الاثنين 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

ياسر عبد ربه : سيرة سياسي مهزوم

الاثنين 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par خالد بركات

حين يغيب الشعب الفلسطيني، أو يُغيبّ الجمهور، تحضر السلطة الفلسطينية بكامل زيهّّا، تماما مثل قانون الليل والنهار، الأول يطرد الآخر، تأتي وتطرد العقل والشعب معا، والسلطة الفلسطينية ، أسطورة مثقلة بالأحاجي والهبل وأوهام المثقف - السياسي الجديد، ” الوطني ” جدا ، والذي يُكثر في الحديث عن الوطن لكنه في الحقيقة لا يقول أي شئ! ويعلك لغة هلامية ، عمياء ، بحسب الشهيد غسان كنفاني ، ولا اصل لها، يقبل بتسليع الإنسان والوطن والثورة والمرأة والأرض والكرامة والشهداء ، كل شئ ، بالنسبة إليه ، قابل للبيع والشراء والعرض والطلب، وكل حالة فلسطينية نبيلة ومقاتلة، يمكنها أن تخضع لمنطق السوق والصفقة التجارية، لا فرق هنا بين صفقة ” سياسية” واخرى “اقتصادية” . لا فرق.”.

للمثقف الاسلوي فلسطينه الخاصة ، وطنه الجديد، وهي ليست سوى دونمات ومناطق وبيزنس. ولأنه تاجرٌ “ديموقراطي” ويعرف السوق جيدا، برّر كل كوارثه باستعارات هزيلة ومقلوبة عن الواقعية السياسية ومعنى الإصلاح الديموقراطي : هذا المثقف الفلسطيني هو بوق الفساد الشامل والناطق الرسمي باسم مؤسسة الهزيمة ( السلطة ) الفلسطينية. ياسر عبد ربه نموذجا! وهو النموذج الأوضح لمشهد ونظرية “التحول الفلسطيني الثوري” من اليقين إلى اليقين أو من اليمين إلى اليمين، ومن أين تأتيه ينفعل ويطرب ويحاورك!.

نموذج المثقف الذي يقبل القسمة على كل الأرقام والجهات، يدافع عن اتفاقياته الكثيرة مع العدو اكثر من دفاعه عن المخيم وعودة اللاجئين، بل انه يدافع عن حصته في صفقة شارك فيها على حساب المخيم واللاجئين، وعبد ربه، مثل غيره من مثقفو السلطة الفلسطينية و (م ت ف)، كان مع “الثورة”، ثم صار مع “اليسار الثوري” ثم انقلب عليه وصار مع قيادة (م ت ف) ثم مع “فتح – عرفات”، ثم مع عرفات بلا “فتح”، والان ؟ في الحقيقة لم ينقلب على أحد بل ظل ينط من تيار لآخر بحسب المصلحة الشخصية ومن يدفع له اكثر.

لذلك ، يمكنه دائما أن يشغل أي منصب وموقع في المؤسسة الاوسلوية بما في ذلك الاحتفاظ بموقعه عضوا في اللجنة التنفيذية لم ت ف كان السيد ياسر عبد ربه يحمل لقب “نائب الأمين العام” في تنظيم “يساري” هو الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، وكان يدخن السيجار الكوبي على طريقة الشهيد الأممي آرنستو تشي جيفارا.

لكن الفرق بين جيفارا الثوري وعبد ربه الأوسلوي هو الفارق الكامل بين الحقيقة والوهم، وبين الثورة ونقيضها.
كان جيفارا يقول: “أدخن كثيرا لكي اقتل الجوع والذباب”، وهذا معناه انه كان يجوع مع الثوار ويحيا مع المقاتلين في جبال المايسترا بكوبا، وظل يقاتل حتى استشهد في غابات بوليفيا النائية، فالوطن بالنسبة للطبيب الثوري، القادم من الأرجنتين، هو الدفاع عن كل فقراء العالم والانتصار لكرامتهم وحقوقهم أينما كانوا.

لكن السيد عبد ربه لن ينتصر لمقاومة الشعب العراقي مثلا فمن لا خير له في أهله لن يكون له خيرا في أي شيء وهو المشغول في تسويق وبيع الناس وثيقة جنيف سيئة الصيت والسمعة!؟ ويذكر الشاعر الفلسطيني المعروف عز الدين المناصرة، كيف كان الشهيد غسان كنفاني يرفض نشر قصائد ياسر عبد ربه حين كان الأخير في القاهرة، وكان كنفاني يرأس هيئة تحرير مجلة (الهدف)، وحين سأله المناصرة عن السبب قال له غسان: “هذا رجل يكتب الشعر من أجل فلسطين وليس من أجل الشعر يا مناصرة”.. كأن كنفاني أراد أن يقول: أن حب الوطن لا يؤكده مديح الوطن، بل ممارسة ثورية واعية تدافع عن الإنسان والوطن والثقافة المقاومة.

وبين مفهوم الوطن والنقيض، شربت غولدا مائير نخب ” موت ” غسان كنفاني بينما شرب الصهيوني بيرز مع عبد ربه وآخرين نخب “اتفاقيات أوسلو” ونخب “وثيقة جنيف”! ياسر عبد ربه يقرض الشعر؟ أن بإمكانه أن يقرض أي شيء إلا الشعر.. هذه مهزلة! وبلا أي شعور بالذنب، يطل مثقف كل الأزمنة على شاشات الفضائيات العربية ليوجه “رسالة سلام” إلى “جميع الاخوة والاخوات من أبناء الشعب الفلسطيني” ويطالبهم بـ”الكف عن العنف والإرهاب”، ويقترح عليهم السياسي الفلسطيني تبني مشروعه الأكثر واقعية: “وثيقة جنيف”، والان مؤتمر واشنطن ، مشروعه الوطني الجديد، الذي يولد من رحم مشروع أوسلو الذي بدوره كان نتيجة مشروع سئ سبقه عرف “بالمرحلية”، وهكذا ، مشاريع ” وطنية ” كثيرة تتقزم كلما بحثت عن ” تقطيبها وترقيعها ” و هي في الأصل، سلسلة متصلة من التراجع الفلسطيني أمام الكيان الصهيوني ونفط العرب، هزيمة شاملة صنعتها طبقة فلسطينية تبيع الطحين الفاسد للفقراء في الوطن وتنتظر فرصتها السانحة للانقضاض على حق العودة!

يهرب المسؤول الفلسطيني الفاسد إلى دروب أخرى لا تفضي إلى المخيم وأوجاعه الكثيرة، دروب معتمة ونقيضة في آن، لا تفلت من بين يديه مدينة أو عاصمة، من أوسلو إلى جنيف إلى لندن وباريس إلا وطالتها هامته الصغيرة، وإن تعذر ذلك، وكان لا بد من اجتماع مع العدو في الوطن، فإنه يذهب إلى منتجعات البحر الميت وفنادق تل أبيب، يتنقل مخبولا بين عواصم العالم، يقفز من (..) لآخر، ويفتش عن سوق جديدة لبضاعته الفاسدة، لقد أدمن المثقف – السياسي منطق الصفقة – القضية، منذ ما قبل حصار بيروت، لكنه أدمن منطق البيع والشراء، وكفاح المؤتمرات في فنادق (الفايف ستار)، واحترف كل سياسة هجينة تدعو إلى السلام وتعزيز التعاون مع العدو!

لذلك يقول في تصريحاته المسموة الاخيرة : احضروا الخارطة واعطونا حصتنا من الصفقة الامريكية ولا ضير ان نعترف باسرائيل دولة يهودية، ولليهود ، وماذا بعد؟ ثم يدعو عبد ربه إلى التخلي عن حق العودة ، وقبول ” اسرائيل ” كما تريد ” اسرائيل ” ، ودعى سابقا لدولة فلسطينية مؤقتة ومنزوعة السلاح والسيادة والكرامة في آن : دول على صورته وشكله. وبدل أن يدافع عبد ربه عن حامل البندقية وعن حق الشعب الفلسطيني في وطنه ، كما يدعو القانون الدولي على الأقل، يقفز إلى تبني الرواية الصهيونية ويهدي صحفي اسرائيل في ” هارتس ” خبرا يعمق فيه انقسان الفلسطينيين ويزيد من تردي احوالهم ويبيع جلده للاحتلال.

العدو الصهيوني لا يتعب كثيرا في العثور على اصوات تشبه عبد ربه ، فالأصوات الفلسطينية المعروضة للبيع جاهزة، ويقيم علاقة معها تشبه علاقة الأمريكي مع كلبه أو قطته، اذ تبدو إنسانية جدا، لكنها لن تمنع صاحب الكلب من توبيخه وتأديبه، وكلما كان الكلب مطيعا يمنحه السيد كل الأوسمة ويرضى عليه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 70 / 2165758

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165758 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010