اصغيت جيدا لكلام رئيس الحكومة قبل سنة ونصف سنة، ايهود اولمرت، في خطبته الأخيرة في اجتماع «مؤتمر جنيف». تحدث عن دولتين للشعبين على أساس حدود 1967. في القدس، سيكون اليهودي «اسرائيلياً» والعربي فلسطينيا، وعن أن عشرات آلاف اللاجئين سيدعون الى «اسرائيل». وعن أنه ستكون ترتيبات أمنية لا تمس بالسيادة الفلسطينية. وعن أن كل ذلك سيتم عن ايمان قوي بعدالة طريقنا وبالصهيونية وضمان «دولة يهودية» بالضرورة.
تذكرت ما لا يحصى من المواجهات بيننا. في المدارس، والمراكز الجماهيرية، والسبوت الثقافية، وفي «الكنيست». تحدث اولمرت دائما صدورا عن نفس الثقة بالذات، عندما كان عضو «كنيست» ووزيرا ورئيس بلدية القدس : كيف يمكن الحديث عن تقسيم القدس الشرقية، وكيف يمكن أن نرى حدود كارثة 1967 أساساً ما؟
وكيف يمكن أن ندخل لاجئا واحدا في «اسرائيل»؟ إن من يتحدث على هذا النحو يمثل في الحقيقة مصلحة الغير لا مصلحتنا. هذا ما قاله. وهو الصهيوني الفخور الذي يعرف عدالة طريقه. وأنا، مع الاعتذار تقريبا، بينت مرة بعد أخرى أن هذه بالضبط مصلحتنا، وأنه لن تكون لنا «دولة يهودية» اذا بقيت الأمور كما هي. كان يجب في ظاهر الأمر أن أفرح لأن هذا الرجل الذي صوت معارضا اتفاقات كامب ديفيد في 1978 والتف على بيغن من اليمين، يقول اليوم، الكلام الذي قلناه قبل سنين كثيرة. لكنني لا أستطيع أن أفرح.
أرى في بصيرتي جميع رؤساء الحكومة الذين غيروا طريقهم واحداً بعد الآخر : بيغن الذي كاد يستوطن سيناء قبل أن يخليها جميعها، وشامير الذي شارك في مؤتمر دولي أقسم على تعويقه، وبيريس الذي عارض مصالحة على المناطق وأصبح رمزاً لها، ورابين الذي قال إن المجنون فقط يتخلى عن هضبة الجولان وأصبح هو نفسه هذا المجنون، وباراك الذي عارض بشدة الانسحاب من لبنان وجعله عنوان ولايته، وشارون الذي قال إن مصير نتساريم كمصير «تل ابيب» وتخلى آخر الأمر لا عن نتساريم فقط بل عن قطاع غزة كله حتى أنه لم يطلب عوضا، وأولمرت الذي عارض بشدة «مبادرة جنيف» وكاد يحققها (في مؤتمر مؤيديه في الليكود بعد نشر المبادرة على الفور في نهاية 2003، قال وأنا اقتبس من ذاكرتي من يريد التوصل الى اتفاق دائم مع الفلسطينيين، يدرك الآن ثمنه الدقيق).
يجب علينا نحن غير المستعدين لدفع هذا الثمن أن نفضل اجراءات اخرى. لا يمكن أن نفرح لأن الزمن مضى وتمت التنازلات دائما تقريبا متأخرة جدا اذا تمت.
أقول لنتنياهو : اذا جرى عليك أيضا التغيير الذي جرى على جميع أسلافك، فلا تنتظر نهاية ولايتك كي تكتب كتابا او تخطب خطبة «كنت أنوي». وإذا كنت تفهم ما فهموه هم أيضا فهذه هي لحظتك لتفعل ما لم يجرؤ أكثرهم على فعله. من أجل تحقيق الرؤيا التي تؤمن بها أنت أيضا.
[**يوسي بيلين | «إسرائيل اليوم» | 28 ايلول (سبتمبر) 2010*]