الاثنين 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

أسئلة تحتاج إلى أجوبة واضحة

الاثنين 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par د. كلوفيس مقصود

للوهلة الأولى تصورنا أن لجنة المتابعة العربية اتخذت قراراً بوقف «المفاوضات»، أي المحادثات بين «السلطة الفلسطينية» و«إسرائيل» ما استولد انطباعاً فورياً بأن «المفاوضات» لم تعد واردة. كان هذا الانطباع عندما جاء الخبر مقتضباً، لكن تبين لدى قراءة بيان لجنة المتابعة أن «مهلة شهر» أعطيت «للرئيس» محمود عبّاس قبل اعتماد أحد بدائل أربعة أوردها «رئيس السلطة» أمام لجنة المتابعة، بمعنى أن قرار لجنة المتابعة كرر مواقفه السابقة بإخراج جديد ملتبس يستهدف تأجيلاً مؤقتاً ينطوي على تجاوب مع «رغبة» الادارة الأمريكية بالادعاء أن «مسيرة المفاوضات» لا تزال قائمة، وأن فرصة الشهر الواحد من شأنها توفير الفرصة أمام إدارة أوباما لتجاوز الانتخابات النصفية من دون نكسة إضافية لما تعانيه الولايات المتحدة من إخفاقات في حروبها في أفغانستان وتوتر علاقاتها مع باكستان وصعوبات المخارج للأزمة الحكومية في العراق، إضافة إلى علاقاتها المتوترة مع إيران وغيرها من مشاكل في اليمن والصومال.

ثم إن قرار وقف «المفاوضات»، (أي المحادثات) لمدة شهر تتصوره لجنة المتابعة مناورة «ذكية» إلا أنها في جوهرها محاولة للتذاكي لا تنطلي على أحد رغم أن السيدة كلينتون وجورج ميتشل سوف يسوقانها على أنها مجرد وقفة مؤقتة ثم تستأنف المباحثات بعد شهر.

إذا كانت الإدارة الأمريكية اعتبرت انقطاع «المفاوضات» لشهر واحد بمثابة عدم فشل فإنها تتصرف بكونها مجرد انقطاع مؤقت يحصل باستمرار، تمهيداً لتحرك جديد.

يستتبع هذا سؤال ملح إلى لجنة المتابعة : هل تعتبر فعلياً أن تعليق «المفاوضات» يشكل عقوبة رادعة لدفع «إسرائيل» إلى «تجميد الاستيطان» ناهيك عن وقفه؟ هل لجنة المتابعة العربية تتصور أن الرئيس أوباما في الاسبوعين القادمين على الأقل سوف يطلب تجميداً إضافياً لعمليات الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلة وسط شراسة معركة انتخابية نصفية غير مسبوقة من حيث انفلات الغرائز العنصرية المتمثلة بجناح «حزب الشاي» داخل الحزب الجمهوري المنافس؟ ألم تستوعب لجنة المتابعة محفزات الضمانات التي أعطتها الإدارة الأمريكية والتي من شأنها حسماً نهائياً لتفوق عسكري استراتيجي «إسرائيلي» على كل دول الجامعة العربية بشكل قاطع؟

لماذا لم تفند لجنة المتابعة دعوة نتنياهو العودة فوراً إلى المفاوضات من أجل السلام بدلاً من تعطيلها بهدف «إجهاض» خيار السلام بالمطالبة ب«تجميد الاستيطان» بدل أن يكون هذا المطلب الفلسطيني للتجميد «تعطيلاً» للسلام؟

ألم يكن جديراً بلجنة المتابعة العربية منذ البداية عدم الاكتفاء بطلب التجميد بل الإصرار على تفكيك المستوطنات إصراراً منها على أن اتفاقية جنيف الرابعة تحرم على سلطة الاحتلال أي تغيير أو تعديل للواقع الجغرافي أو السكاني في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها «إسرائيل»؟

يستتبع هذا سؤال آخر : لماذا لا تصر اللجنة بشكل حازم على الولايات المتحدة أن تنتزع من «إسرائيل» اعترافاً بأنها دولة احتلال لأن كل سلوكها منذ يونيو (حزيران) 67 وممارستها تؤكد أنها دولة غاصبة، وأن لا حق لها مطلقاً في الاستيطان أو تمسكها بالقدس عاصمة لها. ثم لماذا لا توصي لجنة المتابعة العربية بمقاطعة أي اتصال ناهيك عن أي تفاوض مع «إسرائيل» إلا بعد استقامة المعادلة القانونية التي كان إهمالها منذ «اتفاقيات أوسلو» سبباً رئيسياً للعبثية التي رافقت كل المحادثات والمفاوضات التي جرت منذ الاتفاقية العابثة وحتى من قبلها.

كما علينا أن نسأل هل درست لجنة المتابعة ما إذا واصلت «إسرائيل» عمليات الاستيطان والتهويد، وما قد ينطوي عليه أحد خياراتها المطروحة باللجوء إلى مجلس الأمن إذا ما تقدم العرب بمشروع قرار يلبي المطالب المشروعة للفلسطينيين واصطدم بممارسة الولايات المتحدة حق النقض «الفيتو» ما هو الرد العربي إزاء هذا الوضع؟ هل ترضى لجنة المتابعة بتجميع بنود القرار المقترح ومن ثم يصبح عديم الجدوى، وبالتالي تمتنع الولايات المتحدة وبالتالي يصبح قراراً من دون أي إلزام ويساهم في الإحباط بعد أن تم تسويق الاحتكام إلى مجلس الأمن على أنه خيار محتمل واعد؟

أسئلة كثيرة طرحتها لجنة المتابعة العربية بالأمس، إلا أن خياراتها المعلنة تتضمن نقصاً فادحاً، وهذا ليس تشكيكاً في دوافعها إلا أن ما آلت إليه القضية الفلسطينية يعكس معاناة اختبرها شعب فلسطين في مختلف أماكن وجوده مع تآكل متواصل في أرض وطنه، إضافة إلى الجرائم التي ترتكب بحقه، والمثبتة في قرارات لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وهو ما يتطلب أكثر بكثير من مجرد المطالبة في المرحلة الراهنة بـ «وقف الاستيطان» أو الاكتفاء بتجميده بل مراجعة نقدية ذاتية للمراحل التي مرت بها هذه القضية المركزية في الوعي العربي كما في دائرة الوجدان العالمي ودراسة بدائل من شأنها أن تنطوي على إجراءات فورية تتناسب مع صمود الشعب الفلسطيني، كما تستوعب معاناته وتعيد إليه ثقته بمستقبل طالما راوده وأصر على إنجازه انطلاقاً من حقه في تقرير مصيره، وتأكيد جذرية انتمائه إلى أمة عربية، وإعادة الفعالية لمعنى التحرير في منظمة التحرير وهي الإطار المفترض أن يكون تجسيداً لوحدة الشعب بكل شرائحه ومن دون استثناء مما يجعل من المنظمة مرجعية مرموقة لمسيرة المقاومة المستأنفة.

وحتى لا تتوجس لجنة المتابعة العربية من مصطلح مقاومة، لابد من إعادة تعريفها كبوصلة لتوجيه النغمة المشروعة السائدة باتجاه ثقافة المقاومة كرادع شرعي بحيث تتوفر فرص استنفاد العديد من الخيارات التي تشمل التعبئة الشعبية بمظاهرات منظمة واستمالة الرأي العام العالمي من خلال تأييد المقاومة المشروعة اضافة إلى التعبئة والعصيان المدني والاضطرابات بشتى تجلياتها وتفعيل تنفيذ الحقوق التي شرعتها القرارات الدولية والتي انتهكتها «إسرائيل» كنمط كامن في عقيدتها الصهيونية ظلت تمارسه منذ نشأتها بهدف جعل كيانها بمنأى عن المساءلة والامتثال لشرعة حقوق الإنسان وللقانون الدولي وما تقوم به من ابتزاز حتى لحليفتها الأمريكية وما ينطوي عليه خطاب «إسرائيل» من اتهام لكل من يعترض على سلوكها ووصمه باللاسامية، ومن يعارض سياساتها الاستفزازية تتهمه بالعمل على نزع شرعيتها، ومن يكتفي بنقد تصرفاتها فإنه «يمارس ضغطاً ظالماً عليها» ومن يحتج على إجراءاتها القمعية فإنه يتساهل مع التمييز ضدها ومن يقاوم اغتصابها واحتلالها فهو «إرهابي» أو متعاطف مع «الارهاب».

لذا لا مفر من استعادة منظمة التحرير لثقافة المقاومة بمعنى شمولية ومناقبية سلوكها حتى عندما تلجأ إلى خيار الكفاح المسلح عند استنفاد جميع الخيارات اللاعنفية كخيار أخير.

عندما تتوضح الصورة تتوفر البوصلة وتصبح الاجراءات الرادعة لتمادي «إسرائيل» لا في الاستيطان فحسب بل في الاستكبار وفرض نظام الابارتيد، عندئذ على لجنة المتابعة الموكول إليها من جامعة الدول العربية أن تدير العملية في المراحل القادمة، التحرر بدورها من المكبلات المفروضة على «السلطة الفلسطينية» مثل القوة المدربة أمريكياً في الاردن لأنها برهنت على أن معظم تصرفاتها كانت تتميز بتنسيق مع القوات «الإسرائيلية» في الأراضي المحتلة، لكن الأهم هو التمهيد لإعادة النجاعة إلى جهاز المقاطعة الاقتصادية لـ «إسرائيل» وتعليق كل العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع «إسرائيل»، والتنسيق الملزم بين الدول العربية في توفير كل المساعدات المطلوبة لمنظمة التحرير المستعادة وحدتها ووحدة فصائلها وبالتالي مرجعيتها وقيادتها لتحرير وطنها وشعبها.

من دون هذه الاجراءات تبقى «إسرائيل» منفلتة من أي عقاب، وأي تقاعس عربي في هذا المضمار، وأي تردد عن إعادة الوحدة إلى منظمة التحرير ولثقافة المقاومة ومستلزمات دعمها عربياً يجعل كل البيانات والمطالبات مجرد اجراءات عبثية وتستمر «إسرائيل» تهدد السلم والأمن الدوليين وتجعل مجلس الأمن الدولي عاجزاً عن أداء دوره في الحفاظ على الأمن والسلام.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 46 / 2165321

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165321 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010