الثلاثاء 18 كانون الثاني (يناير) 2011

عربية فيروز وعربية البوعزيز

الثلاثاء 18 كانون الثاني (يناير) 2011 par د. محمد صالح المسفر

عندما تناقلت وسائل الإعلام مأساة الشاب محمد البوعزيز إلى إحراق نفسه احتجاجا على الظلم والقهر والحرمان الذي سببه لحياته وأسرته والشعب التونسي بوجه عام النظام الظالم بقيادة زين العابدين بن علي غضب الشعب التونسي العظيم وراح يثأر للبوعزيز أدركت أن لكل ظالم نهاية بائسة. لقد أراد الطاغية بن علي أن يوهم العالم كله بأن هناك مؤامرة تستهدف نظامه الديمقراطي وأن الإرهابيين أنشبوا أظفارهم في المجتمع التونسي وأن الإسلاميين يشكلون خطرا على الديمقراطية التونسية، لكن لحسن الحظ لم يصدقه أحد.

ما حدث لعربة البوعزيز التي كانت تحمل عليها خضارا يتكسب مما يبيع من تلك الخضرة ليعيش أسرته ليكفيهم عيب التسول، لكن قوى الأمن التونسي صادرت العربية وما عليها، تذكرت مسرحية فيروز الغنائية الشهيرة “الشخص” والتي تظهر فيها فيروز وهي تجر عربة الخضار التي تتنقل بها من زاوية إلى أخرى في الشارع ومفتشو البلدية يلاحقونها ويمنعونها من البيع في سوق الخضار، رأيت فيروز في تلك المسرحية ودموعها تتساقط على خديها وهي تترجى رئيس البلدية ومفتشيها أن يتركوها لحالها لتبيع ما تملك من خضار في ذلك الصباح لكي تعيش أسرتها إلا أن مفتش البلدية صادر العربية وما عليها وبقيت فيروز تندب حظها ولا سائل عنها ولا مغيث، لكن فيروز لم تقدم على إحراق نفسها احتجاجا على ظلم وقهر واستبداد النظام السياسي لأن الحال كانت أفضل من حالنا اليوم ولا وجود لوسائل الإعلام الحر في ذلك الزمان لتفضح قهر الإنسان من النظم السياسية في عالمنا العربي.

شعب تونس العظيم الذي يأبى الذل والمهانة، شعب تضامني وطني ثأر لمحمد البوعزيز من كل الطغاة في تونس وأجفلهم من مكاتبهم ومنازلهم وجحورهم، في خلسة وبعيدا عن الأبصار انسل “شاه” تونس زين العابدين بن علي ومعه كل ما خف وزنه وغلى ثمنه من أموال الشعب التونسي إلى خارج الحدود تحرسه مع الأسف الشديد قوات عسكرية من دولة عربية ليصل إلى دولة عربية أخرى كنت أتمنى ألا يجد له مكانا في تلك الدولة، كانت قبلة طاغية تونس فرنسا أولا ولكنها رفضته وترفض بقاء من ينتسب إليه أو إلى حاشيته في الفضاء الفرنسي، ولم تقبله إيطاليا ولا حتى أمريكا، إنه يذكرنا بما آل إليه شاه إيران عام 1979 الذي ظل هائما في المياه الدولية على ظهر يخت بلا مأوى إلى أن وافته المنية.

اعلم حق العلم الأسباب التي دفعت بالمملكة السعودية لاستقبال زين العابدين المخلوع.

إنها أمور كثيرة وعندهم سلوك أخلاقي “ارحموا عزيز قوم ذل” والحق أن زين العابدين ليس عزيز قوم، فمن الناحية الأخلاقية والإنسانية والشرعية كنت أتمنى ألا يجد له مكانا في أرض قبلة المسلمين لأنه كان فاجرا في حق شعب تونس العظيم كان طاغية والأرض الحرام أخرجت الفجار والطغاة حتى من كان منهم من أهلها.

لقد تناقلت وسائل الإعلام العربية والدولية أن بن علي الهارب من غضب شعبه خطط مبكرا قبل الهروب وشكل مليشيات سرية بالتعاون مع قوى خارجية لإحداث اضطرابات وفوضى في تونس إذا حدث له ولأسرته أمر يؤثر على مكانه ومكانته، وما يفعله الحرس الرئاسي من قنص وإثارة الرعب بين الناس وتحدي سلطات الجيش الذي لم يقبل أن يكون إلى جانب الطغاة يؤكد توجيهات بن علي لأنصاره الجيش السري كي لا يستتب الأمر فيكون الترحم على الطاغية أمرا مقبولا، لكنهم سيفشلون.

تحية إجلال وتقدير للشعب التونسي على ما فعله بالطغاة، وجعلهم كالقطيع خائفين من غضب الشعب التونسي عبر البراري والقفار يبحثون لهم عن مأوى لكن غضب الشعب سيظل يطاردهم في منافيهم أينما كانوا. والتحية موصولة للجيش التونسي العظيم الذي امتنع عن قهر الشعب وإطلاق النار على مسيراته وتجمعاته بموجب أوامر زين العابدين أو أي من حاشيته المتنفذين. هذا الجيش الوطني بكل ما تعني الكلمة له ولقياداته التحية والتقدير والشعب العربي من محيطه إلى خليجه يقدر موقف هذا الجيش الذي لم يقفز إلى قمة هرم السلطة مستغلا فترة الفوضى التي عمت المدن التونسية بعد هروب الطاغية بن علي من البلاد. هذا الجيش الوطني الذي كان عونا للمواطن وحاميا له ولممتلكاته في كل مراحل احتجاجاته ضرب أروع الأمثال لجيوش الحكام العرب، بمعنى يا جيوشنا هبوا لحماية الشعب من كل الطغاة في الداخل والأعداء من الخارج.

آخر القول: إنها رسالة الشعب التونسي إلى الشعب العربي في كل أقطاره اطلبوا الموت توهب لكم الحياة، ورسالة من الجيش التونسي إلى كل الجيوش العربية كونوا حماة الوطن والمواطن لا حماة الطغاة والفجار وأعداء البلاد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2178889

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2178889 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40