السبت 1 كانون الثاني (يناير) 2011

حتى لا تتحول حركة فتح لمجرد ذكرى

السبت 1 كانون الثاني (يناير) 2011 par د. ابراهيم أبراش

تتزامن الذكرى السادسة والأربعون لانطلاقة حركة التحرر الوطني الفلسطيني -فتح - مع أحداث داخلية وخارجية تعصف بالحركة وتطرح كثيرا من التساؤلات حول واقع ومستقبل الحركة.حركة فتح اليوم تتعرض لمحاولات متعددة الأطراف لتدميرها أو إضعافها وإسرائيل تدرك بأن حركة فتح كفكرة وطنية تشكل تهديدا للمشروع الصهيوني أكثر من كل الأحزاب والحركات التي تقول بالمقاومة والجهاد،فإسرائيل تستطيع أن تواجه هؤلاء عسكريا ولكنها لا تستطيع أن تواجه الفكرة والهوية الوطنية التي تعبر عنها حركة فتح .

إن الوفاء لحركة فتح الفكرة والهوية الوطنية يتطلب ألا تقتصر ذكرى الانطلاقة على التمجيد بالحركة والحديث عن ماضيها وهو تاريخ يستحق كل تقدير واحترام ولا شك،بل يحتاج الأمر أيضا لوقفة مراجعة وتقييم لأوضاع الحركة بروح نقدية بناءة تهدف لإصلاح حال الحركة لتعود وتأخذ دورها الريادي .ندرك جيدا أنه قي ظل الانقسام الحاد بين فتح وحماس والتراشق الإعلامي غير المسبوق بينهما الذي وصل لدرجة الاتهام المباشر بالتآمر والخيانة ،فإن أي انتقاد لطرف سيُفسر بأنه يخدم الطرف الثاني حتى وإن كان نقدا موضوعيا بناء فثقافة النقد الذاتي غير مرحب بها في المنظومة الثقافية والفكرية داخل أحزابنا الفلسطينية التي تشهد ضعفا تنظيميا وفكريا ومأزقا في الأداء السياسي والعسكري تجاه العدو الرئيسي – إسرائيل - تحاول أن تخفيه بتمظهرات قوة مبالغ فيها توجهها لخصمها الوطني .

ما بين جلد الذات وتقديسها يأتي النقد الذاتي البناء.النقد الذاتي الذي يوجهه شخص لظاهرة أو لحزب ينتمي إليه أو يتعاطف معه أكثر تأثيرا وأقدر على تلمس بواطن الخلل والإرشاد لطريق الخلاص،لأنه ينطلق من شخص منتمي للظاهرة المُنتقدة مُطلع على جوانيتها وحريص عليها،إلا أنه في نفس الوقت يثير حفيظة وضغينة القوى النافذة والمستفيدة التي تشعر بأن النقد يمسها شخصيا أو يهدد مصالحها أو أن المنتقد يتطلع لمنافستها على مواقعها،فتستنفر قواها وتشهر سيوفها لمواجهة هذا المارق الذي تجرأ على نقدها وتضعه في صف الأعداء بل تعتبره أخطر عليها من الأعداء فهو في نظرها طابور خامس ،مثير للفتنة ، ناكر للجميل أو مدفوعا بدوافع الحسد والغيرة من زملائه لأنهم أصبحوا قياديين ومسئولين وهو دون ذلك الخ. هذا ما جرى مع كثير من الأخوة الفتحاويين الذين دفعتهم غيرتهم وحرصهم على الحركة لانتقاد سلوكيات وسياسات خاطئة وسمت حركة فتح خلال السنوات الأخيرة وأدت إلى ما هي عليه من واقع بات يهدد ليس فقط قيادتها للشعب الفلسطيني بل وجودها كحركة تحرر وطني.

صحيح أن بعض الذين تنطعوا لانتقاد حركة فتح مدعين بأنهم فتحاويون غيورون على حركة فتح كانوا مدفوعين بحقد شخصي وتصفية حسابات شخصية ،وبعضهم كان صادقا في تشخيص الأخطاء ولكنه غير صادق ولا بريئا في رؤيته لتصحيح المسار وسبل الخلاص ،وآخرون كانوا من رموز الفساد في الحركة ومن المسؤولين عن انحرافها ،فلجئوا لسياسة (الهجوم خير وسيلة للدفاع ) حيث انتقدوا الحركة وقيادتها لإخفاء فسادهم ودورهم في تدمير الحركة ونهجها.لكن مقابل هؤلاء المغرضين في نقدهم يوجد الصادقون الغيورون على الحركة والراغبون في استنهاض الحركة من كبوتها لإيمانهم بان لا استنهاض للمشروع الوطني إلا باستنهاض حركة فتح،أولئك الذين ارتبطت حياتهم السياسية بحركة فتح وناضلوا وعانوا الكثير من أجلها،أولئك لا يمكنهم أن يتخلوا بسهولة عن انتمائهم لحركة فتح كفكرة وطنية وتاريخ نضالي،فالانتماء للحركة بالنسبة لهم ليس مجرد انتماء لتنظيم أو بحث عن راتب بل واجب يفرضه روح الانتماء للوطن وللفكرة الوطنية ،والوفاء لمسيرة طويلة تماهت فيها شخصيتهم مع فتح الفكرة الوطنية، هؤلاء يجب الاستماع لهم وتقبل انتقاداتهم،فأن نعترف بالأخطاء ونتداركها خير من المكابرة والمعاندة والاستمرار في الزعم بأن تنظيم فتح لا يخطئ وبأن أوضاع الحركة على خير ما يرام.مقولة قبيلة أو عشيرة فتح التي تحكمها مقولة (أنا وأخي على أبن عمي وأنا وأبن عمي على الغريب ) وهي المقولة التي كان يرددها البعض لتبرير الاختلافات والانقسامات داخل الحركة والتهوين من شأنها ،ثبت أنها مقولة مضللة حيث وصل الأمر ليكون أبن فتح والغريب على الأخ وأبن العم الفتحاوي،لقد أساء (فتحاويون ) لحركة فتح أكثر مما أساء إليها أحد من القوى والفصائل الفلسطينية الأخرى بل إن غيرة فلسطينيين غير فتحاويين على حركة فتح كانت أكثر من غيرة بعض المنتسبين لحركة فتح .

بات واضحا - وخصوصا بعد المؤتمر السادس وما صاحب عقده من التباسات وما شاب انتخاباته من تلاعبات وضغوطات خارجية ،وما افرز من قيادات - أن فجوة تتزايد يوما بعد يوم بين فتح الفكرة والفكر التحرري الوطني من جانب وفتح التنظيم من جانب آخر.فتح التنظيم - لجنة مركزية و مجلس ثوري و قيادات الساحات - لا يمثل تمثيلا صحيحا وكاملا فتح الفكرة وخصوصا بعد ما رأينا من تطاول بعض أعضاء اللجنة المركزية على الرئيس أبو مازن ،رئيس فتح ورئيس الشعب الفلسطيني وهم نفسهم الذين سبق وان تطاولوا على الرئيس أبو عمار.كنا نأمل أن تبقى الخلافات داخل البيت الفتحاوي ويتم حلها داخل مؤسسات فتح ،ولكن أن تخرج الخلافات للعلن وان يتطاول فلسطينيون من داخل المؤسسة القيادية لفتح على الرئيس في هذا الوقت بالذات حيث يتعرض الرئيس لانتقادات إسرائيلية ومحاولات للإجهاض عليه سياسيا بالزعم بأنه لا يمثل الكل الفلسطيني أو انه ضعيف ،فهذا أمر يثير القلق بل والشك.

ليس مرامنا من هذا المقال أن نجلد حركة سياسية وطنية ننتمي لها طوال أربعة عقود ،حركة حملت وحمت القضية الوطنية وقادت النضال الوطني طوال ست وأربعين عاما،حركة قبل أن تكون حركة تحرر ضد الاستعمار الصهيوني كانت حركة تحرر وتحرير للفلسطيني من حالة السلبية والإتكالية والإحباط وفقدان الثقة التي سيطرت عليه بعد النكبة مباشرة ،حين كان الفلسطيني يخجل أن يقول أنا فلسطيني ،وحين كان الفلسطيني مجرد رقم في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين – الأونروا – وكان الناشطون الفلسطينيون لا يجرؤون على تشكيل حزب خاص بهم ،فجاءت حركة فتح لتنتشل الشعب الفلسطيني من هذا الواقع الآسن وتخلق منه شعبا جديدا فرض نفسه وحضوره على القريب والبعيد وأعلن للعالم استنهاض شعب عريق ومجيد أُريد له أن يموت كباره وينسى صغاره ،فحمل الصغار الراية ،راية فتح الثورة والوطنية والكفاح المسلح لاستعادة الوطن السليب،كانت فتح السيف الذي كسر قيود العنقاء لتنهض من تحت الرماد ،كسرت قيود الشعب الفلسطيني ليصبح الرقم الصعب في معادلة الصراع في الشرق الأوسط وما زال.

ولكن ... من حقنا بل وواجب علينا وعلى كل فتحاوي وفلسطيني يؤمن بالوطن والوطنية أن يكون له رأي فيما آلت إليه حركة فتح لأن فتح ليست مجرد حزب سياسي عادي كبقية الأحزاب،فهي العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ورئيسها رئيس الشعب الفلسطيني ،أيضا عندما تقول حركة فتح بأنها حركة تحرر وطني يصبح من حق كل فلسطيني أن يكون له رأي في هذه الحركة وينتقد كل سلوك يرى انه يتعارض مع متطلبات حركة التحرر. فتح الفكرة ليست حكرا على فتح التنظيم بل ملك لمن ينتمي لها ويُخلص في التعبير عنها وتجسيدها ثقافة وسلوكا والتزاما. التنظيم يكون فتحاويا بمقدار التزامه بفتح الفكرة،ومجرد كون الشخص وصل لموقع قيادي في تنظيم فتح حتى وإن أصبح عضو لجنة مركزية لا يعني بالضرورة أنه فتحاوي أكثر من غيره ،أهلية من يتنطع للقيادة لا تُستمد من موقعه بل من ممارساته ومدى إيمانه بفكر وقيم وثقافة حركة فتح كحركة تحرر وطني .

لسنوات ونحن نجد عذرا لسلوك هذا القائد الفتحاوي أو ذاك النهج السياسي وحتى عندما كنا ننتقد كانت انتقاداتنا مترددة وحذرة حتى لا تُفسر بما يخدم أعداء الحركة والمتربصين بها وهم كُثر . أما وقد بلغ السيل الزبى ،لم يعد مجالا للسكوت عن ما يجري داخل تنظيم حركة فتح . لسنوات ونحن نراهن أن يتغير حال الحركة للأفضل وان تتغلب العناصر الوطنية والصادقة على العناصر المشبوهة والمدسوسة التي تسللت لمواقع قيادية داخل التنظيم أو فرضتها حسابات عربية وإقليمية ودولية والتي أساءت كثيرا لفتح الفكرة ولفتح التنظيم ،العناصر المشبوهة التي شوهت مشروع السلام الفلسطيني الذي وضع أسسه القائدان أبو عمار وأبو مازن، كما تآمروا على المقاومة والمقاومين ،وساهموا في حالة الفوضى والانفلات الأمني التي أدت لهزيمة فتح في انتخابات يناير 2006 ،وكانت بصماتهم واضحة في إعاقة عمل حكومة الوحدة الوطنية وفي تمرير مخطط الانقسام بتسهيل سيطرة حركة حماس لقطاع غزة تنفيذا لمخطط إسرائيلي استراتيجي مهدت له خطة شارون للانسحاب الأحادي من القطاع عام 2005 ،هذه القيادات نفسها تعيق المصالحة وتثير الفتنة اليوم في الضفة الغربية وتتطاول على الرئيس أبو مازن.

إن حركة فتح ضرورة وطنية وإصلاح حركة فتح واستنهاضها على أسس وطنية ضرورة ومدخل لاستنهاض المشروع الوطني ،مشروع الكل الفلسطيني.القول بأن فتح صاحبة الانطلاقة الأولى ومؤسسة المشروع الوطني ولها السبق بالكفاح المسلح ... كل ذلك لا يمنح شرعية دائمة وثابتة لتنظيم حركة فتح ولا يعطيها الأسبقية على غيرها من القوى والحركات السياسية ،فتح تحتاج بالإضافة إلى ما سبق أن تكون معبرة عن نبض الشعب وعن تطلعاته بالحرية والاستقلال ،التاريخ لا يمنح شرعية سياسية لحزب أو حاكم ،كما الدين لا يمنح شرعية سياسية لحزب أو حاكم، ما يمنح الشرعية هو التمسك بالثوابت والوطنية وما يتحقق من انجازات في الواقع على طريق تحقيق الأهداف الوطنية التي ما وجدت الأحزاب إلا لتحقيقها.

بالرغم من التطور الذي طرأ على الخريطة السياسية الحزبية الفلسطينية من حيث دخول حركات وقوى سياسية جديدة عليها إلا أن لا حزب أو حركة استطاعت أن تعبر عن الوطنية الفلسطينية كما تعبر عنها حركة فتح.هناك حركات إسلام سياسي تمثل امتدادا لحركات وإيديولوجيات مقرها خارج الوطني وبالتالي لا تعبر عن الهوية والثقافة والانتماء الوطني ،ونتمنى أن توطن هذه الحركات إيديولوجيتها الدينية كما هو الحال مع تركيا مثلا ،وهناك أحزاب يسارية وشيوعية تجاهد لإضفاء طابع وطني على فكرها وأيديولوجيتها وقد قطعت شوطا كبيرا في توطين إيديولوجيتها إلا أنها متعددة وغير قادرة على أن تقود تيار الوطنية الفلسطينية،حركة فتح وحدها المؤهلة لتمثيل الوطنية الفلسطينية ولكن حتى تقوم بهذا الدور كما قامت به سابقا يجب أن تعيد بناء ذاتها وعلاقاتها.

اليوم وفتح تحيي ذكرى انطلاقتها، ومن منطلق الحرص على فتح الفكرة التي نؤمن بأنها خشبة الخلاص والإنقاذ للمشروع الوطني ،نبدي الملاحظات والتساؤلات التالية :-

1- حتى لا يُقال إنه لم يتبق من فتح إلا تاريخها وضريح أبو عمار.مهرجانات ذكرى الانطلاقة أو أحياء ذكرى وفاة أبو عمار وزيارة ضريحه ضرورية ولا شك لربط الأجيال الصاعدة بتاريخ الحركة وللتأكيد على استمرارية حضور الحركة،إلا أنها لا تكفي لوحدها لإثبات حضور وشعبية حركة فتح .الآلاف الكثيرة التي تخرج في ذكرى الانتفاضة أو في ذكرى وفاة أبو عمار لا تعني أن تنظيم فتح قوي بل تعني أن الوطنية الفلسطينية التي تعبر عنها حركة فتح ما زالت قوية وحاضرة عند الشعب،حيث غالبية الذين يخرجوا في مهرجانات فتح ليسوا من فتح التنظيم بل من أنصار ومؤيدي فتح الفكرة.أن لا تظهر قوة حركة فتح إلا في ذكرى الانتفاضة وذكرى رحيل أبو عمار معناه انه لم يتبق من فتح إلا قوة فكرتها وذكرى تاريخ مجيد وضريح أبو عمار ،وهذا ما لا نريده أن يكون.

2- التطاول على الرئيس أبو مازن.تاريخيا وحركة فتح تعرف التعددية بداخلها فكان يقال جماعة أبو جهاد وجماعة أبو أياد الخ ،ولكن كان على رأس هذه الجماعات قيادات كبيرة وكلها تخدم فتح التنظيم وفتح الفكرة ولم يكن أي قائد من القيادات الكبيرة يتطاول على الرئيس أبو عمار على الأقل في العلن،ولكن عندما يصل الأمر لأن يتطاول ثلاثة من أعضاء اللجنة المركزية على الرئيس أبو مازن ولان تشكل بعض قيادات فتح جماعات وميليشيات خارج إطار التنظيم وخارج الأجهزة الأمنية الرسمية ،فهذا مؤشر على خطب كبير يهدد الحركة. والأدهى من ذلك عندما تقف قيادات في اللجنة المركزية والمجلس الثوري موقف المتفرج على الخلافات الداخلية التي يكون الرئيس طرفا فيها ،مثلا الصراع الذي لم يعد خفيا بين الرئيس أبو مازن ومحمد دحلان .نفهم موقف بعض القيادات ورغبتها في عدم تصعيد الخلاف ومراهنتها على حل الخلاف بهدوء ،ولكن موقف بعض القيادات في المركزية والمجلس الثوري يعكس حالة من العجز عن اتخاذ موقف أو أنها تعبر عن موقف انتهازي حيث تنتظر من يربح في هذا الصراع لتمنحه ولاءها.لا نقلل من دور وأهمية أي قيادي ولكن عندما يكون الرئيس طرفا في أي خلاف يجب الانحياز كليا لجانب الرئيس حفاظا على هيبته ومكانته وخصوصا في هذه اللحظة التي يُستهدف فيها الرئيس من أكثر من جهة،حيث حماس تتهمه بالرئيس منتهي الولاية وإسرائيل تقول عنه بأنه عقبة أمام السلام وشخص ضعيف .بالإضافة إلى هذا الخلاف أو الصراع فإن العلاقة البينية السيئة داخل أعضاء اللجنة المركزية لم تعد خافية على أحد ، حيث باتت الانتقادات والملاسنات ما بين أعضاء اللجنة المركزية وبعضهم البعض تخرج للعلن حتى أن بعضهم قال بأن لا أحد من أعضاء اللجنة المركزية يحب الآخر أو يثق بالآخر.

3- هل الحكومة في الضفة حكومة فتح ؟علاقة فتح بالسلطة وبالحكومة يطرح إشكالات كبيرة ،فهل صحيح أن السلطة في الضفة سلطة فتح والحكومة حكومة فتح؟ عندما تكون السلطة والحكومة لفتح فهذا معناه ان تتحمل حركة فتح مسؤولية ممارساتهما وان يكون برنامج الحكومة وتصريحات رئيس وزرائها الدكتور سلام فياض يمثلان الخط السياسي لحركة فتح وهذا ما لا نجد اتفاقا عليه داخل فتح حيث وجه بعض قيادات الحركة انتقادات للحكومة ولرئيس وزرائها وكان آخرها انتقاد الدكتور نبيل شعت لسلام فياض عندما نعت هذا الأخير الدولة الفلسطينية التي يطالب الرئيس ابو مازن العالم الاعتراف بها بالميكي ماوس . السلطة مضطرة للخضوع لضغوطات الخارج بسبب التمويل والخضوع لشروط إسرائيلية تتعلق بالأمن والاقتصاد حتى تحافظ على وجودها وعليه سيكون من الخطورة أن تُنسب السلطة والحكومة وبرنامجهما وممارساتهما لحركة فتح حتى لا تخضع الحركة للضغوط والاشتراطات المفروضة على السلطة والحكومة وحتى لا يرتبط مصير حركة فتح بمصير السلطة والحكومة،وحتى تحفظ الحركة خط الرجعة لأن وجود السلطة والحكومة رهن بنجاح مسلسل التسوية فيما وجود واستمرار حركة التحرر مرتبط بإنهاء الاحتلال وقيام الدولة المستقلة.

4- فتح والتنسيق الأمني.وهو موضوع مرتبط بسابق الحديث .إن كانت حركة فتح حركة تحرر وطني ،فكيف لحركة تحرر وطني أن تنسق أمنيا مع جيش الاحتلال؟.كان التنسيق مفهوما عندما كانت العملية السلمية واعدة بتحقيق المطالب الفلسطينية أو على الأقل كانت إسرائيل ملتزمة بالاتفاقات الموقعة وبعملية السلام ،أما اليوم وبعد تنصل إسرائيل من كل التزاماتها وبعد الحرب المعممة بأشكالها العسكرية والاستيطانية التي تخوضها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وبعد تصريحات ليبرمان بأن السلطة الفلسطينية غير شرعية ومهاجمته للرئيس أبو مازن ... بعد كل ذلك ما هو مبرر استمرار التنسيق الأمني بالشكل الذي هو عليه؟ولماذا يُنسب التنسيق الأمني لحركة فتح؟. أن يستمر التنسيق الأمني مع استمرار الاستيطان والتهويد وأن يُنسب التنسيق الأمني وممارسات الأجهزة الأمنية لحركة فتح فهذا أمر يسئ للحركة ويخفي نوايا خبيثة لتدمير الحركة ونزعها من كينونتها الثورية التحررية.

5- فتح الضفة وفتح غزة.نورد هنا إشارة تحذير دون أن نتوسع بالموضوع لخطورته وحساسيته. مرور الوقت على فصل غزة عن الضفة يحدث مفاعيله الانقسامية الخطيرة التي باتت تمس ليس فقط وحدة النظام السياسي بل أيضا المنظومة الاجتماعية والثقافية والنفسية وأثر على الوحدة الداخلية للأحزاب الفلسطينية .من تداعيات الانقسام أنه أثر على وحدة تنظيم حركة فتح واوجد تمايزا ما بين واقع حركة فتح في الضفة وواقعها في قطاع غزة – وهذا ينسحب على بقية الفصائل والحركات - إلا أن الخطورة المستجدة تكمن في انعكاسات الخلافات داخل قيادة فتح على وحدة الحركة في الضفة وغزة ومحاولة البعض تصوير الخلافات الأخيرة وكأنها بين فتح غزة وفتح الضفة.الخلافات الأخيرة داخل حركة فتح حيث يبدو دحلان وكأنه يمثل فتحاويي غزة أو يروج لذلك ،بالإضافة إلى واقع الانقسام بين الضفة وغزة وصعوبة التواصل وضبابية الرؤية السياسية وتسرب اليأس بالنسبة لسرعة إنهاء الانقسام ،كلها أمور تثير تساؤلات عند أبناء فتح في قطاع غزة ذات طبيعة مختلفة عما هو مُثار في الساحات الأخرى وخصوصا في الضفة الغربية.

6- ضرورة استعادة الساحة الخارجية.بسبب انشغال فتح بالتسوية وبالسلطة ثم بالانقسام والمفاوضات تم تجاهل وتهميش تنظيم حركة فتح في الأقاليم الخارجية الأمر الذي ترك الساحة الخارجية حكرا على القوى السياسية المنافسة وخصوصا حركة حماس بحيث بات من الصعب على سفير أو مسئول من فتح أو المنظمة أن يتحدث في مهرجان شعبي أو في ندوة ويدافع عن نهج السلطة أو عن فتح.لا تكمن الخطورة بضعف التنظيم فقط بل في تراجع الفكرة والفكر الوطني وفقدان الثقة بالمنظمة وبحركة فتح وعدم وجود شخصيات صادقة في إيمانها بفكر حركة فتح وبنهج السلام وقادرة على التواصل مع الجماهير الفلسطينية والعربية والأجنبية.ما ساعد على ذلك أن كثيرا من السفراء ومعتمدي الأقاليم تحولوا لموظفين كل همهم إرضاء السلطة والحكومة لضمان رواتبهم ،كما أن الخلافات داخل اللجنة المركزية وبين بعض أعضاءها وبين الرئيس انتقلت للخارج وزادت الأمر سوءا.

وأخيرا يجب أن تعترف حركة فتح بأن العالم يتغير والجغرافيا السياسية الفلسطينية تتغير والثقافة السياسية تتغير عندنا وفي محيطنا وان تغيرا كبيرا طرأ على شبكة التحالفات من صداقات وعداوات ،وبالتالي فإن زمن التفرد بالقرار وبالسلطة والتغني بأمجاد الماضي قد ولى، والمرحلة تتطلب أن تعمل حركة فتح: استراتيجيا على إعادة صياغة وتطوير فكرها وفكرتها الوطنية حتى عندما يُسأل أبن فتح ما هي فتح يكون لديه إجابة غير الصمت أو القول بأنها أبو عمار أو أبو مازن أو الانطلاقة الأولى،وعلى المستوى الاستراتيجي الوطني العام عليها بالمشاركة مع القوى السياسية والمجتمعية لإعادة بناء المشروع الوطني التحرري أخذا بعين الاعتبار المتغيرات المحيطة بنا،مشروع وطني تحرري يجمع بين الالتزام بنهج السلام والعمل الدبلوماسي الخلاق من جانب والحفاظ على الحق بالمقاومة وروح المقاومة عند الشعب مع تطويع العمل العسكري بما يخدم الحراك السياسي ومشروع السلام الفلسطيني ،ومن ناحية تكتيكية ومرحلية مطلوب عمل إبداعي لتشكيل حكومة وسلطة شراكة وطنية بين كل القوى السياسية تتعالى على واقع الانقسام وتتجاوز استحقاقات وشروط التسوية والرباعية ما دامت إسرائيل غير ملتزمة بهما .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 58 / 2165816

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165816 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010