الثلاثاء 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

يهودية «إسرائيل» : انقلاب استراتيجي

الثلاثاء 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par سعد محيو

ما أبعاد كل هذا الضجيج الهادر في «إسرائيل» حول «يهودية الدولة»؟

الاجتهادات ليست كثيرة، وهي تتمحور في الواقع حول تفسير يتيم: رغبة قادة «إسرائيل» في تحويل الشعار الصهيوني التلمودي حول ملكية اليهود التاريخية لكل أرض فلسطين وحتى ما بعدها («إسرائيل» الكبرى) إلى مادة مفاوضات مع العرب والمجتمع الدولي.

هكذا الأمر بكل بساطة.

في السابق، كان الاعتراف العربي بـ «شرعية» الدولة «الإسرائيلية» هو الهدف الذي تبنته الولايات المتحدة بحذافيره. وكان تجسيده الأكبر هو قرار مجلس الأمن الرقم 242 الذي صدر غداة نكسة 1967 والذي ربط بإحكام بين الانسحاب من الأراضي المحتلة وبين اعتراف العرب بـ «شرعية» الدولة «الإسرائيلية». آنذاك، رفع الدبلوماسي الأمريكي يوجين روستو، الأب الروحي لهذا القرار، شعار «إذا ماكان العرب يريدون العدل، فعليهم توفير العدل للطرف الآخر». وهذا يعني بصريح العبارة الاعتراف رسمياً بـ «إسرائيل».

بيد أن الظروف تغيرّت بشكل كاسح بعد اتفاقات كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة. فقد اعترف معظم العرب، سواء علناً أو ضمناً، بالدولة «الإسرائيلية» وأقاموا معها، علناً أو ضمناً، علاقات دبلوماسية وأمنية وتجارية.

فالاعتراف بـ «الشرعية» لم يعد كافياً لتبرير أهداف الحركة الصهونية التي كانت، ولاتزال، تستند إلى «الحق التاريخي» لليهود في كل فلسطين. وعلى رغم التباين بين تيارات هذه الحركة حول كيفية تحقيق هذا الهدف، حيث انقسمت إلى براغماتيين (مثل بن غوريون وباقي قيادات حزب العمل) يقبلون «التنازل» مرحلياً عن بعض هذه الأراضي التاريخية، وبين إيديولوجيين (من تلامذة جابوتنسي الليكوديين وتلموديين) يرفضون مثل هذا التنازل، إلا أن الجميع كان متفقاً على المبدأ الرئيس : السيطرة بأي شكل وبكل الأشكال على فلسطين برمتها.

الحل لعدم كفاية شرط «الشرعية» جاء في طرح شرط «يهودية «إسرائيل»». وهذا كان حلاً عبقرياً في الواقع. إذ هو يضع الفلسطينيين والعرب والغربيين على حد سواء أمام معادلة جديدة تستبدل معادلة الأرض مقابل الاعتراف والسلام التي استند إليها القرار 242، ومعه كل التطورات طيلة نصف القرن الماضي، بمعادلة الاعتراف بيهودية الأرض مقابل السلام.

هذا الانقلاب في المعايير وشروط التسوية لم يبق حبراً على ورق، بل تمت ترجمته سريعاً، عبر خطوات شملت :

طرح هذا المطلب رسمياً في المفاوصات المباشرة مع الفلسطينيين في واشنطن، وأيضاً خلال القمة بين أوباما ونتنياهو. وعلى رغم أن الرئيس عباس وجد نفسه مضطراً للسخرية من مثل هذا الطرح، إلا أن الرئيس الأمريكي لم يحذُ حذوه بل أدلى ببيان حول الالتزام المطلق بأمن «إسرائيل» فسّره نتنياهو فوراً على أنه يعني الموافقة على «يهودية الدولة».

إقرار اقتراح وزير العدل «الإسرائيلي» ياكوف نعمان بتغيير قانون المواطنة «الإسرائيلي»، لينص على أن كل من يرغب بالحصول على الهوية «الإسرائيلية» عليه الإدلاء بولاء القسم لكون «إسرائيل» «دولة يهودية وديموقراطية».

وأخيراً، قيام الجيش «الإسرائيلي» قبل أيام بمناورات عسكرية ضخمة تحاكي عملية ترانسفير (تهجير) عرب فلسطين 48 من أرضهم ومنازلهم، استعداداً لتنفيذ فكرة الدولة اليهودية النقية، سواء من خلال فرض تسوية تتضمن هذا الترانسفير على الفلسطينيين، أو عبر حرب شاملة جديدة.

كل هذه التطورات تشي بأن مسألة يهودية «إسرائيل» لم تعد ألعاباً تكتيكية لغوية، بل هي توجّه استراتيجي تكاد عناصره تكتمل فصولاً الآن.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165631

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165631 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010