الخميس 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

لا شيء يرفع الرؤوس

الخميس 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 par فيصل جلول

يعيش العالم لحظة تاريخية فاصلة تكاد تمر من أمام أنظارنا من دون أن نوليها ما تستحقه من عناية واهتمام، لحظة تتقدم خلالها قوى جديدة إلى صدارة المسرح الدولي وتتراجع قوى أخرى طالما احتكرت السيطرة من دون منازع طيلة القرون القليلة الماضية. هكذا تتقدم الهند والصين صدارة الاقتصاد العالمي تحت شعار استرجاع الموقع التاريخي المفقود بفعل التأخر الاقتصادي والكولونيالية وهو ربما ينطوي على نزعة انتقامية مضمرة من عقود الاستعمار والذل والسيطرة الأجنبية.

وفي أمريكا اللاتينية نرى علامات التقدم في أكثر من دولة، حيث تشكل حكومات مناهضة للولايات المتحدة الأمريكية وتنتهج سياسات مخالفة لإرادتها ولمصالحها وتشهد القارة للمرة الأولى صعود الهندي إيفو موراليس إلى قمة السلطة في بلاده وهو يدين بمنصبه ليس لنظام الأغلبية والأقلية الانتخابي، وإنما لذلك الحلم المقيم والعابر للأجيال بل للفخر الهندي برفض قضاء الإبادة الأجنبي لسكان القارة الأصليين ومقاومة ثقافة «اليانكي» المستوطن وقيمه، وفي السياق نرى العملاق البرازيلي يستقبل للمرة الأولى الألعاب الأولمبية في العام 2016، وتنظيمها لم يخرج من قبل عن إطار الدول الغنية والمسيطرة على العالم، فضلاً عن مبادرة البرازيل وتركيا إلى رعاية البرنامج النووي الإيراني، بعيداً عن الخطط الغربية الضاغطة على طهران.

وعندنا في العالم العربي تواظب دمشق على سياسة الممانعة التي اعتمدتها منذ الهجوم الأمريكي على «الشرق الأوسط» مطلع العقد الجاري وهي تستعيد بعد خمس سنوات نفوذها في لبنان الذي أريد له أن يكون قاعدة لإسقاط النظام السوري، علماً أن المحور السوري الإيراني يستند إلى مقاومة لبنانية وفلسطينية تتسبب بكوابيس يومية للدولة الصهيونية.

في سياق مقابل يشهد العالم تراجعاً للقوى الغربية المسيطرة من دون منازع منذ أكثر من قرن معطوفاً على أزمة اقتصادية طاحنة، ولعل المغامرات الحربية الفاشلة في أفغانستان، والعراق ناهيك عن الفشل «الإسرائيلي» في غزة وجنوب لبنان، قد أضفى على التراجع الغربي طابعاً درامياً عكسته تصريحات شهيرة لزعماء غربيين جاء فيها «أن الغرب يلحس الغبار في العراق وأفغانستان»، والراجح أن التراجع الأبرز يتمثل في امتناع العديد من دول العالم عن طاعة الغرب وتنفيذ أوامره والانصياع لرغباته، وقد شهدنا بأم العين امتناع تركيا في العام 2003 عن السماح لواشنطن عاصمة الدولة الأكبر والأعظم في العالم باستخدام أراضيها للهجوم على العراق، علماً أن أنقرة عضو في الأطلسي وتنتشر في تركيا قواعد عسكرية أمريكية استراتيجية، أما الدول الغربية الأخرى مثل بريطانيا وفرنسا فقد بينت حرب أفغانستان والعراق أهميتها العسكرية المتواضعة، وضعفها المتزايد في الانفراد بمبادرات عسكرية هنا أو هناك في القارات الثلاث، ولعل الضعف العسكري ومحدوديته يفسر جزئياً على الأقل التراجع الغربي، والسيطرة الغربية المتضائلة على العالم.

ليس تراجع الغرب وتقدم قوى أساسية في القارات الثلاث (آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية) إلى صدارة المسرح الدولي حدثاً ناجزاً ونهائياً، بل هو سيرورة تتسلل هذه الأيام من دون ضجيج يذكر مترافقة مع تنكر متزايد للأفكار الغربية وعودة مظفرة للأمجاد التاريخية المنقطعة.

والمذهل في هذه السيرورة أن العرب غافلون عنها، فالبعض منهم يعتقدون بحماية الغرب الأبدية لمصالحهم وثرواتهم، والفقراء منهم يدفعون ثمناً باهظاً لصعود القوى المسيطرة على العالم وتراجعها. وللذين يحتاجون إلى مؤشرات نلفت عنايتهم إلى محطات التلفزة الإيرانية والتركية والبريطانية والروسية والفرنسية والأمريكية التي تتحدث العربية، ويحتاج أصحابها إلى دور في أرض العرب لإعلاء شأنهم في النظام الدولي المقبل. نعم العالم يتغير وهو يفاجئنا اليوم كما فاجأنا من قبل عشية انهيار الحرب الباردة. نعم نعيش لحظة تاريخية أخرى، لكننا نصفق خلالها لأمجاد المقبلين، ونبكي على مصير المتراجعين، وفي الحالتين لا شيء يستدعي رفع الرؤوس.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165611

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

33 من الزوار الآن

2165611 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010