الخميس 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

مأزق الحرب في أفغانستان

الخميس 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

في الآونة الأخيرة، ظهرت بعض المؤشرات على أن الولايات المتحدة قد تكون مستعدة للتفاوض مع حركة طالبان، ولكن في الوقت الحاضر، لاتزال واشنطن تعول على القوة العسكرية من أجل تعديل ميزان القوة لصالحها. غير أن الباحث في «مركز كارنيغي للسلام الدولي»، جيل دورونسورو، يرى أن استراتيجية القوة العسكرية لن تحقق النتائج المرجوة، وبالتالي فإنه لا بديل عن الدخول في مفاوضات. وقد عرض الكاتب وجهة نظره في مقال جاء فيه :

يقول المسؤولون الأمريكية إن «كل ما نحتاجه هو الوقت». ولكن هذا خطأ. فهذه هي الحجة ذاتها التي يستخدمها انصار الحرب منذ عقد من أجل تبرير زيادة القوات والتعلل بسبب لاستمرار التورط في أفغانستان، ولكن الوضع يزداد سوءاً. يعتقد البعض أنه إذا أعطيت الاستراتيجية الحالية وقتاً، فسوف يمكنها تغيير مسار الحرب وإلحاق الهزيمة بطالبان. ولكن مجرد أن تكون إدارة الرئيس باراك أوباما قد رفعت «طفرة» القوات إلى أكثر من 100 ألف جندي، وأن يكون الجنرال ديفيد بترايوس، القائد الأعلى الأمريكي في أفغانستان، يهاجم بقوة الملاذات الآمنة للمقاتلين في باكستان، لا يعني أن ديناميكية الحرب قد تغيرت. فهذه الآن حرب تسع سنوات، والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة خسر رصيده السياسي لدى الشعب الأفغاني منذ وقت طويل.

مع تدهور الوضع على الأرض وتزايد قوة طالبان عبر أنحاء أفغانستان، فإن قوات التحالف ستكون العام المقبل في وضع أسوأ حتى مما هي الحال الآن. فالوضع حول مدينتي كابول وجلال أباد الرئيسيتين يتدهور بصورة خطرة، في حين أن بنية الدولة في الشمال أخذت تنهار. وفي مدينة قندهار الجنوبية، تبين أن مجهوداً كبيراً قادته الولايات المتحدة قد عجز عن طرد طالبان من معقلها التقليدي.

وحركة طالبان أطلقت أيضاً حملة منظمة استهدفت كل من يتعاون مع التحالف، وقتلت مئات الأشخاص منذ الربيع الماضي. وبدلاً من أن تتمكن الولايات المتحدة من بدء سحب قواتها الصيف المقبل، كما تعهد أوباما، فإنها ستضطر إلى إرسال قوات إضافية لمجرد الثبات في مواقع سيطرتها الحالية. وبقدر ما تنتظر واشنطن، بقدر ما ستزداد صعوبة التفاوض. فمع استمرار طالبان في تعزيز سلطتها، فإن احتمال دخولها عملية تفاوض سيقل أكثر فأكثر.

الوقت الآن هو وقت التفاوض وهذا هو الطريق الوحيد إلى الأمام. ومجلس شورى حركة طالبان، المتمركز في مدينة كويتا الباكستانية، والذي يقوده زعيم الطالبان الملا عمر، أجرى اتصالات متكررة مع الرئيس الأفغاني حامد قرضاي، ولكن المفاوضات الحقيقية لا بد أن تكون بمشاركة الولايات المتحدة والجيش الباكستاني.

[**مقارنة مع العراق*]

يقارن كثيرون بين الوضع في أفغانستان والحرب في العراق، ويرون أن تولي الجنرال بترايوس، مهندس «طفرة» القوات في العراق، القيادة في أفغانستان يعني أن طفرة القوات ستنجح أيضاً في أفغانستان.

ولكن هذا الاستدلال خاطئ. فالوضع في العراق انقلب لأن مجموعات عراقية، هي أبناء العراق أو «الصحوات»، قد انقلبت على تنظيم القاعدة وتحالفت مع الحكومة العراقية، والقوات الأمريكية، وليس لأن الولايات المتحدة ارسلت قوات اضافية. الوضع في أفغانستان مختلف، لأنه لا توجد هناك مجموعات مماثلة تعارض طالبان ويمكن أن تدعم القوات الأمريكية.

وإرسال تعزيزات أمريكية لم يؤد حتى إلى انتصار تكتيكي، كما سبق أن شاهدنا في ولايتي قندهار وهلمند الجنوبيتين، حيث يتشبث الطالبان بمواقعهم ويحاصرون مواقع قوات التحالف. كما أن تركيز قوات التحالف في الجنوب، وهي في معظمها قوات أوروبية غير مدربة على القتال الشديد، أو غير المستعدة لتقبل مستوى مرتفع من الخسائر، لا يفعل سوى ترك بقية البلد مفتوحاً أمام طالبان.

[**«طفرة» التنمية*]

هناك من يقول إن «الطفرة المدنية عامل حاسم». وعلى الرغم من عدم وجود أدلة ميدانية، هناك اعتقاد على نطاق واسع بأن تقديم أموال من أجل التنمية في أفغانستان سيؤدي إلى تحسين معيشة الأفغان، وبالتالي إلى تهميش طالبان. وحسب هذا الرأي، فإن الطفرة المدنية ستكمل الطفرة العسكرية.

ولكن في الواقع، العكس هو الصحيح. فالطفرة المدنية لا تفعل سوى زيادة صعوبة المهمة العسكرية.

لقد ضخت الولايات المتحدة ولاتزال تضخ مليارات الدولارات، وفي السنوات الثلاث الأخيرة وحدها ضخت حوالي 30 ملياراً. ولكن من المستحيل بالنسبة لأفغانستان، التي لا يزيد ناتجها الداخلي الإجمالي على 27 مليار دولار، إن تمتص مثل هذا الضخ الهائل للأموال. وهذه الأموال الجديدة تزعزع استقرار السكان، وتغذي الفساد، وتدعم اقتصاداً يديم العنف. والمعروف تماماً في أفغانستان هو أن المقاولين وشركات الإمدادات يدفعون أموالاً إلى طالبان مقابل ضمان أمنهم وهذه ظاهرة كانت موضوع تقرير للكونغرس الأمريكي بعنوان «شركة أمراء الحرب». وتضمن التقرير تفاصيل وافية، ومنها أن شركات النقل كانت تدفع ملايين الدولارات سنوياً إلى أمراء حرب.

وهذا يعني أنه حتى إذا كانت النية من وراء ضخ الأموال طيبة، فإن الزيادة السريعة في مساعدات التنمية في الولايات الأفغانية التي تشهد أعمال عنف كانت خطأ.

[**بناء جيش أفغاني*]

يؤكد البعض أن «الجيش الأفغاني سيكون قريباً جاهزاً لتولي الأمور». وهذا تفكير من قبيل التمني. فالاستراتيجية الأمريكية تعتمد على فرضية وجود شريك أفغاني يتمتع بالمصداقية، وخطة أوباما لبدء سحب القوات اعتباراً من العام المقبل تعتمد على فرضية وجود جيش أفغاني فعّال. ولكن أية من هاتين الفرضيتين لم تتحقق على الأرض، وحتى الآن، لم تظهر أية مؤشرات على تغيير.

وإدارة الرئيس قرضاي فقدت كل مصداقية، والأهم من ذلك هو أن وجود حكومته يختفي بسرعة عبر البلد.

وفي الوقت ذاته، تواجه المنظمات غير الحكومية صعوبات متزايدة في الوصول إلى الأرياف، وقد أكدت علانية أن تدهور الوضع الأمني أصبح عقبة كبرى أمام عملها.

وأنه لمن الصعب جداً بناء جيش إذا كانت البنى المدنية تتداعى عبر البلد. والجيش الأفغاني لا يزال يعاني من معدلات فرار مرتفعة، وهو لن يكون جاهزاً في أي وقت قريب لمواجهة طالبان من دون دعم. والهجوم الفاشل الذي شنه الجيش الأفغاني في ولاية لغمان الشمالية الشرقية في أغسطس/آب، والذي فقد خلاله عشرات من القتلى والأسرى في كمين لطالبان، بيّن أن هذا الجيش يفتقر للضباط المدربين والروح القتالية.

[**دور باكستان*]

يعتقد البعض أن باكستان قادرة على إقناع حركة طالبان بتغيير موقفها. ولكن هذا خطأ.

وقد أوضح المسؤولون الأمريكيون أنهم يعتبرون معاقل طالبان في باكستان تهديداً مميتاً لمهمتهم في أفغانستان، وضغطوا بقوة على الباكستانيين لكي يدمروا هذه الملاذات الآمنة. وبموازاة ذلك، صعّدت الولايات المتحدة حملتها الجوية بواسطة الطائرات الآلية ضد المقاتلين المرتبطين بالقاعدة على طول المناطق الحدودية.

ولكن من الواضح أن الجيش الباكستاني يعتزم مواصلة دعمه لطالبان، وروابط الجيش الباكستاني مع هذه المجموعات تعود إلى عقود، ومن غير الواقعي توقع أن يقطع هذه العلاقات بعد بضعة أشهر من ضغط أمريكي. وفي جميع الأحوال، فإن الجيش الباكستاني لا يملك القدرات اللازمة لشن هجوم جدي ضد المتمردين الذين ينشطون داخل الأراضي الباكستانية.

في هذه الأثناء، تبقى إمدادات القوات الأطلسية في أفغانستان مرهونة بباكستان كما شهدنا مؤخراً، عندما أغلق الجيش الباكستاني أحد طريقين رئيسيين يستخدمهما التحالف لنقل الإمدادات إلى أفغانستان، وذلك رداً على قيام مروحية أمريكية بقصف وتدمير موقع عسكري باكستاني، مما أسفر عن مقتل جنديين. وأدى إغلاق الطريق إلى توقف قافلتي إمدادات بالقرب من الحدود الباكستانية الأفغانية، ما جعلهما هدفاً مثالياً لمقاتلي الطالبان، الذين أحرقوا عشرات من الشاحنات.

والنفوذ الذي تتمتع به باكستان لدى طالبان ليس بالضرورة أمراً سيئاً.

ولكن بدلاً من الشروع في مجهود لا طائل تحته لتغيير مجمل رؤية الجيش الباكستاني للعالم، يجدر بالولايات المتحدة أن تستغل علاقاتها مع باكستان من أجل بدء محادثات مع طالبان. ومتمردو طالبان مستعدون للتفاوض بشأن مشاركتهم في حكومة أفغانية بالتوازي مع انسحاب قوات التحالف من أفغانستان. وليس من الواضح ما إذا كانت مثل هذه المفاوضات ستؤدي إلى أية نتائج ولكن لا بد من استكشاف هذا الخيار من دون إضاعة مزيد من الوقت . فهذا هو المخرج الوحيد من هذه الحرب، المتاح أمام أوباما.

- [**المصدر : صحيفة «الخليج» الاماراتية│ترجمة : صباح كنعان.*]


titre documents joints

Think Again: The Afghan Surge - Carnegie Endowment for International Peace

4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010
info document : HTML
33.5 كيلوبايت


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2166062

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166062 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010