الجمعة 24 أيلول (سبتمبر) 2010

أعداء السلام.. ضد «اسرائيل» والغرب ايضاً

الجمعة 24 أيلول (سبتمبر) 2010

الاتحاد الاوروبي كجهة، والدول الاوروبية كل على حدة، تمول سلسلة طويلة من الجمعيات التي تعنى بالنزاع «الاسرائيلي» الفلسطيني. معظم هذه الهيئات ليست «منظمات سلام»، مثلما تسمى على سبيل الخطأ. يدور الحديث عن احتكار ضخم لهيئات تعنى بتخليد النزاع. الخطاب تغير. انقضى زمن عصر «منظمات السلام». ونحن في عصر «منظمات الحقوق».

بشكل مباشر وغير مباشر، فان قسما كبيرا من هذه الهيئات تعنى بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين. بعضها حقوق جديرة بالدفاع، بعضها حقوق عابثة. على رأسها، بالطبع «حق العودة». لا يوجد حق كهذا. فهو لم يتحقق ولم يعترف به، على المستوى السياسي، في أي مكان تقريبا، وبالتأكيد ليس أداة لتصفية دولة قومية قائمة. ولكن هذا لا يمنع هذه الهيئات من الانشغال بطرح هذا الخيال في رأس المطالب الفلسطينية.

لنفترض ان شيئا ما سيخرج من المحادثات بين نتنياهو وابو مازن. لنفترض أن المسيرة تتقدم، والضغط الامريكي يعطي ثماره، وتبدأ الانباء عن الاتفاق المتبلور بالتسرب الى الخارج. يمكننا أيضا أن نفترض بان نتنياهو الاكثر اعتدالا وابداعا لن يسير ابعد من صيغة كلينتون (نحو 95 في المئة من المناطق تعاد الى الفلسطينيين، القدس تقسم على اساس ديمغرافي، مشكلة اللاجئين تحل بجهد دولي)؛ او عن اقتراحات اولمرت (التي لا تختلف كثيرا)؛ او حتى عن اتفاق جنيف الذي في اساسه هو دولتان للشعبين.

[**♦♦♦♦*]

ماذا سيحصل عندها؟ شبكة هائلة من منظمات الحقوق ستقوم بالضبط بما تقوم به في السنوات الاخيرة : ستصرخ صرخة كبرى ضد التسوية، لانها «تسحق حقوق الشعب الفلسطيني» وعلى رأسها «بالطبع» الحق في تصفية دولة «اسرائيل» من خلال حق العودة. يجب الانتباه الى معطى هام آخر : من كل الهيئات العاملة اليوم في «اسرائيل» في مجال النزاع، بقيت هيئات قليلة، ربما اثنتان، تعنى بالجانب السياسي للنزاع : «السلام الان» و«مبادرة جنيف». هاتان الهيئتان تؤيدان وجود دولة «اسرائيل» كدولة يهودية وديمقراطية. معظم الهيئات الاخرى، بقدر ما تدعم تسوية الدولتين لا تعترف بسياق الشعار ـ للشعبين. هذه الهيئات هي جزء من الامبراطورية الجديدة التي تتشكل من هيئات دولية رسمية، مثل مجلس حقوق الانسان للامم المتحدة في جنيف، مثل المجلس الاقتصادي للامم المتحدة ومثل عدد لا يحصى من هيئات «حقوق الانسان». بقدر ما يدور الحديث عن الاغلبية التلقائية التي توجد لدول غير ديمقراطية في الهيئات الدولية فان هذه قصة حزينة من ناحية العالم الحر. بقدر ما يدور الحديث عن هيئات حقوق الانسان، فإن التماثل مع الاغلبية المظلمة هذه مأساوي. وذلك لانه بالفعل يوجد كشف عن المس بحقوق الانسان في سورية او ليبيا. ولكن طوعا للتوازن يدور الحديث عن ضريبة كلامية بائسة. عمليا، الكثير من هيئات حقوق الانسان في الغرب اصبحت الذراع الطويلة لهيئات دولية توجد فيها اغلبية مظلمة.

[**♦♦♦♦*]

كيف حصل هذا؟ وبالفعل، الغرب نفسه يمول شبكة هائلة من المنظمات غير الحكومية. التمويل، بشكل عام هو لمشاريع تتخذ صورة الدفاع عن حقوق الانسان. اما عمليا، فللأغلبية المطلقة من هذه الهيئات توجد أجندة سياسية راديكالية، بل واحيانا مناهضة للغرب. من جهة اخرى، كثيرون في الغرب يعيشون وهما في أن حل النزاع في «الشرق الاوسط» سيؤدي الى انتهاء الصراع الذي بين الغرب والشرق. هذا بالطبع وهم. وذلك لان رجال طالبان لا يعرفون اين «اسرائيل» على الخريطة، ومن يطلب فرض الشريعة في بريطانيا لن يصبح ليبراليا اذا ما تحقق سلام في «الشرق الاوسط». ولكن لنفترض ان هذا النهج محق. اذا كان كذلك، فالهدف هو حل النزاع. غير أن ذات الغرب يمول سلسلة طويلة من الهيئات التي تشارك اليوم في نشاطات تمنع كل تسوية سوية العقل.

لنأخذ مثلا هيئة مثل «الحق»، الجمعية الفلسطينية التي يفترض بها أن تعنى بحقوق الانسان. هذه الهيئة تدعمها السويد، هولندا وكندا. الاتحاد الاوروبي نفسه، يؤيد، منظمتي عدالة ومساواة. هذه الهيئات تعلن على رؤوس الاشهاد تأييدها لحق العودة. فهل هذه الهيئات ستجند الرأي العام العربي، او العالمي، في صالح اتفاق السلام أم ضده؟

الاتحاد يدعم عشرات الجمعيات «الاسرائيلية» التي تعنى بالنزاع بينها هيئات مثل «اللجنة ضد هدم المنازل»، التي يترأسها جيف هالبر. ويتجول هالبر في العالم وينشر ترهات ليس فقط ضد «اسرائيل» بل وضد الرأسمالية العالمية. وحتى مبادرة السلام السعودية يرى فيها هالبر «محاولة لتضليل الجماهير العربية». وبرأيه، فان الزعماء الغربيين يستجدون «اسرائيل» حقا لتصبح قوة اقليمية، وذلك لتعميق سيطرتها على الجماهير العربية المقموعة. واضافة الى ذلك، فان الهيئة التي يترأسها هالبر تدعم بشكل علني ومكشوف الـ BDS (مقاطعة «اسرائيل») وحق العودة. ورغم ذلك، فان هذه الهيئة الراديكالية تحظى بدعم الاتحاد.

يمكن لنا ان نستمر. القائمة طويلة. هيئة اخرى ومنظمة اخرى وكلها تعمل لتنمية اوهام عابثة وتشجع الفلسطينيين، على هذا المستوى او ذاك، على الاصرار على «حق العودة»، او تعميق المقاطعة، او ضد كل حل وسط فلسطيني في موضوع الاعتراف بـ «اسرائيل». بتعبير آخر. هذه ليست منظمات سلام، بل منظمات رفض للسلام. هذه الهيئات، التي هي في معظمها اعداء للسلام، يدعمها الاتحاد الاوروبي و / او الدول الغربية.

[**♦♦♦♦*]

يدور الحديث عن شبكة هائلة ومعقدة من المنظمات. لا يوجد بينها اتصال دوما. وليس دوما كل اهدافها متماثلة. ولكن يوجد قاسم مشترك: المعارضة الايديولوجية للتسوية التي تقوم على اساس الدولتين للشعبين. احدى الهيئات الاكبر هي BDS. يدور الحديث عمليا عن اخطبوط متعدد الاذرع، تدعمه عشرات المنظمات الاخرى.

الاتحاد الاوروبي، او الدول الغربية، لا تمول بشكل مباشر الـ BDS بل انها تمول هيئات عديدة تدعمها. والاخطر من ذلك، فان هدف الـ BDS ليس نهاية الاحتلال، الهدف هو نهاية «اسرائيل». قادة ونشطاء الـ BDS يتجولون في العالم ويتحدثون عن حقوق الانسان، عن الديمقراطية والمساواة. غير أن هذه احدى الخدع الكبرى في العقد الاخير.

فهم يتحدثون الانكليزية الممتازة، بلغة مقنعة. اما عمليا، فهم يعارضون حل الدولتين. كل ما تقوله «القاعدة»، «حماس» واحمدي نجاد بلغة ضحلة يقولونه بلهجة منمقة. فهم يوضحون، بشكل لا لبس فيه انهم ضد «العملاء» الذين سيتوصلون الى تسوية سلمية. هذا ما تقوله «حماس». هذا ما يقوله قادة الـ BDS . «نهاية الاحتلال لن تكون نهاية كفاحنا»، يعلن عمر البرغوثي، من قادة الحركة. بشكل مفعم بالمفارقة، البرغوثي هو طالب في جامعة «تل ابيب»، الذي يسعى بالطبع الى مقاطعتها.

[**♦♦♦♦*]

لنعد الى الامل. شيء ما رغم كل المصاعب، سيتبلور في المحادثات. وليست «حماس» وحدها ستحاول المس بالاتفاق، من خلال الصواريخ، الاستفزازات وضعضعة الانظمة العربية. وليس فقط أحمدي نجاد و«حزب الله» سيكونان هناك بل مئات منظمات الرفض، التي تتخذ صورة «منظمات حقوق»، ستقف على ساقيها الخلفيتين كي تجعل الاتفاق «استسلاما» وكي تدعي بان ابو مازن هو «عميل». وهم لن يسمحوا لاي اتفاق فيه اعتراف بدولة «اسرائيل» بالتحقق.

رجاء لا تستخفوا بهذه الهيئات. تأثيرها ليس هامشيا. يدور الحديث عن شبكة مع قوى لوجستية هائلة. مؤخرا فقط نجحوا في ان يمرروا قرارا بالمقاطعة ضد «اسرائيل» في الاتحادات المهنية البريطانية. الدول الغربية، ولا سيما دول اوروبا والاتحاد الاوروبي، تمول حملة الرفض. هذه حملة لتخليد النزاع. «حماس» واحمدي نجاد لم يحلما في أن يمول الغرب حملتهما الدعائية. هذا فصل آخر في سخافة العالم الحر. العالم الحر يدفع الثمن ايضا. بكل ما تعنيه الكلمة.

[**تعقيب ممثلية الاتحاد الاوروبي في «اسرائيل»*]

التمويل من الممثلية الاوروبية يدعم مشاريع محددة في مواضيع محددة (كدعم حقوق الانسان او العناصر التي تعمل على تقدم المسيرة السلمية). ويدور الحديث عن مشاريع مقررة حسب خطوط توجيه تحددها سياسة المساعدات الخارجية للممثلية. الممثلية الاوروبية لا تمنح دعما ماليا للمنظمات بصفتها هذه بل مشاريع معينة ومحددة جيدا. الاتحاد الاوروبي يقيم منحه على أساس معايير عامة راسخة.

المنظمات غير الحكومية التي تلقى مشاريعها الدعم من الممثلية الاوروبية ملزمة بان تفي بكل قواعد وانظمة الممثلية، وبشكل عام تعمل بشكل ينسجم والقيم الديمقراطية للاتحاد الاوروبي. لا يعني هذا ان سياسة الاتحاد الاوروبي يجب أن تجد تعبيرا ثابتا لها في كل تصريحات هذه المنظمات. عمليا، الممثلية تطلب ادخال عبارة في كل نشر في اطار المشاريع المختلفة يعلن بان مضامينها لا يمكن أن تفسر في أي حال كمضامين تعكس موقف الاتحاد الاوروبي.

الاتحاد الاوروبي يدعم دعما كاملا تعدد الاراء وحق التعبير، طالما كان الامر يتطابق ومبادئه الديمقراطية الاساسية. المعلومات عن التمويل يمكن ايجادها في موقع الانترنت للممثلية.

- [**بن درور يميني | «معاريف» | 24 ايلول (سبتمبر) 2010*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2178712

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2178712 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40