الأحد 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

عملية عاصفة الردع

الأحد 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

أدركتني عاصفة برق ورعد خارج حدود البلاد والدولة، ومع ذلك كان أول تساؤل نجم هو : من الذي نقصفه الآن اذا؟ سيقول شيوخ المكان بعد ذلك انهم لا يتذكرون رعودا مخيفة الى هذا الحد. وعندي خاصة كان التساؤل بلا خوف، أي انه بلا إنذار بخطر. برغم التساؤل الآلي، لم يترك المنظر والزمان مكانا للشك في أن الحديث ليس عن اصوات من فعل يد الانسان.

استوعبت وأنا بعيدة عن البيت اذا ان الاصوات الأولية هذه، المليئة بالقوة، عُوجّت وشُوشت وأُفسدت الى الأبد. واليكم استنتاج آخر في الاسبوع الذي نتذكر فيه عشر سنين منذ نشوب الانتفاضة الثانية : يعيش في لبنان وفي الضفة الغربية وفي غزة مئات آلاف البشر أو أكثر، يتبلبلون بين عواصف الرعد والشيء الآخر. فذكرى قصف الجيش «الاسرائيلي» محت عندهم ظاهرة الطبيعة واجلالها. ويثور عندهم الخوف بدلا منها.

استطعت أن أتعلم عن عدم الصلة بين الخوف والواقع في أحد الاشهر الاولى من الانتفاضة (أو أصح من ذلك قمعها)، عندما نجم في الحي عندنا حاملة جنود للجيش «الاسرائيلي». كان كل شيء جديدا، وبدا غير حقيقي. وتحدث جندي، والجزء الاعلى من جسمه يطل خارج المدرعة بارتياح الى متحدثين بالانكليزية ذوي فضول ومتحدثة بالعبرية تبين وجودها في الحي. سُمعت فجأة طلقة ضعيفة واحدة من بعيد. بغير خجل وبغير مظاهر بطولة سارع الجندي الى ادخال رأسه وجسمه الى الداخل واغلاق الغطاء، وهو ما أثار مفاجأة جميع الواقفين حول المدرعة. علمنا نحن وكنا مكشوفين انه لا يوجد أي خطر وانها مجرد طلقة. ربما خاف الجندي، وربما عمل حسب توجيهات انه لا يجوز لجندي في الجيش «الاسرائيلي» المخاطرة. أما المؤكد فهو أنه لم يعرف الوضع الحقيقي في الميدان.
ولهذا فلا يهم انه لا تمكن التسوية بين اصابة صاروخ قسام فلسطيني واصابة قذيفة «اسرائيلية» فضلا عن قنبلة. الخوف يبقى خوفا، بغير ما صلة بالتناسب بين الاسلحة وكميات الذخيرة المستعملة. في 2003 أو 2004 صادفت في مخيم اللاجئين على الشاطىء في غزة شخصين من «حماس» كانا مسؤولين عن اطلاق صواريخ القسام. سألتهما ما الذي يحرزانه من هذا الاطلاق، وذكرت النكتة التي وُلدت آنذاك في غزة، وهي أن كل قسام يكلف مليون شيكل، وهي كلفة الاضرار التي يُحدثها الجيش «الاسرائيلي» في بيت حانون بعد كل صاروخ قسام. عرف كلاهما النكتة لكنهما بيّنا بغير بلبلة انهما يريدان أن تخاف النساء والاولاد «الاسرائيليون» كما تخاف نساؤهم واولادهم.

توجد قصص خوف ايضا عند جنود أدلوا بشهادات لـ «نكسر الصمت». فقد تحدث أحد الجنود مثلا عن خروج لاعتقال فلان، «قالوا لنا انه مصدر جميع الشر في العالم وإن هتلر اذا قيس به فانه مثل الأم تريزا وأننا لا نستطيع بسببه النوم في الليالي. جميع صنوف الحكايات.. تكون بلا تناسب وتأتي للقتال.. بعد غسل الدماغ الذي يقومون به وهو شامل، يجعلونك تدرك انه يوجد ما تخافه. خرجت متأثرا للاعتقال.. لم يفتح (أبناء العائلة) الباب لانهم لم يستيقظوا كما يبدو. بعد أقل من دقيقة، كسرنا الباب بمطرقة فقد كان الباب من الخشب. توقعت أن أرى مخربين وسلاحا ورأيت امرأة في نحو الستين، ورجلا أكبر سنا وأحفادهما.. كان يجب علينا أن ندخل دخولا هادئا وخروجا ضاجا. ألقينا بقنبلتي رعب، وأطلقنا قذائف إنارة الى الجو، وهو ما جعل سكان المكان يخافون..».

ويتحدث ثانٍ عن اعتقال اولاد في الرابعة عشرة. يُدخلونهم سيارة جيب، مكبلين وأعينهم مغطاة بخرق، ازاء نواظر المارة. «بعد لحظة يمكن أن يطلقوا النار عليك. كل شيء في وضع الخوف يعني.. يصوبون اليهم السلاح.. كان من العجيب تصويب السلاح الى الاولاد. وفي اثناء ذلك ايضا تصوب السلاح الى كل ما هو حولك.. يبدو لي ان ذلك بسبب انك خائف لانك في وضع لا تعرفه، ولانهم يقولون لك إفعل ذلك.. عندما لا تعرف الوضع.. وأنت لا تقلّ عنهم خوفا».

وجندي آخر، أدرك في عملية «السور الواقي» فجأة «أن الدبابة هي قوة نار مجنونة نفسيا. أنت تتجول في داخل (منطقة آهلة)، كل قرى اللاجئين هذه حولك ومع آلات النار الفظة هذه، تطلق النار في داخل مكان كهذا».

تطلق النار من مدفع داخل حي.. شعرت بشعور سيىء. إن «السور الواقي» أمر معقد ومجنون.. تحدثنا دائما بمصطلحات الحرب. استغرق الأمر منّي شهرين أو ثلاثة لأفهم.. أنني لم أرجع من حرب. كنت في عملية ما.. بائساً بمعانٍ كثيرة. وأُثيرت هناك طوال الوقت مصطلحات «أطلقوا النار في كل اتجاه»، و«على كل ما يتحرك»، وتكررت طوال الوقت كلمة «الحرب». هذا هو المزاج العام بين المحاربين، بيننا، بل حتى داخل الدبابة، كان شعور وكأننا نعود في نفق الزمان، نحن داخل دبابتنا في حرب كحرب الايام الستة.. أتجول حتى اليوم مع شعور وكأن شخصا ما وجّه الجو من الخارج».

وجندي آخر : «عندما كنت جنديا اعتقدت انه يوجد منطق وراء الاشياء. وعندما اصبحت قائدا أدركت انه لا يوجد في الحقيقة منطق وراء الاشياء. وأدركت أن كل شيء تحركه اسباب سياسية، واذا كان عندك قوات فانهم يجدون لك عملية.. تدخل البيوت، وترى الناس يتبولون خوفا.. أو اولادا صغارا يبكون. ليس هذا شيئا زعزعني كثيرا لحينه لكن لم تزعزعني اشياء كثيرة لحينه».

- [**عميرة هاس | «هآرتس» | 3 اكتوبر (تشرين الأول) 2010*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2180943

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2180943 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40