الأربعاء 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

النظام يدير اللعبة.. ضربة مصر

الأربعاء 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

يتشابه طلاب الجامعات في اماكن مختلفة في العالم احيانا كثيرة في الاهتمامات والمطامح التي تصحب حياتهم اليومية. لكن الواقع الطلابي في مصر خليط مركب، يكاد يكون غير ممكن، بين المشكلات والتأثيرات المتصادمة : فثمة الشبان الذين تقوى جدا ميولهم الدينية ويُغيرون طابع حياتهم، ويعانون ثقافة متدنية جدا ويواجهون أزمة العمل، ويتعرضون في مقابلة ذلك الى التقنية والانترنت ويريدون أن يحيوا حياة شبان طبيعية كما هي الحال في سائر العالم.

عُدّ في مصر مطلع هذه السنة الدراسية 1.8 مليون طالب جامعي، يدرسون في 17 جامعة عامة، وفي عدد من الجامعات الخاصة الاخرى. إن الأعداد الكبيرة والميل العام عند الفئات الطلابية الى أن تكون حافزا الى التغييرات الاجتماعية والسياسية تجعل هذه المجموعة ذات قدرة كامنة تثير الاهتمام على نحو خاص.

إن الاستعراض التالي لحياة الطالب الجامعي المصري هو ثمرة عمل دبلوماسي اوروبي شاب يسكن القاهرة، وتُعد دولته صديقة تقليدية لمصر. بلغ استعراضه الى القدس بطرق ملتوية ايضا. يقوم الاستعراض على لقاءات مع طلاب مصريين من جميع طبقات السكان، ومحادثين اجانب يسكنون القاهرة وأبحاث حديثة رُكّبت في إطارها صورة الطالب المصري العادي.

يحاول الاستعراض أن يمس باختصار عددا من خصائص حياة الطالب المصري، من دراسته التي لا طعم لها، وحياته الشخصية غير الممكنة، وسكنه في بيت والديه، والهرب الى المخدرات والدين ومحاولة البقاء عند آخر المستجدات بواسطة عجائب الانترنت. يشعر أكثر الطلاب باليأس مما يحدث في مصر فيبحثون عن طريق لهم الى الخارج. وينجح المحظوظون منهم في الاندماج في اطار ما في الخارج. أما الباقون، وهم الأكثرية المطلقة فيبقون في بلدهم وينضمون هم ايضا الى طنجرة الضغط الاجتماعية في مصر 2010. والأمر متروك لحكمكم.

[**الدراسة*]

تجلس في قاعة محاضرات قديمة في الجامعة. ويجلس معك الآن في القاعة بين 1000-3000 طالب آخر. واذا حسن حظك فدرست في جامعة خاصة فستجد الى جانبك في الغرفة الدراسية 100 طالب آخر.

يقف قبالتك محاضر، وفي يده مكبر صوت ويتلو من كتاب. كتابه. لم يتغير الكتاب منذ سنين كثيرة وليس أي كتاب آخر ذي صلة. ألم تفهم شيئا مما يتلو؟ خسارة جدا. لا يوجد أي امكان للسؤال في اثناء المحاضرة. اذا كانت عندك مشكلة في فهم المادة فانها مشكلتك وستضطر الى تلقي دروس خاصة. ويتوقع أن تكلفك مالا كثيرا. والفصول الدراسية أو دروس التدريب غير موجودة بطبيعة الأمر. ومن جهة ثانية لا يُطلب منك تفكير كثير، أو لا يُطلب منك التفكير البتة في واقع الأمر لأنه لا توجد فروض بحث أو أبحاث ذاتية. كل ما يُطلب منك أن تحفظ عن ظهر قلب كتاب المحاضر الدراسي وأن تتلوه في الامتحان. والامتحان نفسه سهل، لا يقتضي تفكيرا أو إبداعا وهو في الأكثر مفصول عن الواقع متنكر.

[**السكن*]

أكثر الاحتمالات أن يكون البيت الذي تعود اليه مع انقضاء اليوم الدراسي هو بيت والديك. يتوقع من شاب مصري أن يسكن مع عائلته وليس من المقبول جدا استئجار شقة. فاذا كانت الجامعة بعيدة عن بيت والديك فيتوقع أن تسكن مساكن الطلبة.

[**السياسة*]

اذا كنت طالبا مصريا فانك لا تهتم حقا بالسياسة. فأنت وأكثر رفاقك غير مكترثين بما يحدث في مصر. فقد أدركتم منذ زمن أن اللعبة مبيعة في السياسة المصرية وأن نظام الحكم هو الذي يُملي كل ما يحدث في الدولة. إن النشطاء خاصة عندك في الجامعة هم طلاب منتمون الى الاخوان المسلمين، الذين هم شديدو الهيمنة على السياسة الطلابية. وجماعة اخرى بارزة هي الطلاب اليساريون المتطرفون والماركسيون. فلا يتوقع أن تجد حركات طلابية ليبرالية.

[**العمل*]

الآن، وأنت طالب لا عمل لك. إن الدراسة بالمجان حقا لكن الكتب الدراسية تكلف مالا والدروس الخصوصية أمر باهظ. لكن هذه مشكلتك الصغيرة. أما صداعك الحقيقي فهو سؤال ماذا ستفعل بعد أن تُنهي دراستك؟ ثمة احتمال جيد أن تكون عاطلا عن العمل: فبحسب بحث للامم المتحدة (UNDP) أُجري بالتعاون مع السلطات المصرية ونُشر في المدة الأخيرة، 90 في المئة من العاطلين في مصر بين الأعمار 18 29. تقف نسبة البطالة بين الرجال في هذه الأعمار على 23.7 في المئة وعلى 87.5 في المئة بين النساء.

والبطالة أكثر انتشارا في الطبقات الدنيا، لكنها لا تتجاوز عن الطبقات العليا: فنسبة العاطلين عن العمل من الشبان والشابات من العشريتين الاجتماعيتين الاقتصاديتين العليين 54.2 في المئة. وفي المدة الأخيرة فقط أعلنت وزيرة العمل المصرية أن 246 ألف شاب مصري قدموا طلب هجرة الى 14 دولة اجنبية في محاولة لايجاد مصدر عيش خارج مصر.

[**الحياة الزوجية والخاصة*]

أنت، مثل أكثر الطلاب المصريين، ليست لك علاقات جنسية قبل الزواج. ومن جهة اخرى تحتاج للزواج الى الكثير جدا من المال. وعليك كعريس أن تشتري الشقة وجميع الأثاث، وقد ارتفعت أسعار ذلك كثيرا في السنين الأخيرة، بحيث لا تستطيع الزواج قريبا. وفي مقابلة ذلك يرتفع دائما سن الزواج في مصر إزاء العبء الاقتصادي.

الوضع اذا محبط جدا. الآن قد تكون لك علاقة زوجية بشابة مصرية. تشتمل هذه العلاقة احيانا على حميمية جسمانية، لكن لا توجد البتة علاقة جنسية كاملة. فمسألة العذرية أحد أهم الاشياء عند الشابة المصرية. لكنك اذا كنت تريد الوصول الى هذه الحميمية أو غيرها مع صديقتك فانه تواجهك عقبة كبيرة هي أين تفعل ذلك؟.

من المؤكد تقريبا كما قلنا أن تسكن بيت والديك. فلا احتمال أن تستطيع احضار زوجتك الى هناك. وكذلك لا تستطيع استئجار غرفة في فندق. لماذا؟ لأن أكثر الفنادق في القاهرة لا تُمكّن زوجين شابين غير متزوجين من استئجار غرفة فيها. والفنادق الوحيدة التي تُمكّن من ذلك هي فنادق خمس نجوم وهي بعيدة جدا عن متناول يدك. فما الحل؟ تسافران خارج المدينة. فأنت مثل أزواج كثيرة من الطلاب تسافر مع صديقتك الى الاسكندرية بل الى سيناء. وكل ذلك لتسترق شيئا من الحميمية في السر.

[**المخدرات*]

ما الذي يشغلك اذا كطالب مصري؟ الدراسة سطحية، والسياسة لا تعنيك، ولا يوجد عمل، والجنس محرم. فماذا تفعل في كل الوقت الذي تملكه؟ المخدرات. فأنت تستعمل المخدرات مثل كثير من رفاقك. والخمور أقل انتشارا، لكن المخدرات سهلة وأكثر شعبية ولن تتدخل الشرطة ما دمت تفعل ذلك في خصوصية.

الظاهرة منتشرة جدا، حتى انه قبل عدة أشهر عندما شددت الشرطة على تجار المخدرات وشُعر بنقص من المخدرات في القاهرة، أصبح الموضوع نكتة في التلفاز. ويمكن أن نرى في أفلام السينما احيانا كثيرة شبانا مصريين يدخنون المخدرات كأمر عادي. هل يُذكركم هذا أيها الطلاب الاسرائيليون بأحد ما؟.

[**الدين*]

اذا كنت طالبا مصريا، فأكبر الاحتمالات أن تكون متدينا. ففي بحث أجرته الامم المتحدة وذُكر أعلاه، وُجد أن 96 في المئة من الشبان المصريين ذوو مشاعر دينية قوية جدا. والظاهرة بارزة حتى قياسا بدول اخرى. وُجد أن مصر هي الدولة التي يشعر فيها الشبان بمشاعر دينية أقوى من أي مكان آخر في العالم، وفي ضمن ذلك ايران وتركيا والاردن. والمشاعر الدينية قوية على نحو خاص بين الشابات المصريات.

تشعر بكونك طالبا بالدين في كل مكان تقريبا في حياتك اليومية. فالأكثرية الغالبة من الطالبات اللاتي يدرسن معك مغطيات الرؤوس، هذه هي الصبغة العامة وهي الزامية. وتلبس بنات الطبقة العليا ايضا في احيان كثيرة لباسا تقليديا دينيا، ويكون اللباس الديني المحتشم احيانا جزءا من الجهد لايجاد عريس. إن النضال الذي تقوم به السلطة لظاهرة الطالبات ذوات غطاء الرأس التام قد اتسع وتحاول السلطات الآن أن تواجه ايضا ظاهرة محاضرات يأتين الى الجامعة مع النقاب. وأنت ترى حولك عددا أكبر فأكبر من الرفاق الذين يذهبون الى المساجد ويبحثون عن جواب اسئلة أخلاقية، وحاجات روحانية ومشكلات نفسية عند جهات شرعية. وقد أصبح الصوم اجماعا ملزما لا يمتنع عنه سوى القليلين.

[**التقنية والانترنت*]

إنك كطالب، متصل جدا بالتقنية. فأنت عالم بآخر المستجدات في مجال الهواتف المحمولة بل تتلقى احيانا فتاوى تُذاع برسائل الهواتف المحمولة. والانترنت هو وسيلة الاتصال التي تفضلها. استعماله شائع جدا بين جميع الشبان، الأغنياء والفقراء على السواء. وأحد التطبيقات الشعبية للانترنت هو الفيس بوك الذي يشير الى وسيلة اتصال لاستهلاك الاخبار والعلم بآخر المستجدات في مصر وهو منصة للنشاط السياسي.

[**«اسرائيل»*]

«اسرائيل» في نظرك مكان غامض معادٍ. فأنت تسمع منذ سن مبكرة بـ «اسرائيل» طوال الوقت في سياقات سلبية، في المدرسة والتلفاز والسينما. وفي الجامعة يذكر محاضروك «اسرائيل» بصراحة في المحاضرات وذلك على الدوام على أنها عنصر عدواني عنصري ينكل بالفلسطينيين. أما اتفاق السلام مع مصر فيحظى بأدنى قدر من الذكر، اذا ذُكر أصلا، وليست المحرقة موجودة من وجهة نظرك، وليست موجودة البتة في الخطة الدراسية. فهي في الأكثر بمنزلة اختلاق صهيوني.

- [**«معاريف»│13 اكتوبر (تشرين الأول) 2010*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2178590

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178590 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40