الثلاثاء 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

لا سمح الله..

الثلاثاء 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par فرج بو العَشّة

في فليم وثائقي بعنوان «مناضلون أم ارهابيون» (بثته قناة الجزيرة الإخبارية) يقول الصحافي المحقق لمحلل «إسرائيلي» : ان «حماس» اختارها الشعب الفلسطيني في انتخابات ديمقراطية نزيهة.. ويسأله بما معناه ما موقف «إسرائيل» لو تمكنت الشعوب العربية من اختيار أنظمتها في انتخابات ديمقراطية نزيهة؟ فيجيبه المحلل «الإسرائيلي» بهدوء متهكم : «لا سمح الله». قالها بالعربية... ويقصد : لا سمح الله، بالنسبة لـ «إسرائيل» ومعها أمريكا والغرب بطبيعة الحال، أن يأتي يوم وتدخل الشعوب العربية التاريخ من باب حق تقرير مصيرها السياسي بإرادتها الديمقراطية الحرة.

وتحتفي بشرف تحررها النهائي من شعرة معاوية، بأعراس الانتخابات بلا شائبة تزوير أو طعن قانوني، وبمصداقة تامة على نزاهتها من كل منظمات ومؤسسات الدنيا المهتمة بحقوق الإنسان ورقابة الانتخابات.. لا سمح الله، بالنسبة لـ «إسرائيل» ومعها أمريكا والغرب بطبيعة الحال، أن تتمتع الشعوب العربية بالديمقراطية، لأنه عندها تغدو قادرة على إلزام حكوماتها المُنتخبة بسياسة خارجية تعبر بأمانة عن إرادة شعوبها ومصالحها القومة العليا، وتصبح حرية العرب في التفكير والتعبير والإبداع مشاعة كالهواء الطلق. كما مشاع يصبح حقهم في تشكيل الأحزاب والنقابات المهنية والمؤسسات المجتمعية المدنية. لا سمح الله، بالنسبة لـ «إسرائيل»، ومعها أمريكا والغرب بطبيعة الحال، أن تنقرض أنظمة الاستبداد العربية، على الأقل في فضاء جغرافيا دول الطوق حول فلسطين المحتلة، ومعها العراق الديمقراطي وقد استعاد عروبته من القومجية الكردية والطائفوية الشيعية. وفي هذا الفضاء الديمقراطي العامر بأنظمة وطنية ديمقراطية، تعج الحياة السياسية بحراك سياسي ديمقراطي، يتنافس فيه الإسلاميون الديمقراطيون، الأحرى الديمقراطيون المسلمون، والعلمانيون المؤمنون، والليبراليون الوطنيون، واليساريون المجدِّدون، سوف يصبح تكتل الدول العربية، في مشروع قومي اتحادي، تحصيل حاصل. تجمع إرادات أنظمة ديمقراطية حرة في منظومة أمن قومي مشترك واقتصاد قومي مشترك وثقافة قومية مشتركة ومصير جيوبولتيكي مشترك، مما يستدعي، بالضرورة، ضرورة التشكل في صيغة اتحاد سياسي مشترك بين ديمقراطيات وطنية، إن منطق «لا سمح الله»، بغرضه الصهيوني، نجده أيضاً في تعليق محلل «إسرائيلي» على تقرير إخباري للقناة «الإسرائيلية» (العاشرة) عن وضع الرئيس حسني مبارك الصحي ومستقبل حكم مصر بعد غيابه. فعندما سألت مقدمة البرنامج ضيفها المحلل «الإسرائيلي»، الخبير بالقضايا العربية، عن وضع مصر ما بعد مبارك المريض، بما معناه : هل تواجه «إسرائيل» مشكلة ما بعد مبارك؟ فانصب تحليل الخبير «الإسرائيلي» بالقضايا العربية على أن «إسرائيل» سوف تواجه مشكلة (لا سمح الله) إذا لم ينجح «جيمي» (اسم جمال ابن مبارك حسب تدليعه في أوساط طبقة الباشاوات وأبناء الذوات الجدد، وكذا في الصحافة «الإسرائيلية») في خلافة أبيه. بمعنى لا سمح الله، بالنسبة لـ «إسرائيل» ومعها أمريكا والغرب وعرب ما يسمون بمحور الاعتدال، أن يتمكن المصريون، بعد أربعة عقود من حكم الردة على التركة الوطنية الناصرية، من استعادة روح ثورة تموز (يوليو) ووعيها النهضوي التحرري في دولة ديمقراطية، تواطن وجودها الحضاري حسب مشروعية الدولة الحديثة في القرن الواحد والعشرين، بتفاصيلها المؤسساتية المتشابكة في سياقاتها الديمقراطية المختلفة ـ المؤتلفة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. هذا ما يخشاه بني صهيون، قيام الدولة العربية الحديثة (الوطنية الديمقراطية بالضرورة). وأن تكون أول ما تكون في مصر، بتاريخها الحضاري العريق وريادتها المعاصرة لنهضة العرب وتحررهم الوطني والقومي.. عندها سوف تفقد أمريكا هيمنتها بفقدانها أنظمة الاستبداد والتبعية التي اعتادت على استخدامها كأدوات طيعة لخدمة سياساتها وراعية مصالحها. وعندها تجد «إسرائيل» نفسها تواجه إرادة شعوب حرة وليس أنظمة مستبدة فاسدة خانعة. ويصبح التطبيع مع الدولة الصهيونازية أشد عاراً من سفاح القربى، لأن العرب (شعوباً) لن يعترفوا بوجود اليهود بين ظهرانيهم، وهم على ما هم عليهم من دولة صهيونازية. وحتى لو فرضت ظروف ضعف العرب، حالياً، القبول السياسي ـ الدبلوماسي بوجود دولة «إسرائيل» بناءً على اتفاقيات سلام تسفر عن عودة الأراضي المحتلة لسورية ولبنان وإقامة دولة فلسطينية ضمن حدود 4 حزيران (يونيو) 1967، سوف لن يقبل وجدان العرب تطبيع وجودهم الأصيل بوجود اليهود الطارئ الاغتصابي. وسوف يحمل العرب، ولو جيلاً عن جيل، قضية الخلاص النهائي من المسألة الصهيونية (وليس المسألة اليهودية)، بحيث لا يغدو ثمة مخرج لوجود اليهود في فلسطين العرب إلا بما هم مواطنون في الدولة العربية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2180601

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2180601 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40