخر صورة الناتو كلاعب أمني عالمي. كما أن هناك خلافاً بين الدول الأعضاء على الاستراتيجية المُثلى في التعامل مع روسيا، مما سيؤدي على الأرجح إلى إعياء عملية توسيع الحلف بعد انضمام ألبانيا وكرواتيا إليه هذا العام. وفي هذه الأثناء، تظل مسألة العلاقة المستقبلية مع جورجيا وأوكرانيا بدون حل.

* الذكرى العاشرة للسياسة الأمنية والدفاعية المشتركة

تصادف سنة 2009 الذكرى العاشرة لولادة هيئة السياسة الدفاعية والأمنية المشتركة الأوروبية. تهدف الهيئة إلى إتاحة قدرة إدارة أزمات عملانية للاتحاد الأوروبي اعتماداً على توليفة فريدة من الأرصدة المدنية والعسكرية.

يغطي المدى العملاني للهيئة ما يُطلق عليه مهمات بيترسبرغ، وهي تتضمن عمليات إنسانية وعمليات إنقاذ وحفظ السلام وإدارة أزمات، وباتت تتضمن مؤخراً عمليات نزع أسلحة مشتركة، ومهمات تقديم مشورة عسكرية ومساعدات، ومحاربة الإرهاب.

أشرفت الهيئة إلى الآن على نشر إجمالي لنحو 70000 مستخدم في أكثر من 20 عملية، لا يزال 12 منها جارياً في مستهل عام 2010. تتميز كافة هذه العمليات بصغر الحجم وتدنّي الشدة، مما يشير إلى طموح متواضع في الوقت الحاضر. كما أن التركيز الجغرافي إقليمي وليس عالمياً.

وإلى جانب عمليات الانتشار في البلقان، تتحول منطقة العمليات الرئيسية للهيئة صوب أفريقيا. على أن هذا التحوّل مثار جدل بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ذلك أن الدفاع المتكرر من جانب فرنسا وبلجيكا عن إرسال بعثات إلى مستعمراتهما السابقة مثل تشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية يُزعج بلداناً لا تربطها بالدول الأفريقية مثل هذه الالتزامات، كألمانيا.

لطالما كان التحدي المؤسساتي الرئيسي الذي يواجه الاتحاد الأوروبي ضمان الانسجام وتجاوز التباينات في العلاقات الخارجية للاتحاد بين مفوّضية السياسة الخارجية والأمن المشتركة، التي تُعتبر الركيزة الأولى، وهيئة السياسة الدفاعية والأمنية المشتركة التي تُعتبر الركيزة الثانية. على أن هذه الهيكلية الركائزية لا تتناسب مع تطوير مقاربة متكاملة فاعلة لإدارة الأزمات.

ومع بدء سريان معاهدة ليزبون في 1 كانون الأول 2009، يُؤمَل بأن يتم إزالة بعض التباينات السابقة. وبموجب المعاهدة، سيتم إلغاء الهيكلية الركائزية، وستَجمع الهيئة التمثيلية العليا الجديدة للسياسة الخارجية مكاتب الهيئة التمثيلية العليا السابقة “للسياسة الخارجية والأمن المشتركة” والمفوض الخاص بالعلاقات الخارجية. والمراد من “خدمة العمل الخارجي الأوروبية” الجديدة مساندة الهيئة التمثيلية العليا، لكنّ وظائفها الخاصة وقدراتها لم تُحدَّد بعد. ويبقى أن نعرف إن كانت الابتكارات المؤسساتية التي طرحتها معاهدة ليزبون ستبسّط عملية صنع القرار فعلاً، وتعزز قدرة الاتحاد الأوروبي على العمل، وتسهل الوصول إلى مقاربة متكاملة، أم أن الأمر سيقتصر على حلول مؤسسات جديدة محل المنافسات القائمة والوظائف المتكررة القديمة.

يضاف إلى ما تقدم أن “السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة” لا تزال تعاني من الافتقار إلى رؤية استراتيجية. من ذلك أن الدرجة النهائية للتكامل الدفاعي الذي تنشده الدول الأعضاء تبقى غير محددة. ومفهوم ليزبون الخاص “بالتعاون البنيوي الدائم”، الذي يسمح لمجموعة من الدول الأعضاء التي لديها استعداد للتقدم بشكل أسرع وأعمق في مجال الدفاع، يبقى محلّ خلاف بما أن العديد من الدول يعارض فكرة ما يسمى “أوروبا متعددة السرعات”.

وفي حين أن “التعاون البنيوي الدائم” يملك القدرة على تطوير المخرجات للسياسة الأمنية والدفاعية المشتركة وعلى توفير مزيد من الموارد لإدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي، لم يُثبت الأوروبيون إلى الآن أنهم مستعدون وقادرون على الذهاب خطوة إضافية في التعاون الدفاعي بعد أن تمت المصادقة على معاهدة ليزبون.

الحاجة إلى تعاون أوثق بين المؤسسات

إلى جانب الحاجة إلى تحسين أداء المؤسسات الدولية في إدارة الأزمات، برزت مهمة أخرى ملحّة هي دمج الجهود المشتركة للمجتمع الدولي وتنظيمها في هذا الجانب. وهذا يعني تجنّب تكرار المؤسسات وتداخل المهمات، وكذلك تعزيز التعاون بين المؤسسات. على سبيل المثال، كان في الإمكان التنسيق بين عمليات مكافحة القرصنة التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي والناتو ودول إفرادية، مثل الولايات المتحدة، قبالة السواحل الصومالية على نحو أفضل لتوفير المال والموارد. وبالمثل، يبقى غياب التعاون بين بعثات تدريب الشرطة الأوروبية والناتو/الولايات المتحدة في أفغانستان مشكلة عالقة.

إن التعاون بين الاتحاد الأوروبي والناتو في إدارة الأزمات مسألة نظرية، حتى وإن شهد عام 2009 بعض التطورات الإيجابية. وعلى الرغم من أنه لا يوجد إجماع استراتيجي على تقسيم العمل بين المنظمتين، حظي قرار فرنسا بإعادة تكاملها العسكري مع الناتو في عام 2009 ترحيباً واسعاً.

فقد خفف حدة التوتر مع الولايات المتحدة وبالتالي أتاح إمكانات جديدة لتعزيز “السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة” نفسها والتعاون الأمني بين جانبي الأطلسي. وعلى النقيض من ذلك، من غير المرجّح أن تنضمّ تركيا، وهي إحدى الدول الرئيسية التي تعرقل إقامة روابط مؤسساتية متينة، إلى الاتحاد الأوروبي قريباً وعلى الأرجح أن تواصل إعاقتها لتعاون رسمي بين الناتو والاتحاد الأوروبي. وعلى صعيد آخر، يوجد مجال واسع لزيادة الفاعلية والانسجام في إتاحة القدرات العسكرية من خلال “قدرة التطوير” التابعة “للسياسة الأمنية والدفاعية المشتركة” و“عملية التخطيط الدفاعي” في الناتو.

وفي حين استعان الاتحاد الأوروبي بأرصدة الناتو بموجب اتفاقية “برلين بلس”، لا يزال يتعين معالجة العيوب الناتجة عن القدرة المتداخلة التي برزت بفعل عمليتين منفصلتين في الاتحاد الأوروبي وفي الناتو بطريقة بنّاءة.

وفيما يتعلق بالعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والناتو، كررت المنظمتان التأكيد على أهمية تطوير التعاون بينهما. ذلك أن كلتا الجهتين تشارك على التوازي في مسارح عملانية في كوسوفا وأفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغيني بيساو والصومال وجورجيا. وبناء على ذلك، تم تسليم بعثة يوفور في تشاد إلى مينوكارت في آذار 2009.

على أنه برغم زيادة كثافة الاتصالات على صعيد المؤسسات، يتعين إدخال مزيد من التحسينات على المخرجات العملانية. وفي هذا السياق، يبرز عنصر يكتسي أهمية خاصة وهو تحسين التخطيط للبعثات المشتركة.

وإذا استطاعت المؤسستان الاتفاق على توزيع واضح للمهمات أثناء التخطيط الاستراتيجي لعملية ما، فسوف تتحسن فرص النجاح بدرجة كبيرة. وبصرف النظر عن أية عملية خاصة، يمكن للاتحاد الأوروبي والناتو المساهمة بالتخطيط المشترك للحالات الطارئة. وهذا سيرعى تطوير ثقافة تخطيط أكثر تنسيقاً ويعزز الفهم المتبادل “لطريقة الطرف الآخر في أداء الأعمال”.

سيكون من الحكمة بالنسبة إلى المنظمات الثلاث تشكيل فريق من المُستخدمين المدنيين يقيم في مراكز متبادلة بينها. سيسهل هذا الفريق الاتصالات بين المؤسسات وبين الحكومات، وهو ما سيساعد على إيجاد فهم وثقة متبادلة ويجعل التعاون بالتالي أكثر فاعلية.

الأزمة العملانية لإدارة الأزمات

تتطلب الإدارة الفاعلة للأزمات في سيناريوهات الصراع المعقدة اليوم قدرات متحركة وقوية وفائقة التطور. غير أن كلاً من الأمم المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي يعاني من نقص خطير في القدرات مما يؤثر في المخرجات العملانية لهم.

من ذلك أن الأمم المتحدة واجهت مشكلات كبيرة في نشر 3000 جندي إضافي أجاز مجلسُ الأمن ضمّهم إلى مونوك على ضوء تدهور الوضع في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ويكافح الناتو من أجل جمع مزيد من المساهمات على صعيد القوات لأفغانستان من دوله الأعضاء.

وما اعتماد الاتحاد الأوروبي على الطائرات العمودية الروسية في تنفيذ مهمته في تشاد سوى دليل مقْنع على وجود نقص في المعدات لدى “السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة”. ولذلك فإن تحديد كيفية الحصول على القدرات المناسبة والقوات لنشرها على الأرض بالوقت المناسب، وهو الأهم، يمثّل تحدّ أساسي يواجه الإدارة الفاعلة للأزمات.

تعتمد معالجة حالات النقص في القدرات بدرجة كبيرة على إرادة الدول وعلى قدرتها على تحديث قواتها المسلّحة وإتاحتها لعمليات الانتشار العالمية. ففي أوروبا على الخصوص، يوجد عدد هائل من القوات ذات الكلفة المرتفعة والتي لا يمكن نشرها.

فمن بين نحو مليوني عنصر ينتمون إلى القوات المسلّحة المشتركة للاتحاد الأوروبي، “يمكن نشر” 10 في المئة منها فقط بالمعنى الأعم للكلمة. وتبين أن نشر القدرات داخل تخوم هيئة “السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة” بطيء جداً ويبقى أحد عيوبها الرئيسية.

وهناك أسباب عديدة لذلك منها الميزانيات الدفاعية الشحيحة والطبيعة بعيدة المدى للتخطيط لتطوير القدرات، بدءاً بالتخطيط التصوري وانتهاءً بمرحلة طرح المبادرة. كما ترجع المشكلات الخاصة بالتعاون على صعيد القدرات إلى رغبة الدول الأعضاء في المحافظة على سيادتها في مجال الدفاع. ولا توفر معاهدة ليزبون علاجات لأوجه النقص المزمنة في القدرات أو إغراءات للدول الأعضاء بتنفيذ الإصلاحات العسكرية التي هي في أمسّ الحاجة إليها.

تهدف مبادرة “المجموعات القتالية” التابعة للاتحاد الأوروبي ومبادرة “قوة الرد السريع” للناتو إلى تعزيز التحوّل العسكري في الدول الأعضاء. يعاني المُخطَطان من بعض المشكلات المشتركة.

ففي حين أن التحليل المنطقي الأساسي لهما هو إصلاح القوات المسلحة الأوروبية، يبرز سؤال حول كيفية وفاء الدول الأعضاء بالتزاماتها تجاه هذه التشكيلات إذا لم يكن يجري استخدامها في الواقع. ولا يوجد إجماع استراتيجي على الظروف التي تستدعي نشرها.

وفيما يختصّ بمهمات تحويل القوات وتعزيز قابليتها للانتشار، كان النجاح متواضعاً في أحسن الحالات، حتى إن لدى بعض الدول الأعضاء في كل من الناتو والاتحاد الأوروبي وحدات مخصصة لكل من المجموعات القتالية التابعة الأوروبية وقوة الرد السريع للناتو.

وفيما يختصّ بأوجه النقص في القدرة العسكرية، يوجد علاج بديهي وناجع يتمثل في إيجاد موارد مشتركة. على سبيل المثال، يمكن بناء مجموعة من الطائرات العامودية وغيرها من الأرصدة المتخصصة التابعة للأمم المتحدة والمخصصة للبعثات طويلة المدى في أماكن مثل دارفور وأفغانستان.

وداخل الاتحاد الأوروبي، يمكن تجميع الأرصدة العسكرية بحيث تشمل أهدافاً تتجاوز ذلك. والخطوة الأولى في هذا الاتجاه قام بها على سبيل المثال برنامج تكتيكات الطائرات العامودية التابع للوكالة الدفاعية الأوروبية، والذي سيصبح عملانياً في عام 2010.

كما أجريت مناورة تدريبية تمهيدية في فرنسا في آذار 2009. الهدف من هذه المبادرة هو تدريب أطقم الطائرات العامودية المنتمين إلى الدول الأعضاء والذين لم يعتادوا على التحليق في بيئات كثيرة المتطلبات. وهذه المناورات تعزز التشغيل البيني من خلال فهم الإجراءات، واللغة، والمهارات التكتيكية وأفضل الممارسات.

المثال الآخر هو برنامج النقل الجوي الأوروبي الذي يهدف إلى سدّ النقص الحرج في النقل الجوّي لدى هيئة “السياسة الدفاعية والأمنية المشتركة”. تشجع هذه المبادرة على تجميع أرصدة النقل الجوّي.

وهذا التجميع يسمح بالملكية الثنائية الجنسية والمتعددة الجنسيات للمعدات العسكرية. وهذا بدوره يمنح الدول الأعضاء الصغيرة إمكانية استعمال هذه الطائرات وهو الأمر الذي لا يحصل في العادة بسبب قيود الميزانية.

وبالإضافة إلى ذلك، يسمح برنامج النقل الجوي للدول الأعضاء التي تملك معدات نقل جوّي بإتاحة قدراتها للدول الأعضاء الأخرى عبر شراء ساعات الطيران. ويمكن أن تساعد مبادرات أخرى موازية لهاتين المبادرتين على تعزيز القدرات وتحسين التشغيل البيني بين القوات المسلحة.

القدرات المدنية

تتطلب طبيعة الصراعات المعاصرة ردوداً عسكرية وكذلك جهوداً مدنية متواصلة في إعادة الإعمار بعد الصراع، وحماية المدنيين، وجهود بناء الدولة.

ولذلك يشكل تعزيز التعاون المدني العسكري همّاً رئيسياً للجهات الضالعة في إدارة الأزمات الدولية. وفي انعكاس للتشديد المتزايد على تحويل الصراع وعلى بناء الدولة الذي تجلى في العديد من البعثات المجازة حالياً، ارتفع عدد عمليات نشر المستخدمين المدنيين إلى أكثر من الضعف في السنين الخمس الماضية. وقد بلغت الآن مستوى قياسياً ناهز 20000 مستخدم.

ومع ذلك، لا يشكل المدنيون سوى 12 في المئة تقريباً من المستخدمين العاملين في عمليات السلام الدولية. حتى إن العديد من بعثات الأمم المتحدة لا يملك حالياً سوى ثلثي حاجته من المستخدمين المدنيين، وهذه البعثات تواجه صعوبات جمّة في العثور على مستخدمين مؤهَّلين.

يكافح الاتحاد الأوروبي لمعالجة أوجه نقص مماثلة. فهو لا يملك أية قوات مدنية عاملة، ولذلك يعتمد على الدول الأعضاء في توفير المستخدمين لبعثاته. لكن العديد من حكومات الدول الأعضاء فشل في هذه المهمة. وقد صُمم ما يُطلق عليه “هدف العنوان المدني” الذي تمت الموافقة عليه في سنة 2004 لحمل الدول الأعضاء على تخصيص مدنيين من أجل سيناريوهات انتشار محتملة.

وبناء على ذلك، تعهدت كل دولة عضو بتقديم عدد معيّن من المدنيين، لكن لا يبدو أن عملية “هدف العنوان المدني” قد ساعدت الاتحاد الأوروبي على الحصول على ما يكفيه من المستخدمين على الأرض. وبالإضافة إلى ذلك، يشكل التدريب، والتجنيد، وإيجاز المعلومات، ومعايير التخطيط المختلفة لدى الدول الأعضاء عائقاً أمام امتلاك الاتحاد الأوروبي قدرة مدنية لإدارة الأزمات.

وأخيراً، يبدو أن بعض الدول الأعضاء أكثر جدّية في تحمّل مسؤولياتها تجاه هيئة “السياسة الدفاعية والأمنية المشتركة” من البعض الآخر مما يؤدي إلى تفاوت في عدد المستخدمين الذين يتم إرسالهم.

نتج عن هذا الوضع بقاء بعثة شرطة الاتحاد الأوروبي في أفغانستان في حدود نصف الحجم المجاز بانتشار ما يزيد قليلاً على 200 ضابط شرطة على الأرض. يحدث ذلك برغم حقيقة أن تدريب قوات الأمن الأفغانية يعتبر حاسماً في امتلاك القوات الأجنبية قدرة على تثبيت الاستقرار في أفغانستان والرحيل عنها في نهاية المطاف. ولذلك يجري انتقاد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بقوة على افتقارها المزعوم للعزم السياسي على إتاحة القدرات لكي يؤدي الاتحاد الأوروبي وظيفته على الوجه المطلوب.

وبرغم أنه يُعترف على نطاق واسع بالحاجة إلى تعزيز المكوّن المدني في إدارة الأزمات، لا يزال ينبغي القيام بمزيد من الخطوات لضمان وجود أعداد كافية من المستخدمين في حالة تأهب مع القدرة على إرسالهم على جناح السرعة عندما تدعو الحاجة. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون إعداد معايير ونظام تدريبي مشترك للمستخدمين المدنيين الذين يراد إرسالهم في بعثات دولية تطوراً كبيراً.

المستقبل المتوقع

يوجد تحديات هائلة ماثلة في عام 2010. فإلى جانب الصعوبات المستمرّة في أفغانستان، يوجد أيضاً خطر متعاظم ناتج عن احتمال تزعزع شديد لاستقرار باكستان. وستشكل الدول الفاشلة أو الضعيفة مثل الصومال واليمن وغينيا مزيداً من المشكلات، وربما تستدعي القيام بعمل حاسم.

كما أن مستقبل السودان بعد الاستفتاء، المتوقع إجراؤه في مستهل عام 2011، غير مضمون. يضاف إلى ذلك أنه ربما تبرز حاجة إلى الردّ السريع على الأزمات المستجدّة التي لا يمكن توقّعها حالياً.

تُوضح سيناريوهات الصراع المثيرة للقلق أن الحاجة إلى إدارة أزمات فاعلة لن تزول، ذلك أن المشكلات تبقى هائلة. فالتحولات الجيوسياسية وصعود قوى جديدة يستدعي إعادة تعديل للسياسات وللديناميكيات المؤسساتية لإدارة الأزمات. وقد أدى التعقيد المتزايد للصراعات إلى توسيع مهمات إدارة الأزمات بحيث باتت تتراوح بين الإجراءات المدنية ومكافحة الإرهاب.

وهذا يطمس الحدود الفاصلة بين صنع السلام وخوض الحروب ويُسهم في إضعاف الدعم الشعبي. ولا تزال المؤسسات، بوصفها القيّم الرئيسي على إدارة الصراعات، تُعاني من غياب الإجماع الاستراتيجي للدول الأعضاء فيها. وعلى الأرجح أن يكون لتداعيات الانهيار الاقتصادي تأثير سلبي على قدرات إدارة الأزمات في السنوات القادمة.

لذلك يلزم توافر قدر كبير من العزيمة السياسية للتعامل مع القيود السياسية والمؤسساتية والعملانية المفروضة على إدارة الأزمات. وبما أن إدخال إصلاحات شاملة أمر مستبعد في هذه المرحلة، ينبغي أن ينصبّ التركيز على مقاربة متدرّجة وعلى اتخاذ تدابير عملية مهمة.

ومن الأهمية بمكان الدخول في حوار عام نقدي ومفتوح لإعادة الثقة بالحكومة واستعادة شرعية القوة العسكرية عندما لا يعود هناك مفرّ من استعمالها. وسيكون ضرورياً أيضاً التفكير بطريقة بنّاءة في إيجاد ترتيبات مؤسساتية جديدة تسهّل التعاون وتزيل المهمات المتكررة بين القيّمين الرئيسيين على إدارة الأزمات. كما يرجَّح أن يتضمن ذلك تجميعاً مهماً للقدرات على صعيد الأفراد والمعدات.

ومثل هذه التدابير سيكون خطوة في اتجاه التصدي لأزمة إدارة الأزمات الحالية والمساعدة على تطوير أداة لا غنى عنها في تأمين السلم والاستقرار في عالم معولَم.

* المصدر: مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية - سلسلة تنبؤات استخبارية (30) - 22/3/2010

* ترجمة



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 79 / 2180729

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع منوعات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2180729 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40