السبت 11 كانون الأول (ديسمبر) 2010

سلطة مدمنة مفاوضات

السبت 11 كانون الأول (ديسمبر) 2010 par محمد عيادي

أدمنت السلطة الفلسطينية المفاوضات، ولا تصبر على فراق مائدتها كثيرا رغم علمها بأنها أضرت بها وبشرعيتها ومصداقيتها، ولم تحقق من ورائها شيئا.

وقد وصل بها الإدمان لحالة مستعصية وخطيرة بحيث يصرح الرئيس عباس أبومازن بأن المفاوضات لا جدوى منها، ولا بد من إيقاف للاستيطان، ولكن بعد أيام وأحيانا بعد ساعات يتراجع عن تعهداته وتصريحاته، ويقبل الذهاب للمفاوضات من دون ضمانة ولا مؤشر صغير على إمكانية نجاحها، وهو الذي يعرف أنه لم يحقق شيئا يذكر بعد 17 سنة من المفاوضات.

ووضع السلطة الفلسطينية المرتبك والتائه يفسره تصريح القيادي بحركة فتح وعضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير السفير الفلسطيني السابق في القاهرة نبيل عمرو في حوار صحافي مؤخرا بقوله: «لقد خرجت منظمة التحرير بل وخرجت السلطة من المشهد السياسي، والمفاوضات تجري بين إسرائيل وأميركا، في حين الطرف الفلسطيني ينتظر النتائج وقد يبلغ ببعضها وقد لا يبلغ».

وأخطر من هذا أنه فضلا عن الانقسام في الصف الفلسطيني الداخلي بين الفصائل والتيارات السياسية، فهناك حالة تفكك وارتباك كبيرة داخل حركة فتح نفسها العمود الفقري للسلطة، فالرئيس عباس وبعض مقربيه يتحكمون في القرارات، ولا يرجعون حتى للمجلس المركزي لمنظمة التحرير، فأحرى أن يرجعوا للشعب الفلسطيني، والأنكى من ذلك أن عباس على سبيل المثال في شبه حرب مع أحد المقربين منه جدا إلى وقت قريب محمد دحلان، وفيما هو (أبومازن) يتكلم عن عدم إمكانية المفاوضات إلا بعد توقيف الاستيطان، وما زال يبحث عن «مرجعية لعملية السلام» تصف حنان عشراوي القيادية الفلسطينية استمرارها بأنه «ضرب من العبث» واستهانة بالفلسطينيين، خاصة بعد موقف الإدارة الأميركية الأخير بتوقفها عن الضغط على الحكومة الإسرائيلية في مسألة الاستيطان، وأكثر من ذلك لامت الفلسطينيين على تشبثهم بالتجميد كشرط للمفاوضات.

إنه لأمر عجيب أن تستمر آمال عباس أبومازن في مفاوضات بهذا الشكل، وهو الذي يعترف أنه وحاشيته لا يعرفون ما جرى بين إسرائيل والولايات المتحدة، وينتظر المبعوث الأميركي للشرق الأوسط جورج ميتشل ليطلعه وبالأصح ليبلغه، فضلا عن طيران كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات الاثنين المقبل لواشنطن للقاء وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، مع أن إدارة الرئيس أوباما نعت بالموقف المذكور عملية السلام على حد تعبير الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، ولا ينتظر منها شيئا جديدا، وفي حال وجود جديد فسيكون لصالح إسرائيل، وهو ما يفسر دعوة وزير خارجيتها أفيغدور ليبرمان أمس من رومانيا إلى استئناف المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين، مع العلم بأنه وحزبه من أكبر العقبات في تلك المفاوضات، وسبق له أن استبعد في عشرات التصريحات الوصول إلى اتفاق مع الفلسطينيين في الأمد المنظور.

والمضحك المبكي في الموضوع أنه بعدما كانت إسرائيل تطالب بمفاوضات مباشرة وعدم اقتناع بالمفاوضات غير المباشرة، ها هي اليوم بعض الأصوات تطالب بمفاوضات سرية بعيدا عن ما أسموه بالصخب الإعلامي والضغط السياسي الداخلي على اعتبار أنها الملاذ الأخير لمحادثات السلام، مشيرة إلى نجاح المفاوضات السرية في الوصول لاتفاق أوسلو، والحال أن موقعي هذا الأخير يصرحون قبل معارضيه بأنه ما قتل القضية الفلسطينية إلا هذا الاتفاق.
لكن مدمني المفاوضات يعرفون أن إعلان هذه الحقيقة الساطعة بأن المفاوضات وصلت للباب المسدود، وأنه آن الأوان لعباس أبومازن ودائرته أن يرجعوا للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية والجلوس مع باقي الفصائل الفلسطينية، واستشارة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج -كما سلفت الإشارة في مقال سابق- لرسم معالم المرحلة المقبلة.

مدمنو المفاوضات يعرفون أن إعلان هذه الحقيقة يعني توقف التمويل للسلطة من جهات مانحة تستخدمه كآلية للضغط والابتزاز والاستمرار في مسرحية مفاوضات اتضح للجميع أنها تفتقد الجدية والإرادة الحقيقية للتوصل لسلام عادل ودائم وإعلان دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2166027

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166027 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010