الاثنين 31 كانون الثاني (يناير) 2011

التغيير تحت ضغط الشارع

الاثنين 31 كانون الثاني (يناير) 2011 par عبدالوهاب بدرخان

كان واضحا ليل “جمعة الغضب” أن الرئيس حسني مبارك بلغ خيارات لم يعلن عنها في خطابه المتلفز، ورغم أن الجزء المهم في خطابه بقي في العموميات إلا أنه عرض عناوين القناعات التي انتهى إليها ولم يكن متوقعاً أن يفصح عنها، تحديداً لأن النظام بمؤسستيه السياسية والعسكرية، أقر ضرورة أن يأتي التغيير من داخله، والأهم أن يكون مبنياً على تصميم أكيد على القطع مع أنماط السياسة المتبعة حتى بداية الانتفاضة الشعبية، وما يفترض أن يكون الآن صحوة في عقل النظام وقلبه لابد أن يكون أيضا انطلاقة لنقد ذاتي سريع وقاس بل جراحي داخل مؤسساته وبالأخص داخل الحزب الحاكم. فما حصل يمكن أن يمهد لإصلاح يعصرن النظام نفسه ويرسم الحدود بينه وبين الحزب، وإلا فإنه سيمهد للانتفاضة التالية التي ربما تأتي على نحو أكثر دموية ومأساوية.

شكل اللجوء إلى الشخصيتين العسكريتين القريبتين إلى الرئيس، عمر سليمان نائباً للرئيس وأحمد شفيق لرئاسة الحكومة، ملئ بالرسائل الموجهة إلى الداخل كما إلى الخارج، وأهمها أن النظام مستمر لكن بسياسات مختلفة ووجوه جديدة، ورغم أن تعيين سليمان تطابق مع توقعات دائمة ومؤجلة، إلا أن توقيته فتح الأبواب لتكهنات وأهمها أن مرحلة انتقالية بدأت فعلا، وأن مبارك ربما يعزف عن ترشيح نفسه لولاية سادسة، أو لعل وجود نائب للرئيس يتيح له التنحي في أي وقت، أما رئيس الحكومة الجديد فسيعتمد على سمعته الجيدة لاشاعة مزاج سياسي جديد في البلد، ويتوقع ألا يتأخر في الإعراب عن رؤية مختلفة لإدارة شؤون الاقتصاد والتنمية وتصحيح العلاقة بين الدولة والمجتمع.

قدر الانتفاضات أن تترك آثاراً مؤسفة، أن تحفر تفاصيل غير مستحبة، بل شاذة – في الذاكرة-وما حدث في “جمعة الغضب” وعم مختلف أنحاء مصر كان بوجهين: احتجاج سلمي أصيل قوبل بمختلف أدوات القمع، ثم أعمال حرق ونهب وتخريب خلال الوقت المستقطع –الطويل- بين انسحاب الشرطة ونزول الجيش.

ولذلك ارتسم الخط المزدوج لأي إصلاح بأنه يجب أن يكون أمنياً وسياسياً بشكل متوازٍ، ستبقى صور القمع، كما صور الحرائق، شاهداً على هذه الهبة الشعبية في أذهان السلطة والشعب، ويجب ألا تنسى أي منهما لأن بينهما علاقة سببية. كيف؟ لأن الذين تظاهروا سلمياً وللتعبير عن تطلعاتهم يخشون فعلاً أن ينسى النظام وعوده أو بالأحرى واجباته. أما الذين عمدوا إلى الشعب فقد جاء معظمهم من قاع اليأس الاجتماعي وهؤلاء لا يعولون على الدولة أو التغيير، بل لعلهم لا يبالون أصلاً وقد يعاودون الكرة إذا سمحت لهم الظروف بذلك.

كان هناك جهد واضح لتفادي السيناريو بالنسبة إلى نهاية النظام، صحيح أن الشارع قدم خلال أيام أربعة، بل خلال ساعات ما استغرق في تونس أربعة أسابيع للوصول إلى النقطة الحرجة التي تهدد بالوقوع في الفوضى، إلا أن النظام المصري عكس التونسي، بقي له من الرصيد، ما يتيح له إدارة التغيير ووضعه على مسار يمكن أن يرضي غالبية المجتمع، لكن الحال المصرية – كما أصبح واضحا-تبدو أنها تنطوي على أمراضها الخاصة المزمنة التي تستوجب معالجة معتمدة على الدولة وليس على وضع انقلابي أو ثوري أقرب إلى الفوضى، كثيرون يرفضون المقارنة بين الحالين، لاسيما في الجانب المصري، لكن الواقع يظهر أن النظام القائم كان شوه المقاييس والمعايير حتى لم يعد ممكنا التمييز بين ما هو أحول وما هو انحرافات
.
فعندما تفصل الدساتير وتعدل لخدمة الأشخاص ورغباتهم، وعندما تسن قوانين لمصلحة الحزب الحاكم أو محاباة للنافذين فيه، وعندما يتصرف الأمن بدوافع تمييز ومحسوبية بين المواطنين تكون الدولة – أي دولة – استهزأت بالتشريع وكسرت البوصلة ولم تعد تسترشد إلا بأهواء أشخاصها.

بعد التبشر –الإنذار بالعدوى التونسية، يمكن الآن التطلع أكثر إلى ما يمكن أن تحدثه العدوى المصرية، إذ أن مصر تؤثر تاريخيا في محيطها العربي أكثر من أي بلد آخر، بل ان حال الضياع والعجز والغياب الاستراتيجي التي يمر بها العربي تعزى غالبا إلى الوضع المصري، ربما يقول قائل في أن مثل هذه المقولة لم يعد ذا معنى، نظرا إلى تغييرات كثيرة طرأت على العرب، هذا صحيح جزئيا، لكن حتى الدول التي لم تعد تعول على نموذج مصري كما في السابق لا تزال دائمة الشكوى والاستياء من حال الانكماش والتراجع المصرية، إذ لا تستقيم استراتيجية عربية في أي شأن إلا إذا استطاعت مصر أن تكون ذات مشاركة رؤيوية وعملية فيها.

لم يعد هناك مفر، فالتحدي القائم والمؤجل منذ زمن اسمه “الإصلاح” ومصر تعلمت الآن الدرس على حسابها ومن رصيد هيبتها، وعندما خاطب مبارك المصريين كان يعلم أن العالم كله يترقبه، وان العرب تابعوا بألم وأمل تلك الساعات الطويلة التي أمضاها النظام مصلوبا، على شاشات التلفزة، لم يتطرق مبارك إلى المسائل المتعلقة بالانتخابات، رئاسية أو تشريعية، ولم يلمح إلى مصير مجلس الشعب الحالي، كما لو أنه أراد القول إنه لم يعد معنيا بها بعد الآن، مع ذلك سواء استمر على رأس النظام أم لا، فإن السؤالين اللذين طرحا بقوة من خلال انتفاضة الشارع هما: كيف يمكن الإصلاح السياسي مع الحفاظ على الحزب الحاكم الذي صنع عمليا الفجوة التي انحفرت بين الدولة والمجتمع وبات هو نفسه مشكلة بدل أن يكون قاطرة الحل؟ وكيف يمكن الإصلاح الأمني إذا كانت حال الطوارئ لم تتمكن من التصدي لأعمال الشغب والنهب في حين أنها ساهمت على نحو مفزع في إفساد الجهاز الأمني واستخدمت للتغطية على جرائم ارتكبها أفراد منه في حق المواطنين؟.... قد يستمر النظام محتاجاً إلى حزبه، لكنه بعد هذه المحنة مدعو إلى الاعتراف بأن الحزب فقد اتصاله مع المجتمع.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2181740

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2181740 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 38


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40