السبت 2 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

«هبّة أكتوبر» : حكاية انفجار غضب فلسطينيّي الـ 48

السبت 2 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

مرَّ عقد، والصور التي نسجتها بداية الخريف الأول في الألفية الثالثة عالقة وتزداد حزناً من عام إلى آخر. تضيع هذه الصور أحياناً في غياهب التقاليد اليومية، لكنّها تعود مع نهاية أيلول من كل عام، حين يسير الحشد نحو إحياء جرحه.

من عاصر تلك الأيام العصيبة نهاية أيلول عام 2000 يعي اليوم جيّداً أن الوقت يمّر بسرعة، وأنَّ الجرح النازف لم يقتل صاحبه، لكنَّه حتماً ترك ندبةً وذكرى لم يمحُها عقد من الزمان.

إنَّها الذكرى العاشرة لأحداث «هبّة أكتوبر»، حين سقط 13 شهيداً من فلسطينيّي الـ 48 برصاص قوات الأمن. لكن أرقام السنوات لا تهم، إذ لا تزال تلك الأم تحمل صورة ابنها : ملامحها أشد فقراً، أشدّ حزناً. خطواتها أثقل، وصوتها أشد هدوءاً. لا حاجة إلى أن تسألها عمّا تشعره به اليوم، فالشعور كل يوم. تجاعيد وجهها تحكي الحقيقة. من عام إلى عام تراها تكبر لكن ابنها، كعادته، لا يزال مبتسماً في تلك الصورة التي التُقطت له قبل رحيله في مكان يستدعي الابتسامة. حين تسألها عن حالها، ستقول لك إنّها تبحث عن العدالة المفقودة، عن أن قاتلاً يعيش حياةً رغيدة بفعل المؤسسة. وفي سرِّها ملايين الكلمات تفضحها دمعة تنهمر حتماً عند الحديث.

أكتوبر حدث خلق أحداثاً لدى فلسطينيي الـ 48. مرحلة تاريخية لم يفجّرها دخول أرييل شارون إلى باحة الأقصى فحسب، بل إنّها حقبة من احتراق الأمل الكاذب الذي عاشه الفلسطيني نهاية التسعينيات. في تلك الأيام، كان الناس على موعدٍ مع الغضب الذي راكمته سنوات «الانفراج» الكاذب بعد «أوسلو». الحجر الأول في القدس المحتلة كان كافياً لأن يطلق الفلسطيني صرخته ويحيي تلك العلاقة بين الجرح والمكان دون الحاجة إلى بيان صادر عن هيئة عليا. فاشتعل الغضب. غضب لا يمكن اليوم أن يحتمل «تقويمات» سياسية عن «خطأ» أو «صواب». لا أحد يملك أصلاً سلطة للحكم على تلك الأحداث. كان غضب الجماهير الفلسطينية ناجماً عن أوضاعها. غضب يبدأ من صالون البيت ولا ينتهي بالرفض الفطري لمعادلات السلام. صرخة من كل شيء على كل شيء. قضية تبدأ من حروف الكتابة الأولى ولا تنتهي بالأحلام. في حينها، لم تكن الحياة متوقفة على تجميد أو عدم تجميد في بناء في المستوطنات. كانت الحياة متوقفة على الحياة.

ساد الغضب أماكن «غير متوقعة»، في المدن المختلطة صرخوا ضدَّ التعايش المغلّف بالتمييز ضدّهم. من يذكر حيفا مثلاً، تلك المدينة المختلطة، فسيقول إنَّها «هادئة بفعل التعايش»، لكنَّ أهلها في تشرين الأول، وخلافاً لتوقعات «الخبراء» هبّوا هم أيضاً. في العصر الثالث للأحداث، تجمّع الناس على مقربة من حي وادي الناس، حين كانت الأخبار تُتناقل عن سقوط مزيدٍ من الشهداء. اشتعل شارع الواد بالصرخات وبدأت المواجهات التي كانت صدمةً لرئيس بلدية «التعايش» عمرام ميتسناع، أحد المقربين من إيهود باراك. في حينه، نزل إلى الشارع، واستقبله الحشد بهتافات تحطم أحلام الجنرال الذي صار رئيساً للبلدية. هل هذا يجري في «مدينة التعايش»؟

في ذلك الليل، الشبان البسطاء في السياسة، ممن لم يعاصروا أحداثاً مشابهة من قبل، تجمّعوا في إحدى الجلسات الليلية على طرف شارع الوادي، تحدث الشبان عن يوم المواجهات الغريبة عن بيئتهم، عن المدن التي تحيط بهم. وعن شائعات تقول إن أهل الكريوت (ضواحي حيفا) سيهجمون هذه الليلة على الوادي، منهم من خاض هذه التجربة للمرة الأولى، ومنهم من عاصر مقاطعة اليهود لحيّهم، إلى أن ولد جيل في المدينة يعي أنَّ الحياة لا يمكن أن تتواصل بـ «السلام مقابل الحمص».

هؤلاء الشبان أنفسهم نزلوا في تلك الليلة إلى مستشفى «رامبام»، حين سمعوا أنَّ شاباً نصراوياً بحالٍ حرجة إثر تعرضه لإطلاق نار من قوات الشرطة. تجمّعوا عند غرفة العناية المركّزة، وشاهدوا أمّه عندما سمعت لتوّها خبر استشهاده. كانت صرخاتها تكسر صمت المستشفى الكبير، لتعلن هذه الصرخة بداية مرحلة أخرى بالنسبة إليهم.

تشرين الأول كان، ولا يزال، حكاية عن غضب انفجر ليولد جيلاً جديداً بعد خيبة «أوسلو».

- **صحيفة «الأخبار» اللبنانية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165816

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165816 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010