الخميس 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

بترايوس يعلن «أنباء طيبة» وهمية

الخميس 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

في الشهر الماضي، أعلن قائد قوات التحالف الأمريكي- الأطلسي في أفغانستان الجنرال ديفيد بترايوس عن «أنباء طيبة»، ولكن هذا لا يخفي الواقع. فهذه القوات تواجه وضعاً صعباً بمواجهة طالبان، ومن الممكن أن تتعرض مهمتها لفشل كارثي. هذه الرؤية عرضها الكاتب مايكل شوير[***] في مقال نشره في موقع «ذا دبلومات» (الدبلوماسي) وقال فيه :

شهد الشهر الماضي دفقاً مفاجئاً من الأنباء الطيبة الآتية من أفغانستان، التي أفادت بأن الهجوم الأمريكي- الأطلسي في ولاية قندهار يحقق نجاحاً، وأن ضربات الطائرات بلا طيار تقصم ظهر «القاعدة»، وان حركة طالبان وتنظيم القاعدة في تراجع، وأن طالبان مستعدة للتفاوض حول تسوية سلمية للحرب في أفغانستان.

يا له من تغير منذ سبتمبر(أيلول) عندما بدا الوضع قاتماً، وما الذي سبب هذه التغيرات؟ هل هو سياسة جيدة أم بطولة عسكرية؟ أم إدراك طالبان بأنها هزمت؟ أم كان شيئاً على علاقة بانتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي؟

أظن أن السبب هو الانتخابات، ففي النهاية- إذا كنتم تتذكرون- فإن الجنرال ديفيد بترايوس ذاته الذي يتولى الآن القيادة في أفغانستان هو الذي كان قد أعلن أيضاً قبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2008 عن رزمة غير متوقعة ولافتة للنظر من الأنباء الطيبة بشأن العراق عندما كان يتولى القيادة هناك. وادعاءاته آنذاك عن «نجاح استراتيجية زيادة القوات الأمريكية وفعالية قوات الصحوات العراقية»، كانت كافية لإبقاء حرب العراق خارج الأجندة السياسية خلال المراحل النهائية من الحملة الانتخابية، الأمر الذي أبهج باراك أوباما وجون ماكين. واليوم من الواضح أن الكثير مما سمي النجاح في العراق أخذ يتداعى، وأن القاعدة أخذت تعود إلى بغداد ومحافظة الأنبار، وأن المجتمع العراقي يتجه نحو حرب أهلية طائفية.

وهذه المرة، تأتي رزمة بترايوس من الأنباء السعيدة في وقت لم يكن أي من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري في أمريكا) يريد التحدث عن مدى خروج حرب أفغانستان عن مسار النجاح. وإذا نظرتم إلى وسائل الإعلام الأمريكية، ترون أن الأحبولة قد نجحت مرة أخرى.

والأخبار الثلاثة الأولى من رزمة بترايوس التي يفترض أنها طيبة يمكن تفسيرها بسهولة. أولاً، هجوم قندهار يحقق تقدماً لأن بترايوس وسلفه (الجنرال ستانلي ماكريستال) أعطيا طالبان ومجموعات المجاهدين الأخرى إنذاراً مسبقاً قبل ثمانية أشهر. وهكذا تمكن قادة المتمردين الذين لم يرغبوا يوماً في خوض قتال ضد قوات نظامية من نقل معظم رجالهم وعتادهم إلى أماكن آمنة. والهجوم الأمريكي- الأطلسي ينجح أساساً لأنه يواجه بمقاومة ضعيفة جداً، تقتصر على العبوات الناسفة اليدوية الصنع، والألغام والشراك المفخخة التي زرعها مقاتلو طالبان عبر المنطقة.

ثانياً، إذا كانت ضربات الطائرات بلا طيار تؤذي القاعدة، إلا أنها تبقى من دون تأثير استراتيجي على أسامة بن لادن ومنظمته. فالقادة الذين يقتلون يستبدلون، والقتال يستمر ليس في جنوب آسيا فحسب، بل أيضاً في العراق، واليمن والصومال وشمال وغرب إفريقيا، وكلها مناطق أصبحت فيها القاعدة أكثر قوة مما كانت عليه يوم هجمات 11 سبتمبر(أيلول) 2001.

ثالثاً، الادعاء بأن طالبان والقاعدة في تراجع لا يصمد أمام الواقع. فبعد يوم واحد من تهديد ابن لادن لفرنسا من خلال شريط فيديو مسجل، أعلن وزير الدفاع الفرنسي أنه من الممكن جداً أن تبدأ باريس في سحب قواتها من أفغانستان في عام 2011. ومن الصعب أن يوحي مثل هذا الرد الاسترضائي بأن القاعدة قد قصم ظهرها. وهناك أيضاً ادعاءات عديدة بشأن تراجع طالبان والقاعدة، ولكن ليست هناك أية معطيات معروفة وقابلة للصدقية.

ولكن الخبر الأكثر أهمية والمشكوك فيه من أنباء بترايوس «الطيبة» هو الادعاء بأن الولايات المتحدة وحلف الأطلسي وحكومة حامد قرضاي قد بدأت مفاوضات سلام مع طالبان، وان كانت مثل هذه المحادثات جارية فعلاً، فلا بد أنها بدأت بمبادرة من تحالف أمريكي- أطلسي يدرك أنه خسر الحرب، ويبحث عن مخرج من أفغانستان يستتبع أقل قدر من الخسائر البشرية والإذلال، وعلى الطرف الآخر، لا بد أن قادة طالبان يدركون أنهم إذا كانوا يتفاوضون مع حلف الأطلسي فذلك لأن انتصارهم يقترب وان مجرد التفاوض سيدمر العلاقات القائمة بين التحالف بقيادة الولايات المتحدة وحليفها الأفغاني الوحيد، وهو بقايا التحالف الذي أنشأه القائد (الطاجيكي) الراحل أحمد شاه مسعود، والذي ضم مجموعة الأقليات في شمال أفغانستان.

وبالنسبة للأقليات الطاجيكية والأوزبكية والتركمانية والشيعية في أفغانستان، فإن وصول القوات بقيادة الولايات المتحدة إلى أفغانستان في أكتوبر(تشرين الأول) 2001 لم يوفر فقط فرصة لكسر هيمنة طالبان المكونة أساساً من جماعة الباشتون على السلطة وإنما أيضاً فرصة لبناء مجتمع أفغاني جديد يحل محل المجتمع الذي أبقى الأقليات من غير الباشتون في أدنى السلم الاجتماعي على مدى أكثر من 300 سنة، وعندما دخلت قوات هذه الأقليات إلى كابول في عربات أمريكية وأطلسية في أواخر العام 2001، فإنها سيطرت على المدينة وشمال أفغانستان والنظام الأفغاني الجديد، وحتى وان كان الباشتوني قرضاي على رأسه.

ولكن في ما بعد، أخذ نفوذ زعماء الأقليات الشمالية يتلاشى تدريجياً فالولايات المتحدة وحلفاؤها الأطلسيون أعلنوا قبل الأوان انتهاء الحرب بعد أن انسحبت قوات طالبان والقاعدة إلى باكستان، وأخذ الزعماء الشماليون يشهدون كيف كان قرضاي يحيط نفسه بأعوان من الباشتون فيما كان شقيقه وأفراد آخرون من عائلته يرسخون في ولاية قندهار قاعدة سلطة تردد أنها ارتكزت على تحويل أموال من المساعدات الخارجية لأفغانستان وعلى تجارة المخدرات.

علاوة على ذلك، فإن قسماً كبيراً من المساعدات المالية الغربية والهندية التي قدمت لأفغانستان (والتي لم تسرق فوراً) استخدم لتنفيذ مشروعات بنى تحتية- مصانع طاقة، طرقات، أنظمة وسدود في مناطق الباشتون في الولايات الجنوبية والشرقية والغربية. وما كان أشد قسوة بالنسبة للشماليين المتهمين بمساعدة الكفار لتدمير إمارة طالبان الإسلامية- هو أن شبه الجمود العسكري لقوات التحالف الأمريكي- الأطلسي خلال السنوات الخمس التي تلت السيطرة على كابول، أتاح وقتاً لعودة بروز طالبان أفضل تسليحاً وتدريباً وأكثر رغبة في الثأر. بفضل أرباح المخدرات ومساهمات متبرعين. وعندما أعلن الجنرال بترايوس أنباءه الطيبة في أكتوبر (تشرين الأول)، كانت الأقليات الأفغانية تراقب العودة التدريجية لكابوس طالبان الذي عانوا منه بين 1994 و2001.

وكل هذا يعني أن الأقليات الشمالية ستفسر مفاوضات الولايات المتحدة والأطلسي وقرضاي مع طالبان على أنه تخلي حلفائهم السابقين عن القتال وإقرارهم بالهزيمة. وبمواجهة هذا الواقع، سيتعين على الشماليين أن يستعدوا لحرب أهلية جديدة ضد طالبان بعد أن تنسحب القوات الأمريكية والأطلسية، وفي مثل هذا الوضع لن يعانوا من نقص في العون الخارجي، إذ إن روسيا وأوزبكستان وطاجيكستان تبقى- كما كانت قبل سبتمبر (أيلول) 2001- تواقة لاستخدام شمال أفغانستان منطقة عازلة بينها وبين باكستان وطالبان. وكل من هذه البلدان سيكون أكثر من راغب في تمويل وتسليح وتدريب قوة عسكرية يعاد تشكيلها في شمال أفغانستان والهند وإيران أيضاً ستقدمان العون.

وإجراء مفاوضات مع طالبان يمكن أن يعرض القوات الأمريكية والأطلسية لبعض الخسائر على أيدي حلفائها الشماليين السابقين قبل أن تكمل انسحابها، فالثأر يبقى دائماً في حالة غليان تحت السطح في أفغانستان، وقوات الشماليين ستعمل لكي تجعل التحالف بقيادة الولايات المتحدة يدفع ثمن التخلي عنها.

ومفاجأة أكتوبر التي أطلقها بترايوس قد تكون ساعدت المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين على تجنب نقاش حول حرب أفغانستان خلال انتخابات التجديد النصفي، ولكن يبدو أن مثل هذا النقاش مستمر بين الجنرالات الأمريكيين. غير انه بحلول أواخر ربيع العام المقبل (الموعد الذي حدده الرئيس أوباما لبدء سحب القوات الأمريكية في أفغانستان)، من المستبعد جداً أن يبقى أوباما وبترايوس والكونغرس الأمريكي قادرين على إخفاء الفشل الكارثي لحملة أفغانستان التي مضى عليها الآن نحو عقد.

[***] [**مايكل شوير هو مؤرخ أمريكي ومدون وناقد في السياسة الخارجية، ومحلل سياسي، يعمل حالياً أستاذاً في جامعة جورجتاون، وقد سبق أن عمل 22 سنة لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي .آي .إيه)، تولى خلالها ملف أسامة بن لادن من 1996 إلى 1999 ومنذ عام 2004، أصبح شخصية معروفة بفضل كتاباته، وفي عام 2009 أثار ضجة في الولايات المتحدة عندما نشر مقالاً قال فيه «إن الحالة الراهنة للعلاقة الأمريكية - «الإسرائيلية» تقوض الأمن القومي للولايات المتحدة». (المصدر : موسوعة ويكيبيديا).*]


titre documents joints

General Petraeus’s October Surprise | The Diplomat

4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010
info document : HTML
65.5 كيلوبايت


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2165250

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165250 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010