الجمعة 24 أيلول (سبتمبر) 2010

هكذا أنشأت «اسرائيل» دولة فلسطين

الجمعة 24 أيلول (سبتمبر) 2010

بعد حرب الأيام الستة مباشرة عقدت الدول العربية مؤتمرا في الخرطوم وأقرت اللاءات الثلاث المشهورة : لا للسلام ولا للاعتراف ولا للتفاوض مع «اسرائيل». لكن كان لـ «اسرائيل» أيضا لاءات خاصة. أحدها: لا للعودة الى حدود 67 والثانية لا لانشاء دولة فلسطينية.

كان لمعارضة انشاء دولة فلسطينية أسباب ثقيلة الوزن لم تزل حتى اليوم. كان على هذا الشأن اجماع وطني خالفوا عنه في اليسار المتطرف فقط. سأبحث في البدء أسباب معارضة انشاء الدولة الفلسطينية، وبعد ذلك السبيل التي مضت فيها «اسرائيل» في واقع الأمر والتي أفضت الى انشاء هذه الدولة في مسار ما زال لم يستكمل.

[**معارضة الدولة الفلسطينية*]

كانت سلسلة من الاعتبارات الثقيلة الوزن في أساس معارضة انشاء دولة فلسطينية. أحد الاعتبارات يقارن مشكلة القدس: فقد سيطر المسلمون على أرض «اسرائيل» والقدس أكثر من 1000 سنة، ولم يجعلوا القدس عاصمتهم قط. قطع سلطان المسلمين في أرض اسرائيل الذي بدأ مع الاحتلال العربي في القرن السابع للميلاد مدة ما بالحملات الصليبية. سيطر الصليبيون في أثنائها مدة نحو من مئة سنة على القدس نفسها وجعلوها عاصمتهم.

عندما احتل القائد الكردي صلاح الدين القدس من الصليبيين، عاد الى العادة الاسلامية وامتنع عن جعل القدس عاصمته.

لم يتغير الوضع عندما احتلت الدولة العثمانية أرض «اسرائيل» في 1517 وسيطرت على البلاد 400 سنة. لم تبلغ القدس في أثناء هذه المدة كلها الى أكثر من كونها عاصمة اقليم (سنجق)، كان في الحقيقة اقليما «مستقلا» واشتمل فقط على جزء صغير من أرض «اسرائيل». وكانت أجزاء كبيرة أخرى في نطاق أقاليم أخرى : سنجق عكا (الذي اشتمل على حيفا وصفد وطبرية والناصرة) وسنجق نابلس.

عندما احتل البريطانيون أرض «اسرائيل» من الأتراك في 1917 في أواخر الحرب العالمية الثانية، جعلوا القدس عاصمة الدولة استمرارا على تقليد المسيحيين (الذي يشابه في هذا الشأن التقليد اليهودي).

بقيت السيطرة على القدس الغربية في حرب الاستقلال في يد «اسرائيل»، اما البلدة الشرقية فاحتلها جيش عبدالله ملك الاردن. جعلت «اسرائيل» عاصمتها في القدس لكن الاردن استمرت على التقليد الاسلامي الطويل وامتنعت عن جعل القدس عاصمتها. كانت عمان وما تزال عاصمة الاردن.

كان الاتفاق مع الاردن في شأن الضفة الغربية يقتضي التوصل معها الى تسوية تتعلق بالأماكن المقدسة لكن سؤال جعل القدس عاصمة الدولتين لم يثر، وكان الاختلاف أقل شدة مما هو مع الفلسطينيين. فهم يرون أن جعل القدس عاصمتهم شرط لا يتجاوز. وهكذا، لأول مرة في التاريخ، نواجه مطلب جعل القدس عاصمة الدولتين.

كانت اعتبارات اخرى ثقيلة الوزن لمعارضة الدولة الفلسطينية. كان واضحا ان الفلسطينيين سيعرضون ما يسمونه «حق العودة» في رأس سلم أفضلياتهم، وهذا المطلب يعرض وجود دولة «اسرائيل» للخطر. والى ذلك يوجد خوف يشك في أن يستطيع اتفاق مع الفلسطينيين (اذا احرز) ملاشاته وهو أن يطلبوا العودة الى حدود التقسيم التي أقرتها الأمم المتحدة في ذلك الوقت. وهذا أيضا مطلب ليس بعيدا من مطلب القضاء على دولة «اسرائيل».

من الجهة الاخرى، المساحة المخصصة للفلسطينيين، اذا حظوا بدولة، ستكون ضيقة بالضرورة، والضغط الذي سيستعملونه على «اسرائيل» فيما يتعلق بالمساحة وفيما يتعلق باستيعاب السكان سيأخذ في الازدياد.

ينبغي أيضا أن نذكر مشكلة نزع السلاح. توافق الدول في الأكثر على نزع السلاح عن بعض ارضها. يمكن افتراض أن الأردن كانت توافق على نزع السلاح عن الضفة الغربية لو سلمت اليها. أما من وجهة نظر الفلسطينيين فان نزع السلاح عن الضفة وقطاع غزة يعني نزع السلاح عن دولتهم كلها. وحتى لو وافقوا فهنالك الخوف من ألا يفوا بذلك.

إزاء هذه الاعتبارات كان يمكن افتراض أن تفعل «اسرائيل» كل شيء للتوصل الى تسوية مع الأردن لكن ما جرى في الواقع هو العكس. فبرغم معرفة المعطيات والأخطار فعلت «اسرائيل» كل ما استطاعت لتعزيز الشعب الفلسطيني ولتدفع نفسها الى وضع يكون الاختيار فيه بين دولة فلسطين ودولة ثنائية القومية.

[**ديان يوحد الشعب الفلسطيني*]

في 1948 كان الفلسطينيون مشتتين في عدة دول : في الأردن و«اسرائيل» ومصر وسورية ولبنان. المساحة التي خصصت لدولة فلسطين بقرار الأمم المتحدة قسمت بين الأردن ومصر (التي فازت بقطاع غزة) و«اسرائيل». كان أفضل استيعاب للفلسطينيين في الأردن. وحظوا في «اسرائيل» بجنسية وحقوق تصويت لكننا لم ننجح للأسف الشديد في ادماجهم وجعلهم يشايعون الدولة. ربما كنا ننجح على السنين، لكن نشبت في تلك الأثناء حرب الايام الستة التي غيرت وجه المنطقة. احتلت «اسرائيل» مناطق واسعة أكثر من مساحتها الاصلية بأربعة أضعاف.

لأول مرة منذ فترة الانتداب كانت أكثرية الجمهور الفلسطيني تقع تحت سلطة دولة واحدة هي «اسرائيل».

في الحقيقة لم تضم «اسرائيل» الضفة (ما عدا شرقي القدس) والقطاع، ولم يجر القانون «الاسرائيلي» عليهما لكن وزير الدفاع آنذاك، موشيه ديان، فتح المنطقة كلها على اتساعها، ومحيت الحدود في واقع الأمر، ومن انتقل مثلا من القدس الى بيت لحم لم يشعر بأنه موجود خارج مساحة دولة «اسرائيل» الرسمية.

كان شعور الاتساع عند «الاسرائيليين» مريحا ولذيذا في السنين الاولى على الاقل لكن كان لذلك معنى عميق عند الفلسطينيين: فلأول مرة بعد عشرات السنين أمكن لقاء مريح مباشر بين سكان القطاع وسكان الضفة وعرب «اسرائيل». قويت الصلة ونشأت علاقات زواج أيضا. وكان معنى ذلك تعزيز الشعور بأنهم شعب واحد ذو مطامح سياسية.

كانت لكل ذلك ظواهر مصاحبة: فقد رفه ذلك على البدو في النقب. كان وضعهم الاقتصادي أفضل من وضع عرب الضفة والقطاع. وفي غضون سنوات غير كثيرة انتشرت ظاهرة تعدد الزوجات ومعها زيادة كبيرة هي الأسرع في العالم لعدد سكان البدو في النقب.

وإلى ذلك اعتادت «اسرائيل» قوة عاملة رخيصة من المناطق. تعلم عرب المناطق معرفة «اسرائيل» وهو أمر استعملته المنظمات «الارهابية» حينما حان الوقت.

[**المستوطنات في المناطق*]

بعد حرب الايام الستة فهمت حكومة «اسرائيل» جيداً مشكلة السيطرة على مناطق ذات سكان عرب مزدحمين. اقترح يغئال ألون خطة تسيطر في نطاقها «اسرائيل» على المناطق غير الآهلة في الضفة، وتعيد الى الاردن المنطقة الآهلة. لكن حسيناً ملك الاردن لم يكن مستعداً لذلك وفشل التفاوض معه.

بحسب منطق خطة ألون ربما كان ثمة مكان لاستيطان المناطق غير الآهلة بكثافة والتي لم تر «اسرائيل» إعادتها، لكن تبين أنه لا توجد لـ «اسرائيل» سياسة واضحة ولا يعلم أحد ما هي المناطق غير المرشحة للاعادة. وتبين ثانيا أن السيطرة على الأمر خرجت من يد حكومة «اسرائيل». ففي فصح سنة 1968 استأجرت جماعة ُ يهود ٍ متديّنين فندقا في الخليل، ورفضت بعد العيد اخلاء المكان. أيد ألون، خلافاً لخطته هو نفسه هذا الاستيطان، وافضى هذا الاستيطان الى انشاء كريات أربع، في قلب السكان العرب المكتظين في منطقة الخليل.

كانت تلك خطوة واحدة من كثيرات أتت بعدها حينما كان المستوطنون يبادرون وتوافق الحكومة راغبة او غير راغبة على ما تم.

في مقابلة ذلك بدأت حكومة غولدا مئير تستعمل خطة الاستيطان في قطاع غزة. كان ذلك الماحا الى أنها لا تنوي اعادة القطاع الى مصر. وبقي سؤال (ماذا نفعل بالسكان الفلسطينيين الكثيرين هناك؟) مفتوحا، وبدا أنه لم يكن لأحد علم بكيفية مواجهة ذلك. ربما لم يشاؤوا فهم وجود مشكلة.
أثقل استيطان المناطق الآهلة جدا على احراز اتفاق مع الأردن. وسبب تعزيز الشعور القومي عند الجمهور الفلسطيني الذي شعر بأن اليهود يدفعونه عن أرضه.

[**رابين يرفض اتفاقا مع الحسين*]

بدأت ولاية اسحاق رابين الأولى لرئاسة الحكومة في 1974، بعد استقالة غولدا مئير من رئاسة الحكومة على أثر موجة الاحتجاجات بعد حرب يوم الغفران. في ذلك العام بدأت مباحثات في اتفاقات مرحلية مع مصر ومع الاردن ايضا.

في تشرين الاول (أكتوبر) من ذلك العام كان يوشك ان يُعقد مؤتمرُ قمة عربي في الرباط في المغرب. أراد الحسين حضور المؤتمر وفي يده إنجاز يمكنه من مواجهة منظمة التحرير الفلسطينية وأن يبين أنه قادر على التوصل الى تسوية مع «اسرائيل» ويحظى باعادة المناطق. كان من الافكار الممكنة اتفاق فصل قوات مع الأردن يشتمل على تسليم أريحا للحسين لكن رابين كان معنيا بائتلاف مع المفدال الذي عارض بشدة تسليم أجزاء من أرض «اسرائيل»، ورفض الفكرة.

حضر الحسين بيدين فارغتين، وقرر المؤتمر أن منظمة التحرير الفلسطينية هي ممثل الفلسطينيين الوحيد.

في السنة التي تلت ذلك تم احراز اتفاق مرحلي بين «اسرائيل» ومصر، اشتمل على انسحاب من منطقة كبيرة في شبه جزيرة سيناء ونقلها الى مصر. وأزيل اتفاق الفصل مع الأردن الذي كان سينقل اليها منطقة أريحا ويعطيها موطىء قدم في الضفة عن جدول العمل في ضوء قرار الرباط وموقف رابين.

كان ذلك أكبر خطأ استراتيجي لـ «اسرائيل».

بعد نحو 20 سنة في أيار (مايو) 1994 في القاهرة، وقع رئيس الحكومة رابين، في مدة ولايته الثانية في رئاسة الحكومة، على اتفاق مع زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات.عرف الاتفاق الذي عقد على اثر اتفاق اوسلو باسم «غزة وأريحا اولا»، وفي نطاقه سلمت السلطة الفلسطينية غزة وأريحا التي أنشىء فيها بعد ذلك الكازينو الشهير. والسؤال (ألم يكن أفضل من ذلك نقل أريحا قبل ذلك بعشرين سنة الى سيطرة الأردن؟) ما يزال هو بعينه.

[**اتفاق السلام مع مصر*]

في التفاوض السلمي مع مصر التقى رئيس الحكومة آنذاك، مناحيم بيغن، أنور السادات الزعيم الأكثر موهبة وحكمة في «الشرق الاوسط» بعد بن غوريون. وللأسف الشديد كان في الجانب الآخر من المتراس. في اتفاق السلام في 1979 نزلت «اسرائيل» عن سيناء كلها حتى آخر سنتيمتر وأزالت جميع مستوطناتها من هناك. وكان (انجاز) «اسرائيل» الوحيد من حيث المناطق هو قطاع غزة الذي بقي في يدها. فرح السادات لخلاصه من هذه المشكلة، أما بيغن ففرح بضمها اليه.

بعد ذلك بأكثر من 25 سنة بقليل، في صيف 2005 تخلت «اسرائيل» عن القطاع في نطاق الانفصال. والسؤال (أما كان أفضل أن نطلب من مصر إعادة القطاع مع جميع الرزمة بدل التخلي عنه بعد ذلك لسلطة «حماس»؟)، بقي هو نفسه.

التزمت «اسرائيل» أيضا في اتفاق السلام مع مصر بإنشاء سلطة منتخبة للفلسطينيين ومنحهم حكما ذاتيا. كانت تلك خطوة حادة نحو انشاء دولة فلسطينية وإن يكن الحديث في تلك المرحلة عن مشاركة الأردن في التفاوض. لم تحقق «اسرائيل» اتفاق الحكم الذاتي واستمر بيغن على سياسة الاستيطان. وعلى أثر ذلك ترك موشيه ديان وعايزر وايزمن حكومته.

[**شامير يرفض تفاهمات لندن*]

بعد انتخابات 1984 أنشئت حكومة وحدة وطنية بنيت على التناوب. تولى شمعون بيريس في السنتين الأوليين رئاسة الحكومة وبعد ذلك اصبح اسحاق رابين رئيس الحكومة وحل بيريس محله في وزارة الخارجية.

في نيسان (أبريل) 1987 التقى بيريس الحسين وتوصلا الى تفاهمات على مؤتمر دولي تجري في اطاره «اسرائيل» والاردن تفاوضا في احراز اتفاق سلام كان يفترض بطبيعة الأمر أن يتناول شأن الضفة الغربية. أولى بيريس التفاهمات التي تم احرازها معنى عظيما. ربما لو كانوا استمروا على هذا المسار لنضج الأمر ليصبح اتفاقا رغم انه لا يقين من ذلك. على كل حال رفض رئيس الحكومة شامير الأمر رفضا باتا وأزيل الموضوع عن جدول العمل.

[**الانتفاضة واتفاقات اوسلو*]

في كانون الأول 1987 بعد أشهر معدودة من رفض تفاهمات لندن، نشبت الانتفاضة الأولى. استمرت سنوات وكان فيها زيادة على تأثيراتها في «اسرائيل» والفلسطينيين ما يضائل مطمح الحسين الى العودة الى المناطق التي أصبحت ذات شعور قومي وقدرة عسكرية. كان يبدو أن الخيار الأردني الذي أضيع في ولاية رابين الأولى قد انتهى.

هكذا توصل بيريس ورابين في ولايته الثانية الى اتفاق اوسلو مع عرفات والد «الارهاب» الفلسطيني. عاد عرفات الذي طرد من الاردن في «ايلول الاسود» وطرد من لبنان في حرب لبنان الاولى الى مركز المنصة مع المنظمات «الارهابية». وافقت «اسرائيل» على انشاء دولة فلسطينية. وتم التخلي عن المبدأ الاساسي الذي أيدته بعد حرب الايام الستة.

[**نحو المستقبل*]

اقتنعت دولة «اسرائيل» بأنها لا تستطيع الاستمرار على الوضع الذي تسيطر فيه على مئات آلاف الفلسطينيين الذين ليست لهم حقوق مواطنة، وكان كثيرون أدركوا ذلك منذ البدء.

بدا حل انشاء الدولة الفلسطينية لحينه هو الحل الأسوأ والأخطر. بقي من وجهة نظر «اسرائيل» بمنزلة حل صعب بيد أنه نجمت حلول أصعب منه فجأة.

تلوح في الأفق «رؤيا» الدولة الثنائية القومية وتبين أن الفلسطينيين أيضا غير متعجلين. إن الزمن الذي مر، وربما ما فعلته «اسرائيل» منذ الأيام الستة، لم يكونا في صالحها. ربما كان الزمن في صالحهم، من وجهة نظر المطامح الفلسطينية.

تواجه «اسرائيل» مرة أخرى قرارا (إن عدم الفعل أو تجميد الوضع الراهن هما بمنزلة قرار أيضا).

دلت التجربة منذ حرب الايام الستة على أنه عندما تواجه «اسرائيل» في هذا الشأن عدة إمكانات، فانها تحرص بغير شذوذ تقريبا على اختيار الامكان الأسوأ لها. يجب أن نؤمل ألا يكون هذا إشارة الى ما يأتي في المستقبل.

- [**دانيال فريدمان | «يديعوت» | 24 ايلول (سبتمبر) 2010*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2178528

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178528 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40