الأحد 12 كانون الأول (ديسمبر) 2010

دور البرغوثي في صراع عباس دحلان

الأحد 12 كانون الأول (ديسمبر) 2010 par شاكر الجوهري

هل تؤدي معركة كسر العظم الدائرة حاليا بين محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، ومحمد دحلان، عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” الى حدوث انشقاق في الحركة والسلطة الفلسطينية..؟

هذا السؤال أصبح عنوانا لبرامج قنوات تلفزيونية فضائية، ما يؤشر إلى أهمية الأمر.

كلا الرجلين أعلن في البداية أن ما يجري هو معركة كسر عظم، قبل أن يتراجع دحلان معلنا أن كل حركة “فتح” تسير خلف قيادة عباس، وهو الأمر الذي لم يفعله بعد أن وجه انذارا للرئيس السابق ياسر عرفات بالخروج إلى الشوارع، إن لم يبدأ خطوات الإصلاح، والمضي بذلك إلى تسليم السلطة له ولحليفه السابق محمود عباس..!

تراجع دحلان أمام عباس تحكمه جملة عوامل أهمها:

أولا: أنه وعباس يمثلان خطا سياسيا واحدا مدعوم من قبل الولايات المتحدة الأميركية، بخلاف ما كان عليه الحال مع عرفات، الذي كانت تحاصره الدبابات الإسرائيلية في مقره بالمقاطعة، فيما كانت الولايات المتحدة تفرض عليه عزلة سياسية عربية واسلامية وعالمية رسمية.

ثانيا: استطرادا، فقد كان دحلان يلقى الدعم الأميركي والإسرائيلي في مواجهته لعرفات، فيما لم تظهر حتى الآن مؤشرات على وجود دعم اميركي وإسرائيلي له بمواجهة عباس، وإن كان هذا غير مستبعد، إن ظل عباس متمسكا بشروطه السياسية لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل. (على كل، حتى الآن، تقف سوى مصر والأردن إلى جانب عباس في مواجهة دحلان، وفقا لما ظهر من مؤشرات).

ثالثا: أن عباس ليس عرفات، بمعنى أن الرئيس الفلسطيني الحالي، رجل حقود، لا يتسامح مع خصومه ومنافسيه، يعزز هذه السمة ضعف الرجل، بعكس عرفات، الذي كان يختال شعورا بقوته، وهو ما يعزز صفة التسامح لديه.

رابعا: أن التوقيت الحالي ليس مناسبا لدحلان كي يواصل الهجوم على عباس، حيث أن عباس يواصل حاليا تأكيد تشدده في شروطه السياسية لإستئناف التفاوض مع اسرائيل.

ولكن، ماذا إن قدم عباس ـ كما هو متوقع ـ التنازلات التي تطالبه بها اميركا وإسرائيل..؟

بالتأكيد أن ظروف دحلان سوف تتحسن في حينه.

وعلى كل، فإن من ضمن ما أثار غضب عباس على دحلان هو انتقادات وجهها دحلان لرئيس السلطة في مجالسه الخاصة، طال بعضها الأداء التفاوضي لعباس. ولكن إن كان عباس ودحلان يسيران على نهج سياسي واحد، فما هي طبيعة الخلاف الناشب بينهما..؟

لا جدال في أن هذا الخلاف مؤسس فقط على التنافس على موقع رئيس السلطة. وكل ما ينسب إلى دحلان قوله في حق عباس لا يخرج عن إطار هذا العنوان. ولعل أخطر ما كان يقوله دحلان خلال الفترة السابقة، من وجهة نظر رئيس السلطة هو:

عباس رئيس الشعب الفلسطيني وأنا زعيمه..

أنا أقرر وعباس يوقع..

أنا زعيم الشعب الفلسطيني ورئيسه المقبل..

أن ينتفض عباس على دحلان بسبب طموحاته في الخلافة، يعني عدم صدقيه كل ما صدر عنه لجهة عدم رغبته في البقاء على كرسي الرئاسة..!!

وأن يكون العقاب الأول الذي أنزله عباس بحق دحلان هو سحب الحراسات من أمام باب منزله في رام الله، يعني أن دحلان يخشى على حياته من الشعب الفلسطيني الذي يزعم أنه زعيمه..!!

هل يستسلم دحلان ..؟!

الشك في هذا كبير جداً، وحجم الشك يماثل حجم طموحات الرجل التي لا حدود لها.

ما الذي يمكن ان يفعله إذا دحلان، في ضوء اختلال ميزان القوى العربي والدولي، فضلا عن المعادلة الراهنة دخل السلطة الفلسطينية، لصالح عباس..؟

بالتأكيد أن الحل الأمثل لهذه المواجهة، من وجهة نظر مصالح دحلان، هو اغتيال عباس..!!

ولهذا الحل (الإختيار) سببان رئيسان:

الأول: غياب المؤسسية عن حركة “فتح”، في ظل حالة الإستقطاب الثنائي التي كرسها المؤتمر العام السادس في بيت لحم، واللجنة المركزية التي افرزها.

الثاني: أن غياب المؤسسية من شأنه أن يلحق كثيرين من حلفاء عباس بمعسكر دحلان.

بالطبع، لا بد هنا من أن يؤخد وزن اللواء جبريل الرجوب بعين الإعتبار، خاصه وأنه ليس حليفا عاديا لعباس، بل يمكن وصفه بما يفوق ذلك.. إنه قد يكون “شريك مضارب”.

ويؤكد المقربون من الرجوب، أن تحالفاته داخل اللجنة المركزية والمجلس الثوري، أقوى بكثير من تحالفات دحلان.

الرجوب الذي كان خصما لعباس في حياة عرفات، ربما بسبب تحالف عباس مع دحلان، يتحالف الآن مع خليفة عرفات، ربما بسبب ادراكه المبكر وأن رئاسة عباس أذنت بفك تحالفه مع دحلان..!

فماذا إن نجح دحلان في تغييب عباس..!؟

المؤكد أن الرجوب سيتولى فورا قيادة التحالف المقابل.

ولكن ما هي قوة كلا من عباس، الرجوب ودحلان، وكذلك سلام فياض..؟

اولا: تتمثل قوة عباس في:

1 ـ كونه الرئيس الذي تتبعه الحكومة برئاسة سلام فياض.

2 ـ يستطيع الرئيس بهذه الصفة أن يعطي المال لمن يشاء، ويحجبه عمن يشاء، بما في ذلك الرواتب التي يوقف صرفها عمن يغضب عليه.

3 ـ يستطيع الرئيس، بذات الصفة، أن يعين من يشاء في مختلف المواقع، العليا والدنيا، ويحرم منها من يشاء.

4 ـ هو كذلك رئيس حركة “فتح”، الذي يقود الحركة، بموجب امتيازات رئيس السلطة، في الإتجاه الذي يقرره، ويقرر المنح والحرمان من الإمتيازات المالية كما يشاء.

لذلك، فإن غضب عباس على دحلان ترجم بقرارات اقالة واعتقال لأنصار دحلان في الأجهزة الأمنية والوزارات والسفارات..إلخ.

وبعبارة أخرى، فإن “تهميرة” عباس كفيلة بحرمان دحلان من حلفاء كثيرين، يمكنهم أن يستغنوا عن “الأوفر تايم” الذي يدفعه لهم دحلان، لكنهم لا يستطيعوا أن يستغنوا عن الراتب الأساسي الذي يمكن أن يحرمهم منه عباس.

ثانيا: تتمثل قوة اللواء جبريل الرجوب في:

1 ـ كونه نائب أمين سر اللجنة المركزية لحركة “فتح”، الذي يمكنه أن يحل بسهولة محل محمد راتب غنيم، أمين السر المتحالف مع دحلان، وذلك جراء ضعف شخصية غنيم، وسهولة اطاحة دحلان.

2 ـ التحالفات القوية التي يقيمها داخل اللجنة المركزية والمجلس الثوري للحركة.

3 ـ التحالفات القوية التي يقيمها مع قادة الأجهزة الأمنية، وخاصة قادة جهاز الأمن الوقائي، الذين يواصلون التحالف مع رئيسهم السابق حتى الآن.

4 ـ قوة الرجوب داخل تنظيم الحركة في الضفة الغربية، التي يقابلها عدم اهمية قوة دحلان المفترضة في تنظيم الحركة في قطاع غزة، لعدم انتاجيتها في صراع يدور في الضفة دون القطاع.

ثالثا: لا يمكن أن تظل قوة وتأثير الدكتور سلام فياض، رئيس حكومة تسيير الأعمال، خارج معادلة موازين القوى والصراع، فهو منافس قوى على خلافة عباس، ومدعوم كذلك من الأميركان، ومن مصلحته ازاحة منافسه دحلان من الطريق.

تتمثل قوة فياض في:

1 ـ ولاية حكومته.

2 ـ كونه المرجعية الرسمية للأجهزة الأمنية والأمن الوطني (الجيش).

3 ـ الدعم الأميركي والإسرائيلي الذي يحظى به.

4 ـ الإستقطابات التي نجح في تحقيقها لصالح شخصه داخل الأجهزة الأمنية وحركة “فتح”، بفضل الأموال التي يغدقها على مراكز القوى هنا وهناك.

رابعا: تتمثل قوة محمد دحلان في:

1 ـ تحالفه مع عباس، وقد إنفك هذا التحالف.

2 ـ تحالفه مع عدد من اعضاء اللجنة المركزية هم: اللواء توفيق الطيراوي مدير المخابرات السابق، الدكتور ناصر القدوة، وقد إنفك هذا التحالف الآن، حسين الشيخ، مسؤول ملف التنسيق المدني مع اسرائيل، محمد راتب غنييم، أمين سر اللجنة المركزية، وهو رجل ضعيف لا يحل ولا يربط، اللواء سلطان أبو العينين، وهو أيضا فقد قوته بعد ابعاده من لبنان، وعدم وجود عوامل قوة له في الضفة الغربية، وصخر بسيسو الذي يتوقع تحوله من معسكر دحلان إلى معسكر عباس، بحثا عن الكفة الأرجح، وهو ضعيف في الضفة الغربية، بسبب انحصار مسؤولياته التنظيمية في قطاع غزة.

إلى ذلك، فإن الكتلة المحايدة في اللجنة المركزية، غير المنضوية ضمن تحالفات عباس أو دحلان (ستة اعضاء) ستجد نفسها بعد تأرجح كفة دحلان، أقرب إلى كفة عباس.

3 ـ تحالفة مع عدد من اعضاء المجلس الثوري، يتوقع انفكاكهم من حول دحلان منذ أول صفعة يتلقاها من عباس.

4 ـ تحالفه مع عدد من كبار ضباط الأجهزة الأمنية، وهؤلاء طرد عباس بعضهم من الخدمة، وأمر باعتقال بعضهم، وعاد بعضهم الأخر إلى رشده العباسي..!

ويتبقى لدحلان ورقتي قوة هما:

الاولى: تنظيماته داخل وخارج الأراضي الفلسطينية.

الثانية: تحالفه مع مروان البرغوثي.

تتوزع تنظيمات دحلان الخاصة به على عدد كبير من الأقطار العربية وغير العربية، وتنتشر في عدد غير قليل من البلدان الأوروبية. وقد أجريت استعدادات في عام 2008 كي يعقد مؤتمرا للجاليات الفلسطينية في اوروبا، لمنافسة اتحاد الجاليات الفلسطينية في الشتات الأوروبي، برئاسة الدكتور راضي الشعيبي.

وقد كان أحد محاور العمل على تأسيس اتحاد تابع لدحلان في اوروبا، محاولة تفشيل اتحاد الجاليات برئاسة الشعيبي، وهو ما لم يتمكن دحلان من انجازه، كما أنه لم يتمكن من عقد المؤتمر التأسيسي الذي سعى لأجله.

الذين يعملون مع دحلان من داخل تنظيمات حركة “فتح”، أو من داخل فصائل فلسطينية أخرى، يدفعهم إلى ذلك عامل واحد فقط هو الحصول على المال الذي حرمهم منه عباس، حين أنهى تفرغ الكثيرين من كوادر حركة “فتح”، أو احالهم إلى التقاعد، أو لم يوافق على زيادة رواتبهم، فانطبق على هؤلاء المثل الشعبي الذي يقول “اللي بجوع ابنه، بشبع من الشارع”، بكل ما لهذا المثل من دلالات.

هؤلاء.. سواء انتصر دحلان أو انهزم في صراعه مع عباس، سيظلون موالين له طالما أنه يدفع لهم ما يريدون من اموال.

أما إن قرر وقف الدفع لهم، فإنهم سيبحثون في هذه الحالة عن جهة أخرى تدفع لهم.

غير أن انصار دحلان في الداخل الفلسطيني، حيث السلطة الفلسطينية، فإنهم بالتأكيد سيتوقفون عن تأييد دحلان بمجرد أن “يهمّر” عباس عليهم.. فهم يريدون زيادة دخلهم لا وقف رواتبهم..!

وعلى وجه العموم، فإنه من غير المتوقع أن يبقى على تحالفه مع دحلان من بين اعضاء اللجنة المركزية غير توفيق الطيراوي، بسبب كراهيته الشخصية لعباس، على خلفية اخراجه من ادارة المخابرات العامة، والإعتداء الجسدي الذي تعرض له من حرس الرئاسة اثناء انعقاد مؤتمر بيت لحم..!

يتبقى إذا فقط مروان البرغوثي..

لقد ارتبط البرغوثي بتحالف قديم مع دحلان يعود الى أيام الإبعاد، وربما قبل ذلك.

وحين افترق دحلان والرجوب عن بعضهما البعض، حرص البرغوثي على المحافظة على تحالفه مع الرجلين كل على حدة.

لا جدال في أن هذا التحالف الثلاثي كان يحضر لمرحلة ما بعد وفاة عرفات. وحين افترق دحلان والرجوب عن بعضهما، اختار البرغوثي أن يحتفظ بتحالفه مع دحلان والرجوب كليهما، غير أن البرغوثي يبدو أنه اختار مؤخرا الإنحياز إلى جانب دحلان على حساب الرجوب، وهو ما يظهر من مؤشرين هامين:

الاول: تكرر زيارات دحلان للبرغوثي في أسره الإسرائيلي.

الثاني: دعوة زوجته فدوى لدحلان دون الرجوب لحضور حفل خطبة ابنتها، وابنة مروان البرغوثي، حيث تغيب الرجوب عن الحفل.

المصادر المقربة من الرجوب تقول أنه تلقي دعوة، غير أنه لم يتمكن من الحضور بسبب سفره خارج الأراضي الفلسطينية.

هذا الإنحياز المرجح إلى جانب دحلان تكمن اسبابه في عاملين:

الأول: ما يبدو ثقل تحالف دحلان داخل اللجنة المركزية، وتفضيل البرغوثي أن يكون ضمن الجناح الأقوى، اضافة إلى كونه سبق له أن فكر بمنافسة عباس على رئاسة السلطة في انتخابات 2005.

الثاني: غياب البرغوثي داخل أسره عن تفاصيل المشهد السياسي الفلسطيني، واقتصار طرق تزوده ببعض التفاصيل على مصدرين غير بعيدين عن دحلان:

1 ـ زوجته، وهي امرأة غير مسيسة بما يكفي، بدلالة تكليف زوجها لقدورة فارس بالتعبير عن مواقفه في المفاصل السياسية التي تقتضي التحدث، من دونها.. وهي تحاول الآن أن تجمع بين خطوطها المفتوحة على كل من خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، ومحمد دحلان.. فلعل وعسى أن يتمكن مشعل من اطلاق سراح زوجها من خلال صفقة تبادل أسرى، أو أن يتمكن دحلان من ذلك من خلال خصوصية العلاقة مع آسرى البرغوثي..!

2 ـ قدورة (عبد القادر) فارس، وهو أحد أخلص حلفاء دحلان، والمقرب جدا، وكثير الزيارة للبرغوثي، ويتمتع بقدر كبير من الغموض.

بطبيعة الحال فإن تحالف البرغوثي مع دحلان قائم على حسابات المصالح، التي تقرر أنه داخل أسره الاسرائيلي هو من يحتاج إلى دحلان، كما أن دحلان يحتاج إلى دعمه المعنوي امام قواعد تنظيم “فتح” في الضفة الغربية.

ولكن يبقى السؤال: هل يكسب دحلان، أم يخسر البرغوثي، في حال قرر دعم دحلان علنا، أما قواعد التنظيم..؟

والسؤال بلغة أخرى: هل تظل قواعد البرغوثي في التنظيم على ولائها له، إن هو جاهر بتحالفه السري مع دحلان..؟!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2165346

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165346 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010