الأحد 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

تعذيب برعاية امريكية

الأحد 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

كان أمر في العراق، واسمه براغو 242. والمرة تلو الاخرى كررت تقارير الجنود الامريكيين : معتقل عراقي مع علامات جلد على ظهره. براغو 242. ثلاثة ضباط شرطة عراقيون سكبوا مواد كيماوية على جسد سجين، وبعد ذلك قطعوا اصبعه. براغو 242. ضرر ظهر بالضبط كصورة عن أداة حادة على ظهر سجين عراقي. الوثيقة تنتهي، مرة اخرى، بكلمتي براغو 242.

مئات الاف الوثائق التي كشفها أمس موقع (ويكيلكس) ذكرت المرة تلو الاخرى هذا التعبير، الاسم السري للامر العسكري الامريكي لكل قوات الجيش الامريكي. في نهاية المطاف، أحد منهم شرح معنى الرمز. «بالنسبة لرمز براغو 242، فقط تقرير أولي يرفع حول الخروقات الظاهرة لقواعد الحرب التي ارتكبت على ايدي او ضد قوات عسكرية او مدنية تعتبر حلفاء فقط على الا تكون قوات امريكية مشاركة في الاحداث. لن يكون مطلوبا تحقيق اضافي الا في حالة أمر يصدر عن القيادة الرئيسية».

بلغة عسكرية معقدة، مغسولة ومتملصة، يوجد هنا أمر مباشر يقضي بغض النظر. مقاتل امريكي يروي كيف أن ضابطا شرطيا عراقيا، تحت رعاية الحراب الامريكية ينفذ جريمة قتل لبريء. الجواب : براغو 242. رفع التقرير ولكن ليس التحقيق. موظفون امريكيون، بعضهم من قوات الاحتلال، يسمعون بانه ارتكبت اعمال تعذيب بحق سجناء عراقيين. الجواب : براغو 242. رخصة للتعذيب.

بتعبير آخر : الامنيون العراقيون محصنون امام القانون العراقي، القانون الدولي وقواعد الحكم العسكري الامريكي. اذا ارتكب عراقيون افعالا كهذه بحق الامريكيين، فدمهم في رقابهم. اذا تجاوز الامريكيون القانون في معاملة العراقيين، فانهم سيخضعون للتحقيق والمحاكمة. ولكن اذا كان المحليون هم الذين يقتلون ويعذبون بعضهم بعضاً، فهذا ليس شأن سلطات الاحتلال.

براغو 242 هو فقط نموذج واحد، صغير، من أصل جملة كبيرة من المعطيات والوثائق التي نشرت أمس. من بين كل ما نشر، يمكن الجدال في ما هو اكثر اهمية : عادة القتل التي انكشفت في العراق، السلوك العسكري العدواني أم حقيقة أن البنتاغون كذبت ـ بوضوح، عندما قررت بانه لا يوجد احصاء رسمي بعدد القتلى المدنيين في الحرب. ولكن يمكن ايضا الاعتراف بانه لا توجد هنا مفاجآت هائلة : فعلى أي حال الحرب في العراق وسنوات الاحتلال حظيت باهتمام واسع في الصحافة الدولية. عرفنا ان العراقيين يعذبون مواطنيهم، برعاية الولايات المتحدة. عرفنا أن القوات الامريكية والعراقية، بضغط «الارهاب» وفقدان الامن في العراق، انتهجت سياسة متساهلة للقتل وأن الالاف، وربما عشرات الالاف، قتلوا كنتيجة لذلك. وسائل الاعلام هذه في ارجاء العالم، والتي تلقت الوثائق في وقت سابق، تعرض تفاصيل التفاصيل التي تعزز حقائق اساسية معروفة عن الحرب في العراق. الحقيقة عن هذه الحرب تنكشف الان بتفاصيلها، ولكن الصورة الكبرى كانت معروفة.

الحجر الذي القي الان في البركة العالمية سيثير الكثير من الامواج. مكانة الولايات المتحدة في العالم، ومحاولة اوباما عرضها مرة اخرى كضمير اخلاقي. المفهوم التاريخي لحرب العراق. امكانية التقديم الى المحاكمة لمقاتلين بريطانيين وامريكيين مشبوهين ظاهرا بارتكاب جرائم حرب.

مصداقية اسرة الاستخبارات الامريكية، التي لا تنجح في الحفاظ على اسرارها. وبشكل عام، القصور العميق لحافظي الاسرار ـ المؤسسات الحكومية والعسكرية ـ التي تفشل المرة تلو الاخرى وتظهر بتخلفها التكنولوجي حيال كاشفي الاسرار والمسربين.

عندنا، سيكون هناك من سيقفز ليقول : الان، لا داعي لان يزايدوا علينا اخلاقيا، اولئك مزدوجو الاخلاق الامريكيون والبريطانيون. يجب أن نعترف، من الصعب التشكيك بالمنطق خلف هذا القول؛ فمن ادار حربا قتل فيها 67 الف مواطن سيجد صعوبة في الادعاء بالتفوق الاخلاقي على الجيش «الاسرائيلي» في المناطق. ماذا ستفعل الان الاكاديمية البريطانية، بعد أن تبين، بشكل موثق، بان ايدي الجيش البريطاني ملطخة بدماء المعذبين الابرياء؟ سنقاطع بريطانيا؟ ولكن بعد أن فلت هذا التعقيب واحساس الرضى الذي يأتي بعده، يجب أن نعرف ان ليس في ما نشر امس شيء يساعد الحجة «الاسرائيلية». تماما لا شيء. اخلاقيا واعلاميا، لا يمكن الدفاع عن النفس في وجه الشكوى بارتكاب ظلم من خلال اقتباس وذكر ظلم آخر. كشف وثائق العراق أظهر على نحو جميل كيف تموت الاسرار ولكنه جسد ايضا كم من الصعب تكنيس جرائم الحرب؛ صورة 400 الف وثيقة واستنتاج واحد لا حصانة امام حكم التاريخ.

- [**نداف إيال│«معاريف»│24 تشرين الأول (اكتوبر) 2010*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2165961

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165961 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010